Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats


وا بعد الإنسان 
تألیف: روزي بریدوتي 
ترجمة: حنان عبدالمحسن مظفر 


¢ 


ايجاس الوطلي 
لانفافت والفنون والآداب 


ج 
Alle‏ 


اليجلس الوإطلي 
للفافةء والفتون والآداب 


Wıithe 


۰ سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها 
المجلس الوطني للتقافة والفنون والآداب - الكويت 


صدرن السليسلة في ينابر 1978 
أسسها أحمد مشاري العدواف (1990-1923) ود.فؤاد زكريا (2010-1927) 


ما بعد الإنسان 


تألیف: روزي بريد وتي 
ترجمة: حنان عبدالمحسن مظفر 


سلسلة شهرية يصدرها 
المحلس الوطني للتفافة 
والفنون والآداب 
E‏ 
أحمد مشاري العدواني 


g9‏ ر اا 


المشرف العام 
أ. كامل العبدالجليل 


مستشار التحرير 


rumaihimg@gmail.com 


أ. جاسم خالد السعدون 
أ. خليل علي حدر 
د. محمد شهاب الوهیب 
د. عاي زيد الزعبي 
آ5 یی محمد الأنصاري 
5 ارق ع 0 
أ. منصور صالح العنزي 


مديرة التحرير 
عالية مجيد الصراف 
a.almarifah@nccalkw.com‏ 
سكرتيرة التحرير 
هلل فوزي المجيبل 


ترسل الاقتراحات على العنوان التالي: 
السيد الأمين العام 
للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب: 28613 - الصفاة 
الرمز البريدي 13147 
دولة الكويت 
ھاتف: 22431704 (965) 


www.kuwaitculture.org.kw 


التنضيد والإخراج والتنفيذ والتصحيح اللغوي 


وحدة الإنتاج في ا مجلس الوطني 


ISBN 978 - 99906 - 0 - 689 -8 


العنوان الأصلي للكتاب 


The Posthuman 
Rosi Braidotti 
Polity 


This edition is published by arrangement with Polity Press 
Ltd., Cambridge 


طبع من هذا الكتاب اثنان ونلائون ألفا ومائتان وخمسون نسخة 


ربيع الأول 1443 ه - نوفمبر 2021 


المواد ا لمنشورة في هذه السل نلة تعر 
عن رأ کاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأى المجلس 


المحتويان 


فة ال 2 


الفصل الأول: 


ما بعد الحركة الإلسائية: الحبا ماوراء القفنس 


الفصل الثاني: 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء الذوع 


الفصل الثالث: 


غير الإنساف: الحباث ما وراء المون 


الفصل الرابع: 


العلوم الإنسائية ما رعد الإنسان: الحباة ما وراء النطررة 


2 


69 


121 


161 


مقدمة 


الملرجمة 


ف زمن أصبحت فيه الآلة جزءاً لا یتجزاً 
من الإنسان» وجب علينا إعادة تعريف 
الإنسان كونه كائنا حيا مطلقا 


تتحفنا الشاشتان الصغيرة والكبيرة بنماذج 
تتطرق إلى الإمكانيات المتاحة بسبب التقدم 
التكنولوجي» والعواقب الممترتبة على ذلك أيضا. 

«کیبل غبرلز» (ءان6 eاطھ٣)‏ مسلسل 
إسباني عن مجموعة من النساء يعملن في شركة 
الهاتف في مدريد» وفي خلفية القصص التي 
تدور حول سلطة الأب والزوج وتأثير المدينة في 
شباب القری» نجد خیطا رفیعا مهما حول اختراع 
آلة دوران تتيح لشركات الهاتف الاستعاضة 
عن عاملات الهاتف. وحيث إن هذا العمل 
يستقطب العديد من النساء ويتيح لهن مجلا 
من الحريةء فإن هذا الاختراع هو ف الواقع ما 
يدير القصة لتأثيره القوي في حياة هؤلاء النساء 


9 


ما رعد الإنسان 


وتغيره مط حياتهن. أما «ماد مين» )N4 N١(‏ فهو مسلسل يحتل فيه الرجال 
أدوارا أساسيةء بيد أنه يتطرق في أجزائه الأخيرة إلى الآلة باعتبارها بديلا من الإنسان 
عندما تخترع جون هولواي» تلك السكرتيرة التي لا يستغني عنها الرجال امسيطرونء 
آلة تحاكيها بالاستجابة ممتطلباتهم ومشاعرهم» سمة تميزها عن غيرهاء فتكون الآلة 
بديلا ممكتًا لسمة إنسانية مميزة: التعاطف والحدس. هذه هاذج صغيبرة جِدًا 
يكون دور الآلة فيها ثانوياء تقع جنبا إلى جنب مع أفلام ومسلسلات تضع الإنسان 
الآلي أو «السايبورغ» (عإهطرء) في مركز الحكاية» مثل «روبوکوب» (ط0c0ط٥۸)»‏ 
و«تیرمینیتر» (0۲٤هہ‏ نط 16۲)» والرجل الحديدي ٧2۸(‏ ۸٥ء!1)‏ وغیرهم» حيث الاآلة/ 
الرجل هو النتاج الطبيعي لتطور المجتمع نحو مستقبل تذوب فيه الحواجز بين 
الإنسان واللاإنسان. وما بين القصص التي تعطي الآلة دور ثانويًاء وتلك التي تجعلها 
امحور الرئيس» نعيش نحن في عام تتزايد فيه سلطة التكنولوجياء فتصبح أجهزتنا 
الهاتفية والحاسوب المحمول والكتب الإلكترونية جزءًا لا يتجزأً مناء فلا نبتعد كثيرا 
عن الخيالات التي رسمتها لنا الشاشة» فأسس عملنا اليومي حاليا تعتمد على وسائل 
تكنولوجية لا مفر منها. وها أنا أستخدمها في ترجمة هذا الكتاب» فأستمع إلى 
النسخة الأجنبية على هاتفي النقال» بينما أسطر الترجمة على الحاسوب الآلي ا محمول 
وأستخدم كتابي الإلكتروني «الكندل» (ء1ف«1) لأبحث عن معان ممصطلحات فنية. 
ف زمن أصبحت فيه الآلة جرا لا ينجر من الإنمان وجب علينا إعادة تسريف 
الإنسان كونه كائنا حيا مطلقا. وفي زمن ازداد فيه الحديث عن حقوق الحيوان 
والبيئة» وجبت علينا إعادة فهرسة الإنسان كمحور أعمالنا وفكرنا. النماذج التلفزيونية 
والسينمائية المذكورة أعلاه تتطرق بشكل أو آخر إلى دور التقدم التكنولوجي في 
صبخ حياتنا. وينقسم الفريق عادة بين معارض قلق على التدخل التكنولوجي على 
ذواتنا كبش أو مساند يرى فيها تقدما لحالنا وإنعاشا لنمط حياتنا. ابا كانت الآراء 
والتحاليل التي تبحث ف تأثير التقدم التكنولوجي في البشرء فإن الأمثلة السابقة هي 
مجرد نماذج تذكرنا بصعوبة الفصل بين الإنسان والآلة (من حيث الوظيفة مثلا)» 
وحيث إن الآلة كجسد تطورت بشكل مذهل» فالفصل بينهما أصبح بالصعوبة نفسها. 
تأي روزي بریدوتي بکتابها هذا لا لتركز على خطورة التکنولوجيا من حيث آثرها في 
الإنسان» فهي ليست معادية للتقدم التكنولوجي» وترى بل وتقدر فوائده الكبيرة 


10 


مقدمة المترجمة 
على مط حياتناء بل لتبحث ف موضوع الإنسان الذي أصبح» بفضل هذا التقدم 
التكنولوجي والوعي الاجتماعي الجديد. أكثر من مجرد إنسان. ما بعد الإنسانء 
«البوست هیومان» (٣2صہںطایمم‏ eطt)»‏ هو حالنا الیوم. 

تبداً بريدوق كتابها بطرح أربعة مشاهد قصيرة في مقدمة الكتاب» كنماذج 
لتناقضات عصرنا هذا وأزمة الإنسان فيهء لتربطها لاحقا بفصولها الأربعة. ف 
المشهد الأول تخبرنا عن طالب مدرسة يعتقد أن الإنسانية أمر مبالغ فيه 
فيقتل زملاءه» لتربط ذلك بالفصل الأول» «ما بعد الحركة الإنسانية: ما وراء 
النفس»» حيث تعرض تداعيات إزاحة الإنسان من مركز الكون على الأخلاق 
وغيرها من الجوانب» أما المشهد الثاني فيخبرنا عن سلعنة الحيوانات وتحسينها 
تكنولوجيا لتوفر فرصًا أفضل لشعوب بينما تستمر شعوب آخرى مواجهة 
صعوبة الحصول على آدنى مستويات التغذية. يرتبط هذا امشهد بالفصل الثاني 
«ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع»» والذي يستعرض أناط التحول 
(نحو الحيوان» نحو الأرض» نحو الآلة). تقترح بريدوتي هنا العوامل التي تشكل 
ذات ما بعد الإنسان» وهي قربه من الحيوان ومن البعد الكوكبي» بالإضافة إلى 
حيازته مستوى عاليا من الوساطة التكنولوجية. ويركز المشهد الثالث على تأثير 
التكنولوجيا في تطوير سلطة اموت عبر استخدام «الدرونز» (ئ٠٣٠إ)‏ للقضاء 
على الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. فيآتي هنا الفصل الثالث» «غير 
الإنساني: الحياة ما وراء الموت» لينظر نحو سلطة اموت كاستمرارية ما بعد 
الإنسان. وأخيرا يخبرنا امشهد الرابع عن أكادهيين يشككون في وضع العلوم 
الإنسانيةء بل والدراسات الأكادهية بأكملها في زمن أصبحت فيه الإنسانية في 
أزمة. فأدى تشكيك هؤلاء الأكاد هيين إلى أن أحدهم فقد أهليته للحصول على 
دعم لأبحاثه لتشكيكه ونقده للعلوم الإنسانيةء فيأق هنا الفصل الراب ليبحث 
في دور الجامعة في زمن تتشتت فيه المعرفة لتعدد طرق الوصول إليها (التي 
تمكنها التكنولوجيا)» وأهمية هذا التشتت الفكري في إحداث ابتكارات منهجية 
تناسب عصرنا هذا. 

تنهي بريدوت كتابها لتدعو القراء إلى آن يكونوا «جديرين بالحاضر... 
وجزءًا من الثقافة ا معاصرةء التي تجسد وتدمج ذات هذا العام»» وتذكرنا أن 


11 


ما رعد الإنسان 


«ما بعد الإنسان هو فرصة رائعة لنقرر معا ما ومن هو الذي سنتحول إليه 
وفرصة فريدة للإنسانية لإعادة اختراع نفسها بشكل إيجابي» من خلال الإبداع 
وتمكين العلاقات الأخلاقية» وليس سلبيا فقط. من خلال الضعف والخوف. إنها 
فرصة لتحديد فرص اممقاومة والتمكين على نطاق كوكبي». 


«يركب هذا الكتاب موجة انبهارنا 
بنظريات ما بعد الإنسان باعتبارها 
جزءا حتمیا من تاریخنا» 


لا هكننا جميعا أن نؤكد. بأي درجة من 
اليقين» أننا كنا «إنساتا» على الدوام» أو أننا كنا 
إنسانا فقط. بل إن بعضنا لا يعد الآن إنسانا 
باطمعنى الكاملء فما بالك ها كنا عليه قي فترات 
أخرى من التاريخ الغربي الاجتماعي والسياسي 
والعلمي؟ وهذا إن کان ما نعنيه بانسان هو 
ذلك المخلوق امألوف ف عصر التنوير وما نتج 
عنه: «الإنسان الديكارت الواعي»» أو «مجتمع 
الكائنات العقلانية» الكانتي» أو من منظور 
اجتماعي سوسيولوجي» الإنسان باعتباره 
مواطنا يتمتع بحقوق وملكية» وما إلى ذلك». 
.(Wolfe, 2010a)‏ وعلى رغم ذلك يتمتع 
مصطلح «إنسان» بإجماع واسع الانتشار 


13 


ما رعد الإنسان 


ويبدو بديهيا لديناء فنعلن ارتباطنا بتلك الفصيلة كآنه شيء حتمي. بل إِننا نبني 
أفكارا أساسية حول حقوق الإنسان. ولكن هل هذا منظور دقيق؟ 

بينما تجاهد القوى الاجتماعية الدينية المحافظة لإعادة إدراج الإنسان ضمن 
نموذج القانون الطبيعي» فإن مفهوم الإنسان قد انفجر تحت ضغط مزدوج من 
التقدم العلمي المعاصر والمخاوف الاقتصادية العاممية. فبعد تدفق نظريات 
ما بعد الحداثة» وما بعد الاستعمار» وما بعد الصناعة»ء وما بعد الشيوعية» بل 
حتى ما بعد النسوية المشكوك في مصداقيتهاء يبدو أننا قد دخلنا مزق ما بعد 
الإنسان. وبعيدا عن كونها اممتغير النوني اهنإو "د في تسلسل من البادئات 
التي قد تبدو اعتباطية ومن دون نهاية في وقت واحد فإن حالة ما بعد الإنسان 
تقدم نقلة نوعية في تفكيرنا حول ماهية الوحدة الأساسية التي تعرف صنفنا 
الإنساني وكياننا السياسي وعلاقتنا مع سكان هذا الكوكب. وتثير هذه المسألة 
تساؤلات خطيرة حول هياكل هويتنا المشتركة - بوصفنا بشرا - وسط تعقيد 
العلوم المعاصرة والسياسة والعلاقات الدولية. فتتكاثر النقاشات والتمثيلات 
حول ما ھو لیس إنسانیا (2ھہںط-ہ٥ہ)ء‏ ولاإنسانی (,2صہںuطہن)»‏ ومعارض 
للإنساني »)anti-human)‏ وغیر إنساني »)inhumane)(‏ وما بعد الإنسان 
وتتعارض في مجتمعاتنا المعوطة التي تنظمها التكنولوجيا. 

وتتراوح النقاشات الدارجة ثقافيا بين تلك الممهنية المعقدة المتعلقة بعلم 
الروبوتات وتكنولوجيات الأعضاء الصناعية وعلم الأعصاب والهندسة الوراثية*) 
إلى رؤى جديدة غامضة طا وراء «الحركة الإنسانية« (trans-humanism)‏ 
و«الإعلائية التكنولوجية» (عtransce»denc-techn0).‏ ویعد تحسین الإنسان 
لب هذه النقاشات. أما على الصعيد الأكادهي فتحوز نظريات ما بعد الإنسان 
مكانة خاصةء فإما بُحتفى بها كأقص ما وصلت إليه نظريات النقد والثقافة 
أو تنبّذ باعتبارها إضافة جديدة ومزعجة لسلسلة نظريات ال «ما بعد». وتثير 
نظريات ما بعد الإنسان نشوةء ولكن أيضا قلقا (2003 ,ئه٣٣إءط1a])‏ حول 
قدرتها على توفير تفكيك حازم طركزية «الرجل» التي كانت أساسا لاختبار 


(٭)استخدمت مصطلح «الهندسة الوراثية» للدلالة على ما قد يترجم أيضا إل علم «الوراثة الحيوي» (ءءذ†ء"عع-10ط)» 
ما له من استخدام أكثر شيوعا في النصوص العربية. [المترجمة]. 


14 


مقدمة 
أي معتقد أو فكر. وهناك قلق جاد حول فقدان الأهمية والسلطة وسط هذا 
المنظور السائد للإنسان والدراسات التي تدور حوله» وبالأخص العلوم الإنسانية. 

أعتقد أن القاسم المشترك لحالة ما بعد الإنسان هو افتراض حول الهيكل 
الحيوي للمادة الحية نفسهاء الذي يشكل نفسه ذاتيا من دون فرض نظم 
تطبيعية. وتعد هذه الممتواصلة بين الطبيعة والثقافة نقطة البداية الممشتركة 
ممفهومي حول نظرية ما بعد الإنسان. وسيثبت الزمن إن كان هذا الافتراض 
الناتج عن نظريات ما بعد الطبيعية يؤدي بدوره وقي وقت لاحق إلى تجارب 
حول حدود مثالية الجسدء أو إلى حالة من الذعر الأخلاقي حول اضطراب 
معتقدات عريقة حول «الطبيعة» البشريةء أو إلى السعي الاستغلالي والمادي 
وراء الربح الناتج عن الدراسات الجينية والعصبية. سوف أناقش في كتابي هذا 
تلك الاتجاهات المتعددة التي قد تنجم عن دراسات ما بعد الإنسان» بينما 
أجادل لشرح نظريتي عن ذاتية ما بعد الإنسان. 

ما هذه امتواصلة بين الطبيعة والثقافة؟ إنها نموذج علمي يبتعد نوعا ما 
عن النهج البناقي الاجتماعي الذي اتفق عليه عدد كبير من العلماء. يفرض 
هذا النهج تمييزا قاطعا بين الطبيعة الفطرية والثقافة المبنيةء فيمنح التحليل 
الاجتماعي أهمية خاصة ويوفر أسسا قوية لدراسة ونقد الآليات الاجتماعية 
التي تدعم بناء الهويات وام مؤسسات والمممارسات الرئيسة. ويحافظ النهج البناي 
الاجتماعي» من المنظور السياسي التقدمي» على الجهود الرامية إلى إزالة الصبغة 
الطبيعية أو الفطرية للخلافات الاجتماعيةء ومن ثم إظهار هيكلها الذي صنعه 
الإنسان والمرتبط بزمان أو مكان معين. ما عليك إلا التفكير في التأثير العالمي 
الملحوظ طمقولة سيمون دي بوفوار (rزvo de Beau‏ eص0صSi؟)‏ إن «الشخص لا 
يولد كامرآةء بل يُصبح كذلك». فهذه الرؤية حول طبيعة التفاوتات الاجتماعية 
التي يحكمها البناء الاجتماعي ويجعلها متغيرة بتغير الزمان والمكان تمهد 
الطريق إلى حل تلك التفاوتات عن طريق التدخل البشري من خلال السياسة 
والنشاط الاجتماعي. 

ما أعنيه هنا هو أن هذا النهج الذي يقوم على المعارضة الثنائية بين الطبيعي 
وامصتع يُستبدّل حاليا مفهوم غير ثنائي للتفاعل بين الطبيعة والثقافة. ويرتبط 


15 


ما رعد الإنسان 


هذا الأخيرء من وجهة نظري» بفلسفة أحادية ترفض مفهوم اممعارضة الثنائية آو 
الازدواجيةء لا سيما معارضة الطبيعة والثقافةء وتشدد بدلا من ذلك على قوة 
التنظيم الذاتي (أو الخلق الذاتي) للأحياء. وقد أدى التقدم العلمي والتكنولوجي 
إلى زعزعة الحواجز بين التصنيفات الطبيعية والثقافية. وينطلق هذا الكتاب 
من حاجة النظريات الاجتماعية إلى أخذ هذا التغيير في المفاهيم والأساليب 
وال ممارسات السياسية بعين الاعتبار. كما أن التعرف على صنف التحليل السياسي 
والسياسة التقدمية التي يدعمها هذا النهج القائم على متواصلة الطبيعة - 
الثقافة أمر محوري للاستمرار في دراسة نظريات ما بعد الإنسان. 

إن الأسئلة الرئيسة التي أريد أن أتناولها في هذا الكتاب هي: أولاء ما هو 
ما بعد الإنسان؟ وبالأخصء ما المسارات الفكرية والتاريخية التي قد تقودنا 
إلى ما بعد الإنسان؟ ثانياء إلى أين ترك فلسفة ما بعد الإنسان الإنسانية؟ 
وبالأخص» ما الأشكال الجديدة للذاتية التي يدعمها ما بعد الإنسان؟ ثالثاء 
كيف يولد ما بعد الإنسان أماطه اللاإنسانية؟ وبالأخص» كيف هكن آن نقاوم 
الجوانب اللاإنسانية وغير الإنسانية في عصرنا؟ وآخيراء كيف يؤثر ما بعد 
الإنسان في ممارسة العلوم الإنسانية اليوم؟ وبالأخص» ما وظيفة النظرية قي 
زمن ما بعد الإنسان؟ 

يركب هذا الكتاب موجة انبهارنا بنظريات ما بعد الإنسان باعتبارها 
جزءا حتميا من تاريخناء والتي تتزامن مع قلقنا من انحرافات تلك النظريات» 
وانتهاكاتها للسلطةء واستدامة بعض فرضياتها الأساسية. أما انبهاري الخاص 
بذلك فيعود إلى ما أراه من دور النقاد النظريين في يومنا هذاء خاصة من حيث 
رسم موقعنا التاريخي الحالي. ويتحول هذا الهدف الممتواضع لإنتاج معارف لها 
أهمية اجتماعية إلى تساؤلات أكثر طموحا وتجريدية حول مكانة النظريات 
وأهميتها بشكل عام. 

وقد علق العديد من النقاد النظربين على الطبيعة المبهمة ل «داء ما 
بعد النظريات» الذي أصاب العلوم الاجتماعية والإنسانية. على سبيل اممثالء 
یرکز کل من توم کوهین وکلیر کولبروك وجي. هیلیس میلر (,€01۴1 1٥۳‏ 
)C1aire Colebrook, [. Hillis Miller, 2012‏ على الناحية الإيجابية من 


16 


مقدمة 
مرحلة «ما بعد النظريات» هذه» خاصة لأنها تعترف بالفرص الجديدة المتاحة 
لناء بينما تعير الانتباه أيضا للتهديدات الناتجة عن العلم ال معاصر. بيد أن 
الجوانب السلبية لافتة للنظر» حيث تنعدم اممخططات النقدية اممناسبة 
للتدقيق في الحاضر. 
يرتبط هذا التحول ضد النظريات بتقلبات السياق الأبديولوجي. فبعد 
النهاية الرسمية للحرب الباردة آسوف الحركات السياسية التابعة للنصف 
الثاني من القرن العشرين على أنها تجارب تاريخية فاشلة. وطغت أيديولوجيا 
السوق الحرة «الجديدة» على جميع المعارضات رغما عن الاحتجاجات 
الشديدة من أوجه مختلفة من المجتمع» وجعلت من معاداة الفكر سمة 
مميزة في عصرنا. ويؤثر ذلك بشكل خاص ف العلوم الإنسانية حيث يعاقب 
التحليلات الدقيقة بتقدهه الولاء غير المناسب ل «الفطرة السليمة» (أو طغيان 
الدوكسا a×ه4)‏ والربح الاقتصادي (تفاهة المصلحة الشخصية). وفي هذا 
السياق فقدت «النظرية» مكانتها وأصبحت منبوذة بوصفها نوعا من الخيال 
أو الانغماس النرجسي بامملذات. وحل محلها نموذج سطحي للتجريبية الحديثةء 
والتي تكتفي في معظم الأحيان بتجميع البيانات فقط لتصبح القاعدة امنهجية 
للدراسات الإنسانية. 
تتطلب فكرة المنهجية دراسة جادة: فبعد النهاية الرسمية للأيديولوجياء وقي 
ضوء التطورات في علوم الأعصاب والنشوء والهندسة الوراثيةء هل لنا أن نستمر 
في تبجيل سلطة التحليل النظري كما كان الحال منذ نهاية الحرب العامية 
الثانية؟ آلا يرتبط مأزق ما بعد الإنسان بوضع ما بعد النظرية؟ على سبيل 
المغال» علق برونو لاتور (2014 إاu٥اھ1‏ ٥«ں8)‏ آخررا علی تقلید نظریات 
النقد وعلاقتها بالعلوم الإنسانية الأوروبية. ولا ينتمي لاتور تقليديا للعلوم 
الإنسانية الكلاسيكية» حيث يركز في أبحاثه ال معرفية على كيفية إنتاج المعرفة عبر 
تواصل بين عناصر إنسانية وغير إنسانيةء وبين الأشياء والكائنات. يعتمد الفكر 


(*) من منظور فلسفي کلاسيکي» «الدوکسا» هي اعتقاد مشترك أو رأي شائع» وتقابل عادة ب «الإبستيم» (المعرفة) 
.)episteme)‏ [المحرر]. 


17 


ما رعد الإنسان 


النقدي على نموذج بناني اجتماعي يضع ثقته في النظرية باعتبارها وسيلة لفهم 
الواقع وتمثيله» فهل تستمر تلك الثقة ف يومنا هذا؟ طرح لاتور شكوكا جادة 
بشأن دور النظرية اليوم. 

لا هكن إنكار تلك الدلالة المظلمة لحالة ما بعد الإنسان» خاصة فيما يتعلق 
بسلالة الفكر النقدي. كأنناء بعد الانفجار العظيم الذي شهدته النظرية في 
سبعينيات ونمانينيات القرن الطماضي» دخلنا في مشهد ميت من التكرار المستمر 
والمالنخوليا السوداء. فتغلغل البعد الطيفي في أنماط تفكيرناء معززا بفكر 
هيني حول نهاية الزمن الأيديولوجي (1989 ,٣4ر‏ )ن۴) وحتمية الحروب 
الصليبية الحضارية (1996 ,«هاعمنا«ن1]). آما من ناحية الفكر اليساري فقد 
أآدى رفض النظرية إلى موجة من الاستياء والتفكير السلبي ضد مثقفي الأجيال 
السابقة. وف هذا السياق من التعب النظري» طالب اممثقفون الشيوعيون الجدد 
)Bdi0u and Zizek, 2009(‏ بضرورة العودة إلى العمل السياسي امملموس» بل 
حتى العداء العنيف إذا لزم الأمر» بدلا من الانغماس في مزيد من التخمينات 
النظرية. وأسهموا بذلك في جعل النظريات الفلسفية مرحلة ما بعد البنيوية 
غير دارجة. 

استجابة لهذا ال مناخ الاجتماعي السلبي بشكل عام» أود أن أتعامل مع 
نظرية ما بعد الإنسان بوصفها أداة أنساب وأداة ملاحية. حيث أجد ما بعد 
الإنسان مصطلحا مفيدا لاستكشاف سبل الانخراط بشكل إيجابي في الحاضرء 
وفهم بعض معالمه على آساس تجريبي من دون ان يکون مختزلاء وانتقادي 
من دون أن يكون سلبيا. أريد أن أعرض بعض الطرق التي يتداول بها مصطلح 
ما بعد الإنسان في مجتمعاتنا المرتبطة عامميا وا منظمة تكنولوجيا. وبشكل آكثر 
تحديداء فإن نظرية ما بعد الإنسان هي أداة توليدية تساعدنا على إعادة التفكير 
فيما نعنيه بالإنسان في عصر الهندسة الوراثية المعروف باسم «الأنأروبوسين» 
.»)anthropocene(‏ تلك اللحظة التاريخية التي أصبح فيها الإنسان قوة 
جيولوجية قادرة على التأثير في جميع أنواع الحياة على هذا الكوكب. استطراد 
مكن أن يساعدنا ذلك أيضا على إعادة التفكير في اممبادئ الأساسية لعلاقتنا مع 
كل الأشكال البشرية وغير البشرية على هذا الكوكب. 


18 


دعوني أوفر لكم بعض النماذج من التناقضات التي سببتها حالتنا التاريخية 
في مرحلة ما بعد الإنسان. 


المشهد الأول 

ف نوفمير 2007 أطلق بيكا-إيريك أوفينن »)Pekka-Eric Auvinen)‏ وهو صبي 
فنلندي في الثامنة عشرةء النار على زملائه في مدرسة ثانوية بالقرب من هلسنكي» مما 
أسفر عن مقتل نمانية أشخاص قبل إطلاق النار على نفسه. قبل تلك ال مذبحة نشر 
القاتل الشاب شریط فیدیو على موقع یوتبوب» يظهر فيه مرتديا قمیصا کتب عليه 
«الإنسانية مبالخ فيها». 

وضع الإنسانية الحرج» بل حتى القريب من الانقراض» يعد فكرا مهيمنا على الفلسفة 
الأوروبية منذ أن أعلن فريدرش نيتشه (1heءءN¡ez )۴iedrich‏ «موت الله»* 
ومفهوم الإنسان الذي بني عليه. وكان المقصود من هذا التصريح الجريء إيصال وجهة 
نظر أكثر تواضعا. ما أكده نيتشه هو موت ذلك الفكر الذي يرى ف الإنسان الأوروي 
ذاتا مستقلة وثابتة ميتافيزيقيا وكونية. والذي كان فكرا بديهيا آنذاك. ویؤکد هنا نیتشه 
أهمية التفسير والتحليل بدلا من التنفيذ الأعمى للقوانين والقيم الطبيعية. ومنذ ذلك 
الحين» كانت البنود الرئيسة على جدول الأعمال الفلسفي هي: أولاء كيفية تطوير الفكر 
النقدي» بعد صدمة التعرف على حالة من عدم اليقين الأنطولوجي» وثانياء كيفية إعادة 
تشكيل مفهوم الحس المجتمعي ذي المصداقية الأخلاقية من دون الوقوع قي الجوانب 
السلبية للشك وانعدام اليقين. 

بيد أن النموذج الفنلندي أعلاه يذكرنا بألا نرى الفلسفة اممضادة للإنسانية كأنها 
بغض ساخر عادم للإنسانية. فقد تكون الإنسانية مبالغا فيهاء غير أنها أبعد ما تكون 
عن الانقراض في زمن وصل فيه تعداد السكان إلى نمانية مليارات. على رغم ذلك فإن 
موضوع الاستدامة البيئية والاجتماعية يرأس معظم البرامج الحكومية في جميع أنحاء 
العام» نظرا إلى الأزمة البيئية وتغير المناخ. وهكذاء فإن السؤال الذي طرحه برتراند 
راس ê )Bertrand Russe||)‏ العام 3ء في ذروة الحرب الباردة واممواجهة النووية 


(*) «موت الله» تعبير اشتهر به الفيلسوف نيتشه وهو يلخص فلسفته التي تستبعد وجود الله ف ظل التصور 
الذي قذمه فيها . [المحرر]. 


19 


ما رعد الإنسان 


يبدو أكثر أهمية من أي وقت مضى: هل هناك مستقبل للإنسان؟ هل يعد الخيار بين 
الاستدامة والانقراض أساسا لإطار مستقبلنا المشترك» أو أن هناك خيارات أخرى؟ إن 
حدود العلوم الإنسانية ونقادها المعارضين للعلوم الإنسانية يعتبران محورين أساسيين 
ف النقاش بشأن مأزق ما بعد الإنسان» وسأخصص لذلك الفصل الأول من الكتاب. 


المشهد الثاني 

أفادت صحيفة «الغارديان» ( نل۲ م11) بأن الأشخاص الممقيمين في مناطق 
مزقتها الحروب مثل أفغانستان انحدر بهم الحال إلى كل الحشائش من أجل البقاء 
على قيد الحياة". وف الفترة نفسها من التاريخ كانت الأبقار في المملكة اممتحدة 
وأجزاء من الاتحاد الأوروبي تتغذى بالعلف المكون من اللحوم. وقد اتخذ القطاع 
الزراعي والتكنولوجي البيولوجي ف العام المتطور تحولا غير متوقع أشبه بتصرف 
آكلي لحوم البشرء وذلك عندما بدأ ممارسات لتسمين الأبقار والأغنام والدجاج عن 
طريق إطعامها العلف الحيواني. وقد جرى التعرف على هذه الممارسات ف وقت 
لاحق باعتبارها سببا للمرض القاتل «التهاب الدماغ الإسفنجي البقري» (٤؟8)»‏ 
والذي أصبح معروفا باسم «مرض جنون البقر»» والذي يؤدي إلى تأكل هيكل دماغ 
الحيوانات وتحويله إلى لب. لا شك في أن الجنون هنا هو جنون البشر والصناعات 
التكنولوجية البيولوجية التي احترفوها. 

تؤدي الرأسمالية اممتقدمة وهندستها الوراثية إلى فصيلة منحرفة مما بعد 
الإنسان» في مركزها إخلال جذري بعلاقة الإنسان والحيوان» بيد أن الأحياء 
جميعها تعلق في دوامة الاقتصاد العاطمي» حيث تعد الشفرة الجينية للأحياء - 
أو «الحياة ذاتها» (2007 )۸٠56,‏ - رأس مالها الرئيس. وما العوممة إلا تسويق 
لكوكب الأرض بكل أشكاله عبر سلسلة من أماط استحواذ مترابطة. ترى في ذلك 
هاراواي (رهسه۲ه1]) الانتشار التقني والعسكري للصراعات الصغيرة على نطاق 
عاممي» والتراكم الرأسمالي الهائل للثروةء وتحويل النظام البيئي إلى جهاز كوكبي 
للإنتاج وجهاز معلوماتي ترفيهي لوسائل الإعلام اممتعدد. 

من نتائج تلك الأضرار الناتجة عن التقنيات المعاصرة ذات طابع الهندسة 
الوراثية والتي يؤيدها رواد الأسواق المالية ظاهرة النعجة دوللي (وااە2) حيث 


20 


مقدمة 

توفر الحيوانات مواد حية للتجارب العلمية. فيجري استغلالهاء وسوء معاملتهاء 
وتعذيبهاء وإعادة تشكيلها جينيا لتصبح منتجة لأماطنا الزراعية اممتسمة 
بالتقنيات الحيوية» وللصناعات التجميلية وصناعة الأدوية والعقاقيرء ولأغراض 
اقتصادية أخرى. كما تباع الحيوانات كسلع غريبة وتمثل ثالث أكبر تجارة غير 
قانونية ف العام» تسبقها تجارة العقاقير والسلاح» وتلحقها ا متاجرة ف النساء. 
ترئى الفئران والأغنام وامماعز والبقر والخنازير والطيور والدجاج والقطط في 
مزارع صناعية» وتوضع في وحدات قفصية معلبة. وكما تنبا جورج أورويل 
Orwe11(‏ geاGeo)»‏ فإن جميع الحيوانات متساوية» لكن بعضها أكثر مساواة 
من غيرها بكل تأكيد. وحيث إنها جزء مهم من ال مجمع الصناعي التقني الحيويء 
فإن اطماشية ف الاتحاد الأوروبي تحصل على دعم مالي يعادل نحو 803 دولارات 
أمريكية للبقرة» وهو أقل من قرينتها التي تحصل على 1057 دولارا في الولايات 
المتحدة» و2555 دولارا في اليابان. إن هذه الأسعار تبدو مخيفة بشكل خاص 
عند مقارنتها بدخل الفرد فی دول مثل إثیوبیا (120 دولارا)» أو بنغلاديش (360 
دولارا)» أو آنغولا (660 دولارا)» أو هندوراس (920 دولارا). 

وفي مقابل هذا التسليع العالمي للعضويات الحية» فقد أصبحت الحيوانات 
تأخذ صفات إنسانية. ففي مجال الأخلاقيات الحيوية رفع موضوع الحقوق 
«الإنسانية» للحيوان بوصفه أسلوبا مموازنة هذه الإساءات. ويعتبر الدفاع عن 
حقوق الحيوان موضوعا ساخنا في معظم الدول الدهوقراطية الليبرالية. وهذا 
المزيج من الرعاية والتعسف هو حال ما بعد الإنسان اممتناقض الذي سببته 
الرأسمالية اممتقدمة» والذي أشعل أنواعا عديدة من اممقاومة. وسيتطرق الفصل 
الثاني لتلك الآراء عما بعد اممركزية البشرية. 


المشهد الثالث 

في 10 أكتوبر 2011 لقي القبض على معمر القذافء الزعيم الليبي امخلوع 
في مسقط رأسه في سيرت» كما تعرض للضرب والقتل على يد أعضاء المجلس 
الوطني الانتقالي الليبي. بيد آنه قبل إطلاق النار عليه من قبل قوات ال متمردينء 
تعرضت قافلة العقيد القذاق للقصف من قبل الطائرات الفرنسية ودرون 


21 


ما رعد الإنسان 


بريداتور الأمريكي الذي أطلق من قاعدة القوات الجوية الأمريكية في صقلية 
وجرى التحكم فيه عبر الأقمار الاصطناعية من قاعدة تقع خارج لاس فيغاس”. 

على رغم تركيز الإعلام الدولي على وحشية الضربة والإهانة المرتبطة بالتشهير 
العالمي لجسد القذافي ال مجروح والدامي» فم يعر العام أي انتباه مما هو بلا شك 
الوجه ما بعد الإنساني للحرب الممعاصرة: جهاز الموت عن بعد الذي صنعته 
تقنياتنا المتقدمة. كانت نهاية القذاف المريعةء بعيدا عن طغيانه اطمستبدء كافية 
لإشعارنا بالخجل من آدميتنا. بيد أن نكراننا للدور المميت الذي مارسته أجهزتنا 
الدرونية المتطورة والمميتة قد ضاعف من إزعاجنا وضيقنا الأخلاقي والسياسي. 

كان ممأزق ما بعد الإنسان نصيبه الوافي من اللحظات غير الإنسانية. ففي 
عام تديره قوى الرهبة لا تكون بشاعة الحروب الجديدة رمزا للسيطرة على 
الأحياء فقط. بل لأساليب الموت اممتعددة. خاصة ف الدول الانتقالية. سلطة 
الأحياء وسياسات الموت هما وجهان لعملة واحدةء كما صرح بذلك إمبيمبي 
be 2003(‏ ہMbe)‏ بشكل عبقري. وم يكتف العام بازدياد لافت للحروب بعد 
الحرب الباردة. بل قد تحورت أساليب الحروب إلى طرق متعددة للسيطرة 
على البقاء والزوال. تنتمي تقنيات الموت ال معاصرة إلى ما بعد الإنسان؛ لأنها 
تعتمد على قدر عظيم من التدخلات التكنولوجية. فهل هكن اعتبار ذلك الذي 
أطلق الدرون الأمريكي بريداتور من لاس فيغاس عبر جهاز التحكم عن بعد 
قائد طائرة؟ ما وجه الاختلاف بينه وبين الشباب التابع للسلاح الجوي والذين 
عمدوا إلى تحلیق إینولا غاي (رهG )E1014‏ فوق هیروشیما وناغازاکي؟ لقد أدت 
الحروب ال معاصرة إلى زيادة سلطاتنا السياسية على الموت ومنحنا درجة جديدة 
من السيطرة على «التدمير المادي للجسم الإنساني والسكان» (,ءbصءb ×٥×‏ 
9 :003) ولیس فقط للإنسان. 

تعمل تقنيات الموت الجديدة عبر وسط اجتماعي يسيطر عليه اقتصاد 
سياسي مسير بالحنين إلى الماضي والخوف من جهة» وبالنشوة والتمجيد من 
جهة أخرى. تؤدي حالة الهوس الاكتئابي هذه إلى عدة مخاوف: من القلق من 
الكارثة الوشيكة التي تنتظر حدوثهاء أو إعصار «كاترينا» أو الحادث البيئي 
التالي. أو من طائرة تحلق على ارتفاع منخفض للغايةء إلى طفرات جينية وانهيار 


22 


مقدمة 
مناعة: الحادث على وشك الوقوع وهو شبه مؤكد. إنها مجرد مسألة وقت 
(1992 ,نمصسءوة). ونتيجة لحالة انعدام الأمن هذه» فإن الهدف الذي يفرَّض 
اجتماعيا ليس التغييرء بل هو الحفاظ على الحياة أو البقاء. سأعود إلى حيثيات 
سياسات المموت هذه في الفصل الثالث. 


المشهد الرابع 

في اجتماع علمي نظمته الأكادهية الملكية الهولندية للعلوم حول مستقبل 
ا لمجال الأكادهي للعلوم الإنسانية قبل بضع سنوات» وجه أستاذ في العلوم 
المعرفية هجوما على العلوم الإنسانية. واستند هجومه إلى ما اعتبره النقصين 
الرئيسين في تلك العلوم: اعتقادها الفطري باطمركزية البشريةء ووطنيتها المنهجية. 
وقد وجد الباحث الممرموق أن هذين الخللين قاتلان ف هذا اممجالء والذي اعتبر 
غير مناسب للعلم ال معاصرء ومن ثم غير مؤهل للحصول على دعم مالي من 
الوزارة والحكومة اممعنية. 

إن لأزمة الإنسان وتداعيات ما بعد الإنسان عواقب وخيمة على أكثر المجالات 
الأكادهية المتعلقة بها: العلوم الإنسانية. فاليوم» وفي الوسط الاجتماعي الليبرالي 
الجديد طمعظم الدهوقراطيات الممتقدمة» أصبحت دراسات العلوم الإنسانية أقل 
أهمية حتى من علوم المهارات الأساسية وآقرب إلى مدارس تكميلية للطبقات 
الوسطىء» بل تعتبر هوايات شخصية أكثر منها مجال بحث مهني. لذلك فإنني 
أرى أن هناك خطرا جادا على العلوم الإنسانية في أن تختفي من مناهج 
الجامعات الأوروبية ف القرن الحادي والعشرين. 

وقد يكون الدافع الآخر وراء اهتمامي موضوع ما بعد الإنسان هو ذلك 
الحس العميق مسؤوليتي نحو دور الأكادهي اليوم. فاطمفكر من العلوم 
الإنسانيةء أو ما كان يعرف ب «اممثقف» قد يجد نفسه في حيرة من أمره طمعرفة 
الدور الذي هارسه ف السيناريوهات الاجتماعية العامة المعاصرة. هكن القول 
إن اهتمامي ها بعد الإنسان ينبع من قلق إنساني للغاية بشأن نوع الممعرفة 
والقيم الفكرية التي ننتجها بوصفنا مجتمعا اليوم. وبشكل أكثر تحديدا أشعر 
بالقلق إزاء حالة البحث الجامعي فيما لانزال نطلق عليه» بسبب الافتقار إلى 


23 


ما رعد الإنسان 


كلمة أفضلء» العلوم الإنسانية. وسوف أسترسل ف آراي حول وضع الجامعة اليوم 
في الفصل الرابع. 

يعبر هذا الشعور بامسؤولية أيضا عن مط تفكير عزيز على قلبي وعقليء 
حيث إنني آنتمي إلى جيل كان لديه حلم. كان ذلك ولایزال حلم تکوین 
مجتمعات فعلية للتعلم: المدارس والجامعات والكتب والمناهج ومجتمعات 
النقاش والمسرح والإذاعة والتلفزيون والبرامج الإعلامية - وفيما بعد المواقع 
الإلكترونية وبيئات الكمبيوتر - التي تبدو مثل اممجتمع الذي تعكسه» وتخدمه» 
وتساعد على بنائه. إنه حلم إنتاج معرفة ذات صلة اجتماعياء وتتوافق مع 
المبادئ الأساسية للعدالة الاجتماعيةء واحترام الآداب الإنسانية والتنوع» ورفض 
الكونية الخادعة؛ وتأكيد إيجابية الاختلاف؛ ومبادئ الحرية الأكادهية ومناهضة 
العنصرية وتقبل الآخر والتسامح. وعلى رغم مياي إلى معارضة العلوم الإنسانيةء 
فإنني لا أجد صعوبة ف الاعتراف بأن هذه الممثل العليا تتوافق تماما مح أفضل 
القيم الإنسانية. لا يتحيز هذا الكتاب لنزاع كادهي معين» بل يهدف إلى فهم 
التعقيدات التي نجد أنفسنا فيها. سأقترح طرقا جديدة للجمع بين النقد 
والإبداع» وإعادة «النشاط» للنشاط الحري» ومن ثم التوجه نحو رؤية إنسانية 
ما بعد الإنسان في العصر الدولي. 

إن علم ما بعد الإنسان - والأشخاص العارفة التي تحافظ عليه - يولد 
طموحا أساسيا ممبادئ ترابط ال مجتمع. بينما يتجنب الوقوع في خطأً الحنين 
إلى الماضي الذي يواكب نشوة الليبرالية الجديدة. ويحرك هذا الكتاب إهاني 
بالأجيال الجديدة من «الأشخاص العارفة» التي تؤكد وجود نوع بتاء من 
الإنسانية الشاسعة من خلال العمل الجاد لتحريرنا من سذاجة العقل» وطائفية 
الأيديولوجيات» وخداع التظاهر بالفخامة وسيطرة الخوف. ويؤثر هذا الطموح 
أيضا في رؤيتي مما يجب أن تكون عليه الجامعة - جامع (”»۷إء۷اصن) يخدم 
عام اليوم» ليس فقط بوصفه موقعا معرفيا للإنتاج العلمي» ولكن أيضا باعتباره 
حب المعرفة الذي يتطلع للتمكين الذي يأ من خلال المعرفة والذي يحافظ 
على شخصيتنا. سأعتبر هذا التطلع طموحا جذريا إلى الحرية من خلال فهم 
الظروف والعلاقات ال محددة للسلطة التي تعتبر جوهرية ممواقعنا التاريخية. 


24 


مقدمة 
تتضمن هذه الظروف السلطة التي هارسها كل منا في شبكة العلاقات الاجتماعية 
اليومية» على المستوى السياسي المحدود والعام. 

يعادل اهتمامي ها بعد الإنسان شعوري بالإحباط حول الموارد والقيود 
الإنسانيةء المفرطة في إنسانيتهاء التي تحدد قدراتنا المكثفة والإبداعية شخصًا 
وجماعة. ولذلك يعتبر موضوع الذاتية مهما في هذا الكتاب: نحن في حاجة إلى 
بناء مخططات اجتماعية وأآخلاقية وحوارية جديدة لتشكيل الذات لتتواكب 
مع التغييرات العظيمة التي نمر بها. ذلك يعني أننا بحاجة إلى أن نتعلم كيف 
نفكر بطريقة مختلفة عن أنفسنا. أغتنم مأزق ما بعد الإنسان كفرصة لتمكين 
السعي وراء مخططات بديلة للفكر واممعرفة وتمثيل الذات. إن حالة ما بعد 
الإنسان تحتنا على التفكير بشكل نقدي وإبداعي حول من وما نحن حقا قي 
عملية الصيرورة. 


25 


ما بعد الحركة الإنسانية: 
الحياة ما وراء التفس 


في البدء كان «هو»: النموذج التقليدي 
للإنسان الذي صاغه بروتاغوراس (ئ۲4٥4٤٥۲۲)‏ 
أولا كاب معيار الشامل» ثم جدده عصر النهضة 
الإيطالية كنموذج كوني وشكله ليوناردو 
دافينشي da Vinci)‏ eonardoا)‏ ف لوحة 
الرجل الفيتروفي N4«(‏ ہھذvںإ†۷)‏ (الشكل 
1). وهثل ذلك مموذج كمال الجسم الذي 
يرافقه كمال القيم الذهنية والخطابية والروحيةء 
تماشيا مع القول المأثور «العقل السليم في 
الجسم السليم». معاء تطرح تلك القيم ربا 
محددًا حول ما هو «إنسان» ف الإنسانية. كما 


تؤكد من دون آى شك القدرة شبه اللامتناهية 
«إن مناهضة الحركة الإنسانية تعد 
مصدرًا مهما لفلسفة ما بعد الإنسان» (x) mens sana in corpore sano.‏ 


27 


ما بعد الإنسان 


للبشر للتطلع إلى كمالهم الفردي والجماعي. وتعد هذه الصورة الأيقونية رمزا 
للعلوم الإنسانية كعقيدة تجمع بين التوسع البيولوجي والخطابي واممعنوي للقدرات 
الإنسانية نحو فكر تقدمي عقلاني غائي. ويعد الإهان بالسلطات الأخلاقية الذاتية 
والفطرية للعقلانية البشرية جزءًا رئيسًا من عقيدة العلوم الإنسانية العالية التي 


الشکل (1-1): الرجل الفیتروف» 1492ء لیوناردو دا فينشى» المصدر: Wikimedia Commons‏ . 
ا 2 کينسي 


28 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


نتجت عن تصورات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للعصور الكلاسيكية وعصر 
النهضة الإيطالية. 

لا يصنف هذا النموذج معايير للأفراد فقطء بل لثقافتهم أيضا. فقد تطورت 
العلوم الإنسانية تاريخيا إلى نموذج حضاري شكل تصورا معينا لأوروبا باعتبارها 
تتوافق مع قدرات النقد الذاق على خلق الصفة الكونية. وقد أدت فلسفة 
هیغل (1ءع۴1) للتاريخ إلى هيمنة العلوم الإنسانية بوصفها تموذجا حضاريا. 
وتفرض هذه الرؤية المتعالية أن أوروبا ليست موقعا جغرافيا سياسيا فقط بل 
هي أيضا وصف كوني للعقل الإنساني کن له أن يتوافق مع أي شيء مناسب. 
وهذا هو الفکر الذي تبناہ إدمند ھسرل (1970 F۸ usser1‏ undصdع۴)‏ في مقاله 
الممشهور «أزمة العلوم lلأورuıgة« «(The crisis of European sciences)‏ 
الذي يعد دفاعا مستميتا عن قدرات الممنطق الكونية ضد الانحطاط الأخلاقي 
والفكري الذي هثله الخطر ام متصاعد للفاشية الأوروبية في الثلاثينيات من القرن 
الماضي. ویری هسرل أن أوروبا تعرف نفسها بوصفها منبع التفكير النقدي 
والنقد الذاتي» وهي سمات تعتمد على معيار العلوم الإنسانية» وتجعل من 
أوروبا وعيا كونيا لا مثال له» وهي بذلك تعلو على أوروبا بحد ذاتهاء بل إنها 
تعتبر الإعلائية سمتها المحددة والعلوم الإنسانية العامية ما ميزها. ويصنع 
هذا من الممركزية الأوروبية أكثر من موضوع سلوك عرضي: إنهاء آي المركزية 
الأوروبية» عنصر هيكاي ملمارساتنا الثقافية والتي هي متضمنة أيضا في النظرية 
وي الممارسات التربوية واممؤسسية. كنموذج حضاري» دعمت العلوم الإنسانية 
«امصائر الإمبريالية لأمانيا وفرنساء وبشكل خاص الممملكة المتحدة. في القرن 
التاسع عشر» (23 :1997 .)Davies,‏ 

يفترض مثال المركزية الأوروبية جدلية الذات والآخر واممنطق الثنائي للهوية 
ولتعريف الآخر كاطمحرك وراء المنطق الثقافي للإنسانية الكونية. ويعتبر مفهوم 
«الاختلاف» بوصفه مفهوما سلبيا محور هذا الموقف الكوني ومنطقه الثنا. 
تتساوى الذاتية مع الوعي والعقلانية الكونية والسلوك الأخلاقي المنظم ذاتياء في 
حين يُعرّف الآخر باعتباره النظير السلبي واممعاكس. وبقدر ما يترجم الاختلاف إلى 
الدونية. فإنه يكتسب مفاهيم أساسية ومميتة للأشخاص الذين يُصتفون باعتبارهم 


29 


ما رعد الإنسان 


«آخرين». هؤلاء هم الآخرون الذين يُنظر إليهم بوصفهم جنسا وعرقا وكائنا*) 
والذين يعاملون كأجساد هكن التخلص منهاء باعتبارهم أقل أهمية من الإنسان. 
کلنا بشر» بيد آن بعضنا فان آكثر من غيره. وحيث إن تاريخ وجودهم في آوروبا 
وغیرها کان تاریخا يؤدي إلى فنائهم حین يستثنيهم ویجردهم من حقوقهم» یطرح 
هؤلاء «الآآخرون» قضايا السلطة والإقصاء. نحن بحاجة إلى مزيد من الممساءلة 
الأخلاقية في التعامل مع إرث الإنسانية. يفسر توني ديفيز (iesہة0‏ رصه1) ذلك 
بوضوح: «كل العلوم الإنسانية» حتى الآن» كانت إمبريالية. تتطرق إلى الإنسان من 
منظور مصالح الطبقة الاقتصاديةء والجنسء» والعرق» والجينوم. تخنق أحضانها كل 
من لا تتجاهل. [...] يكاد يكون من امستحيل التفكير في جرهة مم ترتكب باسم 
الإنسانية» (141 :1997 ,و#نة0). لكن للأسف» فالعديد من الجرائم ارتكبت أيضا 
باسم كراهية الإنسانيةء كما يتضح من قصة بيكا-إيريك أوفينن المذكورة في امشهد 
الأول من المقدمة. 

يعتبر تصنيف العلوم الإنسانية المحدود ما مكن اعتباره إنساناء أساسيا 
لفهمنا وضع ما بعد الإنسان الذي وصلنا إليه. فرحلتنا لذلك ليست ببسيطة أو 
متوقعة. على سبيل ال مثال» يعقد إدوارد سعيد (dنه؟‏ ك۲هس۴d)‏ هذه الصورة 
حين يطرح الموضوع من زاوية ما بعد الاستعمار: «رؤية العلوم الإنسانية كنوع 
من الوطنية التي تحامي أو تدافع عن الإنسان [...] قد تكون نعمة ذات وجهين 
[...] حيث يشتد اعتقادها بأيديولوجيتها واحتفالها بنصرتهاء على رغم أن ذلك 
حتمي في بعض الأحيان. ففي نطاق استعماري على سبيل الممثالء يعتبر الاعتداد 
باللغات والثقافات المطمورة ومحاولة إنعاشهاء ومحاولة فرض القومية عبر 
التقاليد الثقافية وتمجيد الأسلاف [...] شينا واضحا يسهل فهمه» (:2004 ,1dهŠS‏ 
7). يعد هذا التصنيف مهما لفهم موقع المتحدث في هذا اممجال» ففروقات 
الموقع بين ما هو مركزي وما هو مهمش مهمة جداء خاصة فيما يتعلق بإرث 
شيء معقد ومتعدد الأوجه مثل العلوم الإنسانية. وبسبب تواطئها مع الإبادات 
الجماعية والجرائم من جهة» ودعمها الآمال والتطلعات نحو الحرية من جهة 


(*) تتحدث بريدوتي عن الآخرين من منطلق الجنس والعرق والكينونة «(sexualized, racialized, naturalized)‏ 
وأترجم هذا المصطلح الأخير بالكينونة أو الكائن. [امترجمة]. 


30 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


أخرى» فإن العلوم الإنسانية تتعدى النقد الخطي. إن هذه السمة المتغيرة هي 
ما أطال من عمر العلوم الإنسانية. 


معارضة الحركة الإنسانية 

أود أن أفصح عن كل ما لدي في بدء النقاش: إنني لا أفتخر بالحركة الإنسانية 
gÎ (Humanism)‏ بفكرة الإنسان التي تتمسك بها. أما معارضة الحركة الإنسانية 
)Anti-Hımanis(‏ فهي» كخلفيتي العائلية» جزء من عقيدت الفكرية والشخصيةء 
لذلك أعتبر أزمة الحركة الإنسانية نوعا من التفاهة. دعوني أفسر ذلك. 

كانت السياسة والفلسفة دوما السببين الرئيسين لغبطتي حول قرب نهاية 
تاريخ الحركة الإنسانيةء مركزيتها الأوروبية وميولها الإمبريالية. وللسياق التاريخي 
دور مهم في ذلك من دون أي شك. فقد بلغت حدَّ الإدراك فكريا وسياسيا في 
السنوات المضطربة التي تلت الحرب العاممية الثانيةء حين بدأت الشكوك تحوم 
حول نموذج الحركة الإنسانية بشكل جذري. وتشّکل صنفٌ حركي من معارضة 
الحركة الإنسانية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي» من قبل الحركات 
الاجتماعية الجديدة والثقافات الشبابية الجديدة ف ذلك الوقت: النسويةء ومعارضة 
الاستعمار» ومناهضة العنصرية. والحركات المساممة والمضادة للنوويات. ولارتباطها 
زمنيا بالسياسات الاجتماعية والثقافية لجيل طفرة الممواليد (sإعمص0هط-رطةط)*)‏ 
فقد أنتجت هذه الحركات الاجتماعية نظريات اجتماعية وسياسية ونظريات معرفة 
راديكالية» وتحدت ابتذال التصريحات الخطابية للحرب الباردةء والتي تركز على 
دهوقراطية الغرب والفردية الليبرالية والحرية التي كانوا يدعون توفيرها للجميع. 

ليس هناك ما يقارب آزمة منتصف العمر مثل الاعتراف بكونك من جيل 
طفرة المواليد. فنظرة الشعب إلى هذا الجيل سلبية في هذا الزمن. بيد أنه 
والحق يقال» كان جيلا مميزا ميراث الصدمة الناتجة عن كمية التجارب 
السياسية الفاشلة للقرن العشرين. الفاشية والهولوكوست من جهة» والشيوعية 
والغولاغ عھاںGB*)‏ من جهة آخریء كلها تتفوق بدمویتها على کل موازین 


(#) هو لقب يُطلق على الجيل الذي ولد بعد الحرب العاممية الثانيةء والذي يعرف بكثرة المواليد. [امترجمة]. 
( *) معسكرات العمل السوفييتية. [المترجمة]. 


31 


ما رعد الإنسان 


الرعب. وهناك رابط جيلي واضح بين هذه الظواهر التاريخية ورفض الحركة 
الإنسانية في الستينيات والسبعينيات. إليكم الأسباب: 

رفضت الفاشية والشيوعية» من منطلق محتواها الأيديولوجي» أفكار الحركة 
الإنسانية الأوروبية» بشكل صريح أو ضمني» وتصرفت ضدها تاما. غير أنها من 
منظور بنيويتها وأهدافها يختلف بعضها عن بعض تاماء فبينما نادت الفاشية 
مقاطعة أصول احترام استقلالية العقل والعمل الطيب التي تعتمد على الحركة 
التنويرية» سعت الاشتراكية نحو فكر مجتمعي للتضامن الإنساني. كانت الحركة 
الإنسانية الاشتراكية سمة من سمات اليسار الأوروبي منذ عهد الحركات الاشتراكية 
المثالية في القرن الثامن عشر. رفضت الطاركسية اللينينية بالفعل تلك الجوانب 
«الناعمة» للحركة الإنسانية الاشتراكية» وخصوصا ذلك التركيز على قدرة الإنسان 
على الأصالة (مقارنة بالاغتراب)» وطرحت بديلا: «حركة إنسانية بروليتارية» تعرف 
أيضا باسم «الحركة الإنسانية الثورية» لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتيةء 
وسعيها القاسي إلى «حرية» إنسانية كونية وعقلانية من خلال الشيوعية. 

هناك سببان أسهما ف الشهرة النسبية للحركة الإنسانية الشيوعية في عهد ما بعد 
الحرب. أولهما التأثير الكارفي للفاشية ف تاريخ أوروبا الاجتماعي» ولكن أيضا الثقاق. 
أدى عهد الفاشية والنازية إلى زعزعة في تاريخ النظريات النقدية في آوروباء حيث إنها 
هدمت ومنعت مدارس الفكر النقدي ف أوروباء وأهمها الماركسية والتحليل النفسي 
ومدرسة فرانكفورت وردة الفعل المدمرة لتحاليل نيتشه التاريخية (على رغم تعقيد 
هذه الحالة النيتشية بلا شك)» والتي كانت أساسية لفلسفة أوليات القرن العشرين. كما 
أدت الحرب الباردة والصراع بين كتلتين سياسيتين جغرافيتين» والذي تلا الحرب العامية 
الثانيةء إلى تقسيم أوروبا حتى العام 1989ء وم يساعد ذلك على إعادة تلك النظريات 
الراديكالية إلى القارة التي نها بهذه الحدة وبنزعة تدميرية للذات. فأغلبية الكَنَاب 
الذین أشار إلیهم میشیل فوکو ٤۵1ء٠٠۴‏ 1ء1ءM1)‏ باعتبارهم رواد العهد الفلسفي 
لنقد ما بعد الحداثة (ماركس Marx‏ فروید ۴۲٥d‏ داروین «Wiا24)‏ هم من دانتهم 
النازية وأحرقتهم* في الثلاثينيات من القرن الماضي. 
(*) قصدت الم مؤلفة بهذا التعبير أن النازية بالغت في نبذ الإنتاج الفكري لهؤلاء الكتاب» وليس أن النازيين أحرقوهم 


فعليا. [المحرر]. 


32 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 

أما ثاني أسباب شعبية الحركة الإنسانية الماركسية فهو أن الشيوعيةء تحت 
رعاية الاتحاد السوفييتي» مارست دورا محوريا في هزهة الفاشية» ومن ثم كانت 
الفائزة في الحرب العامية الثانية. من الطبيعي إذن أن الجيل الذي بلخ حد 
الإدراك سياسيا ف العام 1968 ورث نظرة إيجابية للممارسات والأيديولوجيات 
الماركسية؛ وذلك نتيجة معارضة الاشتراكية والشيوعية للفاشية»ء ولجهود الاتحاد 
السوفييتي ضد النازية. ويتعارض هذا نوعا ما مح الثقافة الأمريكية اممعادية 
للشيوعية» وتظل حتى يومنا هذا موضوع خلاف ثقافي بين أوروبا والولايات 
المتحدة الأمريكية. يصعب علينا أحيانا في فجر الألفية الثالثة أن نتذكر أن 
الأحزاب الشيوعية كانت أكبر رمز ممحاربة الفاشية في أوروبا. كما مارست دورا 
مهما في الحركات الوطنية المنادية بالتحرير حول العام» وخصوصا في آفريقيا 
وآسيا. ويعتبر نص أندري مالرو (×اه۲آة× 6إلم4) الشهير: «مصير الإنسان» 
)1a condition humaine, 1934(‏ دليلا على المكانة الأخلاقية والبعد 
التراجيدي للشيوعية» كما نشهده لاحقا في حياة وكتابات نيلسون مانديلا 
)Nelson Mande)‏ ف زمن ومکان آخرین. 

يزيد على ذلك» ومن موقعه في الولايات المتحدة. إدوارد سعيد حين يقول: 

سيطرت آفكار معارضة الحركة الإنسانية على المشهد الثقاف ف الولايات 

المتحدة نوعا ما بسبب الاشمئزاز واسع النطاق من حرب فيتنام. وكانت 

إحدى نتائج هذا الاشمئزاز ظهور حركات معارضة للعنصرية» والإمبريالية 

بشكل عام والعلوم الإنسانية الأكادهية الجافة التي كانت تشكل موقفا غير 

سياسي وساذجا وغافلا (وأحيانا متلاعبا) عن الحاضر, بينما تمجد آخلاقيات 

الماضي بضراوة (2004: 13). 

تبنى اليسار «الجديد» في الولايات الممتحدة الأمريكية في الستينيات 
والسبعينيات من القرن الماضي صنفا نضاليا من مناهضة الحركة الإنسانية 
الليبراليةء والتي كانت تطرح كونها معارضة للأغلبية الليبرالية» بل وحتى للحركة 
الإنسانية ال ماركسية التي تبناها اليسار التقليدي. 

أعي تماما الصدمة التي تقع على الأجيال الحديثة وعلى كل من ليست 
له معرفة بالفلسفة الأوروبية عند طرحي للماركسية والتي تعد اجتماعيا 


33 


ما رعد الإنسان 


أيديولوجية لاإنسانية وقاسيةء على أنها إنسانية. لكن يكفينا النظر إلى التركيز 
الذي خصصه فلاسفة مثل سارتر )54۲۲١١(‏ وبوفوار على الحركة الإنسانية كمصدر 
علماني للمسؤولية الأخلاقية والحرية السياسيةء لندرك تأثير تلك الأيديولوجيا 
فينا. نظرت الوجودية إلى الضمير الإنساني باعتباره مصدر المساءلة الأخلاقية 
والحرية السياسية في آن واحد. 
تحتل فرنسا مكانة مرموقة ف تاريخ نظرية النقد المعارضة للحركة الإنسانية. 
مم ترتبط هيبة اممفكرين الفرنسيين فقط بالبنية التعليمية الهائلة لذلك البلدء بل 
ساعدتها أيضا اعتبارات موقعية أخرى» من أبرزها المكانة الأخلاقية العالية لفرنسا 
في نهاية الحرب العاممية الثانية بسبب مقاومة شارلز ديغولJ (Charles de Gaulle)‏ 
امعادية للنازية. استمر المفكرون الفرنسيون لذلك ف التمتع مكانة مرموقة جدل 
وخصوصا عند مقارنتهم بأرض اليباب الأمانية بعد الحرب. ومن هنا جاءت السمعة 
الدولية الضخمة لسارتر وبوفوار ولكن أيضا لآرون (١٥إ4)‏ ومورياك (ءaزNau۲)‏ 
وکامو (ئu"ه)‏ ومالرو. تختصر تونی جدت (اuں[‏ رمه 1) ذلك وتقول (2005: 210): 
على الرغم من هزهة فرنسا الساحقة في العام 1940ء وخضوعها اممهين لأربع 
سنوات من الاحتلال الأماني» والغموض الأخلاقي (والأسوأً من ذلك) لنظام حكم 
المارشال بيتان (١1هء۴‏ ااهاءءةN)‏ في فيشي طء۷1» وخضوع البلاد المحرج 
للولايات اممتحدة وبريطانيا ف الديبلوماسية الدولية لسنوات ما بعد الحربه 
أصبحت الثقافة الفرنسية مرة أخرى مركز الاهتمام الدولي: اكتسب المخقفون 
الفرنسيون أهمية دولية خاصة بوصفهم متحدثين باسم العصرء وكان مضمون 
النقاشات السياسية الفرنسية يجسد الصدع الأيديولوجي ف العام بأسره. وها 
هي باريس تعود مرة أخرى - وللمرة الأخيرة - لتصبح عاصمة أوروبا. 
خلال سنوات ما بعد الحرب» استمرت باريس كعامل جذب لجميع أنواع المفكرين 
النقديين. على سبيل اممثالء نشر تاب »أرخبJ‏ lلغIJgغ« (The Gulag Archipelago)‏ 
لألكساندر سولجينتسين (١ءانط‏ ء50121 اأ مه×ها4) لأول مرة في فرنسا في سبعينيات 
القرن الماضي» بعد تهريبه من الاتحاد السوفييتي فی شکل سامیزدات (zd2نصهء).‏ 


(*) ساميزدات: ممارسة إنتاج ونسخ وتوزيع النصوص الممنوعة من قبل الدولة بشكل سري» خصوصا في دول الكتلة 
الشرقية التابعة للاتحاد السوفييتي. [المحرر]. 


34 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


وقد قاد آية الله الخميني الثورة الإيرانية في العام 1979 من معزله في باريس» وشكل 
بذلك أول حكومة إسلامية في العام. فقد كان الجو الفرنسي تلك الأيام مفتوحا لجميع 
أنواع الحركات السياسية الراديكالية. ف الواقع» فقد ازدهرت مدارس الفكر النقدية على 
الضفة اليسرى واليمنى ف تلك الفترة حتى أصبحت الفلسفة الفرنسية مرادفا للنظرية 
نفسهاء مع نتائج متنوعة وطويلة الأجل» كما سنرى ف الفصل الرابع. 

نجا الفكر الفلسفي حتى الستينيات من القرن الماضي من التساؤلات 
حول مسؤولياته في تعزيز النماذج التاريخية للهيمنة والإقصاء. ربط كل من 
سارتر وبوفوارء اممتآثرين بالنظريات المماركسية عن الاغتراب والأيديولوجياء 
انتصارَ الفكر بسلطة القوى الطمهيمنة» مما كشف عن التواطؤ بين العقلانية 
الفلسفية وال ممارسات الاجتماعية الفعلية للظلم. ومع ذلك استمرا قي الدفاع 
عن المبدأً الكو للعقلانية والاعتماد على نموذج جدلي لحل هذه التناقضات. 
وعلى رغم انتقاد هذه اطمقاربة المنهجية لنماذج الهيمنة ف التخصيص العنيف 
واستهلاك «التغرين» عرفت هذه آلمقاربة أيضا مهمة القلسغة بوضفها آذاة 
هيمنة مميزة وثقافية للتحليل السياسي. فبنيت الصورة للفيلسوف الملك 
لدى سارتر وبوفوار ضمن الصورة العامةء وإن كان ذلك في شكل نقدي. 
بصفته ناقدا للأيديولوجيا وضمير اممضطهدين» فإن الفيلسوف هو إنسان 
مفكر يستمر في متابعة نظم النظرية الكبرى والحقائق الشمولية. يعتبر كل 
من سارتر وبوفوار كونية الحركة الإنسانية السمة ال مميزة للثقافة الغربية. 
أي شكلها الخاص من التميز. ويستخدمان الأدوات المفاهيمية التي توفرها 
الحركة الإنسانية لتعجيل مواجهة الفلسفة مسؤولياتها التاريخية وسيطرتها 
المفاهيمية على القوى. 

إن كونية الحركة الإنسانية هذه إلى جانب التركيز البناتي الاجتماعي على 
طبيعة التباينات الاجتماعية التي صنعها الإنسان واممتغيرة تاريخياء تضع الأساس 
لأنطولوجيا سياسية قوية. على سبيل اممثالء تبني بوفوار النسوية التحريرية على 
مبدأً الحركة الإنسانية ال متمثل في أن «اممرأة هي مقياس کل شيء آنثوي» (انظر 
الشكل 1-2)» وأنه على الفيلسوفة أن تراعي وضع جميع النساء في فكرها. 
يؤدي ذلك إلى خلق توليف مثمر للذات والآخرين على المستوى النظري. آما 


35 


ما بعد الإنسان 


Friedrich Saurer/Science Photo Library :ردص|)lا الشكل (2- 1(: المرأة الفيتروفية الجديدة«‎ 


من الناحية السياسيةء» صاغت ال مرأة الفيتروفية 1he V¡†اuvزa« ۴٣21e‏ رابطة 
تضامن بين الواحدة والكثيرات» والتي تحورت في زمن المموجة النسوية الثانية 
في الستينيات من القرن الماضي إلى مبدآ الأختية السياسية. هذا يفترض وجود 
أرضية مشتركة بين النساء» مع اعتبار كون النساء في العام نقطة انطلاق لجميع 
أنواع التفكير الناقد والتطبيق السياسي المملازم له. 

قدمت النسوية الإنسانية نوعا جديدا من المماديةء من النوع المجسد والمضمن 
(1991 ,ااه لiهBr).‏ ساس هذا الابتكار النظري هو نوع معين من الإبستيمولوجيا 
الموضعية (1988 ,ره 4۷إ۲14)» والتي تطورت من ممارسة «سياسة اممواقع» (,طءنR‏ 


36 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 
7 ودَّمَجت النظرية النسويةء بوجهة نظرها واممناظرات التي ترتبت عليهاء 
مع نسوية ما بعد الحداثة في التسعينيات من القرن الماضي (1991 ,عملإة۴]1). إن 
الفرضية النظرية لنسوية الحركة الإنسانية هي فكرة مادية للتجسيد توضح أسس 
التحليلات الجديدة والأكثر دقة للسلطة. وهي تستند إلى النقد الراديكالي للكونية 
الذكورية» لكنها لاتزال تعتمد على شكل من أشكال الحركة الإنسانية الناشطة 
والطامحة إلى امساواة. 

نجحت نظرية النسوية وممارساتها بشكل أسرع وأكثر فعالية من معظم 
الحركات الاجتماعية في السبعينيات من القرن الماضي. فطورت أدوات ووسائل 
تحليل أصيلة تسمح بفهم أدق للسلطة وكيفية عملها. كما استهدف النسويون 
الذكورية بشكل صريح والعادات القانمة على التمييز الجنسي لليسار «الثوري» 
امزعوم» فنددوا بها باعتبارها متناقضة مع أيديولوجيتهم ومهينة في جوهرها. 

أما من داخل التيار اليساري السائد فقد كانت للجيل الجديد من مفكري ما 
بعد الحرب أولويات أخرى. فتمردوا ضد الممكانة الأخلاقية العالية للأحزاب الشيوعية 
الناشئة بعد الحرب في غرب آوروبا والإمبراطورية السوفييتية. ونتج عن ذلك تسلط 
استبدادي على تفسير النصوص المماركسية ومفاهيمها الفلسفية الأساسية. وأعربت 
الأصناف الجديدة للراديكالية الفلسفية التي تكؤنت في فرنسا وبقية أنحاء أوروبا 
في الستينيات عن نقد صريح للهيكل الدوغمات للفكر الشيوعي وممارساته. تضمن 
ذلك نقدا للتحالف السياسي بين فلاسفة مثل سارتر وبوفوار واليسار الشيوعي) 
والذي استمر على الأقل حتى الانتفاضة الهنغارية في العام 1956. وردا على العقيدة 
والعنف الشيوعيين» استعان جيل 1968 استعانة مباشرة بالإمكانات الهادمة لنصوص 
ماركس لاسترداد جذورهم المعادية للمؤسسات. جرى التعبير عن راديكاليتهم عبر 
نقد الآثار الإنسانية والروح المحافظة للمؤسسات التي تجسد العقيدة امماركسية. 

ظهرت معارضة الحركة الإنسانية كحشد بكاء هذا الجيل من اممفكرين 
الراديكاليين الذين أصبحوا فيما بعد مشهورين عامميا باسم «جيل ما بعد البنيوية». 
بيد أنهم كانوا في الواقع جيل ما بعد الشيوعية. فقد خرجوا من التفكير الجدلي 
امنطوي على التضادات وطوروا طريقة ثالثة للتعامل مع الفهم المتغير للذات 
البشرية. وعندما نشر ميشيل فوكو نقده الرائد للحركة الإنسانية قي «ترتيب 


37 


ما رعد الإنسان 


الأشياء» (1970 sعہ1ط1 Order of‏ eط1)»‏ كان الجدال حول ماهية الإنسان يدور 
ف النقاشات الراديكالية آنذاكء وعين بذلك أجندة العديد من اممجموعات السياسية 
المعارضة للحركة الإنسانية. وشكل «موت الإنسان» كما أعلنه فوكو أزمة معرفة 
وأخلاقية تتجاوز التضادات الثنائية وتشق مسارها عبر أقطاب عدة من الأطياف 
السياسية» لتستهدف بالأساس روح الحركة الإنسانية المضمنة في الماركسية أو 
بالأخص الغطرسة النابعة من الحركة الإنسانية والتي تتيح لهذه استمرارية تصنيف 
الإنسان باعتباره مركزا لتاريخ العام. فحتى المماركسية قد استمرت» تحت غطاء 
نظرية أساسية للمادية التاريخيةء بتعريف الفكر الأوروبي ذاته باعتباره وحدويا 
ومسيطراء وإعطائه (ذكوريته هنا ليست عرضية) مكانة ملكية كاممحرك للتاريخ 
الإنساني. وتتمثل مناهضة الحركة الإنسانية بفصل العامل الإنساني عن هذا الوضع 
الكوني» ومساءلته عن الأعمال الملموسة التي يفعلها. تنشاً علاقات سلطة مختلفة 
وأكثر حدة هجرد تحرير هذا الشخص المسيطر من أوهام العظمة وتجريده من 
مسؤولية التقدم التاريخي. 

رفض الممفكرون الراديكاليون من جيل ما بعد العام 1968 الحركة الإنسانية في 
شكليها الكلاسيكي والاشتراكي. وآنزل نموذج الرجل الفيترو كمتال للكمال وإمكانية 
الکمال (کما هو مصور فی الشکل 1-1) حرفیا من عرشه وجری تفکیکه. وقد شکل 
نموذج الحركة الإنسانية هذا جوهر النظرة الليبرالية الفردية للشخص, والتي تعرف 
إمكانية الكمال عبر الاستقلالية وتقرير امصير الذاق» وهي السمات ذاتها التي 
اعترض عليها ما بعد البنيويين. 

وقد تبين أن هذا الإنسان/ الرجلء بعيدا عن كونه شريعة الأبعاد اممثاليةء والذي 
شرع نمماذج كونية أصبحت الآن في حكم القوانين الطبيعيةء كان ف الواقع بنية 
تاريخية منوطة لذلك بقيمها ومواضعها. ليست الفردية جزءا جوهريا من «الطبيعة 
البشرية» كما يعتقد المفكرون الليبراليون» بل تشكيل تفصياي محدّد بتاريخ وثقافة 
معينة» وبداً هثل مشكلة متراكمة. أسهم كذلك الصنف التفكيكي للبنائية الاجتماعية 
التي قدمها مفكرو ما بعد البنيوية مثل جاك درد (Jacques Derrida, 2001a)‏ 
في مراجعة راديكالية مبادئ الحركة الإنسانية. ونادى جيل فلسفي كامل بالتمرد 
على الأفكار امموروثة عن «الطبيعة البشرية» من منظور الحركة الإنسانية. 


38 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


أوضحت النسويات مثل لوس إريغاري (ط1985 ,ھ1985 )1uce !٣اع4 ٣4y,‏ أن 
النموذج التجريدي المزعوم للإنسان بوصفه رمزا للإنسانية الكلاسيكية هو نپموذج 
مذكرء بالإضافة إلى كونه أبيض» أوروبياء وسيماء ومقتدر الجسد؛ أما عن نزعته 
الجنسية فلا هكن تخمينهاء على رغم وجود العديد من التخمينات عن النزعة 
الجنسية لليوناردو دا فنشي الذي رسمه. أما ما قد يتشارك به هذا النموذج مع 
المتوسط الإحصائي ممعظم البشر والحضارة التي يُفترض أن هثلها فهو آمر يستحق 
السؤال. النقد النسوي للموقف الأبوي المجسد بالرجولة اممجردة )1987 (Hartsock,‏ 
والعرق الأبيض ام محتفي بانتصاره (1992 W۲,‏ ;1981 ,ء0 هط) يجادلان بأن كونية 
الحركة الإنسانية هذه غير مقبولة لا على أسس معرفيةء ولا أخلاقية أو سياسية. 

اعتمد المفكرون المناهضون للاستعمار موقفا نقديا مماثلا من خلال التشكيك في 
أولوية البشرة البيضاء التي تؤدي إلى اعتبار النموذج الفيتروف شريعة الجمال (انظر 
الشكل 1-2). ومن منطلق الرد على هذه الادعاءات اممتعالية ف تاريخ الاستعمار 
شكك ال مفكرون المناهضون للعنصرية ومفكرو ما بعد الاستعمار في أهمية مثالية 
الحركة الإنسانية بالنظر إلى التناقضات الواضحة التي تفرضها اعتقاداتها ذات 
المركزية الأوروبيةء بيد نهم في الوقت ذاته م يرفضوها تماما. فحمَلوا الأوروبيين 
مسؤولية استغلال وانتهاك هذا النموذج من خلال النظر إلى تاريخ الاستعمار 
والهيمنة العنيفة على الثقافات الأخرىء لكنهم استمروا في دعم مبادئها الأساسية. 
فحاول فرانز فانو (١٥٣ه۴‏ zاصه۴۲)»‏ على سبيل الممثالء إنقاذ الحركة الإنسانية 
من معززيها الأوروبيين مستخدما عذر خيانتنا وسوء استخدامنا لنموذج الحركة 
الإنسانية. وكما صرح سارتر في مقدمته لكتاب فانو «البائسون في الأرض» (ء11 
:)Wretched of the Earth, 1963: 7‏ «استمرت الأصوات الصفراء والسوداء قي 
الحديث عن إنسانيتناء لكنها م تفعل ذلك إلا لتوبيخنا على انعدام إنسانيتنا». 
ويجزم فكر ما بعد الاستعمار بأنه إن كان للحركة الإنسانية آي مستقبل» فلا بد له 
أن يأ من خارج العام الغربي ليتجاوز حدود اممركزية الأوروبية. وامتدادا لذلكء 
يتحدّى ادعاء الكونية التي يوفرها ا منطق العلمي تحدياً من منطلق معرفي وسياسي 
Said, 2004(‏ ;1999 ,kهvام5)»‏ فجميع ادعاءات المعرفة هي تعبير للتثقافة الغربية 
ورغبتها في السيطرة. 


39 


ما رعد الإنسان 


سعى فلاسفة ما بعد البنيوية الفرنسيون نحو الهدف ما بعد الاستعماري نفسه 
عبر طرق ووسائل مختلفة. وبينوا أن الأوروبيينء متأثرين بالاستعمار وأوشويتز 
وهيروشيما والغولاغ وغيرها من آهوال التاريخ الحديث» يحتاجون إلى طرح نقد 
يدرس وهم العظمة الأوروبية التي تجعلناء نحن الأوروبيينء نعتبر أنفسنا الوصي 
الأخلاقي للعامم ومحرك التطور البشري. وهكذا فإن جيل السبعينيات الفلسفي الذي 
أعلن «موت الإنسان» هو جيل يدمج» بترتيبات مختلفةء كلا من مناهضة الفاشيةء 
ونظريات ما بعد الشيوعية وما بعد الاستعمار وما بعد الحركة الإنسانية. وأدى ذلك 
إلى رفض التعريف الكلاسيكي للهوية الأوروبية من مبدأ الحركة الإنسانية والعقلانية 
والكونية. كما لوحت النظريات النسوية التي تتطرق إلى الفروقات الجنسية” لتلك 
ا مركزية الإثنية لادعاء أوروبا بالكونيةء وذلك عبر طيف من الانتقادات الموجهة إلى 
الذكورية الطاغية. ودافعوا عن الحاجة إلى توسيع المفهوم ليشمل «الآخرين من 
الداخل» (1991 ,ه۷ءاءi))‏ حتى يعاد وضع التنوع والانتماءات الممتعددة ف اممركز 
كعنصر هيكلي للذاتية الأوروبية. 

لذلك فإن مناهضة الحركة الإنسانية تعد مصدرا مهما لفلسفة ما بعد الإنسان. 
لكنه ليس المصدر الوحيد. ولا تعد الصلة بين مناهضة الحركة الإنسانية وفلسفة ما 
بعد الإنسان ضرورة منطقية أو حتمية تاريخية. بيد آنها أصبحت كذلك في أبحاڻء 
على رغم أن هذه القصة مازالت مستمرة وعلاقتي مع الحركة الإنسانية مازالت غير 
محددةء كما سأذكر في امقطع التالي. 


موت الإنسان (الرجل)ء تفكيك الممرأة 

كما أوضحت ف العرض التاريخي الذي رسمته أعلا تعد مناهضة الحركة 
الإنسانية إحدى الطرق التاريخية والنظرية التي تؤدي إلى ما بعد الإنسان. أدين 
مناهضتي للحركة الإنسانية معلمي ما بعد العام 1968 المحبوبينء الذين من بينهم 
فلاسفة مذهلون مازلت أحترم إرثهم: فوكو وإريغاراي ودولوز (٤2٠٥1ء0)‏ بشكل 
خاص. إنسان الحركة الإنسانية ليس مثال أو متوسط إحصاني موضوعي أو أرض 
وسطء بل إنه يحدد معيارا منظما لقابلية التعرف - على التماثل - هكن بواسطته 
تقييم الآخرين وتنظيمهم وتخصيص مواقعهم الاجتماعية. فالإنسان تقليد معيرء 


40 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


ولا يعد ذلك شیا سلبیاء بید آنه یجعله منظما بشکل جید» ویساعد على ممارسات 
الاستبعاد والتمييز. فامعيار الإنساني يعني الحياة الطبيعية (yزاة٣٣١٠٠)‏ والحال 
الطبيعية (رءاهدمإهد) والظاهرية الطبيعية (االi)ة١٣إ0ه).‏ ويحصل ذلك من 
تحوير مط إنساني معين إلى مط عام يكتسب قيما إعلائية كمثال الإنسان العام: من 
الرجل إلى الذكر إلى الإنسان كالصنف الكوني للإنسانية. ويعتبر هذا النمط منفصلا 
من حيث الصنف والنوع عن الآخرين المحدودين بجنسهم وعرقهم وكائنيتهم» 
ومعاكسا كذلك للأداة التكنولوجية. الإنسان بناء تاريخي أصبح تقليدا ثقافيا يحدد 
«الطبيعة البشرية». 

تدفعني معارضتي للحركة الإنسانية إلى رفض ذات العلوم الإنسانية الوحدوية 
ما فيه متغيراتها الاشتراكية واستبدالها بذات أكثر تعقيدا وعلائقية تؤطرها سمات 
أساسية ترتبط بتجسيدها ونشاطها الجنسي وعواطفها وأحاسيسها ورغباتها. ويرتبط 
هذا الأسلوب ها تعلمته عن السلطة من فوكوء بأنها قوى مقيدة (ئة٤١٠اهم)‏ ومنتجة 
)potentia)‏ ف آن واحد. ويعني هذا أن تشكيلات السلطة لا تعمل فقط على 
المستوى المادي بل يعبر عنها أيضا ف آنظمة التمثيل النظري والثقافء والسرديات 
السياسية وامعياريةء والأماط الاجتماعية لتحديد الهوية. وهي ليست متماسكة 
أو عقلانية وطبيعتها ا مؤقتة تلك هي ما يجعلها ذات قوة مهيمنة. إدراكنا لعدم 
استقرار وانعدام تماسك هذه السرديات التي تشكل البنية والعلاقات الاجتماعية لا 
يؤدي إلى إيقاف العمل السياسي والأخلاقي فقط, بل إنه نقطة الانطلاق لتشكيل 
أنواع جديدة من ال مقاومة. تتناسب مع التعددية اممركزية والبنية الديناميكية للقوة 
ا معاصرة (2000 ,١0٤اة۴).‏ يعمل هذا على إنشاء مط براغماتي للسياسات الصغيرة 
يعكس الطبيعة ال معقدة والرحالة للأنظمة الاجتماعية ال معاصرة وللأشخاص الذين 
يقطنونها. إن كانت السلطة معقدة ومبعثرة ومنتجة يجب أن يكون هذا شكل 
مقاومتنا لها أيضا. مجرد تفعيل هذا الأسلوب التفكيي سيتحدّي كل من المفهوم 
المعياري للرجل وكذلك لجنسه الثانيء المرأة من حيث تعقيداتهما الداخلية. 

لا بد أن يؤثر هذا في حال النظرية من حيث مهمتها وأساليبها. كما يطرح 
ميشيل فوكو في كتابه «الانضباط وlلعقاب«‏ )1977 «(Discipline and Punish.‏ 
فالحوار يختص بالعملة السياسية التي تنسب إلى معان معينة أو أنظمة المعنىء 


41 


ما رعد الإنسان 


لتعطيها شرعية علميةء وليس هذا بشيء محايد أو طبيعي. وبذلك تسس علاقة 
مادية حاسمة بين الحقيقة العلمية والعملة الحوارية وعلاقات السلطة. تهدف 
مقاربة تحليل الحوار هذه إلى زعزعة الإهان بالأسس «الطبيعية» ل «الاختلافات» 
المفروضة وامبرمجة اجتماعياء وبأنظمة الصلاحية العلمية والقيم والتمثيل الأخلاقي 
التي تدعا 1977 “Coward and Ellis,‏ . 

رفضت النسوية الممناهضة للحركة الإنسانيةء واممعروفة أيضا باسم نسوية 
ما بعد الحداثةء الهويات الوحدوية المفهرسة على نموذج الإنسان المعياري ذي 
امركزية الأوروبية (2002 ,ااه هنهإ8). بل تعدت ذلك وبينت أنه من المستحيل 
التحدث بصوت واحد عن النساء والسكان الأصليين وغيرهم من الذوات 
ا لمهمشةء بل يُرّكز بدلا من ذلك على قضايا التنوع والاختلافات فيما بينهم» وعلى 
التصدعات الداخلية لكل فئة. وبهذا ترفض مناهضة الحركة الإنسانية خط الفكر 
الجدلي» حيث هارس الاختلاف أو تصنيف الآخر دورا تأسيسيا هيز الجنس الآخر 
(المرآة)» والعرق الآخر (الأصلي)ء والكائن الآخر (الحيوان» أو البيئة أو الأرض). 
كان هؤلاء الآخرون تأسيسيين لأنهم وفروا مرآة أكدت امموقع الأعلى للذات نفسها 
(2006 ,ن0 dنهاB).‏ نتج عن اقتصاد الاختلاف السياسي هذا أن فئات كاملة 
من البشر اعتبرت من دون قيمة ومن ثم هكن التخلص منها: فأصبح مصطلح 
«مختلفا فن ع «أقل من». وضع المعيار السائد للشخص ف ذروة اممقياس 
الهرمي الذي يكافئ انعدام الاختلاف كحالة مثالية. هذا هو «الرجل» السابق 
في الحركة الإنسانية الكلاسيكية. 

إن العمليات الجدلية السلبية ا متمثلة ف تمييز المهمشين أو امستبعدين على آساس 
الجنس أو العرق أو الكينونة لها آثار مهمة أخرى: فهي تؤدي إلى إنتاج نشط للحقائق 
النصفيةء أو أشكال من ام معرفة الجزئية عن هؤلاء الآخرين. إن النظر إلى الآخر بجدلية 
آو ازدراء يودي إلى جهل هيكلي عن أولئك الذين» لکونهم آخرين» يصنفون خارج 
التقسيمات الرئيسة طا هو إنسان. يشير بول غيلروي (2010 ,ره٣آذG‏ اuة۴)‏ إلى هذه 
الظاهرة باسم «الدراسة اللاأدرية» (رعهاهاهدعه) أو الجهل القسري والهيكاي. وتعد 
أحد الآثار اممتناقضة للامتداد الكوني المزعوم معارف الحركة الإنسانية. إن «الرفض 
العدائي» للثقافات والحضارات الأخرى هو ما ينتقده إدوارد سعيد باعتباره: «انتفاخ 


42 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


الذات» وليس حركة إنسانيةء وبالتأكيد ليس نقدًّا مستنيرا» (2004: 27). تقليل حال 
الآخرين غير الأوروبيين إلى ما هو أقل من الإنسان يعد مصدرا لتشكيل الجهل والزيف 
والوعي السين للشخص المهيمن واطمسؤول عن نزع إنسانيتهم المعرفية والاجتماعية. 

لا تعد انتقادات النظريات النسوية ونظريات ما بعد الاستعمار الراديكالية 
لغطرسة الحركة الإنسانية سلبية فقط لأنها تقترح طرقا جديدة لرؤية «الإنسان» 
من زاوية أكثر شمولية وتنوعا. بل إنها توفر آراء مهمة ومبتكرة لشكل الفكر 
الذي تنقله ضمنيا نظرة الحركة الإنسانية إلى الإنسان/ الرجل باعتباره مقياسا لكل 
شيء ومعيارا ل «الإنسان»؛ لذا فهي تعزز من تحليل السلطة عبر تطوير أدوات 
ومصطلحات تمكننا من التفاهم مع الذكورية والعنصرية وعلوية الأبيض وعقيدة 
ا منطق العلمي وغيرها من الأنظمة المدعمة اجتماعيا للقيم المهيمنة. 

حيث إنني نشأت فكريا مع نظريات حول موت الله (نيتشه)» ونهاية الإنسان/ 
الرجل (فوكو)» وانحلال الأيديولوجيات (فوكوياما)» فقد تأخرت في الوصول إلى 
حقيقة الخطورة التي يواجهها الشخص الذي يلمس الحركة الإنسانية. لا يخلو 
الموقف الممناهض للحركة الإنسانية من تناقضاتهء بلا شك. فكما يذكرنا بادمنغتون 
(«t0عBdmin)‏ بحكمة: «إن روايات نهاية العام التي تصاغ حول نهاية الإنسان/ 
الرجل [...] تتجاهل قدرة الحركة الإنسانية على التجديد» وحرفياء إعادة الصياغة» 
(2003: 11). ينهض الرجل الفيتروف مرارا وتكرارا من رماده فيستمر ف التمسك 
با معايير الكونية وممارسة جاذبيته الفتاكة. 

طراً على بال بینما أستمع إلى ألبوم ديilnlند|‏ lèلۈس (Diamanda Galas)‏ 
الموسيقي مساعدة ضحايا الإيدزء «كتلة الطاعون» (1991 ,ءيه مسعه!۴)» أن 
هناك فرقا بين الإعلان الصريح عن مناهضة الحركة الإنسانية والتصرف وفقا لذلك 
مقدار يسير من الاتساق. إن مناهضة الحركة الإنسانية موقف محفوف مثل هذه 
التناقضات تجعلها تزداد في ال مراوغة كلما حاولنا التغلب عليها. لا يقتصر الأمر في 
النهاية على تبني مناهضي الحركة الإنسانية طمفاهيمها فقط - مفهوم الحرية هو 
امفضل لدي - بل أيضاء وفي بعض الأحيان» يدعم عمل الفكر النقدي بقيم خطابية 
يؤخذ جوهرها من الحركة الإنسانية (1986 إءمه5). نوعا ماء لا تكفي الحركة 
الإنسانية ولا مناهضتها لأداء هذه المهمة. 


43 


ما رعد الإنسان 


أفضل مثال على التناقضات الجوهرية الناتجة عن الموقف المناهض للحركة 
الإنسانية هو التحرر والسياسة التقدمية بشكل عام» والتي أعتبرها واحدا من 
أكثر جوانب الحركة الإنسانية قيمة وإرثها الأكثر استدامة. فقد دافعت الحركة 
الإنسانية» عبر الطيف السياسي» عن الفردية والاستقلالية والمسؤولية وتقرير المصير 
الذاتي من الجانب الليبرالي (2002 ,۷٥إ۵٠٠).‏ أما من الجانب الأكثر راديكاليةء 
فقد عززت من التضامن والترابط ال مجتمعي والعدالة الاجتماعية ومبادئ اممساواة. 
ولأنها علمانية من حيث توجهاتهاء فإن الحركة الإنسانية تشجع على احترام العلم 
والثقافة. ضد سلطة النصوص الممقدسة والعقيدة الدينية. كما أنها تحتوي على عنصر 
مغامرء وتوق مدفوع بالفضول إلى الاكتشاف» ونهج يهتم بالتطبيق ذي قيمة كبيرة 
لأنه براغماتي. هذه المبادئ متأصلة بعمق في عاداتنا في التفكير بحيث يصعب 
التخلي عنها بالكامل. 

وما الذي يضطرنا إلى ذلك؟ إن مناهضة الحركة الإنسانية تنتقد الافتراضات 
الضمنية للشخص الإنساني التي تدعمها صورة الإنسان/ الرجل عند الحركة الإنسانيةء 
بيد أن هذا النقد لا يعني رفضها الشامل. 

يستحيل علي فكريا وأخلاقيا أن أفصل الجوانب الإيجابية للحركة الإنسانية 
من نظيرتها الإشكالية: فالفردية تولد الأنانية وامركزية الذاتية؛ هكن أن يتحول 
تقرير المصير إلى الغطرسة والهيمنة؛ ولا تخلو العلوم من ميولها الدوغماتية. 
تكمن الصعوبات الكامنة ف محاولة التغلب على الحركة الإنسانية باعتبارها 
تقليدا فكريا وإطارا معياريا وممارسة مؤسسية في لب مقاربة النظرية التفكيكية 
ما بعد الإنسان. افتتح دريدا (20013) هذا النقاش بالإشارة إلى العنف الذي 
يتضمنه تخصيص امعنى. واسترسل بذلك أتباعه: «إن التأكيد بإمكان التخاي عن 
الحركة الإنسانية بشكل حاسم يتبج بسخرية افتراضا أساسيا للحركة الإنسانية 
بإرادة الإنسان ووكالته على نفسه» وكأن باستطاعة الإنسان أن يآتي ب «نهاية» 
الحركة الإنسانيةء وكأن لنا القدرة على محو آثارها من الحاضر أو مستقبل متخيل» 
t0n, 2011: 128(‏ ). لذلك ينصب التركيز على صعوبة محو آثر العنف الممعرف 
الذي هكن من خلاله نحت وضع غير تابع للحركة الإنسانية من لب مؤسسات 
الحركة الإنسانية. ويساير الاعتراف بالعنف الممعرف الاعتراف بالعنف الواقعي 


44 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


الذي كان ومازال يارس ضد الحيوانات غير البشرية و«الآخرين» اممنزوعين من 
إنسانيتهم الاجتماعية والسياسية وفقا ممعايير الحركة الإنسانية. يعتبر كاري وولف 
(ا2010 ary Wolf,‏ ) مثيرا للاهتمام بشكل خاص وفق هذا التقليد التفكيي» 
حيث يحاول صنع موقع جديد يجمع بين الفهم للعنف ال معرفي والتاريخي للكلمة 
وبين الإهان العابر للإنسانية (2005 ,صs†r0ەB) trans-humanist‏ بقدرة حال 
ما بعد الإنسان على تحسين الإنسان. 

أكن للنظرية التفكيكية كل الاحترام» لكنني أيضا أجد صبري ينفد تجاه الحدود 
التي يفرضها إطارها المرجعي اللغوي. أفضل اتباع طريق مادي أكثر للتعامل مع 
تعقيدات ما بعد الإنسان بوصفها ميزة أساسية لتاريخنا. هذا الطريق أيضا محفوف 
با مخاطرء كما سنرى في القسم التالي. 


الانعطاف طا بعد العلمانية 

كعقيدة سياسية تقدمية» ترتبط العلوم الإنسانية ارتباطا مميزا بفكرين 
متشابكين آخرين: التحرر البشري نحو تحقيق امساواة. والعلمانية عبر الحكم 
ا منطقي. ينبثق هذان الفكران من مفهوم الحركة الإنسانية كما انبثقت الإلهة 
الكلاسيكية أثينا )۸1٠١(‏ من رأس زيوس (ءuء2)»‏ متأهبة ومسلحة للمعركة. كما 
يبين جون غري (1ذا× :2002 ,رهإ6 «طه[): «تعتبر الحركة الإنسانية تحويلا لعقيدة 
الخلاص المسيحية إلى مشروع كوني لتحرير الإنسان. ففكرة التقدم هي نسخة 
علمانية للإهان امسيحي بالعناية الإلهية. لهذا كانت غير معروفة لدى الوثنيين 
القدامى». ليس من الغريب إذن أن أحد الآثار الجانبية لتراجع الحركة الإنسانية هو 
ظهور حالة ما بعد العلمانية )2008 .(Braidotti, 2008; Habermas,‏ 

إن ت رات موت الإعان اعارا تبات مهج فان ارات 
موت الله وهمية بشكل أكيد. ظهرت الشقوق الأولى في صرح العلمانية الواثقة 
من نفسها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. فعندما أخذ الحماس الثوري 
بالهدوء وأخذت الحركات الاجتماعية في التبدد أو التوافق أو التحؤرء انضم 
اللاأدريون اممتشددون السابقون إلى موجة من التحولات إلى مجموعة متنوعة من 
الديانات التقليدية التوحيدية أو المستوردة من الشرق. آثار هذا التحول ف الأحداث 


45 


ما رعد الإنسان 


شكوكا جدية فيما يتعلق مستقبل العلمانية. تسللت الشكوك إلى العقل الجماعي 
والفردي: ما مدى علمانيتنا «نحن» - النسويات» ومناهضي العنصرية» ومفكري ما 
بعد الاستعمار» ودعاة حماية البيئةء إلى آخره - بحق؟ 

كان الشك أكثر حدة لدى النشطاء المثقفين. فالعلم في جوهره علماني» حيث 
العلمانية مبدأ رئيس للحركة الإنسانيةء إلى جانب الكونية والذات الوحدوية 
وصدارة العقلانية. بيد أن العلم نفسه»ء على الرغم من أسسه العلمانيةء لايزال 
غير محصن من أشكاله الدوغماتية. وكان فرويد من أوائل المفكرين النقديين 
الذين حذرونا من الإلحاد امتعصب لمؤيدي اممنطق العلمي. في «مستقبل الوهم» 
Future of an Illusion, 1928)‏ eط1)»‏ قارن فروید بین الأشکكال المختلفة 
من الدوغماتية الجامدة» وصنف العلمية المنطقية جنبا إلى جنب مع الدين 
باعتباره مصدرا للإهان الخرافي» وهو الموقف الذي يتضح بأفضل أشكاله اليوم 
في التطرف الذي يدافع فيه ریتشارد دوکینز (ئ«نk‏ س4( ۲4إهطنR)‏ عن إهانه 
الملحد (1976 ,ك«ن)سه0). بالإضافة إلى ذلك فقد بانت العيوب الشاسعة 
مموضوعية العلوم التي يحتفى بها كثيرا. تثبت استخدامات وإساءة استخدام 
التجارب العلمية في ظل الفاشية وفي الحقبة الاستعمارية أن العلم ليس محصنا 
ضد الخطابات واممارسات القومية والعنصرية والهيمنية. لذلك يجب مقاومة أي 
ادعاء بالنقاء واموضوعية والاستقلالية العلمية مقاومة شديدة. ما الذي يترتب 
على هذا بالنسبة إلى الحركة الإنسانية ونقادها من مناهضي الحركة الإنسانية؟ 

تعتبر العلمانية أحد أركان الحركة الإنسانية الغربيةء ومن ثم فإن نوعا غريزيا 
من كره الدين والكنيسة هو تاريخيا جزء لا يتجزآً من السياسة التحررية. لذلكء 
فإنه يحق لتقليد الحركة الإنسانية الاشتراكي» الذي كان محوريا جدا لليسار الأوروي 
والحركات النسائية في أوروبا منذ القرن الثامن عشرء أن يدعي العلمانية با معنى 
الضيق للكلمة: أن تكون لاأدريا أو حتى ملحدا وأن تتحدر من النقد التنويري 
للعقيدة الدينية والسلطة الدينية. وعلى غرار الفلسفات التحررية وامممارسات 
السياسية الأخرى» فإن النضال النسوي من أجل حقوق المرآة في أوروبا اعتمد 
تاريخيا على أسس علمانية. كما أن التأثير الدائم الذي مارسته النسوية الوجودية 
»)de Beauvoir 1973(‏ والنسوية الماركسية أو الاشتراكية على الموجة النسوية 


46 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


الثانيةء أيضا قد يفسر استمرار هذا امموقف. نشأت النسويات الأوروبيات» كونهن 
بنات التنوير العلمانيات وامتمردات» على جدل عقلاني وسخرية ذات منفصلة. 
لذلك فنظام المعتقدات النسوي هو نظام مدني وليس دينيا ومعارضا نظريا 
للسلطوية والأرثوذكسية. السياسة النسوية هي ف الوقت نفسه رؤية ذات حدين 
(1979 ,واآاء) تجمع بين الحجج الممنطقية وامشاعر السياسية وتخلق مخططات 
اجتماعية وأنظمة قيم بديلة. 

على الرغم من اعتزاز نسوية القرن العشرين بجذورها العلمانيةء فإنها مع ذلك 
أنتجت تاريخيا كثيرا من ا ممارسات الروحية البديلة جنبا إلى جنب مع الخط العلماني 
السياسي السائد. وأحيانا معاكسة له. أقر كبار الكتاب في التقليد النسوي الراديكالي 
للموجة الأمريكية الثانيةء ولاسيما أودري لورد (1984 ,ل۲٥1‏ ١إdا۸)»‏ وأليسووكر 
Walker, 1984)‏ iceاA)‏ وأدریان ريتش (1987 )Adrien«e R1,‏ بأهمية البعد 
الروحي لنضال اممرآة من أجل المساواة والاعتراف الرمزي. يبرز هنا عمل ماري دالي 
(1973 ,yاے2 »)Mary‏ وشوسلر فيورینزا (1983 ,2¬ ۴i0‏ er‌اSchuss)‏ ولوس 
إريغاراي (1993 ,ره٣ةعذ٣!‏ ceءس1)»‏ على سبيل اممثال لا الحصرء الذي يركز على 
تقاليد نسوية محددة للممارسات الروحية والدينية غير المتمحورة حول الذكور. 
نتج علم اللاهوت النسا ف التقاليد المسيحية )1999 «Keller, 1998; Wadud,‏ 
والإسلامية (1998 ,طةرره1)ء واليهودية (1998 ٠ءاف4A)‏ مجتمعات راسخة لكل من 
المقاومة الحاسمة وتأكيد البدائل الإبداعية. إن الدعوة إلى الطقوس والاحتفالات 
الجديدة تكون حركة «ثروة الlwحرIٽ« The Fortune of the Witches‏ التي 
تتمثل بأفضل شكل حاليا عند ستارهوك (1999 Wk,‏ طءها؟)» والتي استعاد 
استخدامها آخرون مثل الناقدة اممعرفية ستينجرز (1997 ,١#۲ع١ه؟).‏ ظهرت أيضا 
عناصر وثنية جديدة في الثقافة السيبرانية التي تتوسطها التكنولوجياء حيث آنتجت 
آشکالا عديدة من الزهد التقني ما بعد lلۈjlıi Halberstam and Livingston,)‏ 
Braidotti, 2002‏ ;1995(. 

مم تكن نظريات السود وما بعد الاستعمار علمانية بشكل صريح. ففي السياق 
الديني في الولايات اممتحدة الأمريكية» هتلن أدب النساء الأمريكيات من أصول 
أفريقية بالإشارات إلى المسيحيةء كما يتضح في أعمال بل هوکس (,sههط‏ e11ط‏ 


47 


ما رعد الإنسان 


0) وكورنيل ويست (1994 est,‏ 11ءnإه).‏ بالإضافة إلى ذلك» وكما سنرى 
لاحقا في هذا الفصل» طورت نظريات ما بعد الاستعمار ونظريات النقد العنصري 
اليوم أشكالا غير دينية من الحركة الإنسانية ال موقعية الجديدةء والتي غالبا ما تستند 
إلى مصادر وتقاليد غير غربية. 

كثفت الثقافة الشعبية ام معاصرة من الممنحى ما بعد العلماني. لدى مادونا 
)M2d0n2(‏ اممعروفة في نسختها اليهودية (أو تحويلها إلى اليهودية) باسم 
إستیر (۲٤1اء8).‏ حوار وعمل مسرحي مثلت فيه شخص اليسوع أو حاورته» وقد 
أعادت إحياء تقليد صلب الإناث. تدرك إيفيلىن فوك Evelyn Fox Keller) lı‏ 
3)) ف عملها الرئيس حول نظرية اممعرفة النسويةء أهمية البوذية ف اكتشافات 
عاممة الأحياء الدقيقة المعاصرة ماكلينتوك (ءها«نا€ءM)‏ الحائزة جائزة نويل. 
یجادل بح liji‏ مور (Henrietta Moore)‏ الأنثروبولوجي الأخير بشأن الحياة 
الجنسية في كينيا (2007) بأنه» وبالنظر إلى تأثير اممنظمات الدينية في مستوى 
القاعدة الشعبية» فإن كونك أبيض اليوم هثل مشكلة أقل من كونك مسيحيا فاشلا. 
5 الآونة الأخيبرة اعترفت دونا هارواي )(onna Haraway)‏ بأنھا علمانية فاشلة 
Lei ‘(Haraway, 2006)‏ رأت هیلين سیکسوس )2004 aiÎ (Helene Cixous,‏ 
من المناسب أن تكتب كتابا بعنوان «صورة جاك دریدا بوصفه قدیسا یهودیا شابا» 
.)Portrait of Jaques Derrida as a Young Jewish Saint)‏ اموا ل الآن أن 
أسأل مرة أخرى: ما مدى علمانية كل هذا؟ 

يبرز بالتالي الفكر الذي يساوي العلمانية مع تحرير الممرآة بكل صراحة 
واستعجال باعتبارھا فکرا إشکالیا. کما تجادل جوان سکوت (ا†ەc؟ )[]oa۸‏ 
بشكل مقنع (2007)» هكن تحدي هذه الفكرة بسهولة عبر أدلة تاريخية 
متناقضة. إذا أخذناء على سبيل الممثال» الثورة الفرنسية كنقطة البدء التاريخية 
للعلمانية الأوروبيةء فلا يوجد دليل على أن الاهتمام مساواة اممرآة كان آولوية 
بالنسبة إلى أولئك الذين عملوا على فصل الكنيسة عن الدولة. العلمانية العالية 
هي في الأساس عقيدة سياسية لفصل السلطات» والتي توطدت حتى تاريخيا 
في أوروبا ومازالت بارزة في النظرية السياسية gıllم British Humanist)‏ 
7 ,د 0ciati0oءAs).‏ مع ذلك» فإن هذا التقليد من العلمانية يقدم استقطابا 


48 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


بين الدين واممواطنةء والذي يسن اجتماعيا في التقسيم الجديد بين نظام 
المعتقدات الخاصة وام مجال السياسي العام. هذا التمييز بين القطاعين العام 
والخاص هو جنساني بشكل دقيق. فقد جرى تاريخيا تخصيص النساء في أوروبا 
للمجال الخاص وكذلك ممجال الإهان والدين» حيث أصبحت الحركة الإنسانية 
«عبء الرجل الأبيض». هذا الإسناد التقليدي للإهان الديني إلى النساء يقف 
في طريق منحهن المواطنة السياسية الكاملة. شجعت النساء الأوروبيات على 
الانخراط في النشاط الديني» بدلا من المشاركة في الشؤون العامة. ليس ذلك 
مصدرا للتهميش الاجتماعي فقط, بل أيضا امتياز مشكوك فيهء نظرا إلى التمييز 
الجنسي الراسخ لدى اممتنفذين في بعض منظومات الأديان التوحيدية وإهانهم 
المشترك بضرورة استبعاد النساء من القسوسة وإدارة اممناسك اممقدسة. لذا فقد 
عززت العلمانية التمييز بين العواطف أو عدم المنطق» ما في ذلك الإهان والحكم 
الرشيد. في هذا المخطط الاستقطاي» خصّص القطب غير ا منطقي والعاطفي 
للنساءء ها في ذلك الدين» واجتمعت هذه العوامل لإبقائهن في المجال الخاص. 
لذلك» فإن العلمانية تعيد بالفعل قمع الممرآة واستبعادها من المجال العام 
للمواطنة والسياسة العقلانية. حقيقة أن العلمانية المثالية في التاريخ السياسي 
الأوروبي لا تضمن اعتبار النساء متساويات ف السياسة مع الرجال تفتح سلسلة 
من الأسئلة الحرجةء وفقا لجوان سكوت. ما الذي يجب أن تستنتجه النسويات 
الأوروبيات من أن الطمساواة داخل الدولة العلمانيةء عقلانيا وتاريخياء لا تضمن 
احترام الاختلاف» فضلا عن التنوع؟ 

هكن طرح هذه الأسئلة الرصينة والمهمة في أعقاب عقود من النظرية النقدية 
ا مناهضة للحركة الإنسانية. والتي ولدت آراء نسوية وما بعد استعمارية وبيئية 
مبتكرة. يصبح التعقيد شيا أساسيا حيث إنه من الواضح أن سردا واحدا لا يكفي 
لتفسير العلمانية باعتبارها مشروعا غير مكتمل وتفسير علاقتها بالحركة الإنسانية 
والسياسات التحررية. مكن لنهج ما بعد العلمانية الذي ببنى على قواعد قوية 
مناهضة للحركة الإنسانية أن يطرح الأفكار غير المقبولة مسبقا عن إمكانية نقل 
ودعم الوكالة امنطقية والذاتية السياسية عبر تقوى دينيةء بل قد تنطوي على قدر 
كبير من الروحانية. قد لا تتعارض نظم المعتقدات وطقوسها مع الفكر النقدي 


49 


ما رعد الإنسان 


وممارسات الممواطنة. سيمون دي بوفوار كانت ستشعر بالإحباط طمجرد سماع اقتراح 
ممثل هذا الاحتمال. 

دعوني أتطرق إلى حدود الموقف العلماني النسوي من زاوية أخرى. ترتكز 
فلسفتي الأحادية عن الصيرورات على فكرة أن المادة ا في ذلك تلك الشريحة 
المعينة من المادة التي تتجسّد في الإنسان» ذكية وذاتية التنظيم. هذا يعني أن 
المادة لا تعارض الثقافة جدلياء ولا الوساطة التكنولوجيةء ولكنها مستمرة معها. 
ينتج عن هذا مخطط مختلف للتحرر وسياسة غير جدلية لتحرير الإنسان. ولهذا 
ا موقف نتيجة طبيعية مهمة أخرىء آلا وهي أنه لا يتحتم على الوكالة السياسية أن 
تكون نقدية با معنى السلبي للمعارضةء ومن ثم قد لا تكون موجهة فقط أو بشكل 
أساسي إلى إنتاج ذوات مضادة. إن الذاتية هي بالأحرى عملية للخلق الذاتي أو 
التصميم الذاق» والتي تنطوي على مفاوضات معقدة ومستمرة مع المعايير والقيم 
السائدة ومن ثم أشكال متعددة من اممساءلة (2006 ,iا†هلنهإ8).‏ هكن لهذه 
الأنطولوجيا السياسية الموجهة نحو العملية أن تستوعب منعطفا ما بعد علمانيء 
وهو موقف يُدافع عنه أيضا عند النظريات النسوية من قبل مجموعة متنوعة من 
المفكرين» مثل هاردينغ (2000 ,عn‏ ل۲141( ومحموذ )2005 ù! .)Mahmood,‏ 
التحدي المزدوج المتمثل في ربط الذاتية السياسية بالوكالة الدينية وف الابتعاد عن 
الوعي المعاكس والنقد الذي يعرف بالسلبيةء هو إحدى القضايا الرئيسة التي أثارتها 
حالة ما بعد الإنسان. 

بيد أن الأمور التي تدور حول الحركة الإنسانية تعد أكثر تعقيدا مما هو متوقع 
منها. فعودة الدين ف النطاق الشعبي واللهجة الحادة التي يصل إليها النقاش 
الشعبي العام مي عن «صراع الحضارات»» فضلا عن حالة الحرب الداثمة ضد الإرهاب 
التي نتجت عن هذا السياق» فاجأت العديد من مناهضي الحركة الإنسانية. ليس 
من اللائق الحديث عن «عودة» الدينء كأنها حركة رجعية. فإننا حاليا نشهد موقفا 
أكثر تعقيدا من ذلك. أزمة العلمانيةء التي تعرف بالاعتقاد الجوهري* مسلمات 
العلمانية هي ظاهرة تحدث ضمن الأفق الاجتماعي والسياسي ما بعد الحداثة 


(*) أي امماهويّ (اءناهن٤مءءه).‏ [امترجمة]. 


50 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


ا متأخرة وا معوممةء وليس في عصر ما قبل الحداثة. هي أزمة المكان والزمان هذا. كما 
أنها تنتشر عند جميع الديانات» عند الجيل الثاني والثالث من اممهاجرين اممسلمينء 
وعند الممسيحيين امتعصبين الجدد» وعند الهندوس والعبرانيين وغيرهم. 

هذا هو السياق اممتناقض والعنيف الذي تشكلت فيه حالة «الاستثناء» الغربي 
كتضخيم للذات ف مديح إرث الحركة الإنسانية التنويرية. يصتّف هذا الادعاء 
بحالة الاستثناء الثقافي تحريرَ المرأة واممثليين جنسيا كامميزة المعرفة للغرب» يدا بيد 
مع التدخلات السياسية الجغرافية امسلحة ضد بقية العام. ها قد جندت الحركة 
الإنسانية ثانيا في حملة صليبية حضارية. هناك مبالغة في دور الحركة الإنسانية 
التحرري هاثلها استغلال تلك الحركة لتعزيز الكره للأجانب من قبل السياسيين 
الشعبيين في أوروباء لذلك يتحتم علينا إنقاذ الحركة الإنسانية من هذا التبسيط 
المبالغ فيه والانتهاكات العنيفة بحقها. لذلك أتساءل إن كان مكننا اليوم الاستمرار 
بالتمسك موقف بسيط مناهض للحركة الإنسانية. هل لا بد من بقاء بعض أشكال 
الحركة الإنسانية فكريا وسياسيا ومنهجيا؟ ما موقف مناهضي الحركة الإنسانية 
إن كان التعبير عن الخطابات الحربية الجديدة حول الأسبقية المزعومة للغرب 
جزءا من إرث الحركة الإنسانية العلمانيةء بينما تأخذ المعارضة الشديدة لها شكل 
ممارسات ما بعد العلمانية للدين امسيْس؟ مجرد كونك علمانيا يجعلك متواطئا مع 
المواقف الغربية الاستعمارية الاستعلائية الجديدةء بينما يكون رفضك لإرث التنوير 
متناقضا بطبيعته مع أي مشروع نقدي. إنها دوامة خانقة. 

بسبب هذه التناقضات العظيمة يصل الجدل الذي لا تبدو له نهاية بين الحركة 
الإنسانية ومناهضتها إلى طريق مسدود. لا يعد هذا الموقف غير مثمر فقطء بل 
إنه هنع أي قراءة واضحة لسياقنا الحالي. من أولوياتنا الآن أن نتخلى عن التوترات 
التي تحيط بالحركة الإنسانية ودحضها اممتناقض ذاتيا. يبرز حل آخر باعتباره خيارا 
مرغوبا فيه وضروريا بشكل متزايد: ما بعد الإنسانية كخطوة تتجاوز هذه الثنائيات 
الفتاكة. دعنا ننتقل إلى ذلك الآن. 


تحدى ما بعد الإنسان 
ما بعد الإنسانية هي اللحظة التاريخية التي تمثل نهاية المعارضة بين الحركة 


51 


ما رعد الإنسان 


الإنسانية ومناهضة الحركة الإنسانية وتتبع نهجا حواريا مختلفا يتطلع بإيجابية 
أكثر نحو بدائل جديدة. بالنسبة إل نقطة الانطلاق هي موت الرجل/ المرأة عند 
مناهضي الحركة الإنسانية والذي هثل تراجع بعض الافتراضات الأساسية للتنويرء 
أهمها تقدم البشرية من خلال الاستخدام الغا المرسوم واممنظم ذاتيا للمنطق 
والعقلانية العلمية العلمانية التي يفترض أن يكون هدفها وصول الإنسان إلى حالة 
من الكمال. يعتمد منظور ما بعد الإنسانية على افتراض التراجع التاريخي للحركة 
الإنسانيةء بيد أنه يستمر إلى ما هو أبعد من ذلك في استكشاف البدائل» من دون 
أن ينحدر إلى خطاب أزمة الإنسان. يحاول بدلا من ذلك دراسة طرق بديلة لتصور 
ذات الإنسان. سوف أركز في هذا الكتاب على أولوية موضوع ذاتية ما بعد الإنسان. 

تعني أزمة الحركة الإنسانية أن الآخرين البنيويين لذات الحركة الإنسانية 
الحديثة يعودون بانتقام في زمن ما بعد الحداثة (2002 ,اه لنهإ8). إنها 
حقيقة تاريخية آن الحركات التحررية العظيمة ما بعد الحداثة تحركها ويغذيها 
«الآخرون» المنبعثون: فحركة حقوق المرأة» وحركة مناهضة العنصرية وتفكيك 
الاستعمار» والحركات المناهضة للأسلحة النووية والمؤيدة لحماية البيئة هي 
أصوات الآخرين البنيويين للحداثة. فهي ق النهاية تمثل أزمة «مركز» الحركة 
الإنسانية السابق أو الذات المهيمنة السابقة» ولا تعد مناهضة للحركة الإنسانية 
فقط بل تتعدى ذلك إلى مشروع ما بعد إنساني جديد تماما. تعتبر هذه الحركات 
الاجتماعية والسياسية من أعراض أزمة الذات» بل يعتبرها المحافظون أيضا سبب 
الأزمةء وهي أيضا شكل التعبير عن بدائل إيجابية استباقية. أما في لغة نظريتي 
البدوية (ط2011 ,20114 ,٤٤هل‏ نةإ8) فهي تعبر في الوقت ذاته عن أزمة الأغلبية 
وأنماط تشكيل الأقليات. يكمن التحدي الذي يواجه النظرية النقدية ف القدرة 
على التفرقة بين اط تلك التحولات اممختلفة. 

أي أن موقف ما بعد الإنسان الذي أدافع عنه يعتمد على إرث مناهضة الحركة 
الإنسانية. وبالأخص على الأسس امعرفية والسياسية لجيل ما بعد البنيويةء ويستمر 
من هذا ال منطلق. إن الآراء البديلة عن الإنسان والتكوينات الجديدة للذات التي 
انبثقت من ال معارف الراديكالية لفلسفة أوروبا في الأعوام الثلاثين الماضية لا تعارض 
الحركة الإنسانية فقط بل تخلق رؤى أخرى للذات. تطورت الاختلافات الجنسية 


52 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


والعنصرية والكائنيةء بعيدة كل البعد عن كونها حماة الحدود الفئوية لذات الحركة 
الإنسانيةء إلى نماذج بديلة متكاملة للذات الإنسانية. سيوضح الفصل اللاحق» والذي 
سيتطرق إلى التحول إلى ما بعد اممركزية البشريةء مدى تأثير تلك الاختلافات في 
تنحية الإنسان. أما الآن» فأود أن أركز على هذا التغييبر من مناهضة الحركة الإنسانية 
إلى موقف ما بعد الإنسان الإيجاي» ودراسة بعض مكوناته دراسة نقدية. 

أرى ثلاثة فروع رئيسة في الفكر اممعاصر طا بعد الإنسان: يأت الأول من الفلسفة 
الأخلاقية ويطور شكلا تفاعليا ما بعد الإنسان؛ والثاني من الدراسات العلمية 
والتكنولوجية» ويفرض شكلا تحليليا ما بعد الإنسان؛ والثالث من تقليدي الخاص 
بفلسفات الذاتية ا مناهضة للحركة الإنسانيةء ويقترح نظرية ما بعد إنسانية نقدية. 
دعونا نلق نظرة على کل من هذه بدورها. 

يُدافع عن النهج التفاعلي مما بعد الإنسان نظريا وسياسياء من قبل المفكرين 
الليبراليين المعاصرين مثل مارڻا نوسباوم (2010 ,1999 «(Martha Nussbaum,‏ 
التي طورت دفاعا معاصرا شاملا عن الحركة الإنسانية باعتبارها ضمانا للد هوقراطية 
والحرية واحترام كرامة الإنسان» وترفض فكرة أزمة الحركة الإنسانية الأوروبية» فضلا 
عن إمكانية تدهورها تاريخيا. تعترف نوسباوم بالتحديات التي تطرحها الاقتصادات 
العامية ا معاصرة التي تحركها التكنولوجياء لكنها ترد عليها بتأكيد مُثْل الحركة 
الإنسانية الكلاسيكية والسياسة الليبرالية التقدمية. كما تدافع عن الحاجة إلى قيم 
الحركة الإنسانية الكونية بوصفها علاجا للتفتت والانحراف النسبي لعصرناء والذي 
هو نتيجة للعوممة نفسها. تقدم الكونية الكوزموبوليتانية الإنسانية أيضا بوصفها 
مضادا للنزعة القومية واممركزية العرقية اللتين ابتلي بهما العام المعاصء وللموقف 
الأمريكي السائد من الجهل عن بقية العام ٠‏ 

محور ما بعد إنسانية نوسباوم التفاعلية أو السلبية هو الفكر بأن أحد آثار 
العوممة هو نوع من إعادة صياغة السياق الناجم عن اقتصاد السوق. ينتج عن هذا 
نوع جديد من الترابط الذي يتطلب بدوره أخلاقيات الحركة الإنسانية الجديدة. 
تعتبر نوسباوم الكونية المجردة هي المموقف الوحيد القادر على توفير أسس ثابتة 
لقيم أخلاقية مثل التعاطف واحترام الآخرين» والتي تربطها بشكل أساسي مع تقليد 
الفردية الليبرالية الأمريكية. يسعدن اهتمام نوسباوم بأهمية الذاتية بيد أنني لا 


53 


ما رعد الإنسان 


أوافق على إعادة ربطها لذلك مع الاعتقاد الكوني بالفردية والهويات وامواقع الثابتة 
والأخلاقيات الملزمة. 

معنى آخر» ترفض نوسباوم رؤى الفلسفات الراديكالية المناهضة للحركة 
الإنسانية خلال الثلاثين عاما الماضية. وتجدر الإشارة إلى أنها تتبنى النزعة الكونية 
ضد الرؤى النسوية وما بعد الاستعمارية بشأن أهمية سياسات الموقع والفهم 
الدقيق للمصطلحات الجغرافية السياسية. بتبنيها للكونية المنزوعة تصبح نوسباوم 
ضيقة الأفق» وبشكل ينطوي على التناقض» حول ما تعتبره إنسانا (,1aطaط8‏ 
4.,.).). ليس هناك مجال لتجربة نماذج جديدة من الذات؛ فبالنسبة إلى نوسباوم 
مكن حل مشكلة ما بعد الإنسان عبر رؤية الذات من منظور الحركة الإنسانية مرة 
أخرى. كما سنرى في القسم التاليء بينما تملا نوسباوم الفراغ الأخلاقي للعام المعوم 
معايير الحركة الإنسانية الكلاسيكية» يأخذ نقاد ما بعد الإنسانية امسار التجريبيء 
فيحاولون ابتكار ادعاءات متجددة للمجتمع والانتماء من قبل أشخاص منفردين 
انتعدوا كران فرذية الحركة الإتساية. ۰ 

يآتي تطور ثان مهم ما بعد الإنسان من دراسات العلوم والتكنولوجيا. يثير 
هذا الحقل ل التخصصات ال معاصر أسئلة أخلاقية ومفاهيمية حاسمة حول 
وضع الإنسان» لكنه متردد عموما في إجراء دراسة كاملة حول آثارها على نظرية 
الذاتية. يؤثر موقف برونو لاتور ٣(‏ 0ة[ ٠«ںإ8)‏ المناهض للمعرفية والذاتية 
جزئيا في هذا التردد. وتنتج عن ذلك بشكل ملموس خطوط متوازية وغير 
متواصلة من تساؤلات تحول ما بعد الإنسان. فيظهر تقسيم جديد للمعرفة. 
على طول الخطوط الفاصلة بين «الثقافتين» العلوم الإنسانية والعلوم» والتي 
سأناقشها بعمق في الفصل الرابع. 

أما الآن» فدعوني أؤكد أن هناك اتفاقا ما بعد إنساني على أن العلوم 
والتكنولوجيات البيولوجية تؤثر في أساسيات وهيكل الأحياء وأدت إلى تغيير 
ملحوظ لفهمنا ما نعتبره الإطار المرجعي الأساسي طا هو إنسان. يخلق التدخل 
التكنولوجي على جميع الأحياء وحدة سلبية واعتمادا متبادلا بين البشر والأنواع 
الأخرى. مشروع الجینوم البشري e-٤(‏ ز٥۶۲‏ 0۳6٥۸ء6‏ 2۸ہ1u)ء‏ على سبیل اممثالء 
يوحد جميع الأنواع البشرية على أساس فهم شامل لبنيتنا الوراثية. بيد أن نقطة 


54 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 
التوافق هذه تولد مسارات متباينة للتساؤل. تستمر العلوم الإنسانية في نقاش الآثار 
ا معرفية والسياسية ممأزق ما بعد الإنسان نسبة إلى فهمنا للذات الإنسانية. كما أنها 
تثير قلقا عميقا حول الوضع الأخلاقي للإنسان وتعبر عن الرغبة السياسية في مقاومة 
الانتهاكات التجارية المسيرة بالرغبة قي الربح حول ال معارف الوراثية الجديدة. 

أما دراسات العلوم والتكنولوجيا ا معاصرة» فهي تعتمد أجندة مختلفة. فقد 
طورت شكلا تحليليا لنظرية ما بعد الإنسان. على سبيل المثال» يشير فرانكلين 
ولوري وستيسي (ey‌ءهt؟‏ ,را1 ,«نا)مه۴۲)» الذين يعملون في إطار مرجعي 
اجتماعي - ثقاف» إلى عام اليوم الذي تمكنه التكنولوجيا باسم «الإنسانية الشمولية» 
(26 :2000) anhumanityم‏ يشير هذا إلى شعور عاممي بالترابط بین جمیع البشرء 
ولكن أيضا بين الإنسان والبيئة غير البشريةء ما في ذلك البيئة الحضرية والاجتماعية 
والسياسية» والتي تخلق شبكة معقدة من الاعتمادات المتبادلة. إن هذه الإنسانية 
الشمولية الجديدة متناقضة من ناحيتين: أولا لأن قدرا كبيرا من ترابطها سلبي 
ويعتمد على شعور مشترك بالضعف والخوف من الكوارث الوشيكةء وثانيا لأن هذا 
القرب العاممي الجديد لا يولد دانما التسامح والتعايش السلمي؛ بل على العكس من 
ذلك» فإن أشكال الرفض للأجانب الآخرين والعنف المسلح المتزايد هي من السمات 
الرئيسة لعصرناء كما سأناقش ف الفصل الثالث. 

ومن الأمثلة الأخرى ذات الصلة على نفس الفكر التحليلي طا بعد الإنسانء في 
مجال دراسات العلوم الاجتماعية» عمل عام الاجتماع نيكولاس روز (ئةامطءNi‏ 
7 ,۸05#) الذي كتب ببلاغة عن الأشكال الجديدة من «الاجتماعية البيولوجية» 
(واناهذءهء-ه1ط) واممواطنة البيولوجية التي تنشأً من الاعتراف الممشترك بالطبيعة 
البيولوجية السياسية للذاتية ال معاصرة. واعتمادا على فكر فوكو عن قدرة الإدارة 
البيولوجية السياسية للحياة على تشكيل الاقتصادات الرأسمالية اممتقدمة اليو 
طور روز تحليلا فعالا مبنيا على سس تجريبية ممشاكل حالة ما بعد الإنسان. يشجع 
هذا الإطار التحليلي ما بعد الإنساني على رؤية المعيارية الجديدة لكانت من منظور 
فوكو. وأجد هذا امموقف مفيدا للغايةء أيضا لأنه يروج لرؤية الذات باعتبارها عملية 
علائقية» كما نراها ف المرحلة الأخيرة من عمل فوكو (,1985 ,1978 ۴0u cau]‏ 
6.). بيد أن العودة إلى رؤية المسؤولية الأخلاقية من منظور كانت» كما سأوضح 


55 


ما رعد الإنسان 


في الفصل القادم» تعيد الفرد إلى صميم النقاشء ولا تتوافق مع الأنطولوجيا المنهجية 
لدى فوكوء بل تخلق تناقضات نظرية وعملية تتعارض مع الهدف ال معلن الممتمثل في 
تطوير نهج ما بعد الإنسان. 

يقدم بیتر بول فيربيك (2001 erb eek,‏ ۴۵u1-إ۴eke)‏ دفاعا آخر عن فکر 
ما بعد الإنسان التحليلي» فيشير إلى الحاجة إلى تحول ما بعد أنثروبولوجي يربط 
الإنسان بغر الإنسان»ء وذلك انطلاقا من الاعتراف بالعلاقة الحميمية واممثمرة 
بين الإنسان والأدوات التقنيةء واستحالة الفصل بينها نظرياء مع الأخذ بالحذر 
من تخطي حدود معينة. يرتبط فكره التحلياي طا بعد الإنسان بنهج يتبع 
الحركة الإنسانيةء وبذلك فهو مقاربة معيارية للتكنولوجيا نفسها. آما حجته 
الأساسية فهي أن «التقنيات تسهم بشكل فاعل في سلوك البشر الأخلاقي» 
(2011: 5)؛ فيُّفرض شكل منقح ومحدث لأخلاقيات الحركة الإنسانية على 
تقنيات ما بعد الإنسانية. 

من أجل الدفاع عن مبداً الحركة الإنسانية في صميم التقنيات اممعاصرة يؤكد 
فيربيك الطبيعة الأخلاقية للأدوات التكنولوجية كوكلاء مكنها توجيه عملية اتخاذ 
القرارات الإنسانية بشأن القضايا المعيارية. كما يقدم أيضا أشكالا متعددة من 
القصدية ال ميكانيكية مفهرسة جميعها على أصناف غير إنسانية من الوعي الأخلاقي. 
يجادل فيربيك بأنه لا أمل لدينا في دمج تقنياتنا مع ا مجتمع العام وإدخال صنف 
ما بعد إنساني من الحركة الإنسانية ف القرن الحادي والعشرين إن م نأخذ أخلاقية 
الأشياء بجدية. ينتج عن هذا تحويل موقع القصدية الأخلاقية التقليدية من الوعي 
الإعلائي المستقل إلى الأدوات التقنية نفسها. 

تعد ما بعد الإنسانية التحليلية لدراسات العلوم والتكنولوجيا من أهم 
العناصر في ملعب ما بعد الإنسان المعاصر. آما فيما يتعلق بالنظريات النقدية 
للذات» والتي هي محور تفكيري» فإن هذا الموقع لا يتناسب مع ما وضع له 
لأنه يقدم شرائح مختارة من قيم الحركة الإنسانية من دون معالجة التناقضات 
الناتجة عن هذه امممارسة. 

يجب ألا يعمينا فخرنا بالإنجازات التكنولوجية والثروة التي تأي معها عن رؤية 
التناقضات الكبيرة وأشكال عدم اممساواة الاجتماعية والأخلاقية التي تولدها تقنياتنا 


56 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


ا متقدمة. لا يجدر بنا تجاهلها باسم الحياد العلمي أو الإحساس الذي ا بناۋه 
بعجلة للرابطة الإنسانية الشمولية التي أحدثتها العومة. 

أرى أن ما يلفت النظر بشأن مقاربة الدراسات العلمية والتكنولوجيةء سواء 
اعتمدت نظريا على الفلسفة الأخلاقية أو على النظرية الاجتماعية-الثقافية 
هو الدرجة العالية من الحياد السياسي الذي تعبر عنه بشأن مأزق ما بعد 
الإنسان. فعلى سبيل اممثال» يوضح كل من روز وفرانكلين وزملائهماء أن أبحاثهم 
لها تركيز تحلياي يهدف إلى تحقيق فهم إثنوغرافق أفضل وأكثر شمولا لكيفية 
عمل هذه التقنيات الجديدة. بل أكثر حميمية أحيانا. تميل دراسات العلوم 
والتكنولوجيا إلى تجاهل تأثير مواقفها في رؤية منقحة للذات. بل إن الذاتية 
ليست في الحسبان» يشاركها بذلك آي تحليل سياسي مستدام لحالة ما بعد 
الإنسان. بيد آنني أرى أن التركيز على الذاتية ضروري لأنه مكننا من تجميع 
القضايا التي تتبعثر حاليا عبر عدد من اممجالات. على سبيل اممثال» فإن قضايا 
مثل الأعراف والقيم» وأشكال الترابط المجتمعي والانتماء الاجتماعي» وكذلك 
التساؤلات بشأن الحكم السياسي» كلها تفترض وتحتاج إلى تعريف للذات. يريد 
الفكر النقدي طا بعد الإنسان إعادة تجميع مجتمع حواري يتكون من مختلف 
السلالات ال معاصرة وال مجزأة طا بعد الإنسانية. 

بالإضافة إلى ذلك لا يسعني إلا أن أشير إلى تقسيم عمل غريب إلى حد ما 
وإشكالي للغاية بشأن مسألة الذاتية بين الدراسات العلمية والتكنولوجية من ناحيةء 
والتحليلات السياسية للرأسمالية ال متقدمة من ناحية أخرى. على سبيل ال مثال» ميل 
هارت (2000 ,اك۲ة1[) ونيغري (2004 ,اإعه)» أو مدرسة لازاراتو الإيطالية 
(2004 ,2zar2t0ا)‏ وفیرنو (2004 )۷1۲٣٥,‏ إلى تجنب العلوم والتکنولوجیا وعدم 
التعامل معها بأي من العمق والتعقيد اللذين يكرسانهما لتحليل الذاتية. يجدر 
بنا مراجعة هذا الفصل بين المجالات الحوارية والعمل على نظرية ما بعد إنسان 
مطورة تشمل التعقيد العلمي والتكنولوجي وآثارها في الذاتية السياسية والاقتصاد 
السياسي وأشكال السلطة. سوف أطور هذا المشروع تدريجيا في الفصول التالية. 

هناك مشكلة أساسية أخرى فيما يتعلق ببقايا الحركة الإنسانية في محاولات ما 
بعد الإنسان التحليلية لإضفاء الطابع الأخلاقي على التكنولوجيا والتجارب الهامشية 


57 


ما رعد الإنسان 


لصنع أشكال جديدة من الذاتية. تلك المشكلة تكمن ف ثقتها المفرطة ق القصدية 
الأخلاقية للتكنولوجيا نفسها. وبشكل أكثر تحديدا إنها تهمل حالة الاستقلال 
الحالية التي وصلت إليها الآلات. يكمن تعقيد تقنياتنا الذكية في صلب التحول 
إلى ما بعد المركزية البشرية» والذي سيكون موضوع الفصل التالي. أما الآنء فدعونا 
ننظر في جانب واحد فقط من ذكائنا التكنولوجي. 

يثبر عدد حديث من المجلة الأسبوعية «الإيكونومىسٽ»« )2 The Economist,‏ 
)[٠« 2‏ بشأن «الأخلاق والآلة» بعض القضايا المهمة حول درجة الاستقلال الذاقي 
التي توصلت إليها الروبوتات» ويدعو اممجتمع إلى وضع قواعد جديدة لإدارتها. هذا 
تحليل مهم: فعلى النقيض من رؤية الحداثة للروبوت باعتباره خاضعا للإنسان» كما 
يتضح من «قوانين الروبوتات الثلاثة» التي وضعها آيزاك أسیموف (0۷ A1"‏ cھهء1)‏ 
في العام 71942 نواجه الآن وضعا جديداء مما يجعل التدخل البشري هامشيا إن ۾ 
يكن غير ذي قيمة تماما. يذكر ف «الإيكونومسٽ» (2012: 11): 

بينما تصبح الروبوتات أكثر استقلالية» فإن فكرة الآلات التي يتحكم 

فيها الكمبيوترء والتي تواجه القرارات الأخلاقيةء تنتقل من عام الخيال 

العلمي إلى العام الواقعي. 

ممعظم هذه الروبوتات الجديدة أهداف عسكرية وسأعود إليها في الفصل 
الثالث» بيد أن غيرها العديد مما يستخدم لأغراض مدنية معقولة تماما. تتشارك 
جميعها في ميزة أساسية: أصبح من المممكن تقنياء ومن خلال الروبوتات» الاستغناء 
عن الإنسان لاتخاذ القرارات على المستويين التشغياي والأخلاقي. ووفق هذا التقريرء 
سيتغير دور الإنسان من صانع القرار إلى مشغل القرار» فيراقب الروبوتات المسلحة 
والعاملة في عملها عوضا عن التحكم بها. تبقى فقط القضايا الأخلاقية والقانونية 
التي يتعين حلها لنتمكن من منح مسؤولية اتخاذ القرارات إلى الآلات اممستقلة 
فالقدرات المعرفية لذلك موجودة حاليا. 

لا بد للآلات اممستقلةء بينما تصبح أكثر ذكاء وأكثر انتشاراء أن تتخذ قرارات 
مصيرية» ومن ثم تولى الوكالة. ما إذا كانت هذه الدرجة العالية من الاستقلالية 
تؤدي إلى اتخاذ قرارات أخلاقية فذلك مازال موضوعا مم يبت فيه. وعلى رغم 
الادعاءات بالقصدية الأخلاقية المضمنة للتكنولوجياء أرى أنها محايدة من الناحية 


58 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


المعيارية. لننظر إلى بعض القضايا الساخنة مثلا: هل من الممكن لطائرة من دون 
طيار» تعرف أيضا باسم درون» أن تطلق النار على منزل يختبن فيه مجرم ما 
على رغم احتواء اممنزل على مدنيين أيضا؟ هل يجب على الروبوتات اممشاركة في 
الإغاثة في حالات الكوارث أن تخبر الناس عن حقيقة حالاتهم» ومن ثم تسبب 
الذعر والأم؟ تؤدي مثل هذه الأسئلة إلى مجال «أخلاقيات الآَلة» "c1i‏ 
sءنطء»‏ والتي تهدف إلى إعطاء الآلات القدرة على اتخاذ مثل هذه الاختيارات 
بشكل مناسب» آو معنى آخر. القدرة على التفرقة بين الخطاً والصواب. ومن 
ملك هذا القرار؟ 

وفقا ممجلة «الإيكونومست» (2012)» يجب تطوير مقاربة أخلاقية جديدة من 
خلال تجارب عملية. ويجب أن تركز بشكل خاص على ثلاثة مجالات: أولا سيادة 
القوانين لتحديد ما إذا كان المصمم أو المبرمج أو الصانع أو المشغل مخطئا في 
حالة حدوث خطأ في الجهاز. لتحديد امسؤوليةء يستوجب وجود سجل يمكنه شرح 
الأسباب الكامنة وراء عملية صنح القرار. يؤثر هذا ف التصميم» حيث الأفضلية تكون 
ممصلحة الأنظمة التي تطيع القوانين ا محددة مسبقا بدلا من أنظمة صنع القرار. 
ثانياء عندما تدمج النظم الأخلاقية ف الروبوتات» فإن الأحكام التي تتخذها يجب أن 
تكون تلك التي تبدو صحيحة لعموم الناس. ومكن هنا الاستعانة بتقنيات الفلسفة 
التجريبيةء والتي تدرس كيفية استجابة الناس لامعضلات الأخلاقية. ثالثاء هناك 
حاجة إلى تعاون جديد بين التخصصات الأكادهية للمهندسين وعلماء الأخلاقيات 
واممحامين وصناع السياسة» والذين سيسنون قواعد مختلفة تماما إن عملوا مفردينء 
ولکنهم سیکسبون کثیرا ن تعاونوا. 

إن ما يجعل المنحى في الموقف الذي يذكر في «الإيكونومست» ما بعد إنساني 
هو آنه لا يفترض أن العامل الحاسم لتكوين الذات هو بشر فردي» بل إنه يتصور 
ما هكن أن أسميه «ترابطا مستعرضا» أو «تجميعا لعوامل بشرية وغر بشرية 
لا يبختلف عن نظرية لاتور لıكة‏ llفlgعJ Actor Network Theory (Law‏ 
.an4 Hassard, 1999(‏ إنه لأمر جليل ألا تدعو مجلة حذرة ومحافظة إلى حد ماء 
مثل «الإيكونومست»» إلى العودة إلى قيم الحركة الإنسانية عندما تواجه تحدي 
قوى ما بعد الإنسان للتكنولوجيات التي طورناهاء بل إنها تدعو إلى التجريب 


59 


ما رعد الإنسان 


البراغماتي. يؤدي هذا إلى ثلاثة تعليقات من جانبي: أولاء أتفق تماما ننا لسنا في 
مرحلة تسمح لنا بالحنين إلى ماضي الحركة الإنسانية» بل هي مرحلة التجارب 
المتطلعة إلى الأمام لأشكال جديدة من الذاتية. ثانياء أود التركيز على البنية 
المحايدة معياريا للتكنولوجيات ال معاصرة: فهي لا تتمتع بوكالة إنسانية جوهرية. 
ثالثاء ألاحظ أن دعاة الرأسمالية المتقدمة يبدون أسرع في فهم الإمكانات الإبداعية 
ما بعد الإنسان من بعض التابعين الجدد للحركة الإنسانية ذوي النوايا الحسنة 
والتقدمية الذين يعارضون هذا النظام ما بعد الإنساني. سأعود في الفصل التالي 
إلى الصنف الانتهازي ها بعد الإنسان الذي طور في اقتصاد السوق ال معاصر. 


النقد ما بعد الإنساني 

لا يظهر الصنف الثالث لفكر ما بعد الإنسان» أي صنفي الخاص» ترددا مفاهيميا 
أو معياريا حول ما بعد الحركة الإنسانية. أريد أن أتجاوز ما بعد الإنسانية التحليلية 
وتطوير وجهات نظر إيجابية حول ذات ما بعد الإنسان. بطبيعة الحالء يقي مصدر 
إلهامي لتلك القفزة إلى النقد ما بعد الإنساني من جذوري المناهضة للحركة الإنسانية. 
وبشكل أكثر تحديداء هكن تاريخيا تتبع الفكر الذي توغل ف الكشف عن الإمكانات 
الإنتاجية طأزق ما بعد الإنسان إلى ما بعد البنيوية وامعاداة النسوية للكونية 
والظاهراتية اممناهضة للاستعمار لفرانز فانو (1967 ,0ص۴ )۴۲۵٣٤‏ ومعلمه إهمي 
سيزير (1955 ,۴٣نهوءé‏ ٤صن4).‏ فقد اتفقا ف التزامهما المستمر بالعمل على تداعيات 
ما بعد الإنسانية التي تؤثر في فهمنا امشترك للذات الإنسانية وللإنسانية بشكل عام. 

يوضح عمل منظري ما بعد الاستعمار ونقاد العنصرية فكرا كوزموبوليتانيا ما 
بعد الإنسانية يعززه تقليد أوروبي ومصادر غير أوروبية على السواء للإلهام الأخلاقي 
والفکري. هناك أمثلة عديدة لذلك» تستحق دراسة أكثر عمقا مما مكنني تقدهه 
هنا؛ فدعوني أختر جوهرها الأساسي(* : 

کان إدوارد سعيد (1978) من بين أوائل من نبهوا النقاد النظريين ق الغرب 
إلى الحاجة إلى تطوير سرد علمي منطقي للحركة الإنسانية العلمانية القاثمة على 
التنوير» والذي يأخذ في الاعتبار التجربة الاستعمارية وانتهاكاتها العنيفة والظلم 
الهيكلي» بالإضافة إلى الوجود ما بعد الاستعماري. طورت نظرية ما بعد الاستعمار 


60 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


هذه النظرة إلى الفكرة القائلة بأن مل امنطق والتسامح العلماني وا مساواة في ظل 
القانون والحكم الدهوقراطي يجب ألا تكون» بل وم تكن تاريخياء متكافئة مع 
الممارسات الأوروبية المتمثلة في الهيمنة العنيفة والاستبعاد والاستخدام المنهجي 
والفعال للإرهاب. إن الاعتراف بأن ا منطق والهمجية ليسا متناقضين» وليس كذلك 
التنوير والرعب» لا يؤدي بالضرورة إلى النسبية الثقافية أو العدمية الأخلاقيةء بل 
إلى نقد راديكالي ممفهوم الحركة الإنسانية وارتباطها بالنقد الدهوقراطي والعلمانية. 
يؤيد إدوارد سعيد الفكرة القائلة بأنه: 
من الممكن اتخاذ موقف نقدي تجاه الحركة الإنسانية باسم الإنسانية 

وانطلاقا من الدراية بانتهاكاتها من خلال تجربة المركزية الأوروبية 

والإمبراطورية» پمکن تشکیل نوع مختلف منها یکون کوزموبولیتانیا ومبنیا 

على النصوص واللغة التي تستوعب دروس الماضي العظيمة [...] والاستمرار 

باستيعاب الأصوات الناشئة وتيارات الحاضرء وكثير منها في الشتات وخارج 

عن الحدود الإقليمية ومشرد (2004: 11). 

يعد الكفاح من أجل هذه المساحات العلمانية التابعية أولوية للسعي ما بعد 
الإنساني إلى ما يعرف ف بعض الأوساط ب «أخلاقيات عاممية للسياسة والاقتصاد 
العامميين» )1998 .(Kung,‏ 

كما أن الكوزموبوليتانية الكوكبية لبول غيلروي (2000) تطرح شكلا مثمرا من 
نقد ما بعد الإنسان المعاصر. يحمل غيلروي أوروبا والأوروبيين مسؤولية فشلنا 
الجماعي في تنفيذ مُثل التنوير القائم على الحركة الإنسانية. يتردد نقاد العنصرية 
كحال النسويين» في تفكيك الموقف الذاتي» والذي م يكتسبوا حقه تاريخا. يعتبر 
غيلروي الاستعمار والفاشية منزلة خيانة للمثال الأوروبي للتنوير الذي يدافع عنه 
محاسبا الأوروبيين على إخفاقاتهم الأخلاقية والسياسية. تقسّم العنصرية الإنسانية 
المشتركة وتفصل البيض من أي شعور أخلاقيء وتنزل منهم إلى مكانة أخلاقية أقل 
إنسانية. كما أنها تنزل من غير البيض إلى وضع أنطولوجي دون إنساني يعرضهم 
للعنف القاتل. يستنكر غيلروي ما يطلق عليه دولوز اسم «الفاشيات الصغيرة» 
and Guattari, 1987)‏ euzeاe)‏ كونها وباء عصرنا المعوم» حيث إنه يتخذ موقفا 
قويا ضد عودة النداءات الأصولية إلى الاختلافات العرقية من قبل مجموعة متنوعة 


61 


ما رعد الإنسان 


من البيض والسود والصرب والروانديين والتكسان وغيرهم من القوميين. ويرى أن 
التحول الأخلاقي يقع في نقد كل فئة قوميةء وليس في تأكيد فئة مهيمنة جديدة. 
فيضع حراك الشتات والعلاقات بين الثقافات في مواجهة قوى القومية. هذه هي 
نظرية الخليط والتهجينء والكوزموبوليتانية غير العنصرية بشكل واضح. في مواجهة 
السلطة الدانمة للدول القوميةء يقدم غيلروي السياسة الإيجابية للحركات متعددة 
الأطراف» مثل مناهضة العبوديةء والنسوية» ومنظمة أطباء بلا حدودء وما شابه ذلك. 

يعد علم البيئة وحماية البيئة مصدر إلهام مختلف كليا وقوي لإعادات التكوين 
ا معاصرة مما بعد الإنسانية النقدية. فهي تعتمد على شعور واسع بالترابط بين الذات 
والآخر» ويشمل ذلك الآخرين غير البشر أو آخري «الأرض». هذه الممارسة التي 
تبنى على العلاقة بالآخر تتطلب رفض الفردية ا متمحورة حول الذات» وتعزز من 
قبلهء وتؤدي إلى إنتاج طريقة جديدة للجمع بين امصالح الذاتية ورفاهية امجتمع 
اأكو هة غا الواط البة 

تؤكد نظرية حماية البيئة على الصلة بين تركيز الحركة الإنسانية على الإنسان 
باعتبارها مقياسا لكل الأشياء والهيمنة على الطبيعة واستغلالهاء كما نها تدين 
انتهاكات العلم والتكنولوجيا التي تنطوي على عنف جسدي ومعرفي تجاه 
«الآخرين» البنيويين وترتبط بنموذج التنوير الأوروبي ل«اممنطق». إن النظرة العامية 
التي قارنت السيطرة بالتحكم العلمي العقلاني ب «الآخرين» كانت أيضا ضد احترام 
تنوع الأشياء الحية والثقافات الإنسانية (1993 ,۷aنط؟‏ كمه .)Mi6s‏ أما البديل 
البيئي فهو نهج شامل جديد يجمع بين علم الكونيات والأنثروبولوجيا والروحانية 
ما بعد العلمانيةء النسوية أساساء لتأكيد الحاجة إلى الاحترام ا لمحب للتنوع في كل 
من الأشكال البشرية وغير البشرية. من الأهمية مكان أن شيفا (1۷aط5)‏ ومايس 
(ءM1#)‏ يؤكدان أهمية الروحانية التي تحافظ على الحياة في هذا الصراع من أجل 
أشكال ملموسة جديدة من الكونية: تقدير لقدسية الحياةء واحترام راسخ لكل ما 
هو حي. يتعارض هذا الموقف مع الحركة الإنسانية الغربية واستثمار الغرب في 
العقلانية والعلمانية باعتباره شرطا سابقا للتنمية من خلال العلوم والتكنولوجيا. 
ومن منظور شامل» يدعون إلى «إعادة سحر العام» (1993: 18)» أو إلى شفاء الأرض 
وما فصل بقسوة. بدلا من التركيز على التحرر من عام الضرورة الطبيعية. يناشد 


62 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


شيفا من أجل شكل من أشكال التحرر الذي يحدث داخل هذا العام وف انسجام 
معه. من هذا التحول في المنظور» هناك نقد للمثل الأعلى للمساواة كتقليد لأماط 
السلوك الرجولية ورفض لنموذج التنمية اممبني على هذا اممثل الأعلى واممتوافق مع 
الأشكال العاممية للسيطرة على السوق. 
على الرغم من أن ما بعد الإنسانيين البيثيين من أمثال شيفا يهتمون كثيرا بأن 
ينأوا بآنفسهم عن کل ما يرتبط ولو ارتباطا بسيطا ب «ما بعد» الحداثةء أو ما بعد 
الاستعمارء آو ما بعد النسويةء بيد آنهم يتشاركون» بشكل ينطوي على مفارقة مع 
نقد ما بعد الإنسان من حيث الاعتقادات اممعرفية. فعلى سبيل الممثال» هم يتفقون 
مع جيل ما بعد البنيوية على نقد محاولة مجانسة الثقافات تحت تأثير الرأسمالية 
المتقدمة المعومة. ويقترحون كبديل نوعا قويا من حماية البيئةء يقوم على أساس 
الحركة الإنسانية الجديدة غير الغربية. فالمهم لدى مايس وشيفا هو إعادة تأكيد 
الحاجة إلى قيم كونية جديدة للترابط بين البشر على نطاق عاممي. ومن ثم تدمج 
الاحتياجات الكونية مع الحقوق الكونية ويركزون على الضروريات الأساسية 
والملموسة. مثل الغذاء واممأوى والصحة والسلامةء كتركيزهم على الاحتياجات 
الثقافية العلياء مثل التعليم والهوية والكرامة والمعرفة والمودة والفرح والرعاية. 
وتشكل هذه الاهتمامات الأساس الممادي للمطالبات الموقعية بقيم أخلاقية جديدة. 
وهكذا فإن حركة ما بعد إنسانية بيئية جديدة تطرح قضايا تتعلق بالسلطة 
والاستحقاق في عصر العوممةء وتدعو إلى التأمل الذاق من جانب الأشخاص الذين كانوا 
يحتلون امركز الإنساني سابقاء ولكن أيضا من جانب أولئك الذين يحتلون أحد مراكز 
القوة العديدة اممنتشرة في زمن ما بعد الحداثة اممتقدم )1994 „(Grewal and Kaplan,‏ 
في عملي الخاص أعرّف ذات ما بعد الإنسان النقدي ضمن فلسفة بيئية 
لانتماءات متعددةء كذات علائقية مكونة من وعبر التعدديةء أي ذات تعمل عبر 
الاختلافات وتختلف داخليا أيضاء على رغم كونها ثابتة ومسؤولة. تعبر ذاتية ما 
بعد الإنسان عن شكل من أشكال اممساءلة المتجسدة واممضمنة» ومن ثم عن شكل 
جز للمساءلة» مبني على إحساس قوي بالتجمع» والعلاقةء ومن ثم ببناء المجتمع. 
إن موقفي هذا يؤيد التعقيد ويعزز ذاتية ما بعد الإنسان الراديكالية التي 
تستند إلى أخلاقيات الصيرورة. كما سنرى في الفصل التالي. لذلك يتحول التركيز 


63 


ما رعد الإنسان 


من ذوات وحدوية إلى ذوات بدوية تعارض الحركة الإنسانية العالية وأشكالها 
المعاصرة. هذه النظرة ترفض النزعة الفرديةء ولكنها تبتعد أيضا عن النسبية أو 
الانهزامية العدميةء فتعزز رابطة أخلاقية تختلف اختلافا كليا عن المصالح الذاتية 
لشخوص فردية كما صنفت لدى الخطوط الكلاسيكية المرجعية للحركة الإنسانية. 
تقترح أخلاقيات ما بعد الإنسان لذات غير وحدوية إحساسا موسعا للترابط بين 
الذات والآخرين» ها في ذلك غير الإنسان والآخر «الأرضي»» عبر إزالة عقبة الفردية 
المتمحورة حول الذات. فكما رأينا سابقاء تولد رأسمالية النشوء الحيوي اممعاصرة 
شكلا عاطميا من الاعتماد المتبادل التفاعلي لجميع الكائنات الحيةء ما في ذلك غير 
البشر. ويكون هذا الشكل من الوحدة سلبيا نوعا ما كشكل مشترك من الشعور 
بالضعف» أو شعور عاممي بالترابط بين البيئة البشرية وغير البشرية في مواجهة 
التهديدات اممشتركة. إعادة تركيب الترابط البشري ما بعد الإنساني الذي أقترحه 
ليس ثل الترابط التفاعلي الناشن عن الإحساس بالضعف» بل هو رابط إيجابي يجد 
الذات عبر تدفق العلاقات مع عديد من الآخرين. 

كما سنرى في الفصل التايء هناك رابط ضروريء» بالنسبة إلي» بين ما بعد 
الإنسانية النقدية والانتقال إلى ما بعد المركزية البشرية. أود أن أشير إلى هذه 
الخطوة باعتبارها توسيعا ممفهوم الحياة ليشمل غير الإنسان أو «زوي» (ع٥z).‏ 
تنتج عن هذا ما بعد إنسانية راديكالية كموقف يحول التهجين والارتحال والشتات 
وعمليات دمج اللغات إلى وسائل لإعادة تأسيس الادعاءات بالذاتية والروابط 
وا مجتمع بين ذوات من النوع البشري وغير البشري. هذه هي الخطوة التالية 
للنقاش» والتي سأوضحها في الفصل الثاني. 


الخلاصة 

لقد تتبع هذا الفصل مسار رحلتي الخاصة من الأشكال المتعددة ال ممكنة طا 
بعد الحركة الإنسانيةء ما في ذلك ظهور أشكال بديلة ما بعد الإنسانية النقدية. 
تفترض هذه الأشكال الجديدة عند زوال ذلك «الرجل» - المقياس السابق لكل 
الأشياء. يكشف عن الممركزية الأوروبيةء والذكوريةء واممركزية البشرية كظواهر 
معقدة ومتباينة داخليا. يتماشى هذا مع الطابع المعقد للغاية ممفهوم الحركة 


64 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 
الإنسانية نفسها. هناك ف الواقع عديد من الحركات الإنسانيةء ومساري الخاص 
يكافح من منظور الأجيال والجغرافيا السياسية بشكل أساسي ضد خط معين من 
هذه العلوم: 
الحركات الإنسانية الرومانسية والإيجابية التي أسست من خلالها 
البرجوازية الأوروبية هيمنتها على «الحداثة» الحركة الإنسانية الثورية 
التي هزت العام والحركة الإنسانية الليبرالية التي سعت إلى ترويضهء 
الحركة الإنسانية للنازيين والحركات الإنسانية لضحاياهم وخصومهم 
الحركة الإنسانية اممناهضة للإنسانيةڌ لدی مlيدغر (Heidegger)‏ 
ومناهضة الحركة الإنسانية القانمة على الإنسانية لدى فوكو وألتوسر 
(إمssاAth)‏ الحركة الإنسانية العلمانية لهكسلي (رءا×u)‏ ودوكينز 
أو ما بعد الحركة الإنسانية لدى غيبسون (١٥ءطز6)‏ وهاراواي 
.(Davies, 1997: 141)‏ 
إن حقيقة أن هذه الحركات الإنسانية المختلفة لا مكن اختزالها إلى سرد 
خطي واحد هي جزء من المشكلة والتناقضات التي تنطوي عليها محاولة 
التغلب على الحركة الإنسانية. ما يبدو جليا تماما بالنسبة إلي هو الضرورة 
التاريخية والأخلاقية والسياسية للتغلب على هذه الفكرةء في ضوء تاريخها 
المملوء بالوعود غير المحققة وبالوحشية غير المعترف بها. يتمثل أحد التدابير 
ا منهجية والتكتيكية الأساسية لدعم هذه العملية في ممارسة سياسات الط موقع» 
أو ممارسات الممعرفة الموضوعة واممساءلة. 
دعوني أختتم بثلاث ملاحظات أساسية: أولاء إننا بحاجة إلى نظرية جديدة 
للذات تلتفت إلى منعطف ما بعد الإنسان» ومن ثم تقر بتراجع الحركة الإنسانية. 
ثانياء كما يتضح من انتشار مواقف ما بعد الإنسان النقدية داخل وخارج التقاليد 
الفلسفية الغربيةء فإن نهاية الحركة الإنسانية الكلاسيكية ليست بأزمةء بل إِنها 
تنطوي على عواقب إيجابية. ثالثاء كانت الرأسمالية اممتقدمة سريعة ف استشعار 
واستغلال الفرص التي أتاحها تراجع الحركة الإنسانية الغربية وعمليات التهجين 
الثقاي الناجمة عن العومة. سأتطرق إلى هذا الأخير في الفصل التاليء لذلك دعوني 
أتحدث بامموجز عن النقطتين الأخريين. 


65 


ما رعد الإنسان 


أولاء نحتاج إلى تحديد تداعيات مأزق ما بعد الإنسان المتمثل في تراجع الحركة 
الإنسانية الأوروبية من أجل تطوير أساس قوي للذاتية الأخلاقية والسياسية. فإن 
عصر ما بعد الإنسان مملوء بالتناقضات كما سنرى في الفصلين اممقبلين. فتتطلب 
هذه التقييم الأخلاقي والتدخل السياسي والعمل المعياري. ومن ثم فإن ذات ما 
بعد الإنسان لا تنتمي إلى ما بعد الحداثةء معنى أنها ليست مناهضة للتأسيسية. كما 
أنها ليست تفكيكيةء لأنها ليست مؤطرة لغويا. إن ذات ما بعد الإنسان التي أدافع 
عنها هي مادية وحيوية» متجسدة ومضمنة» لها موقع ما وفقا ل «سياسات المموقع» 
النسوية التي أكدتها طوال هذا الفصل. ماذا أؤكد كثيرا موضوع الذات؟ لأن فكرة 
الذاتية باعتبارها شيئا ماديا وعلائقياء «طبيعيا - ثقافيا» ومنظما ذاتيا أمر بالخ الأهمية 


لفكر ما بعد الإنسان لا يأخذنا بعيدا. وبشكل خاص» يتيح لنا الاهتمام الجاد بالذات 
مراعاة عناصر الإبداع والخيال والرغبة والآمال والتطلعات (2011 )M ٥0۲۴,‏ التي 
لا مكننا من دونها فهم الثقافة العاممية ا معاصرة وتشعيباتها ما بعد الإنسانية. نحن في 
حاجة إلى رؤية للذات «تليق بالحاضر». 

يقودنا هذا إلى ملاحظتي الختامية الثانية: قضية امركزية الأوروبية من حيث 
«القومية المنهجية» (2007 ,kءء8)‏ وروابطها طويلة الأمد بالحركة الإنسانية. إن شخوص 
ا معرفة الأوروبيين المعاصرين يجب أن يفوا بالالتزام الأخلاقي بأن يكونوا مسؤولين 
عن تاريخهم الماضي والظل الطويل الذي يلقي به على سياساتهم الحالية”. إن المهمة 
الجديدة التي تقع على عاتق أوروبا هي نقد امصالح الشخصية ضيقة الأفق» والتعصب 
ورفض الآخر الناجم عن كراهية الأجانب. إن مصير اممهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء 
الذين يتحملون وطأة العنصرية في أوروبا ا معاصرة يرمز إلى ضيق العقل الأوروي. 

يجب سن أجندة جديدة ليست للذاتية العقلانية الكونية الأوروبية أو ذات 
ا مركزية الأوروبيةء بل تكون تحولا راديكاليا لهاء ينفصل عن ميول آوروبا الإمبريالية 
والفاشية وغير الدهوقراطية. كما ذكرت سابقا ف هذا الفصلء فمنذ النصف الثاني من 
القرن العشرين» عكست أزمة الحركة الإنسانية الفلسفية - واممعروفة أيضا باسم وفاة 
«الإنسان» - ال مخاوف الأكبر حول تدهور موقع أوروبا الجغرافي السياسي كقوة عامية 
إمبرياليةء بل ضخمت من هذه ام مخاوف أيضا. تعمل النظريات والظواهر التاريخية 


66 


ما بعد الحركة الإنسانية: الحياة ما وراء النفس 


العاممية جنبا إلى جنب عندما يتعلق الأمر مسألة الحركة الإنسانية الأوروبية. وبسبب 
هذا الصدى بين البعدينء فإن للنظرية النقدية مساهمة فريدة في النقاش حول أوروبا. 

أعتقد أن حالة ما بعد الإنسان مكن لها أن تسهل مهمة إعادة تحديد دور 
جديد لأوروبا ي عصر تتسم فيه الرأسمالية العامية بالانتصار وبقصور واضح من 
حيث الاستدامة والعدالة الاجتماعية (2011 ,ل٣‏ هااه1). يعتمد هذا الاعتقاد 
المتفائل على المقاربة ما بعد القومية )2006 (Habermas, 2001; Braidotti,‏ 
والتي تعبر عن تراجع المركزية الأوروبية بوصفه حدثا تاريخيا وتدعو إلى تحول 
نوعي قي اطمنظور بالنسبة إلى إحساسنا الجماعي بالهوية. تتناول سيلا بن حبيب 
(bاBenhabi‏ ماSey)»‏ ف عملها الرائع حول الكوزموبوليتانية البديلة (2007» 
موضوع أوروبا كموقع للتحول. إن تركيزها على الممارسة الكوزموبوليتانية التعددية 
والتزامها بحقوق اللاجئين وعدي الجنسية» بالإضافة إلى المهاجرين» يطور من 
المفاهيم الكونية الكلاسيكية للكوزموبوليتانية ويدعو إلى ممارسات موقعية 
ومحددة بالسياق. لهذا صدى إيجابي لدى أخلاقيات ما بعد الإنسان لدي. ومن 
ثم» فإن اممهمة الأساسية لنظرية ما بعد الإنسان النقدية هي رسم خرائط محكمة 
ودقيقة مواقع الذات الممختلفة هذه كنقاط انطلاق نحو إعادة تشكيل ما بعد 
الإنسان لرابطة كوزموبوليتانية بشرية شاملة. 

وبشكل أكثر تحديدا أود دفع القضية إلى أبعد من طموح هابرماس 
)He5(‏ الاجتماعي الدهوقراطي وأروج ممشروع ما بعد الإنسان الممتمثل في 
«التحول إلى أقلية» أو تحول أوروبا إلى البدوية );1987 Deleuze and Guattari,‏ 
8 نBraidot†i).‏ هذه طريقة لتجاوز عدد من اممزالق الثنائية» على سبيل الممثال 
بين أوروبا المعوممة والمتنوعة ثقافيا من جهةء والتعاريف الضيقة للهوية الأوروبية 
وا متسمة بالخوف من الأجانب من ناحية أخرى. لكي تتحول أوروبا إلى البدوية 
تجب مقاومة القومية وكراهية الأجانب والعنصريةء وهي العادات السيئة لأوروبا 
الإمبراطورية القدهة. على هذا النحي يعتبر هذا النقيض من كونية الماضي الفائقة 
والعدوانيةء والتي تستبدل منظور قائم وخاضع للمساءلة. ويحتضن مشروعا 
سياسيا وأخلاقيا جديداء من خلال اتخاذ موقف حازم أيضا ضد متلازمة «أوروبا 
الحصن» وإحياء التسامح بوصفه أداة للعدالة الاجتماعية (2006 ,«س0إ8). 


67 


ما رعد الإنسان 


يمكن للانعطاف طا بعد الإنسان أن يدعم هذا المشروع ويعززه حيث إنه 
يزحزح التركيز الحصري على اعتبار آوروبا مهد الحركة الإنسانيةء مدفوعة بشكل من 
الكونية التي تمنحها إحساسا فريدا بأهميتها التاريخية. تتضمن عملية أن تتحول 
أوروبا إلى أقلية أو أن تتحول إلى البدوية رفض الدور التبشيري الذي خصصته أوروبا 
لنفسها باعتبارها مركزا مزعوما للعام. إذا كانت هناك طفرة اجتماعية وثقافية 
تحدث في اتجاه مجتمع متعدد الأعراق ومتعدد الوسائط. فلن يؤثر التحول في 
قطب «الآخرين» فقط. بل يجب أن يزيح بالقدر نفسه الموقف والصلاحية المتمثلة 
في «اممماثل» أو ا مركز السابق. من ال مؤكد أن مشروع تطوير نوع جديد من الهوية 
الأوروبية البدوية مما بعد القومية هثل تحديا لأنه يتطلب إلغاء التعارف مع هويات 
راسخة ومرتبطة بالأمة. هذا المشروع سياسي في صميمه» لكن لديه نواة عاطفية 
قوية مصنوعة من الاقتناعات والرؤية والرغبة الفعالة في التغيير. مكننا مجتمعين 
تمكين هذه الصبرورات البديلة. 

قد يبدو توجهي طا بعد الإنسان خياليا أو حتى قليل الصبرء بيد أنه استباقي 
للغايةء أو لأستخدم لفظي المفضل: إيجابي. تجمع السياسة الإيجابية بين النقد 
والإبداع في السعي وراء الرؤى وا مشاريع البديلة. بالنسبة إليء يتمثل تحدي حالة 
ما بعد الإنسان ف اغتنام الفرص التي يتيحها تراجع موقف الذات الوحدوي الذي 
تدعمه الحركة الإنسانيةء والذي تحور إلى عدد من الاتجاهات الممعقدة. على 
سبيل ال مثال: الاختلاط الثقاف ام متوافر بالفعل في رواسبنا الإثنية ما بعد الصناعية 
وإعادة تكوين الأجناس والهويات الجنسية التي تشتعل تحت صورة تكافؤ الفرص 
الهادئة ظاهرياء ليست مؤشرات لوجود أزمة» بل هي أحداث مثمرة. إنها نقاط 
البداية الجديدة التي تطرح إمكانيات غير مستغلة للربط وبناء المجتمع والتمكين. 
وباممثل» فإن الثورة العلمية الحاليةء التي تقودها العلوم الجينية البيولوجية والبيئية 
والعصبية وغيرهاء تخلق بدائل قوية للممارسات امعروفة ولتعريفات الذاتية. بدلا 
من التراجع إلى عادات الفكر الرسوبية التي رسخها ماضي الحركة الإنسانيةء فإن 
مأزق ما بعد الإنسان يشجعنا على الاندفاع نحو تعقيدات وتناقضات عصرنا. 
ولنكون على قدر هذه اممسؤوليةء نحن في حاجة إلى إبداع مفاهيمي جديد. 


68 


«یجب فتح مساحات مكثفة للصيرورةء 
والأهم من ذلك هو أن تبقى مفتوحة» 


ما بعد المركزية البشرية: 
الحياة ما وراء النوع 


أعجبت بکتابات جورج إليوٽ (ع0۲gءG‏ 
٤ع‏ ) حتی قبل علمي بآنها ترجمت سبینوزا 
(024«ام5)» الفيلسوف المفضل لديء إل 
الإنجليزية. كانت ماري إjil (Mary Evans)‏ 
امرأة ذات مواهب متعددة وأي شخص 
سق آن تعاطف مع دورو (1e4٤٥ہ٥)‏ ف 
«میدطارش» )1973 (Middlemarch,‏ Îو‏ ماغي 
)Maggie(‏ ف «طاحونة على نهر فلوس» '11e(‏ 
on the Floss, 2003‏ 1اMi)‏ قد لا يدرك إدراکا 
معرفيا آنه صعد - بشكل مفاجئ ومميت - إلى 
کون أحادي onisti‏ / من العلاقات العاطفية 
ا متقاطعة التي هي شيء أساسي ف الحياة. ألفت 
جورج إليوت جملتي اممفضلة باللغة الإنجليزية: 
(*) الأحادية عنائن«مه: عقيدة فلسفية ترى أن الإنسان» والكون 
كله» يتكونان من مادة واحدةء أي أنهما ذوا طبيعة أحادية. يقابلها 
كل من «الثنائية» وا2 التي ترى أن للإنسان والواقع طبيعتين: 


مادية وفكرية» و«التعددية» ۳ءاهں!۲ التي تری أنهما یتکونان من 
أكثر من أمرين [ا محرر]. 


69 


ما رعد الإنسان 


لو كنا نعي ونشعر جيدا بحياة البشر العادية كلهاء فسيكون ذلك مثل 

سماع صوت العشب وهو ينموء وقلب السنجاب وهو ينبض» وسنموت من 

هذا الزثير الذي يقع على الجانب الآخر من الصمت. فأسرغنا مضي ف الحياة 

مملوءا بالغباء (226 :1973 ,i0tا).‏ 

إن الزئير الذي يقع على الجانب الآخر من القشرة المتمدنة وا متحضرة التي تسمح 
بهويات مقيدة وتفاعل اجتماعي فعَال هو مؤشر سبينوزي على الطاقة الكونية الخام 
التي تؤثر في صنع الحضارات وا مجتمعات ورعاياها. المادية الحيوية هي مفهوم يساعدنا 
على فهم ذلك البعد الخارجي الذي يندرج ف الواقع داخل الذات كاممدونة الموسيقية 
المبطنة للاهتزاز الكوني )1994 Deleuze and Guattari,‏ ;1992 ,eچDeleu).‏ كما آنه 
يشكل جوهر إدراك ما بعد إنساني يهدف إلى التغلب على اممركزية البشرية. 

دعوني أوضح بعض هذه الأفكار المعقدة. يشير «الكون الأحادي» Monistic‏ 
6 إلى مفهوم سبينوزا المركزي أن المادة والعام والبشر ليسوا كيانات ثنائية 
شكلت وفقا مبادئ المعارضة الداخلية أو الخارجية. يعارض هذا المفهوم بشكل أساسي 
فلسفة ديكارت (ء#إهءء٠0)‏ الشهيرة التي تفصل الجسد عن العقلء غير أن الممفهوم 
يعني أكثر من ذلك بالنسبة إلى سبينوزا: فاممادة واحدةء مدفوعة بالرغبة في التعبير عن 
الذات» وهي حرة من الناحية الأنطولوجية. تسبب عدم وجود أي إشارة إلى السلبية وإلى 
ا معارضات الجدلية العنيفة في انتقادات حادة لسبينوزا من جانب هيغل وامماركسيين 
الهيغليين. كان ينظر إلى نظرة سبينوزا الأحادية للعامم باعتبارها غير فعالة من الناحية 
السياسية وشمولية في جوهرها. بيد أن هذا الوضع تغير بشكل كبير في سبعينيات القرن 
الماضي في فرنساء عندما أعادت موجة جديدة من العلماء استخدام أحادية سبينوزا على 
وجه التحديد باعتبارها علاجا لبعض تناقضات الماركسية وبوصفها طريقة لتوضيح علاقة 
هيغل ماركس". والفكرة الرئيسة هي التغلب على ام معارضة الجدليةء وتوليد مفاهيم غير 
ثنائية للمادية (2008 ,ط4ط ;1991 ti‏ ەلنها8)» باعتبارها بديلا للمخطط الهيغاي. 
لذلك» يتكون «الإرث السبينوزي» من مفهوم فاعل جدا للأحادية» سمح لهؤلاء الفلاسفة 
الفرنسيين الحديثين بتعريف المادة على أنها حيوية ومنظمة ذاتياء وبذلك أصدروا المزيج 
المذهل من «المادية الحيوية». ولأن هذه المقاربة ترفض جميع أشكال الإعلائيةء فهي 
عرف أيضا باسم «اممحايثة الراديكالية» ane”‏ ص ص1 a1ءل4ء.‏ تؤدي الأحادية إلى نقل 


70 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 
الأختلاف خازج المخطط الجدل» كحملية معقدة من الاختلاف تؤطر بواسطة قوي داخلية 
وخارجية وتستند إلى مركزية علاقتها مع العديد من غيرها. 
هذه الافتراضات الأحادية هي بالنسبة إلي اللبنات الأساسية لنظرية ما بعد الإنسان 
للذاتية وازناءزطان؟ التي لا تعتمد على الحركة الإنسانية الكلاسيكية والتي تتجنب 
ا مركزية البشرية. يعزز التركيز الكلاسيكي على وحدة المادةء وهو أمر أساسي عند سبينوزل 
من خلال فهم علمي محدث للهيكل التنظيمي الذاتي أو «الذي» للمادة الحية. تدعَم 
هذه الأفكار من خلال التطورات الجديدة في العلوم البيولوجية ا معاصرةء والعلوم 
العصبية وا معرفية وقطاع المعلوماتية. الذوات ما بعد الإنسانية مُتَوَسّطة تكنولوجياً إلى 
درجة غير مسبوقة. على سبيل الممثالء يحدث دعم وتطوير مقاربة سبينوزية جديدة 
اليوم من خلال تطورات جديدة ف العلاقة بين العقل والجسم لدى العلوم العصبية 
.)Dam as0, 2003(‏ بر آييء أرى أن هناك علاقة مباشرة بين الأحادية ووحدة كل الممواد 
الحية وما بعد ال مركزية البشرية» كإطار مرجعي عام للذاتية المعاصرة. 


تحذير عاي 

يعتبر عمل جورج إليوت مقدمة جيدة لبعض جوانب هذه النظرة اممادية على 
الأقل (أوء كما سأناقش لاحقا في الفصلء «اممادية - الواقعية» انهه - ۴۲٤٤ة٠.).‏ وهذه 
مساعدة مرغوبةء حيث إن العديد من الافتراضات الخاصة بعام ما بعد المركزية البشرية 
غير بديهية إلى حد ماء على الرغم من أن المصطلح قد اكتسب شهرة واسعة النطاق في 
الوقت الحاضر. في النقاشات العامة السائدةء على سبيل المثالء عادة ما يقدم ما بعد 
الإنسان مع شعور من القلق بشأن تجاوزات التدخل التكنولوجي وخطر تغير اممناخ» 
أو شعور بالغبطة حول إمكانات تعزيز الإنسان. أما في المحيط الأكادهي» فإن نقد 
امركزية البشرية له آثار مدمرة أكثر من الأجندة التحويلية ما بعد الحركة الإنسانية التي 
حللتها في الفصل السابق. إن التحول إلى ما بعد المركزية البشريةء امرتبط بالتأثيرات 
المركبة للعوممة وأشكال الوساطة التي توجهها التكنولوجياء يصيب الإنسان في قلبه ويغير 
العوامل التي تستخدم لتعريف الإنسان/ الآنثروبوس (كهم١إطامه).‏ 

أود في هذا الفصل آن آبين أن قضية علاقة ما بعد الإنسان ها بعد امركزية 
البشرية تختلف تماما عن علاقته ما بعد الحركة الإنسانية. فأولاء إن كانت ما بعد 


71 


ما رعد الإنسان 


الحركة الإنسانية تستخدم أساسا مجال الفلسفة والتاريخ والدراسات الثقافية والعلوم 
الإنسانية الكلاسيكية عموماء فإن قضية ما بعد المركزية البشرية تضيف إلى ذلك 
أيضا دراسات العلوم والتكنولوجياء وثقافة الوسائط الجديدة والرقميةء وحماية البيئة 
وعلوم الأرض» وعلم الوراثة الحيويةء وعلم الأعصاب والروبوتات» والنظرية التطوريةء 
والنظرية القانونية النقدية» ودراسة الرئيسيات» وحقوق الحيوان والخيال العلمي. 
وحدها هذه الدرجة العالية من التعاون بين الدراسات تضيف طبقة إضافية من 
التعقيد لهذه القضية. السؤال الأساسي بالنسبة إلي هو: ما مفاهيم الذاتية ا معاصرة 
وتشكيل الذات التي تمكن من خلال مقاربة ما بعد المركزية البشرية؟ ما الذي يأتي 
بعد الذات الممركزية البشرية؟ 

تعتمد الطريقة التي يتفاعل بها المرء مع هذا التغيير في المنظور إلى حد بعيد على 
علاقة الفرد بالتكنولوجيا. ولأن لدي ولعا بالتكنولوجيا إلى حد ماء فأنا متفائلة جدا. 
سوف أؤيد دانما الإمكانيات التحررية لهذه التقنيات» بل حتى تلك التي تتجاوز اممعتادء 
ضد أولئك الذين يحاولون فهرستها إلى شكل محافظ هكن التنبؤ به» أو إلى نظام يسيره 
الربح ويعرّز النزعة الفردية ويضخمها. أظن أن إحدى المفارقات الأكثر وضوحا في عصرنا 
هي بالتحديد التوتر بين الحاجة الملحة إلى إيجاد طرق جديدة وبديلة للوكالة السياسية 
والأخلاقية لعامنا الذي تتوسطه التكنولوجيا وبين عطالة العادات الذهنية الراسخة من 
جهة أخرى. وصفت ذلك دونا هاراواي بذكاء طريف: الآلات حية للغايةء في حين أن 
البشر خاملون للغاية! (1985 ,ره«14۲4]). وبشكل كأنه يعكس ذلك» فإن الدراسات 
العلمية والتكنولوجية في الوقت الحاضر هي مجال مزدهر في المؤسسات الأكادهيةء في 
حين أن العلوم الإنسانية في ورطة خطيرة. 

قد يكون من اممفيد أن نبد بتوضيح بعض جوانب السياق المعومم الذي يحدث 
فيه تقويض الممركزية البشرية. كما ذكرت في مکان آخر (2006 ,2002 0٤),‏ 1dه8)»‏ 
فإن الرأسمالية المتقدمة هي آلة الغزل التي تنتج الاختلافات بشكل فاعل من أجل 
التملح. وهي شاف القروق خر الحددة إقيعية والني فكل وتسوق تيت 
علامات «الهويات الجديدة والديناميكية والقابلة للتفاوض» واختيارا لا نهاية له 
للسلع الاستهلاكية. يؤدي هذا المنطق إلى تكاثر واستهلاك متعطش للخيارات الكمية. 
الكثير منها يتعلق ب«الآخرين» الثقافيين» من الطبخ المختلط (عدنkiدهءc‏ صمنوں؟) إلى 


72 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


«الموسيقى العاممية». تقول جاكي ستيسي (رءءه؟ من)ءه[) في تحليلها لصناعة الأغذية 
العضوية الجديدة (2000 ,اه ٤ه‏ «نا)صه۴۲) إننا حرفيا نكل الاقتصاد العاممي. يذكرنا 
بول غیلروي (2000) وسیليا لوري (1998 ,راا[] هاه)) بأننا أيضا نلبسه ونستمع إليه 
ونشاهده على شاشاتنا ا متعددة بشكل يومي. 

إن التداول العاممي للبضائع والبيانات ورأس الممال ووحدات المعلومات يؤطر تفاعل 
الأشخاص ال معاصرين على أساس يومي. تواجه المستهلك خيارات متعددة في كل خطوة 
ولكن بدرجات متفاوتة من حرية الاختيار الفعلية. خذ على سبيل اممثال التحولات التي 
شهدتها عملية إجراء مكاممة مع البنك اممحلي» التي كانت بدائية في الماضي. ما نحن 
نتوقعه اليوم هو إما نظام رد آلي ما بعد إنساني يقدم مجموعات فرعية من الأرقام التي 
تربطنا بشبكة أخرى من الرسائل المسجلة مسبقاء أو غير ذلك» فنحن نرحب بالصوت 
الإنساني الحقيقي والحي الذي نرتاح لسماعه» على الرغم من علمنا أنه يصدر من بعض 
مراكز الاتصال على بعد أميال ف أحد الاقتصادات الناشئة في العام. والنتيجة النهائية 
هي أن المكامات الهاتفية أصبحت أرخص مما كانت عليه ف أي وقت مضىء ولكن اممدة 
الفعلية للمكامات أخذت ف الازدياد حيث هر المتصل عبر عدة عقبات جديدة. يحل 
التواصل عبر الإنترنت محل كل هذا بالطبعء لكن النقطة التي ود الإشارة إليها هي أن 
قوة التغيير في نظامنا الاقتصادي أصبحت سريعة لدرجة تضطرنا إلى مضاعفة سرعتنا عبر 
الردود الآلية أو خطوط الهاتف العابرة للقارات» ممجرد البقاء في المكان نفسه. 

إن أكثر السمات البارزة للاقتصاد العالمي المعاصر هي هيكله التقني العلمي. 
فهو مبني على التقارب بين الفروع المختلفة للتكنولوجيا والتي كان يفرق بينها 
سابقاء ولا سيما الفرسان الأربعة لنهاية العام اما بعد الإنسانية: التكنولوجيا النانوية 
والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا ال معلومات وعلم الإدراك. إن البنية البيولوجية 
الوراثية للرأسمالية ا معاصرة مهمة بشكل خاص ومحورية في النقاش حول ما بعد 
الإنسان. يشمل هذا الجانب مشروع الجينوم البشري وأبحاث الخلايا الجذعية 
والتدخل التكنولوجي الحيوي على الحيوانات والبذور والخلايا والنباتات. من حيث 
الجوهر» تستثمر الرأسمالية الممتقدمة وتربح من السيطرة العلمية والاقتصادية 
وتسليع كل ما يعيش. ينتج هذا السياق شكلا متعارضا وانتهازيا مما بعد المركزية 
البشرية من جانب قوى السوق التي تتاجر بالحياة نفسها بكل أريحية. 


73 


ما رعد الإنسان 


ومع ذلك فإن تسليع الحياة من قبل الرآسمالية الوراثية الحيوية امتقدمة هي 
مسألة معقدة. انظر حجتي: لقد علمتنا التطورات العلمية العظيمة ف البيولوجيا 
الجزيئية أن اممادة ذاتية التنظيم (ذاتية الخلق)» في حين تضيف الفلسفة الأحادية 
آنها أيضا علائقية هيكليا ومن ثم فهي مرتبطة مجموعة متنوعة من البيثات. تتحد 
هذه الأفكار في تعريف الحيوية الذكية أو القدرة على التنظيم الذاتي كقوة لا تنحصر 
في حلقات التغذية امرتجعة داخل النفس البشرية الفردية ولكنها موجودة في كل 
المواد الحية. ولكن طاذا تعتبر المادة ذكية جدا؟ لأنها مسيرة برموز معلوماتيةء تنشر 
أشرطة المعلومات الخاصة بهاء وتتفاعل بطرق متعددة مع البيئات الاجتماعية والنفسية 
والبيئية (2000 ,ذ٣ه†٤هںت6).‏ ماذا يحدث للذاتية في مجال القوى اممعقد وتدفق البيانات 
هذا؟ أرى أنها تصبح ذاتا علائقية موسعةء ناتجة عن التأثير التراكمي لجميع هذه 
العوامل (20112 ,1991 1٤٤ل‏ نهإ8). لا تقتصر القدرة العلائقية لذات ما بعد الإنسان 
على صنفناء ولكنها تشمل جميع العناصر غير البشرية. إن اممادة الحية - ما في ذلك 
الجسد - ذكية وذاتية التنظيم» لكنها كذلك أساسا لأنها ليست منفصلة عن بقية الحياة 
العضوية. لذلك فأنا لا أعمل ضمن الأسلوب البنائي الاجتماعي تماماء بل أركز على قوة 
الحياة الحيوية غير الإنسانيةء وهو ما أعطيته رمز زوي 208. 

تتميز مرحلة ما بعد امركزية البشرية بظهور «سياسات الحياة نفسها» (,ءيهR‏ 
7.. إن «الحياة» بعيدا عن تصنيفها باعتبارها ملكية حصرية أو حقا لا هكن سلبه 
من أحد الأصناف» وهو الإنسانء يعلو به على كل الأنواع الأخرىء أو بعيدا عن تقديسها 
بوصفها معطى سابقا تطرح» أي الحياةء باعتبارها عملية تفاعلية ولا نهاية لها. هذا 
النهج الحيوي للمادة الحية يحل محل الحدود بين ذلك الجزء من الحياة - سواء العضوية 
أو الحوارية - الذي كان يخصص تقليديا للإنسان/ الآنثروبوسء أي الجزء الحي» بيوس 
(١10طا)»‏ والنطاق الأوسع للحياة الحيوانية وغير البشرية. امعروف أيضا بزوي. وزويء 
باعتبارها البنية الديناميكية ذاتية التنظيم للحياة نفسها (ط2011 ,2006 :ا0ل ذه8)» 
تعبر عن الحيوية التوليدية. إنها القوة المستعرضة التي تتقاطع وتعيد ربط الأنواع 
وامقاطع وا مجالات التي سبق فصلها. بالنسبة إليء فإن المساواة التي تتمحور حول زوي 
هي جوهر ما بعد المركزية البشرية: إنها استجابة مادية وعلمانية وغير عاطفية للتسليع 
الانتهازي للحياة عبر الأصناف كلهاء والذي هثل منطق الرأسمالية اممتقدمة. إنها أيضا رد 


74 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


فعل إيجابي للنظرية الاجتماعية والثقافية للتقدم الكبير الذي حققته الثقافة الأخرى 
ثقافة العلوم. ستتناول العلاقة بين الاثنين ف الفصل الرابع. 

لذلك تبرز نظرية ذات ما بعد الإنسان باعتبارها مشروعا تجريبيا يهدف إلى معرفة 
ما تستطيع الأجساد المعاصرة التي تستخدم التكنولوجيا الحيوية تنفيذه. تعمل هذه 
التجارب غير الهادفة للربح مع الذاتية المعاصرة على تحقيق الإمكانيات الافتراضية 
للذات العلائقية الموسعة التي تعمل ف متواصلة الثقافة والطبيعة والتي تتحقق عبر 
التكنولوجيا. 

من الطبيعي إذن أن هذا النهج التجريبي غير الربحي للممارسات ال مختلفة للذاتية 
ليس تماما من روح الرأسمالية ا معاصرة. فَتحْتَ ذريعة الفردية التي يغذيها الكم الكبير 
من خيارات المستهلك» يضطلع هذا النظام بتعزيز ال لتشابه الأطباع وامممارسات 
والانصياع للأيديولوجيا السائدة. إن انحراف الرأسمالية ال متقدمةء ونجاحها الأكيد يتمثل 
في إعادة ربط الاحتمالات الممكنة للتجارب مع تشكيلات الذوات الجديدة مع مط 
مفرط من الفردية التملكية (1962 ,«هءإءط۴ءة)» ما يجعل ذلك مرتبطا مبداً الربح. 
هذا هو نقيض تجارب التكثيف غير الهادفة للربح» والتي أدافع عنها في نظريتي عن 
ذاتية ما بعد الإنسان. يحول الاقتصاذ السياسي الانتهازي للرأسمالية الوراثية الحيوية 
الحياة زوي - أي المادة الذكية البشرية وغير البشرية - إلى سلعة للتجارة والربح. 

إن ما ترغب فيه قوى السوق الليبرالية الجديدة وما تستثمر فيه ماليا هو القوة 
اللعلوماتة للمادة الحية ذاتها. قنتج رسملة الاذة الحية اقتصاذا سباسيا جديدا تسميه 
میليندا كوبر (2008 )Melinda °00 pe,‏ «الحياة کفائض» وںآمrں؟‏ یھ گل يقدم 
أساليب سياسية مادية وحوارية للسيطرة على السكان وفقا لنظام مختلف تماما عن 
إدارة التركيبة السكانيةء والتي شغلت أبحاث فوكو في نظم سيطرة الحكومة السياسية 
الحيوية. إن التحذيرات عاطمية الآن. ونجري اليوم «تحليلات للمخاطر» ليس فقط 
للنظم الاجتماعية والوطنية بأكملهاء ولكن أيضا لشرائح كاملة من السكان في مجتمع 
ا لمخاطر العامي (1999 ,ء8). ثَعَدٌ بنوك البيانات الخاصة بال معلومات الوراثية الحيوية 
والعصبية والإعلامية عن الأفراد رأسَ امال الحقيقي اليوم» كما يتضح من نجاح فيسبوك 
على آدنى مستوى. يشمل «التنقيب عن البيانات» ممارسات التنميط التي تحدد الأنواع 
أو الخصائص اممختلفة وتسلط الضوء عليها كأهداف إستراتيجية خاصة لاستثمارات رأس 


75 


ما رعد الإنسان 


اممال. يعتبر هذا النوع من التحليلات التنبؤية للإنسان نوعا من «التنقيب عن الحياة»*) 
حيث تعتبر إمكانية الرؤية والقدرة على التنبؤ وقابلية التصدير معايير رئيسة. 

تلخص كوبر بوضوح تعقيدات هذا الاقتصاد السياسي (2008: 3): 

أين تنتهي «إعادة» الإنتاج ويبداً الاختراع التقني» عندما تعمل الحياة على 

ا مستوى الميكروبيولوجي أو الخلوي؟ ما الذي يصبح على المحك عندما مدد 

قانون الملكية ليشمل كل شيء من العناصر الجزيئية للحياة (براءات الاختراع 

البيولوجية) إلى حوادث اممحيط الحيوي (صكوك الكوارث)؟ ما العلاقة بين 

النظريات الجديدة للنمو البيولوجي والتعقيد والتطور مع النظريات الليبرالية 

الحديثة للتراكم؟ وكيف يكن مواجهة هذه العقائد الجديدة من دون الوقوع 

في فخ سياسات الحياة الأصولية الجديدة (حركة الحق ف الحياة أو الإبقاء على 

الحياة البيئيةء على سبيل المثال)؟ 

من المهم الإشارة إلى التركيز الذي تضعه كوبر على مخاطر المواقف الأصولية 
الجديدة مثل الجبرية البيولوجية لدعاة «القانون الطبيعي» أو الشمولية الإيكولوجية. 
هذا الخطر الذي يركز على الأساسيات يؤثر تأثيرا كبيرا في سياقنا الاجتماعي والسياسي 
الحالي ويتطلب تدقيقا نقديا مستمرا من جانب الباحثين الذين يبدأون بدلا من ذلك 
بفكرة ما بعد الإنسان المتمثلة ف متواصلة الطبيعة - الثقافة. 

تتبع باتریشیا كلاو (1عuه1٤‏ هاءء٤ه)‏ خطا مشابها في تحليلها ل «الالتفاتة 
العاطفية» (2008). نظرا إلى أن الرأسمالية ال متقدمة تختزل الأجساد إلى الركيزة 
ا معلوماتية الخاصة بها من حيث موارد الطاقة» فهي تجعل الاختلافات الفئوية 
الأخرى مساويةء بحيث «هكن العثور على المعادلات التي تقدر شكلا من أشكال 
الحياة أكثر من الآخرء وقدرة حيوية أكثر من أخرى» (17 :2008 ,طعuها٤).‏ إن ما 
يشكل القيمة الرأسمالية في نظامنا الاجتماعي هو تراكم اممعلومات ذاتهاء وقيمها 
الحيوية الكامنة وقدراتها على التنظيم الذاتي. تقدم كلاو قانمة لافتة للتقنيات 
الثابتة التي تستخدمها «الرأسمالية الإدراكıة«‏ )2012 (Moulier Boutang,‏ 
لاختبار ومراقبة قدرات الأجساد امؤثرة أو «المسيرة حيويا»: اختبار الحمض النوويء 
وبصمات الدماغ» والتصوير العصبي» وكشف حرارة الجسم» والتعرف على قزحية 
العين أو على اليد. كل هذه العمليات تشغل فورا باعتبارها تقنيات مراقبة في 


76 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 
ا لمجتمع المدني وقي الحرب ضد الإرهاب. سيركز الفصل القادم على هذه النظم من 
سيطرة الحكومة على سياسة الموت. 
أما الآنء فدعوني أركز على فكرتي الأساسية: إن الاقتصاد السياسي الانتهازي لرأسمالية 
البيولوجيا الوراثية يساعد على تشتيت» بل حتى مسح الفروقات بين الإنسان والأصناف 
الأخرى عندما يتعلق الأمر بالربح منها. تدرج البذور والنباتات والحيوانات والبكتيريا 
ضمن هذا امنطق من الاستهلاك النهم جنبا إلى جنب مع عينات مختلفة من الإنسانية. 
بشكل مثير للسخرية» يرمز الرجل الفتروفي لدافنشي الذي نقش على فنجان قهوة 
ستاربكس (انظر الشكل 2-1) إلى الطابع ال ممتع لعلاقات ما بعد الإنسان التي أنشأها 
رأس المال العامي: «أنا أتسوق» إذن أنا موجود!» قد يكون شعارا جيدا لها 


الشكل (2-1): الرجل الفيتروفي على كوب قهوة ستاربس. ©2011 Guardian News & Media Ld‏ 


77 


ما رعد الإنسان 


إن الاقتصاد العاممي ينتمي إلى ما بعد اممركزية البشرية حيث إنه يوحد جميع 
الأنواع في نهاية امطاف تحت حتمية السوق» وتهدد تجاوزاته استدامة كوكبنا ككل. 
لذلك يُنشأً نوع سلبي من التواصل الكوزموبوليتاني من خلال رابطة بشرية شاملة 
متمثلة في الضعف. إن حجم الأبحاث الأخيرة حول الأزمة البيئية وتغير المناخ وحده 
يشهد على هذه الحالة من الطوارئ وعلى ظهور الأرض كعامل سياسي. تزدهر 
مرحلة ما بعد المركزية البشرية بشكل خاص ف الثقافة الشعبيةء وقد انتقدت 
and Lykke, 2008)‏ ikاSme)‏ باعتبارها میلا سالبا لتمثیل تحولات العلاقات بين 
البشر والأجهزة التكنولوجية أو الآلات في نوع من الرعب القوطي الجديد. إن 
أدب وسينما انقراض الإنسان والأنواع الأخرىء ها في ذلك أفلام الكوارث» هي نوع 
ناجح بذاته» ويتمتع بجاذبية شعبية واسعة. لقد وصفت هذا التخيل الاجتماعي 
الضيق والسلبي بأنه علم المسوخ التقني (2002 ,ناهل نه8)» أي مصدر الإعجاب 
والانحراف الثقاف. هذا الانعكاس الديستوبي للهيكل الحيوي الوراث للرأسمالية 
المعاصرة أمر بالغ الأهمية لشرح شعبية هذا النوع من الفن. 

إن أدبيات النظرية الاجتماعية حول القلق اممشترك من مستقبل كل من جنسنا 
وتراثنا الإنساني غنية ومتنوعة أيضا. والمفكرون الليبراليون المهمون مثل هابرماس 
(2003) واممؤثرون مثل فوكوياما (2002) واعون للغاية لهذه اممسألةء وكذلك الحال 
بالنسبة إلى النقاد الاجتماعيين مثل سلوتيرديك (2009 ,kزنلإء†ه51)‏ وبورادوري 
.)B 0rd, 2003(‏ فهم يعبرون بطرق مختلفة عن قلقهم العميق لحالة الإنسانء 
ويبدو نهم بشكل خاص في حالة من الذعر الأخلاقي والإدراي تجاه احتمال تحول 
ما بعد الإنسان» ويلومون تقنياتنا ا متقدمة على ذلك. أشاطرهم قلقهم» لكن بصفتي 
مهتمة بدراسة ما بعد الإنسان ومناهضة للحركة الإنسانيةء فأنا أقل عرضة للذعر 
من جراء نزوح مركزية الإنسان» بل مكنني أن أرى مزايا هذا التطور. 

على سبيل المثال: مجرد أن تطمس ممارسات ما بعد المركزية البشرية الخطوط 
النوعية لترسيم الحدود» ليس فقط بين الفئات (ذكر/ أنثى» أسود/ أبيض» بشري/ 
حیواني» ميٽت/ حي» مركز/ هامش... إلخ)» ولكن أيضا ضمن كل واحدة منهم» يصبح 
الإنسان ضمن شبكات التحكم والسلع العاممية التي اتخذت «الحياة» هدفا رئيسا. 
الشكل العام للإنسان هو من ثم في ورطة. توضح ذلك دونا هاراواي على النحو التالي: 


78 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 
لدينا أصالة تسوغها قاعدة بيانات للجينوم البشري. بُحتفظ بقاعدة 
البيانات الجزيئية في قاعدة بيانات معلوماتية باعتبارها ملكية فكرية 
ذات علامة تجارية قانونية في مختبر وطني مع تفويض لجعل النص متاحا 
للجمهور من أجل تقدم العلوم والصناعة. ها هو الرجل ذو النوع المصنف 
يصبح الرجل ذا العلامة التجارية. (1997: 74) 
نعلم الآن أن المعيار الذي خصص ف النمط الكوني ل«الرجل/ الإنسان» قد 
تعرض لانتقادات واسعة (1984 ,لره11) على وجه التحديد بسبب تحيزه. الواقع 
أنه يفترض ضمنيا أن «الرجل/ الإنسان» الكوني هو اممذك والأبيض» واممتمدنء 
والذي يتحدث لغة معياريةء مغاير جنسيا في وحدة إنجابية» ومواطن كامل في 
نظام سياسي معترف ب4 )1987 .(Irigaray, 1985b; Deleuze and Guattari,‏ 
أهناك وصف أقل شمولية للواقع؟ وكأن هذا النوع من النقد لا يكفيء فإن هذا 
«الرجل» يحاسب أيضا ويعاد إلى خصوصية نوعه کأنثرویوس/ إنسان R110 W,(‏ 
8 ,ر ٥اEsposi‏ ;2003)» أي يصبح ممثلا للنوع المحدد بنظام يعتمد على الهرمية 
والهيمنة والعنف بشكل عام» والذي تواجه مركزيته الآن تحديا من قبل مزيج 
من التقدم العلمي والاهتمامات الاقتصادية العاممية. يشير ماسومي (ادصuءيئةN×)‏ 
إلى هذه الظاهرة باسم ««ةN×-×۴»:‏ «مصفوفة وراثية مضمنة قي مادية الإنسان» 
(1998: 60) ومن ثم تمر بتحولات مهمة: «تضيع سلامة النوع في وضع كيميان 
حيوي يعبر عن قابلية التغيير في المادة البشرية» (1998: 60). 
تشير هذه التحليلات في رأيي إلى أن الاقتصاد السياسي للرأسمالية البيولوجية 
الوراثية هو في مرحلة ما بعد اممركزية البشرية في تشكيلاته» ولكن ليس بالضرورة 
أو بشكل تلقائي في مرحلة ما بعد الحركة الإنسانية. كما آنه ميل إلى أن يكون غير 
إنساني بشكل كبير» كما سنرى ق الفصل التالي. ومن ثم» يمكن الذظر إلى البعد ما 
بعد الإنساني في مرحلة ما بعد المركزية البشرية على أنه حركة تفكيكية. ما تفككه 
هو تفوق النوع» لكنها توجه كذلك ضربة لأي فكرة باقية عن الطبيعة البشرية 
والأنأروبوس والبيوس على أنها متميزة بشكل قاطع عن حياة الحيوانات وغير البشرء 
أو زوي. ما يبرز بدلا من ذلك هو استمرارية الطبيعة والثقافة في البنية المجسدة 
جدا للذات الممتدة» كما ذكرت سابقا. هكن اعتبار هذا التحول هنزلة نوع من 


79 


ما رعد الإنسان 


«الخروج الأنثروبولوجي» من التكوينات السائدة للإنسان كملك الخلق (1۲4 
)and Negri, 2000: 5‏ - تهجین هائل للأنواع. 

مجرد أن يطعن في مركزية الأنثروبوس» فإن عددا من الحدود بين «الرجل/ 
الإنسان» والآخر تبدأً بالانحلال» في تسلسل متدرج يفتح مجالات غير متوقعة. 
وهكذاء إذا دت أزمة الحركة الإنسانية إلى ظهور ما بعد الإنسان من خلال تمكين 
الإنسان «الآخر» المصنف جنسيا وعنصريا من تحرير نفسه من جدليات العلاقات 
بين السيد والعبدء فإن أزمة الأنثروبوس تتخلى عن القوى الشيطانية للكائنات 
الأخرى. الحيوانات والحشرات والنباتات والبيئةء بل الكوكب والكون ككل» ينضمون 
إلى الحلبة. يضع هذا عبئا مختلفا من المسؤولية على جنسناء والذي هو السبب 
الرئيس للفوضى. إن حقيقة أن عصرنا الجيولوجي بُعرف باسم «الأنأروبوسين»* 
تؤكد كل من القوة التكنولوجية التي اكتسبها الأنثروبوس ونتائجها التي لها القدرة 
على إبادة کل شيء آخر. 

علاوة على ذلك» فإن نقل الكائنات الأخرى من مكان إلى آخر يطرح عددا من 
المضاعفات الطمفاهيمية واطمنهجية اممرتبطة بنقد اممركزية البشرية. ويرجع ذلك إلى 
الحقيقة العملية المتمثلة في أننا كلناء بوصفنا كيانات مجسدة ومتضمنة» جزء من 
الطبيعة» على الرغم من أن الفلسفة الأكادهية تستمر بإعطاء الوعي الإنساني مركزا 
إعلائيا. كيف يكن التوفيق بين هذا الوعي المادي ومهمة الفكر النقدي؟ كنوع 
من المادية الحيويةء تتعارض نظرية ما بعد الإنسان مع غطرسة اممركزية البشرية 
و«استثنائية» الإنسان كفئة إعلائية. وتشن تحالفا مع القوة الإنتاجية واممحايثية 
لزوي» أو الحياة في جوانبها غير البشرية. هذا يتطلب طفرة في فهمنا امشترك ما 
يعنيه التفكير على الإطلاق. ناهيك عن التفكير النقدي. 

في بقية هذا الفصل سوف أطور هذه النظرة إلى عدد من المجالات المترابطة 
للتحقيق في مرحلة ما بعد المركزية البشرية. وأركز على الجوانب الإنتاجية مأزق 
ما بعد الإنسان واطمدى الذي يفتح فيه وجهات نظر للتحولات الإيجابية لكل 
من تشكيلات الذاتية وإنتاج النظرية والمعرفة. لقد وصفت هذه العمليات على 


(#) الأنروبوسين يرمز إلى زمننا هذا كزمن تؤثر فيه أعمال الإنسان على البيئة والمناخ. [امترجمة]. 


80 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


نها «تحول - نحو - الحيوان» وتحول - نحو - الأرض» وتحول - نحو - الآلة» 
مع الإشارة إلى فلسفة دولوز وغاتاري (1٣ة٤ں6)»‏ على رغم أنني مستقلة جدا 
عنهما في تفكيري. وهكذاء فإن محور التحول - نحو - الحيوان يستلزم إزاحة 
المركزية البشرية والاعتراف بالتضامن عبر الأنواع على آساس كوننا مرتبطين 
بالبيئة› آي متجسدين ومضمنین ومتکافلین مع الأنواع الأخرى (dصڃa Margulis‏ 
5 ,«هعه5). يبرز البعد الكوكبي أو بعد التحول - نحو - الأرض الاستدامة 
البيئية والاجتماعية في المقدمة» مع التركيز بشكل خاص على البيئة وقضية تغير 
المناخ. أما محور التحول - نحو - الآلة فيسبب الانقسام بين البشر والدوائر 
التكنولوجيةء ويقدم العلاقات التي تتوسطها التكنولوجيا الحيوية كثيء أساسي 
لتشكيل الذات. سأختتم بتقديم فكرة ستكون أساسية للفصل الرابع» وهي أننا 
نحتاج إلى تطبيق الصنف الحيوي من «الواقعية الممادية» كأساس لنظام القيم 
الأخلاقية حيث تكون «الحياة» مركزية» وليس فقط لعلوم الحياةء بل وللعلوم 
الإنسانية في القرن الحادي والعشرين أيضا. لنبدأً بالنظر في كل حالة من هذه 
الحالات بدورها. 


ما بعد الإنسان كالتحول - نحو - الحيوان 

تقتلع ما بعد ال مركزية البشرية مفهوم التسلسل الهرمي للأنواع والأخذ معيار 
واحد موحد ل «الإنسان» كمقياس لجميع الأشياء. فتظهر أنواع أخرى من غير 
البشر ف الفجوة الأنطولوجية التي تخلق من جراء ذلك. وهذا يسهل فعله ولا 
يسهل قوله في اللغة والتقاليد ا منهجية للنظرية النقدية. ليست اللغة هي الأداة 
الأنثروبولوجية بامتياز؟ لقد رأينا في الفصل السابق أن صورة الحركة الإنسانية 
للفكر تهين أيضا لعلاقة تهنئة الإنسان لنفسه»ء مما يؤكد الذات المهيمنة ها 
تشتمل من خصائصها الأساسية وكذلك ما تستبعده من خصائص «الآخر». 

تخصص ذات الحركة الإنسانية لنفسها مكانة متناقضة داخليا لدعم موقفها 
السيادي. فتلك الذات هي في الوقت نفسه شيء كوني مجرد وكذلك ناطق باسم 
النوع النخبة: إنسان وأنثروبوس ف الوقت نفسه. يستند هذا الادعاء المستحيل 
منطقيا إلى تشريح سياسي مفترض» والذي يقضي بأن نظير «قوة المنطق» هو مفهوم 


81 


ما رعد الإنسان 


الإنسان باعتباره «حيوانا عقلانيا». كما رآينا ف الفصل الأولء من الممتوقع أن يسكن 
الأخير جسما بدنيا وظيفيا كاملا مُصمما ضمنيا على مَل الذكورة البيضاء والحياة 
الطبيعية والشباب والصحة. إن جدليات الآخر هي ال محرك الداخلي لقوة الرجل 
الإنساني» الذي يعين الفروق على نطاق هرمي كأداة للحكم. وتطرد جميع أنماط 
التجسيد الأخرى خارج موضع الذات وتشمل آشكالا مجسمة أخرى: الأشخاص 
غير البيض أو غير المذكرين أو غير الطبيعيين أو غير الشباب أو غير الأصحاء أو 
المعوقين أو المشوهين أو ا لمحسّنين. كما أنها تغطي مزيدا من الانقسامات الفئوية 
الأنطولوجية بين الإنسان والآخرين من الحيوانات والعضويات والأرضيات. ويحقر 
كل هؤلاء «الآخرين»» ويعدون مرضى يطردون من الحياة الطبيعية ويصنفون إلى 
جانب الشذوذ والانحراف والوحشية والبهيمية. هذه العملية تنتمي إلى المركزية 
البشرية أساساء ذات طابع جندري وعنصري لأنها تدعم اممثل الجمالية والأخلاقية 
القانمة على الحضارة الأوروبية البيضاءء الذكورية مغايرة الجنس. 

دعونا نلق نظرة من كثب على الآليات اممرتبطة بجدليات الاختلاف السلبيء 
من زاوية الحيوانات. يعتبر الحيوان هو الآخر الضروري والمألوف والمحبوب جدا 
من قبل الأنثروبوس. بيد أن هذه الألفة محفوفة بالمخاطر. في تصنيف هزلي 
رائع» صنف لويس بورخیس (ءeع80۲‏ وiںها)‏ الحیوانات إلى ثلاث مجموعات: 
تلك التي نشاهد التلفزيون معهاء وتلك التي نأكلهاء وتلك التي نخاف منها. هذه 
المستويات العالية بشكل استثنائي من الألفة المعيشة تحصر التفاعل بين الإنسان 
والحيوان ضمن معايير كلاسيكية» وهي العلاقة الأوديبية (أنت وأنا معا على 
الأريكة نفسها)؛ العلاقة امفيدة (يجب أن تستهلك في النهاية)؛ والعلاقة الخيالية 
(كائنات غريبة ومنقرضة للتسلية والترفيه). 

لنحلل بإيجاز كلا من هذه العلاقات. العلاقة الأوديبية بين البشر والحيوانات 
غير متكافئة وتؤطرها عادة الإنسان ام مهيمنة والمذكرة المتمثلة في اعتبار الوصول 
الحر إلى أجسام الآخرين واستهلاكهاء ما في ذلك الحيوانات» أمرا مفروغا منه. 
لذلك فهي نوع مريض عصبيا من حيث إنه مشبع بالإسقاطات واطمحرمات 
والتخيلات. وهي أيضا رمز لحس الاستحقاق الأنطولوجي الكبير الذي يتمتع به 
الإنسان. أشار دريدا إلى سلطة الجنس البشري على الحيوانات بأنها «مركزية 


82 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


ذكورية حيوانية» (2006 ,ك۲۲1٥0)‏ وانتقدها بوصفها مثالا على العنف اممعرق 
واممادي. يعلق على ذلك بيرغر وسيغارا (2011 Sega,‏ 4ھ )Berger‏ بأن 
أبحاث دريدا عن الحياة الحيوانية ليست هامشية بل هي أساسية في تحليله 
حدود مشروع التنوير. فوصفوا الهجوم الذي قام به دريدا على اطمركزية البشرية 
كنتيجة حتمية لنقد الحركة الإنسانية. إن الارتباط المنطقي والتاريخي القوي 
بينهما يشكل نقدا سياسيا للأضرار التي سببتها العقلانية الغربية على العديد من 
الآخرين. هكن أن يؤدي الاعتراف بالاشتراك بالضعف إلى ظهور أشكال جديدة 
من التواصل والرحمة لدى ما بعد الإنسان (2011 ,kءذ۴).‏ عبرت هذه العلاقة 
المألوفة والأوديبيةء ومن ثم العلاقة المتناقضة والاستغلالية بين البشر والحيوانات» 
عن نفسها عبر أشكال متنوعة من الطرق التي أصبحت راسخة في عاداتنا العقلية 
والثقافية. أولها هو الاستعارة. 

لطاطما حددت الحيوانات القواعد الاجتماعية للفضائل والفروقات الأخلاقية 
ممصلحة البشر. شت الصفة اممرجعية على هذه الوظيفة المعيارية ف اممسارد 
الأخلاقية وقصص الحيوانات الرامزة التي حولت الحيوانات إلى مرجعية مجازية 
للقواعد والقيم. يكفيك التفكير في التاريخ الأدبي اللامع للنسور النبيلةء والثعالب 
المكارةء والحملان الوديعة» والصراصير والنحل التي خلدها ليفي (ر11۷) وموليير 
(iereاMo).‏ تسهم هذه العادات ال مجازية في البعد الخيالي للتفاعل بين الإنسان 
والحيوان» والذي يعبر عنه بأفضل شكل ف الثقافة اممعاصرة من خلال القيمة 
الترفيهية للشخصيات غير البشريةء بدءا من کینخ کونخ (ع٣٥K×‏ gعہنK)‏ إلى 
المخلوقات الزرقاء الهجينة ف آفاتار (1ه٤ة4۷)ء‏ ولا يجب أن ننسى الديناصورات 
النجوم في الحديقة الجوراسية (kإه۴‏ عiووهإu[)‏ لسبيلبيرغ (gإSpie15e(.‏ 

أما على المستوى الاجتماعي» فإن دليل التفاعل بين الإنسان والحيوان قويء 
وغالبا ما يتعلق مسائل التمثيل. «الأنواع المرافقة» على حد تعبير هاراواي 
(2003)» كانت محصورة تاريخيا في السرديات الطفولية التي أقامت علاقات 
القرابة العاطفية عبر الأنواع. وأبرز ما هيز هذه الروايات هو الخطاب العاطفي 
بشأن إخلاص الكلاب وولائها غير المشروط والذي تعارضه هاراواي بكل حدة. 
باعتباره مركبا ثقافيا طبيعياء فإن الكلب - كغيره من منتجات العلوم التكنولوجية 


83 


ما رعد الإنسان 


- هو آخر رادیکاليء وإِن کان آخرَ مهما. بُبنی اجتماعيا مثل معظم البشرء ليس 
فقط من خلال الفحص الورا» ولكن أيضا عن طريق العناية الصحية والتنظيف 
واطممارسات اممختلفة لتدريب الحيوان. من منا م يقاوم لقمع ضحكة عند سماع 
خبر نجاح عيادات النظام الغذائي للحيوانات الأليفة في ضواحي لوس أنجلوس 
الساحرة؟ يعثر على بعض الأشكال المذهلة من التكافؤ المادي بين أشكال الحياة 
المختلفة قي زمن ما بعد الإنسان هذا. لذلك نحن بحاجة إلى وضع نظام تمثيل 
يتوافق مع تعقيد الحيوانات غير البشرية المعاصرة وقربها من البشر. علينا الآن 
اعتناق نظام جديد للعلاقة؛ م تعد الحيوانات هي النظام الرمزي الذي يدعم 
إسقاطات البشر لذواتهم وتطلعاتهم الأخلاقية. يجب التعامل معهم بطريقة 
حرفية جديدة» کنظام شفرات أو «علم حیوان» خاص بهم (2003 ,01۴6 .)W‏ 

يرتبط المظهر الرئيس الثاني للألفة الإشكالية واممتناقضة بين البشر والحيوانات 
باقتصاد السوق والقوى العاملة. فقد شكلت الحيوانات منذ العصور القدهة 
نوعا من بروليتاريا حيوانية في تسلسل هرمي للأنواع التي يديرها البشر. لقد 
استغلوا في العمل الشاق» كعبيد طبيعيين ودعم لوجستي للبشر قبل وف أثناء 
العصر الميكانيكي. علاوة على ذلك فإنها تشكل موردا صناعيا في حد ذاتهاء حيث 
تعد أجسادها منتجات مادية أساسية تبداً من اللبن ولحومها الصالحة للأكلء 
لكن لا ننس أيضا أنياب الأفيال» وجلود معظم اممخلوقات» وصوف الأغنامء وزيت 
ودهون الحيتان» وحرير اليرقات... إلخ. 

كما هو مبين في الأشكال التي قدمتها في امشهد الثاني ممقدمة الكتاب» لايزال 
هذا الاقتصاد السياسي للاستغلال الخطابي واممادي الكامل مستمرا حتى اليوم 
حيث توفر الحيوانات مواد حية للتجربة العلميةء ولزراعتنا التكنولوجية الحيوية. 
وصناعة مستحضرات التجميل» وصناعة العقاقير والأدوية» وقطاعات أخرى من 
الاقتصاد. الحيوانات كالخنازير والفثران تعدل وراثيا لإنتاج أعضاء للبشر في تجارب 
زراعة الأعضاء الغريبة. أصبح استخدام الحيوانات كحالات اختبار واستنساخها 
ممارسة علمية راسخة: أصبح الفأر أونكو والنعجة دوللي جزءا من التاريخ 
j .(Haraway, 1997; Franklin, 2007)‏ الرأسمالية ال متقدمة» حولت الحيوانات 
من جميع الفئات والأنواع إلى أجساد قابلة للتداول وهكن التخلص منهاء مسجلة 


84 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


في سوق عاممي للاستغلال في مرحلة ما بعد المركزية البشرية. كما ذكرت سابقاء هثل 
الاتجار بالحيوانات ثالث أكبر تجارة غير مشروعة ف العام اليوم» بعد اممخدرات 
والأسلحة ولكن قبل النساء. يخلق هذا علاقة سلبية جديدة بين البشر والحيوانات. 

في ذروة الحرب الباردةء عندما أطلقت الكلاب والقرود ق اممدار كجزء من برامج 
استكشاف الفضاء الناشئة واممنافسة الممتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية 
والاتحاد السوفييتي» صرح جورج آورويل بسخرية بأن «جميع الحيوانات متساوية 
ولكن بعضها متساو أكثر من غيرها» (1946 ,ا1 س0). في فجر الألفية الثالثة. في 
انات دحي غو محودة ومس تووج فان لهند المت اپار 
صدى أجوف. إن ما بعد المركزية البشرية تشير إلى عكس ذلك: لا يوجد حيوان 
أكثر مساواة من أي حيوان آخرء لأنها جميعها مسجلة على قدم المساواة في اقتصاد 
السوق ذي التبادلات الكوكبية التي تجعلها سلعة إلى درجة قابلة للمقارنة ومن ثم 
تجعلها سواسية في إمكانية التخلص منها. جميع الفروق الأخرى أصبحت مبهمة. 

في الوقت نفسه» تعاد حاليا هيكلة النمط القديم للعلاقة. هناك تحول نحو 
المساواة بزوي حاليا يشجعنا على الانخراط في علاقة أكثر إنصافا مع الحيوانات. 
يقدم الفكر المعاصر ما بعد المركزية البشرية علاقة مضادة للأوديبية مع الحيوان 
ضمن ثقافة تقنية سريعة التغير تولد طفرات على جميع المستويات. في رأييء 
يتمثل التحدي اليوم في كيفية التخلي عن الحدود الإقليمية ف العلاقة بين الإنسان 
والحيوان» أو جعل العلاقة بدوية» حتى تتجاوز ميتافيزيقيا الجوهر والنتيجة 
الطبيعية لهاء جدلية الآخرية. وعليه فإن هذا يستلزم أيضا العلمنة مفهوم 
الطبيعة البشرية والحياة التي تنعشها. دونا هاراواي» الرائدة في مجال فكر ما 
بعد المركزية البشرية واممحللة الداهية للتفاعل بين الإنسان والحيوان» صورت 
هذا التحول الجوهري في الرسوم الكاريكاتورية الساخرة التي تصور الحيوانات 
المرافقة منتصبة مثل الرجل الفيتروف (انظر الشكلين 2-2 و2-3). هل هكن أن 
تكون القطة أو الكلب مقياسا لبعض الأشياء على الأقلء إن م يكن لكل شيء؟ 
هل مكن أن تحل محل التسلسل الهرمي الجينومي الذي دعم ضمنيا تمثيل ذات 
الحركة الإنسانية لنفسها؟ نرى هنا الآثار المتناقضة لسياسة الحياة نفسها ما بعد 
اطمركزية البشرية التي ركزت عليها في جزء سابق من الفصل. 


85 


ما رعد الإنسان 


LEONARDO DA VINC Ss DOG 


الشکل (2-2): س. هاریس ءذ۲ه8.11» كلب ليوناردو دافينشي» اب صد ر: S0ê: WWW.C00150Ck.c01¬‏ 

إن ما بعد الإنسان من منطلق ما بعد المركزية البشرية يحل محل الممخطط 
الجدلي للمعارضةء ويبدل الثنائيات الراسخة بالاعتراف مساواة زوي العميقة بين 
البشر والحيوانات. تعتمد حيوية رابطتهم على مشاركة هذا الكوكب أو الإقليم أو 
البيئة مع شروط مم تعد هرمية بشكل واضح أو حتى بديهية. يفترض هذا الترابط 
الحيوي تحولا جذريا في العلاقة بعيدا عن عقيدة الأنواع وتجاه التقدير الأخلاقي ها 
يمكن أن تفعله الأجسام (البشرية والحيوانية وغيرها). يبرز علم سلوك للقوى يعتمد 


86 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


على أخلاقيات سبينوزا كنقطة مرجعية رئيسة لتغيير التفاعل بين الإنسان والحيوان. 
ويشكل إطارا سياسيا جديداء أرى آنه مشروع إيجابي يستجيب لتسليع الحياة بكل 
أشكالهاء والذي هو الممنطق الانتهازي للرأسمالية ام متقدمة. 


rr 


Maggie Stiefvater via Flickr قط يترو« ||صر:‎ Maggie Stiefvater رıتlينس الشكل (2-3(: ماغي‎ 


87 


ما رعد الإنسان 


يتطلب نهج ما بعد اممركزية البشرية هذا مزيدا من الجهود من قبل خيالنا 
لنرسم صورا تعبر عن الحياة الواقعية وبشكل إيجاي. لهذا نحتاج إلى إعادة التفكير 
في الكلاب والقطط وغيرها من الحيوانات المرافقة على الأريكة حيث إنها تتعدى 
حدود النوع ليس فقط من منظور عاطفي» بل أيضا من منظور عضوي إذا جاز 
لنا التعبير. بوصفهم مركبات ثقافية - طبيعيةء تعتبر هذه الحيوانات سايبورغ أي 
مخلوقات خليطة أو ناقلات لعلائقية ما بعد الإنسان. تعتبر النعجة دوللي» من 
عدة نواح» الشكل الممثالي للعلاقة الزمنية امعقدة والمعالجة حيويا ولأشكال العلاقة 
الحميمة التي تمثل التفاعل الجديد بين الإنسان والحيوان الجديد ما بعد ا مركزية 
البشرية. دوللي هي في الوقت نفسه العينة الأخيرة من جنسها - ا متحدرة من سلالة 
الأغنام التي حمل بها وولدت على هذا النحو - والعينة الأولى من جنس جديد: 
الخراف الإلكترونية التي حلم بها فيليب كي. ديك (ء¡2 .× مذاذط۴)» رائدة ممجتمع 
الأندرويد ف فيلم «بليد رانر» (1982 ,إ#««ن۸ م4ه81). استنسخت دوللي» وم 
تولد نتيجة لتواصل جنسي» وهي خليط غير متجانس من الكائن الحي والآلةء فهي 
ليست وليدة عن عملية التكاثرء ولذلك ليست لها سلالة. دوللي ليست ابنة لأي 
عضو من أعضاء جنسها القديم - تعتبر يتيمة وأم نفسها في الوقت نفسه. الأولى من 
جنس جديد» وتتجاوز أيضا الثنائيات الجندرية لنظام القرابة الأبوي. 

وحيث إن دوللي نسخة صنعت في غياب نسخة أصلية واحدةء فإنها تدفع 
مفهوم الصورة الزائفة ( »ءاس ذء) مما بعد الحداثة إلى أقصى درجاته. وتحول 
حبل العذراء («10امConce‏ ateاnmacu[)‏ إلى نسخة مهندسة وراثيا تابعة للقرن 
الثالث. تصل المفارقة إلى حد مثير للشفقة عندما نتذكر أن دوللي ماتت من مرض 
عادي ومألوف للغاية: الروماتيزم. وبعد ذلك» ولرش الملح على الجرح» عانت إهانة 
آخيرة حيث خنطت وغرضت في متحف علمي كندرة علمية. تنتمي دوللي في وقت 
واحد للقرن التاسع عشر وتضرب أيضا على وتر حساس مع القرن العشرين كونها 
من مشاهير الإعلام. دوللي» قدهة ومفرطة الحداثة في الوقت ذاته» عبارة عن مركب 
يضم مفارقات تاريخية متعددةء ويقع عبر محاور زمنية مختلفة. هي تسكن مناطق 
زمنية معقدة ومتناقضة ذاتيا. مثل حيوانات أو كيانات معاصرة أخرى من نتاج علم 
المسوخ التقني (يتبادر إلى الذهن فأر أونكو هنا)» تحطم دوللي الدالة الخطية 


88 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


الزمنية وتوجد في حاضر مستمر. يتشبع هذا الوقت التقني الإلكتروني الخالد بسمة 
عدم التزامن» أي أنه مضعضع هيكليا. إن التفكير في دوللي يشوش فئات الفكر التي 
ورثناها من الماضي - فهي تمد بخطي الطول والعرض إلى الفكر نفسه»ء مما يضيف 
العمق والكثافة والتناقض. ولأنها تجسد التعقيدء فإن هذا الكيان الذي مم يعد 
حيوانا ولكنه ليس بعد آلة بالكامل» هو أيقونة حالة ما بعد الإنسان. 

تركز هاراواي أيضا على الحاجة إلى صور ورؤى وتمثيلات جديدة لاستمرارية 
الإنسان - الحيوان. وتقترح إعادة التفكير ف التفاعل بين الإنسان والحيوان من 
منطلق فأر أونكو اممهجن. ما أنه ول حيوان مسجل تحت براءة اختراع في العام» 
وكائن حي وراڻي صنع لأغراض البحث» فإن فأر أونكو هو في مرحلة ما بعد الإنسان 
بكل معنى الكلمة. لقد صنع لغرض تحقيق الربح عبر المتاجرة به بين اممختبرات 
والأسواق» ومن ثم يتنقل بين مكاتب براءات الاختراع ومقاعد البحث. تريد هاراواي 
إثبات وجود صلة القرابة مع هذا الحيوان المعدل وراثيا. تطلق عليها «شقيقتي 
[...] ذکرا كانت أم أنٹیء فهي أختي» (79 :1997) تبین هاراواي مدی کون فأر 
أونكو ضحية وكبش فداء شخصية شبيهة باطمسيح تضحي بنفسها من أجل العثور 
على علاج لسرطان الثدي ومن ثم إنقاذ حياة العديد من النساء: حيوان ثديي ينقذ 
الثدييات الأخرى. ولأن فأر أونكو يحطم نقاء النسب» فهو أيضا شخصية طيفية. 
كما هي الحال بالنسبة إلى دولليء فهو ذلك الذي لا موت ويلوث النظام الطبيعي 
ببساطة لأنه نع وهم يولد. إنه جهاز مسوخي إلكتروني يخلط الرموز الثابتة ومن ثم 
يزعزع استقرار ذات ما بعد الإنسان» ولكن يعيد بناءها أيضا. هذه التشكيلات من 
دوللي وفأر أونکو ليست استعارات» بل هي آدوات لتثبیت قدراتنا بشكل مبتكر 
على الفهم في امشاهد اممتغيرة للحاضر. 

أدرك تمام الإدراك أن تشجيعي البهيج للتحول إلى ما بعد اط مركزية البشرية قد 
يبدو متحمسا للغاية بل ذا ميول انتصارية للبعض (2011 .)M ٥0۲۴,‏ كما وضحت 
في الفصل السابقء تتأثر علاقة المرء ها بعد الإنسان ف امقام الأول بتقييمه النقدي 
للإنسان. تظهر ميولي الراسخة المناهضة للحركة الإنسانية في الغبطة التي أرحب بها 
بإزاحة الأنثروبوس. بيد أن حماسي ممرحلة ما بعد الإنسان لا يعميني عن التناقضات 
القاسية واختلافات القوة الموجودة ف التفاعل اممعاصر بين الإنسان والحيوان. الأماط 


89 


ما رعد الإنسان 


القدهة للسلوك الذرائعي لاتزال تعمل بالطبع» حيث تستخدم الحيوانات من أجل 
الغذاء والصوف ومنتجات البشرة. وتستخدم في العمل ف الزراعة والصناعة والعلوم. 
بل إن اقتصاد سلطة اموت يتفاقم بسبب الصراعات العاممية والأزمة المالية. بقدر 
ما تسوّق الرآسمالية المتقدمة وتربح من هياكل الهندسة الوراثية للحياة نفسهاء 
فهي تسهم في إحلال المركزية البشرية. تصبح الحيوانات في مأزق مزدوج: فهي 
من ناحية أصبحت هدف الاستغلال اللاإنساني أكثر من أي وقت مضى؛ ومن ناحية 
أخرىء» فإنها تستفيد من الأشكال اممتبقية للإنسانية التعويضية. يقودني هذا الموقف 
المتضارب إلى استنتاج مفاده أن ما بعد اممركزية البشرية سلاح ذو حدين لكل من 
البشر والحيوانات. دعوني أوضح ذلك. 


الإنسانية التعويضية 

خلال النصف الثاني من القرن العشرين» اكتسبت قضية «حقوق الحيوان» 
زخما في معظم الدهوقراطيات الليبرالية المتقدمة. الأحزاب السياسية المكرسة 
بالكامل لرفاهية الآخرين ممن يقعون خارج اممركزية البشرية - الأحزاب الخضاء 
أو الحيوانية - تنتمي إلى عديد من برمانات شمال أوروبا. إنها تعتمد على نقد 
التمييز على أساس النوع أي غطرسة امركزية البشرية في رؤيتها للإنسان كالنوع 
السائد الذي يشمل شعوره بالاستحقاق الحق ف استغلال أجساد جميع الأنواع 
الأخرى. يدافع نشطاء حقوق الحيوان عن نهاية «قطبية الإنسان»» أي افتراض 
التفوق الإنسانيء ويدعون إلى إيلاء مزيد من الاحترام والأولوية مصالح أنواع وأشكال 
الحياة الأخرى. 

في نظرية حقوق الحيوان» يجمع بين هذه الفرضيات التحليلية ما بعد المركزية 
البشرية مع الحركة الإنسانية الجديدة لإعادة تقييم صحة عدد من قيم الحركة 
الإنسانية. تتعلق هذه بالذات التجسيمية (ءنطمإمص٠مهإطامة)*)‏ التي يفترض 
آنها تحمل هوية وحدويةء ووعيا متأملا لنفسه» وعقلانية أخلاقية وقدرة على 
مشاركة العواطف مثل التعاطف والتضامن. وتنسب الفضائل والقدرات نفسها 


(#) التجسيم يعني إسناد الصفات والخصائص البشرية إلى الكائنات الأخرى مثل الآلهة. والحيوانات» والأجسام 
والظواهر الطبيعية. [المترجمة]. 


90 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


إلى الآخرين غير التجسيميين. إن الافتراضات المعرفية والأخلاقية التي تؤكد هذا 
الموقف كانت موجودة منذ عصر التنوير ولكنها كانت مخصصة ف السابق للبشر 
فقط. على حساب جميع العوامل غير البشرية مثل الحيوانات والنباتات. بتقارب 
المهتمون بحقوق الحيوان» الذين أعتبرهم تابعين للحركة الإنسانية الجديدة ما بعد 
المركزية البشرية. في اعتقادهم أن هناك حاجة إلى دعم هذه القيم والتوسع فيها 
عبر جميع الأنواع. 

یساند بیتر سینغر (۲٤ع11؟‏ إ٠٤٠۴)»‏ أشهر المدافعين عن «حقوق الحيوان» 
موقف النفعية مصلحة العقلانية الأخلاقية للحيوانات. أما نوسباوم التابعة 
للحركة الإنسانية الليبرالية (2006) فترى أن علينا السعي إلى تحقيق الإنصاف بين 
الأنواع. وماري ميجلي (1996 ,رءاع فن رءة)» ذات التقليد الليبرالي الكلاسيكي» 
لا تثق حتى مصطلح «اممركزية البشرية» مشيرة إلى ذلك باسم «الشوفينية» 
(صءنصن«سهطء) الإنسانية؛ ضيق في التعاطف» يضاهي الشوفينية القومية أو 
العرقية أو الجندرية. يمكن أيضا تسميتها حركة إنسانية حصرية» على عكس النوع 
المضياف الودود والشامل» (1996: 105). البديل الذي تدعمه ميجلي هو الاعتراف 
بأننا «لسنا مستقلین ولا مکتفین ذاتیاء إما كنوع أو كأفرادء ولکننا نعيش بشكل 
طبيعي في ظل اعتماد متبادل عميق» (1996: 10-9). في تحليلاتها القوية لأزمة 
العقل البيئية» تدعو فال بلوموود (2003 ,4٥0س‏ ںا )۷a1‏ أيضا إلى أخلاقيات 
حوار بين الأنواع تعتمد على نزع اممركزية كامتياز للإنسان. 

بالنسبة إلى النشطاء النسويين الراديكاليين المهتمين بالبيئةء فإن النفعية والليبرالية 
على السواء لا تفيان بالغرض: الأولى لنهجها الاستحقاري تجاه الآخرين من غير البش 
والثانية في ضوء إنكارها النفاقي لسيطرة البشر الاستغلالية على الحيوانات. يوسع هذا 
النقد ليشمل الجانب المدمر للفردية الإنسانية التي تستلزم الأنانية والشعور الخطأً 
بالتفوق» والتي ترتبط عند النسويات (2007 ,1996 (Donovan and Adams,‏ 
بامتيازات الذكور واضطهاد المرأة وتدعم نظرية عامة لهيمنة الذكور. يستهدف أكل 
اللحوم بوصفه شكلا قانونيا من أكل لحوم البشر من قبل النظرية النباتية والنباتية 


(*) الشوفينية هي الاعتقاد المغالي والتعصب لشيء» بالإضافة إلى العنجهية في التعامل مع خلافه. [ا مترجمة]. 


91 


ما رعد الإنسان 


الصرفة النسوية القدمة والجديدة )2012 .)Adams, 1990; MacCormack,‏ ومن 
ثم يُحاسب التمییز على ساس النوع بوصفه امتيازا لا مسوغ له مثله مثل التمييز 
الجنسي والعنصرية. أما انتشار النظام الهرمي ل «النوع الجنسي» فيظل غير معترف 
به وغير مُنتقد حتى لدى الناشطين في إطار حقوق الحيوان. يقدر التأثير التصحيحي 
للحركة النسوية لأنه يشدد على كل من الأهمية السياسية للجمعية والترابط العاطفي. 

يجري حاليا تحليل البيانات التحليلية الجديدة عن حالة الحيوان من 
خلال أدوات الدراسات متعددة التخصصات لعلم الإنسان» علم الرئيسيات» 
علم الأحافيرء العلوم ودراسات التكنولوجيا. أحد أبرز علماء الحركة الإنسانية 
الجديدة في مرحلة ما بعد اممركزية البشرية قي هذا المجال هو فرانس دي وال 
de Waal, 1996(‏ sہaا۴)»‏ الذي مد قیم الحركة الإنسانية الكلاسيكية» مثل 
التعاطف واممسؤولية الأخلاقيةء لتشمل الرئيسيات العليا. على أساس الملاحظة 
التجريبية الصارمة للقردة العظيمة» حول دي وال تفكيرنا في التطور وعلم 
النفس التطوري من خلال تحدي التركيز على العدوان كمحرك لتنمية الأنواع. إن 
عمل دي وال الرائد في مجال «قردنا الداخلي» والتبادل الجنسي والتواصل لدى 
البونوبو (0ط10٥ط)*‏ يقع في صميم تكوين ال مجتمع» مما يلفت الانتباه أيضا 
إلى دعم الدور التطوري لإناث الأنواع. في عمله الأخيرء يؤكد دي وال (2009) 
على أهمية التعاطف كشكل من أشكال التواصل العاطفي أو التواصل بوساطة 
العاطفة بين الرئيسيات غير البشردة. 

يؤدي التركيز على التعاطف إلى تحقيق العديد من الأهداف الممهمة في ضوء 
نظرية ما بعد الإنسان عن الذاتية. أولاء يعيد تقييم التواصل كأداة تطورية. ثانياء 
يجد في العواطف» وليس ق العقل» مفتاح الوعي. ثالثاء يطور ما عرفه هاري 
کونیمان )Harry Kunne22a1(‏ بأنه «شکل تأويلي للطبيعية»» والذي يبتعد 
فكريا عن تقاليد البنائية الاجتماعية ويعتبر القيم الأخلاقية صفات فطرية. هذه 
إضافة مهمة إلى نظرية استمرارية الطبيعة والثقافة. يرى دي وال أن جنسنا 
«ملزم أن يكون اجتماعيا» (2006: 4). علاوة على ذلك» فإن وجهة نظر دي وال 


(#) أو الشمبانزي القزم. [المترجمة]. 


92 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


بشأن الذات ماديةء على عكس إعلائية العقلء وتنجذب إلى منطق ديفيد هيوم 
)(avid Hum ٤(‏ عن العواطف أو اممشاعر باعتبارها مفتاح تكوين الهوية. أخيرا 
ولیس آخراء أود أن أقترح أن فرانس دي وال هو دهوقراطي اجتماعي ينتمي 
ممرحلة ما بعد المركزية البشريةء وملتزم جدا بإنشاء البنى التحتية الاجتماعية 
للسخاء والإيثار المتبادل والدعم. وفكرته بأن الخير الأخلاقي معد تدعمه 
نظرية «الخلذيا العصبية المرآتية» في التعاطف. ينصب التركيز على الاستمرارية 
الأخلاقية بين البشر والرئيسيات العلياء بحجة أنه من السهل بعض الشيء إسقاط 
ميولنا العدوانية على الحيوانات والاحتفاظ بالطيبة باعتبارها من حقنا كنوع. 
يجادل دي وال (1996) بأن التطور قد وفر أيضا متطلبات الأخلاق ويهاجم 
«الأنثروبودينايال» (141ءلهمهإطا«ه) أو عدم الاعتراف بالخصائص الممشتركة 
بين الحيوان والإنسان (2006: ») الذي يؤدي إلى الاعتقاد بسيادة الإنسان. إن 
التعاطف بوصفه ميلا أخلاقيا فطريا ومنتقلا وراثياء أو إضفاء الصفة الطبيعية 
على الأخلاق» أمر رائج. في حين أن الجينات الأنانية والجشع فم تعد كذلك. كل 
هذه الجوانب وثيقة الصلة بنظرية الذات طا بعد الإنسان. 

بيد أن السبب الذي يجعلني أشك إلى حد ما في الحركة الإنسانية الجديدة مها 
بعد ا مركزية البشرية هو آنها لا تنتقد الحركة الإنسانية نفسها. إن الجهود التعويضية 
نيابة عن الحيوانات تولد ما أعتبره نوعا من التضامن الممتأخر بين سكان الكوكب 
الآدميين» المصدومين حاليا بسبب العوممة والتكنولوجيا والحروب «الجديدة» 
والآخرين من الحيوانات. إنها في أفضل الأحوال ظاهرة متناقضةء فهي تجمع بين 
الإحساس السلبي بالترابط بين الأنواع وبين الادعاءات الأخلاقية الكلاسيكية التابعة 
للحركة الإنسانية وامتعالية إلى حد ما. في هذا العناق بين الأنواع يعاد بالفعل 
تثبيت الحركة الإنسانية بشكل غير نقدي تحت درع اممساواة بين الأنواع. 

في عملي حول ذات ما بعد الإنسان» أختار ألا أتجاهل الاعتراف بقيود الحركة 
الإنسانية والتي أشرت إليها في الفصل السابق. كما أنني أدرك تماما حقيقة أننا 
نعيش في عصر الأنأروبوسين» أي عصر تكون فيه البشرية مسؤولة تماما عن التوازن 
الإيكولوجي للأرض. أعتقد أنه في زمن أزمات القيم المعرفية والأخلاقية والسياسية في 
اطمجتمعات الإنسانيةء فإن توسيع نطاق امتيازات قيم الحركة الإنسانية لتشمل فئات 


93 


ما رعد الإنسان 


أخرى لا هكن اعتباره حركة غير أنانية وسخيةء أو خطوة مثمرة بشكل خاص. إن 
تأكيد الرابطة الحيوية بين البشر والأنواع الأخرى مر ضروري وجيد على حد سواء. 
هذه الرابطة سلبية من حيث إنها نتيجة الضعف الممشترك والذي هو نفسه نتيجة 
لأفعال الإنسان على البيئة. ألم ينشر البشر إذن قلقهم الجوهري بشأن المستقبل إلى 
غير البشر؟ لذلك فإن إضفاء الطابع الإنساني على الحيوانات غير البشرية قد يأتي 
بثمن» لا سيما في زمن أصبحت فيه فئة «الإنسان» محل نزاع. 

إن تجسيدها ليمتد مبدآ المساواة الأخلاقية والقانونية حتى يشمل الحيوانات قد 
يكون مبادرة نبيلةء ولكنها معيبة بطبيعتهاء لسببين. أولاء أن ذلك يؤكد التمييز الثنافي 
بين الإنسان والحيوان من خلال توسيع فئة الهيمنة - الإنسان - لتمتد نحو الآخرين. 
ثانياء إنه ينكر تماما الطبيعة الخاصة للحيوانات ويصنفها جميعا كرموز كونية لقيمة 
التعاطف الأخلاقية. بيد أنني أعتقد أن ما يجب أن نراه بالنسبة إلى علاقات ما بعد 
الإنسان هو العلاقة المتبادلة بين الإنسان والحيوان باعتبارها مكونة لهوية كل منهما. 
إنها علاقة تحويلية أو تكافلية تعمل على تهجين «طبيعة» كل واحد منهما وتغييرها 
وتبرز الأرض الوسط لتفاعلهما. هذا هو «الوسط» للاستمرارية البشرية/ غير البشرية 
ويجب استكشافه كتجربة مفتوحةء وليس كخلاصة أخلاقية مفروغ منها حول القيم 
أو الصفات الكونية المزعومة. يجب أن تظل الأرض الوسط لهذا التفاعل الممعين 
محايدة من الناحية ال معيارية من أجل السماح بظهور عوامل جديدة للأنثروبوس 
ا متحول - نحو - الحيوان وهو الذات التي طوقت لفترة طويلة جدا في قالب تفوق 
الأنواع. يجب فتح مساحات مكثفة للصيرورةء والأهم من ذلك هو أن تبقى مفتوحة. 

في عصر يُستبدل فيه النسل الطبيعي بعلامات تجارية ومنتجات حيوية مصنعة 
وحاصلة على براءة اختراع» تظل الضرورة الأخلاقية للالتزام بها وتحمل مسؤولية 
رفاهيتها قوية كما كانت دانما. نحتاج إلى جينالوجيات جديدةء وتصورات نظرية 
وقانونية بديلة لنظام القرابة الجديد وسرديات مناسبة للارتقاء إلى مستوى هذا 
التحدي. آمل أن تتمكن رؤيتي لذات ما بعد الإنسان من إدخال مزيد من الإبداع 
المفاهيمي ف النظرية النقدية» ومن ثم العمل نحو نوع إيجابي لفكر ما بعد 
الإنسان. في الكون الذي أسكن فيه كذات ما بعد صناعية تحت ما يدعى الرأسمالية 
المتقدمة» هناك قدر كبير من الألفة ومن ثم كثير من القواسم المشتركة في المواقع 


94 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


المتضمنة والمضمنة بين الإناث من البشر وفأر أونكو والنعجة دوللي اممستنسخة. 
نا مدينة لأعضاء مملكة الحيوان السابقة المهندسين وراثياء بقدر ما أنا مدينة طمثل 
الحركة الإنسانية ا متمثلة في تفرد نوعي. وباممشل» فإن وضعي الموقعي كأنثى النوع 
يجعلني قابلة للخدمة هيكليا ومن ثم أقرب إلى الكائنات التي تكون راغبة أو غير 
راغبة في توفير الأعضاء أو الخلايا من أي فكرة عن حرمة وسلامة الجنس البشري. 
أعلم أن هذا قد يبدو متسرعا وحتى متهوراء لكنني أصمم عليه: وهو أن في 
شخصي الذي م يعد يتطابق مع الفئات السائدة من الذاتيةء لكن هذا الذي م 
يخرج بعد تماما من قفص الهويةء أي هذا المستمر بالاختلاف» إن شخصي هذا 
يتوافق مع زوي» ذات ما بعد الممركزية البشرية. هذه المكونات الممتمردة بالنسبة 
إلي مرتبطة بالوعي النسوي مما يعنيه أن تكوني امرأة مجسدة. على هذا النحوء أنا 
ذثبة» مولدة تضاعف الخلايا في جميع الاتجاهات؛ أنا حاضنة وحاملة للفيروسات 
الحيوية وا مميتة؛ آنا الأرض الأ مولدة المستقبل. في الاقتصاد السياسي المتمثل في 
مركزية اللغة الذكورية وقي الحركة الإنسانية التابعة للمركزية البشريةء والتي تسند 
سيادة التشابه في وضع كوني كاذب» وقع جنسي على جانب «الآخر» الذي يُفهم 
باعتباره اختلافا محقراء أو أقل قيمة. يخاطب التحول - نحو - ما بعد الإنسان نفسي 
النسويةء نوعا ما لأن جنسيء تاريخياء م ينتم تماما إلى الإنسانية الكاملة أبداء لذا فإن 
ولاني لتلك الفئة في أفضل الأحوال قابل للتفاوض» ولا هكن اعتباره أمرا مسلما به. 


ما بعد الإنسان كالتحول - نحو - الأرض 

يؤدي إحلال الممركزية البشرية إلى إعادة هيكلة جذرية لعلاقة البشر 
بالحيوانات» لكن قد تكون نظريات النقد قادرة على التكيف مع التحديء» أساسا 
من خلال الاعتماد على الروابط الوهمية والتأثيرية ام متعددة التي عززت التفاعل 
بين الإنسان والحيوان. وعلى رغم ذلك» فإن تحول ما بعد اممركزية البشرية نحو 
منظور كوكبي ذي محور جغرافي هثل زلزالا مفاهيميا مقياس مختلف قاما عن 
التحول - نحو - الحيوان بالنسبة إلى الإنسان. يرسل هذا الحدث موجات زلزالية 
عبر مجال العلوم الإنسانية والنظرية النقدية. تصفه كلير كولبروك» بذكائها المعتاد 


بأنه «تغیر مناخي حرج». 


95 


ما رعد الإنسان 


في عصر الأنثروبوسين» يعبر عن الظاهرة المعروفة باسم «التشكل الجغراف» 
بعبارات سلبيةء مثل الأزمة البيئية وتغير المناخ والاستدامة البيئية. وعلى رغم ذلك 
هناك أيضا بعد إيجابي لذلك. معنى إعادة تكوين العلاقة مع بيئتنا ا معقدة» والتي 
كنا نسميها «الطبيعة». إن الأرض أو البعد الكوكبي للقضية البيئية ليس في الواقع 
مصدر قلق مثل أي شيء آخر. إنها بالأحرى القضية المحايثة لجميع الآخرين» حيث 
إن الأرض هي أرضنا الوسط ومساحتنا ا مشتركة. هذا هو «الوسط» بالنسبة إلينا 
جميعاء نحن البشر وغير البشر الذين نعيش في هذا الكوكب تحديداء في هذا العصر 
تحديدا. إن الكوكبي ينفتح على الكوني في بعد مادي محايث. ما أقصده هوء مرة 
أآخرىء» آن هذا التغيير في المنظور غني بالبدائل لتجديد الذاتية. كيف سيكون شكل 
الذات لدى المركزية الأرضية؟ 

تظل نقطة الانطلاق بالنسبة إلى هي استمرارية الطبيعة والثقافة. لكننا 
نحتاج الآن إلى أن ندرج في هذا الإطار الرؤية الأحادية أننا جميعاء كما قالت 
لويد «جزء من الطبيعة» (1994). هذا البيان» الذي تؤطره ف الأنطولوجيا 
الأحادية القانثمة على فلسفة سبينوزاء منطقي وملهم. ومما يزيد الأمر تعقيدا 
بالنسبة إلينا بوصفنا مواطنين في الألفية الثالثة هي حقيقة آننا نعيش فعلا في 
استمرارية الثقافة والطبيعة التي تتوسطها التكنولوجيا وتفرض عالميا. هذا يعني 
أنه لا مكننا افتراض نظرية للذاتية تأخذ مبدآ التأسيسية الطبيعية باعتباره أمرا 
مفروغا منه» ولا هكننا الاعتماد على نظرية الذاتية البنائية الاجتماعية والتي هي 
من ثم نظرية ازدواجية للذات» تتجاهل البعد الإيكولوجي. بل يجب أن تفي 
النظرية النقدية متطلبات متناقضة. 

أول هذه المتطلبات هو تطوير فكرة ديناميكية ومستدامة عن المادية الحيوية 
ذات التنظيم الذاتي؛ والثاني هو توسيع إطار ونطاق الذاتية على طول الخطوط 
العرضية للعلاقات ما بعد المركزية البشرية التي أشرت إليها في القسم السابق. 
إن فكرة الذاتية باعتبارها مجموعة تضم عناصر غير بشرية لها عدد من النتاثج. 
أولاء إنها تعني أن الذاتية ليست من الحقوق الحصرية للأنثروبوس. ثانياء هي غير 
مرتبطة بالعقل الإعلاي. ثالثاء هي غير مفصولة عن جدليات الإدراك؛ وأخيراء إنها 
تقوم على محايثة العلاقات. إن التحدي الذي يواجه النظرية النقدية بالغ الأهمية: 


96 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


نحن بحاجة إلى تصور الذات ككيان مستعرض يشمل الإنسان» وجيراننا الوراثيين من 
الحيوانات» والأرض ككلء وأن نفعل ذلك ضمن لغة مفهومة. 

دعونا نتوقف قليلا عند هذا المتطلب الأخيرء لأنه يثر مسألة التصوير» وهو 
أمر مهم للعلوم الإنسانية والنظرية النقدية. إن إيجاد لغة مناسبة مرحلة ما بعد 
ا مركزية البشرية يعني أن موارد التخيل» وكذلك أدوات الذكاء النقديء تحتاج إلى أن 
تجند لهذه المهمة. يتطلب انهيار الفجوة بين الطبيعة والثقافة الحاجة إلى استنباط 
مفردات جديدة مع أشكال جديدة للإشارة إلى عناصر ذاتية ما بعد الإنسان المتأصلة 
وامضمنة. تظهر هنا قيود الأسلوب البنائي الاجتماعي وتحتاج إلى تعويضها مزيد 
من الإبداع المفاهيمي. وعلى رغم ذلك فإن معظمنا الذين تدربوا على النظرية 
الاجتماعيةء قد عانوا على الأقل درجة من الانزعاج من فكرة أن بعض عناصر الذاتية 
لدينا قد لا تكون مشكلة اجتماعيا تماما. يتكون جزء من إرث اليسار امماركسيء في 
الواقع» من شكوك عميقة الجذور تجاه النظام الطبيعي والسياسة الخضراء. 

وكأن انعدام الثقة ا هو طبيعي م يكن كافياء نحتاج أيضا إلى إعادة تصور 
العلاقة مع الواقع التكنولوجي كشيء حميم كما كانت علاقتنا مع الطبيعة. إن 
الجهاز التكنولوجي هو «وسطنا» الجديدء وهذه العلاقة الحميمة أكثر تعقيدا 
وتوليدا من الامتداد اميكانيكي الصناعي الذي صنعته الحداثة. خلال هذا التغيير 
في امعاييرء أريد أيضا أن أكون دانما على دراية بأهمية سياسات اممواقع ومواصلة 
التحقيق عما نقصده ب «نحن» الذين نطرح كل هذه الاستعلامات في امقام الأول. 
هذا المخطط الجديد لإعادة النظر ف ذاتية ما بعد الإنسان غني بقدر ما هو معقدء 
لكنه يرتكز على الظروف الواقعية والتاريخية العامية التي تواجهنا بإلحاح شديد. 

یتناول دیبش تشاكرابارتق (2009 ٣12k 2y,‏ hیe‌مip()‏ بعض هذه 
المخاوف من خلال التحقيق ف عواقب نقاش تغير الممناخ على ممارسة التاريخ. 
ويجادل بن الأبحاث حول تغير ام مناخ تسبب صعوبات مكانية وزمانية. فتحدث 
تغييرا حجميا في تفكيرناء والذي يحتاج الآن إلى تضمين بعد كوكبي أو ذي محور 
أرضيء» مع الأخذ بعين الاعتبار أن البشر أكبر من كيان بيولوجي وهتلكون الآن قوة 
جيولوجية. كما آنها تحول اممعامم الزمنية بعيدا عن توقع الاستمرارية الذي يعزز 
مجال دراسات التاريخ» للتفكير في فكرة الانقراض» أي مستقبل من دوننا «نحن». 


97 


ما رعد الإنسان 


علاوة على ذلك تؤثر هذه التحولات بامعايير الأساسية أيضا في محتوى البحث 
التاريخي» من خلال «تدمير التمييز المصطنع, المتعارف عليه رغما عن ذلك بين 
التواريخ الطبيعية والإنسانية» (206 :2009 ,وط4 )هط٤).‏ على الرغم من أن 
تشاكرابارق لا يتخذ مسار ما بعد اطمركزية البشريةء فإنه يتوصل إلى الاستنتاج نفسه 
الذي أتوصل إليه: مسألة وجهات النظر ذات المركزية الجيولوجية وتغيير موقع 
البشر من مجرد عوامل بيولوجية إلى عوامل جيولوجية تستدعي إعادة تكوين كل 
من الذاتية وامجتمع. 

تحتوي الالتفاتة الجغرافية أيضا على دلالات سياسية خطيرة أخرى. يتعلق 
أولها بقيود الحركة الإنسانية الكلاسيكية في نموذجها التنويري. بالاعتماد على 
نظرية ما بعد الاستعمارء يشير تشاكرابارق إلى أن «فلاسفة الحرية كانوا مهتمين 
بشكل أساسي» وهذا شيء مفهوم» بكيفية هروب البشر من الظلم والقمع 
وعدم المساواة أو حتى التوحيد الذي فرضه عليهم بشر أو أنظمة أخرى من 
صنع الإنسان» (2009: 208). إن مركزيتهم البشريةء إلى جانب مفهوم الحركة 
الإنسانية الخاص ثقافياء تحد من أهميتهم اليوم. تؤثر قضية تغير اممناخ وشبح 
الانقراض البشري أيضا في «الاستراتيجيات التحليلية التي نشرها مؤرخو ما بعد 
الاستعمار وما بعد الإمبراطورية ف العقدين الأخيرين استجابة لسيناريو إنهاء 
الاستعمار والعوممة ف أعقاب الحرب العاطية« (198 :2009 .(Chakrabarty,‏ 
أود أن أضيف أن النهج البنائي الاجتماعي للتحليلات الماركسية والنسوية وما 
بعد الاستعمارية لا يساعدها بالكامل للتعامل مع تغيير النطاق امكاني والزمني 
الناجم عن التحول إلى ما بعد ام مركزية البشرية أو إلى المركزية الأرضية. هذا الرأي 
هو جوهر موقف المركزية البشرية الراديكالي الذي أريد الدفاع عنهء والذي آرى 
فيه وسيلة لتحديث النظرية النقدية للألفية الثالثة. 

يتوصل العديد من العلماء إلى الاستنتاج نفسه عبر طرق مختلفة. على سبيل 
اطمثالء إن التقاليد الجديدة للحركة الإنسانية في مرحلة ما بعد المركزية البشرية 
لدى النظريات الاشتراكية أو نسوية وجهة النظر (1986 ,ع«ذف۲ة11) ونظرية ما بعد 
الاستعمار (1997 ,1۷aط5)‏ تناولت قضايا حماية البيئة عبر مط يتبع ما بعد اممركزية 
البشريةء أو على الأقل لا يتبع مركزية وجهة النظر الذكورية أو الهيمنة الذكورية 


98 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


كما رأينا في الفصل السابق. يعبر عن هذا النقد للمركزية البشرية باسم الوعي 
البيئي» مع التركيز بشدة على تجربة الأقليات الاجتماعية مثل النساء والشعوب غير 
الغربية. إن إدراك الرؤى متعددة الثقافات ونقد الإمبريالية واطمركزية الإثنية يضيف 
جانبا حاسما ف النقاش حول التحول - نحو - الأرض» ولكنها تقع أيضا في تناقضاتها 
الداخلية في الوقت الحاضر. 

لنأخذء على سبيل المثالء حالة «البيئة العميقة». فرضية «غايا» (هنه6) لدى 
رن نايس (ط1977 (Arne Naess, 1977a,‏ وجيمس dglèlك James lovelock,)‏ 
92),). هي نظريات ذات مركزية بيئية تقترح العودة إلى الشمولية وإلى مفهوم 
الأرض كلها ككائن حي مقدس واحد. هذا النهج الشمولي غني بالآراءء ولكنه أيضا 
إشكالي للغاية بالنسبة إلى من يفكر من منظور ما بعد الإنسانية الحيوي اممادي. 
المشكلة هنا ليست نظرته الشمولية بقدر ما هي اعتماده على أسلوب بنافي 
اجتماعي ثناني. هذا يعني أنه يقابل الأرض بالتصنيع» والطبيعة بالثقافةء والبيئة 
با مجتمع» ويتخذ بشدة جانب النظام الطبيعي. تنتج عن هذا أجندة سياسية مهمة 
تنتقد النزعة الاستهلاكية والفردية ال متملكةء ما في ذلك إدانتها القوية للمنطق 
التكنوقراطي والثقافة التكنولوجية. لكن لهذا النهج عيبين. أولاء إن جانبه الكاره 
للتكنولوجيا ليس مفيدا بشكل خاص في حد ذاته» مع الأخذ في الاعتبار العام الذي 
نعيش فيه. وثانيا أنه يعيد إلى الأذهان التقسيم الفئوي بين الطبيعي والمصنع الذي 
يحاول التغلب عليه. 

اذا لا أتفق مع هذا المموقف؟ بسبب فكرتين مترابطتين: أولاء بسبب 
استمرارية الطبيعة والتقافة والتي تؤدي إلى رفض الممنهجية الثنائية للبنائية 
الاجتماعية - ينتهي الأمر باممنتسبين إلى الحركة الإنسانية الجديدة ما بعد 
المركزية البشرية في نهاية الأمر إلى إعادة هذا التمييزء رغما عن نواياهم 
الحسنة فيما يتعلق بالترتيب الطبيعي. ثانياء لأنني أشك ف النوع السلبي من 
الترابط الذي يحدث قي عصر الأنثروبوسين بين البشر وغير البشر. يعتمد هذا 
الاحتضان عبر الأنواع على إدراك الكارثة الوشيكة: الأزمة البيئية وقضية الاحترار 
(والتحذير) العالمي» فضلا عن عسكرة الفضاء» كل ذلك يختزل جميع الأنواع 
إلى درجة مماثلة من الضعف. تكمن الممشكلة في هذا الموقف ف أنه في تناقض 


99 


ما رعد الإنسان 


صارخ مع أهدافه المعلنة بشكل صريح» يشجع على إضفاء الطابع الإنساني 
الكامل على البيئة. هذا الأمر يبدو لي كخطوة رجعية تذكرنا بعواطف المراحل 
الرومانسية للثقافة الأوروبية. لذلك أتفق مع تقييم فال بلوموود (1993, 
3) بأن الإيكولوجيا العميقة تسيء فهم العلاقة بين الأرض والكون وتوسُع 
فقط هياكل الأنانية والمصالح الذاتية لتشمل العوامل غير البشرية. 

من الأهمية هكان أنه في حين أن النهج الشمولي يشير أيضا إلى أحادية سبينوز 
فإنه يبتعد عن إعادة قراءة سبينوزا المعاصرة من قبل أمثال دولوز وغواتاريء آو 
فوكوء أو الفروع الراديكالية الأخرى للفلسفة الأوروبية. تطبّق فكرة سبينوزا عن 
وحدة العقل والروح دعما للاعتقاد بأن كل ما هو حي مقدس ويستحق ق كبر احترام. 
يرتبط تقدير النظام الطبيعي هذا برؤية سبينوزا لله والوحدة بين الإنسان والطبيعة. 
ويؤكد الانسجام بين الإنسان وامموئل البيئي من أجل اقتراح دمج الاثنين نوعا ما 
البيئة العميقة هي من ثم مشحونة روحيا بطريقة أساسية. نظرا إلى عدم وجود 
آي حدود ولترابط كل شيء فإن إيذاء الطبيعة يؤدي قي النهاية إلى إيذاء أنفسنا. 
لذلك فإن بيئة الأرض ككل تستحق نفس الاعتبار الأخلاقي والسياسي الذي يستحقه 
البشر. هذا الموقف مفيد لكنه يبدو لي كطريقة لإضفاء الطابع الإنساني على البيئة 
أي كنوع مترسب وحسن النية من معيارية التجسيم» امطبقة على العوامل الكوكبية 
غير البشرية. الإنسانية التعويضية هي موقف ذو وجهين. 

على عكس هذا الموقف» ولكن أيضا بناء على بعض افتراضاته» ود آن 
أقترح نوعا مجددا من السبينوزية )2008 .(Citton and Lordon,‏ ری 
الأحادية السبينوزية» وأشكال النقد الراديكالية الأساسية التي ترتكز عليهاء 
كحركة دهوقراطية تشجع نوعا من النزعة السلمية الأنطولوجية. إن مساواة 
الأنواع في عام ما بعد المركزية البشرية تحثنا على التشكيك ف العنف والتفكير 
الهرمي الناجم عن الغطرسة البشرية وافتراض الاستشناء الإنساني الإعلاق. برأييء 
تؤكد العلائقية الأحادية على الجانب الأكثر تعاطفا ف الذاتية. يتيح لنا النهج 
السبينوزي» الذي تعاد قراءته باستخدام دولوز وغاتاري» تجاوز مخاطر التفكير 
الثنائي ومعالجة اممسألة البيئية بكل تعقيدها. يقترح اممذهب الأحادي المعاصر 
فكرة المادة الحيوية واممنظمة ذاتياء كما رأينا في الفصل السابق» بالإضافة إلى 


100 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 

تعريف غير إنساني للحياة على أنها زويء أو قوة ديناميكية وتوليدية. إنها عبارة 
عن «تجسيد العقل وتعقيل الجسم» )1998 .(Marks,‏ 

ويشير دولوز أيضا إلى هذه الطاقة الحيوية باعتبارها الحيوان العظيم 
«الآلة» الكونيةء ليس بأي معنى ميكانيكي أو نفعي» ولكن من أجل تجنب 
أي إشارة إلى الجبرية البيولوجية من جهة» والإفراط ف الفردية من جهة 
آخرى. يستخدم دولوز وغواتاري (1987) أيضا مصطلح «الفوضى» للإشارة إلى 
«هدير» الطاقة الكونية الذي يفضل معظمنا تجاهله. لكنهما حريصان على 
الإشارة إلى أن الفوضى ليست فوضوية. ولكنها تحتوي على الامتداد اللانهاني 
لجميع القوى الواقعية. هذه الإمكانات حقيقية بقدر ما تدعو إلى تحقيقها من 
خلال الممارسات العملية واممستدامة. لتمييز هذا الارتباط الوثيق بين الواقعي 
والحقيقي» يلجآن إلى الأدب ويستعيران من جيمس جويس (ءءyه[‏ sمصه[)‏ 
مصطلح «الفوضى الكونية» sمصءمهطء‏ الجديد الذي يدمج فيه «الفوضى» 
و«الكون» للتعبير عن مصدر الطاقة الأبدية. 

ها هو موضوع اللغة والتصوير يعود في هذا الاختيار المبهم ظاهريا إلى 
المصطلحات. إن ما أجده يستحق الثناء من جانب معلمي النظرية النقدية هو 
مدى استعدادهم لتحمل مخاطر السخرية من خلال القيام بالتجارب اللغوية 
التي تصدم العادات الراسخة وتثير عمدا ردود الفعل الخيالية والعاطفية. الهدف 
من النظرية النقدية هو زعزعة الرأي العام (40×4)» وليس تأكيده. على الرغم 
من أن هذا النهج قد قوبل بعداء ف الأوساط الأكادهية (كما سنرى ف الفصل 
الرابع)» فإنني أراه منزلة لفتة إلى المخاطرة السخية وامتعمدةء ومن ثم كبيان 
مؤيد للحرية الأكادهية. 

ومن ثم» فإنني أجرب أشكالا بديلة خاصة بي» بدءا من الذاتية البدوية إلى 
الشخصيات المفاهيمية الأخرى التي تساعدني ف التنقل عبر المياه العاصفة في مأزق 
ما بعد المركزية البشرية. فكرت البدوية» كونها مادية بشكل حادء تدافع عن فكرة 
الذات ما بعد الفرديةء والتي تتميز ببنية أحادية وعلائقية. ومع ذلك» فهي ليست 
غير متمايزة من حيث الإحداثيات الاجتماعية للطبقة والجنس والتوجه الجنسي 
والإثنية والعرق. الذاتية البدوية هي الفرع الاجتماعي لنظرية التعقيد. 


101 


ما بعد الإنسان 

كيف يؤثر ذلك على تحولنا - نحو - الأرض؟ في الواقع» نحن في منتصف 
الطريق لذلك. دعونا نستأنف الحجة من فكرة ذات ما بعد الإنسان. قد تتذكر 
أن إعادة تكوين فكرة جديدة مفهرسة سلبا عن «الإنسان» باعتباره نوعا مهددا 
بالانقراض» إلى جانب الفئات الأخرى غير البشريةء بُحتفى بها حاليا من قبل 
التابعين للحركة الإنسانية الجديدة ما بعد المركزية البشرية في جميع المجالات» من 
الناشطين في حقوق الحيوان إلى النسوية البيئية. يأخذون الأزمة البيئية دليلا على 
الحاجة إلى إعادة قيم الحركة الإنسانية الكونية. ليس لدي أي احتجاج حقيقي 
على الطموح الأخلاقي الذي يدفع هذه العملية» بل أشاركه الشوق الأخلاقي 
نفسه. وعلى رغم ذلك» فإنني أشعر بقلق بالخ إزاء الحدود اممترتبة عن إعادة 
إنعاش الحركة الإنسانية من دون التفكير بذلك جيداء جرد اعتبارها العامل 
الملزم لهذه الفكرة المفترضة بشكل رجعي عن الرابطة الشاملة للإنسان. أريد أن 
أؤكد آنه يجب عدم السماح لإدراكنا بإعادة بناء «مفهرس سلبيا» لشيء نسميه 
«الإنسانية» أن هسح أو يزيل كل فروق القوى التي لاتزال سارية ومفعَّلة من 
خلال محاور استغلال الجنس والعرق والكائنء بينما يجري تعديلها من قبل آلة 
رأسمالية الهندسة الوراثية المتقدمة. تحتاج النظرية النقدية إلى التفكير في وقت 
واحد في تعتيم الاختلافات النوعية وإعادة تأكيدها كأشكال جديدة للاقتصاد 
السياسي الحيويء» مح أنماط مألوفة من الاستبعاد والسيطرة. على سبيل اممثالء في 
تحليله للقيود المزدوجة لكل من الحركة الإنسانية الكلاسيكية والنظرية امماركسية 
ونظرية ما بعد الاستعمارء يطرح ديبش تشاكرابارتي سؤالا مهما للغاية: إن نظرنا 
إلى الفرق في البصمة الكربونية بين الدول الغنية والفقيرةء فهل من العدل حقا 
التحدث عن أزمة تغير المناخ باعتبارها مصدر قلق «إنساني» مشترك؟ بل سأتعدى 
ذلك وأتساءل: أليس من المجازفة قبول بناء تشكيل سلبي للإنسانية كفئة تمتد 
إلى جميع البشى بغض النظر عن جميع الاختلافات الأخرى؟ هذه الاختلافات 
موجودة ولازالت ذات أهميةء فماذا نصنع منها؟ يشير التحول - نحو - الأرض إلى 
علاقة كوكبية مختلفة نوعيا. 

تعيدنا مسألة الاختلافات إلى السلطة وإلى سياسة اممواقع وضرورة وجود نظرية 
أخلاقية - سياسية للذاتيةء أو بالتحديدء ماذا نقصد ب «نحن» المشيرة إلى هذه 


102 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


البشرية الشاملة المرتبطة بالخوف من تهديد مشترك؟ يقول تشاكرابارتي بوضوح: 
«قد لا تكون الأنواع إلا مصطلحاً لتاريخ كوني جديد ناشن للبشر يضيء في اللحظة 
التي يلوح فيها خطر تغير المناخ» (2009: 222). نتيجة لذلك» أود أن أزعم أن 
ا منظرين النقديين يحتاجون إلى الإشارة بوضوح وحدة إلى مقاومتهم لتحييد 
الاختلاف الناجم عن اممادية الضارة والتنقل ال مغامر للرأسمالية ام متقدمة. 

إن الطريق الأكثر مساواة. والذي يتمحور حول زويء» يتطلب قدرا ضئيلا من 
النوايا الحسنة من جانب الحزب الممهيمن» في هذه الحالة الأنثروبوس نفسه»ء تجاه 
الآخرين من غير البشر. أنا أدرك بالطبع أن هذا ليس طلبا سهلا. إن تحول ما 
بعد ال مركزية البشرية بعيدا عن العلاقات الهرمية التي ميزت «الإنسان» يتطلب 
شكلا من أشكال التغريب وإعادة تموضع جذري للذات. أفضل طريقة لتحقيق 
ذلك هي من خلال إستراتيجية التغريب (١٥1اه1إهنانصهfمك)‏ أو الابتعاد 
النقدي عن الرؤية السائدة للذات. ينطوي فك تحديد الهوية على فقدان عادات 
التفكر والتصوير المألوفة من أجل تمهيد الطريق للبدائل الإبداعية. وقد أطلق 
عليها دولوز اسم «إزالة الحدود» النشطة. كما قدمت نظريات العرق وما بعد 
الاستعمار إسهامات مهمة في اممنهجية والإستراتيجية السياسية للتغريب (,رهإآذز 
5.. لقد دافعت عن هذه الطريقة كمحاولة لفك تحديد الهوية من القيم 
المعروفة وال معيارية» مثل المؤسسات والتصويرات السائدة للأنوثة والذكورةء من 
أجل نقل الفارق الجنسي نحو عملية التحول - نحو - الأقليات (,1† 8i0‏ 
4 ,1994). وعلى المنوال نفسه تجادل المفكرات النسويات السبينوزيات 
مثل مورا زlتji‏ وجيiيفيف‏ ıglد Moira Gatens, GenevieveLloyd,)‏ 
9 ) ) بأن التغييرات المتضمنة اجتماعيا وذات الأسس التاريخية تتطلب نقلة 
نوعية في «تصوراتنا الجماعية»» أو رغبة مشتركة في التغيير. إن الإطار المرجعي 
المفاهيمي الذي اعتمدته لفك تحديد الهوية هو الطمذهب الأحادي. وهو ينطوي 
على تدفقات للصيرورةء مفتوحة» ومتداخلة» ومتعددة الجنس» وعابرة للأنواع 
من خلال التفاعل مح العديد من الآخرين. إن ذات ما بعد الإنسان التي تُشكل 
بهذا الشكل تتجاوز حدود كل من المركزية البشرية والإنسانية التعويضية 
لاکتساب بعد کوکبي. 


103 


ما رعد الإنسان 


ما بعد الإنسان كالتحول - نحو - الآلة 

تعد مسألة التكنولوجيا آمرا آساسيا في مأزق ما بعد ا مركزية البشريةء وقد 
أشرت إليها بالفعل عدة مرات ق الأقسام السابقة. تحولت العلاقة بين الإنسان 
والآخر التكنولوجي في السياق المعاصرء لتصل إلى درجات غير مسبوقة من 
الحميمية والتطفل. إن مأزق ما بعد الحركة الإنسانية يدفع بإزاحة خطوط 
ترسيم الحدود بين الاختلافات الهيكليةء أو الفثات الأنطولوجية» على سبيل 
امال بين العضوي وغير العضوي» الممولود والمصنع» اللحم والممعدن» الدوائر 
الإلكترونية والنظم العصبية العضوية. 

كما هو حال العلاقات بين الإنسان والحيوان» فإن هذه الخطوة تتجاوز 
الاستعارة. فالوظيفة المجازية أو التماثلية التي اضطلعت بها الآلات في زمن الحداثةء 
كأداة ذات مركزية بشرية تقلد القدرات البشرية امجسدةء تستبدل اليوم باقتصاد 
سياسي أكثر تعقيدا يربط الأجسام بالآلات بشكل أكثر حميمية» من خلال ال محاكاة 
والتعدیل امتبادل. کما جادل أندریاس هيسن (1986 Andreas 1 uyssen,‏ في 
العصر الإلكتروني تمارس الأسلاك والدوائر نوعا من الإغراء يختلف عن المكابس 
ومحركات الطحن ف الآلات الصناعية. الآلات الإلكترونية» من هذه الزاوية غير 
مهمة: فهي صناديق بلاستيكية وأسلاك معدنية تنقل ال معلومات ولا «تمثل» أي 
شيء» لكنها تحمل تعليمات واضحة وهكنها إعادة إنتاج اط واضحة للمعلومات. 
إن الدافع الرئيس للإغواء الإلكتروني المكروي هو في الواقع عصبي» حيث إنه يبرز 
اندماج الوعي الإنساني بالشبكة الإلكترونية العامة. تعمل تقنيات المعلومات 
والاتصالات المعاصرة على تخريج وتقليد النظام العصبي البشري إلكترونيا. أدى هذا 
إلى حدوث تحول في مجال إدراكنا: استبدلت آهاط التصوير اممرئية بأنماط حسية 
عصبية من المحاكاة. على حد تعبير باتر خا كلاو (1چC1ou »)Patricia‏ فقد آصبحنا 
أجسادا «متَوسّطة بيولوجيا» (2008: 3). 

لذلك هكننا أن نبدأً بأمان من افتراض أن السايبورغات هي التكوينات 
الاجتماعية والثقافية السائدة التي تنشط في جميع أنحاء النسيج الاجتماعي» مع 
العديد من الآثار الاقتصادية والسياسية. تحول رجل فيتروفيا إلى سايبورغ (انظر 
الشكل 2-4). اسمحوا لي بأن أؤكد هذا التصريح بإضافة أنه هكن القول إن جميع 


104 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


الشكل (2-4(: فیکتور Victor Habbick (Maninblack) «mulk‏ 
آلة على طراز الرجل الفيتروف ليوناردو. المصدر: Clivia - Pix ac‏ 


التقنيات لها تأثير بيولوجي سياسي قوي في الذات ال متجسدة التي تتقاطع معها. 
ومن ثم لا تشمل السايبورغات فقط الأجساد ذات التكنولوجيا الفائقة أو الطيارين 
المقاتلين أو الرياضيين أو نجوم السينماء ولكن أيضا الجماهير المجهولة من البروليتاريا 
الرقمية ذات الدخل ال محدود والتي تغذي الاقتصاد العامي الذي تحركه التكنولوجيا 
من دون الوصول إليه بنفسها على الإطلاق (2006 ,ااه لذهإ8). سأعود إلى هذا 
الاقتصاد السياسي القاسي في الفصل التالي. 

ما أريد قوله الآن هو أن الوساطة التكنولوجية آمر أساسي لرؤية جديدة 
لذاتية ما بعد الإنسان» وأنها توفر الأساس طالب آخلاقية جديدة. إن فكرة ما 
بعد الإنسان عن الذات المجسدة وامممتدة والعلائقية تقيد الضجيج التكنولوجي 


105 


ما رعد الإنسان 


من خلال آخلاقيات تحولات مستدامة. ينادي هذا امموقف الرصين مقاومة كل 
من الجاذبية المميتة للحنين إلى الماضي وخيال اليوتوبيات العابرة للإنسانية 
واليوتوبيات التقنية الأخرى. كما أنه يقارن حوار «الرغبة في أن تكون متصلا» 
مع حس راديكالي أكثر مادية «الفخر بأن نکون جسدا» (2004 cack,‏ طہS).‏ 
يسمح لنا التركيز على المحايثة باحترام رابطة الاعتماد المتبادل بين الأجساد 
والآخرين التكنولوجيين» مع تجنب احتقار الجسد والخيال العابر للإنسانية عن 
الهروب من الممادية ا محدودة للنفس اممجسدة. كما سنرى قي الفصل التاليء ستثار 
مسألة الموت والفناء بالضرورة. 

أريد أن أجادل من أجل رؤية حيوية للآخر المتَوّسّط بيولوجيا. هذه 
الحيوية الآلية لا تختص بالجبرية تماما أو الهدف الداخاي أو النهائيةء بل 
تتعلق بالصيرورة والتغيير. تقدم هذه الرؤية عملية يطلق عليها دولوز وغاتاري 
«التحول - نحو - الآلة»» مستوحاة من «الآلات العزباء» السرياليةء التي تعني 
وجود علاقة لعوب وممتعة مع التكنولوجيا لا تستند إلى الوظيفية. بالنسبة 
إلى دولوز يرتبط هذا مشروع تحرير التجسيد البشري من الفهرسة الخاصة 
بالإنتاجية الاجتماعية ليصبح «جسدا من دون أعضاء» آي دون كفاءة منظمة. 
هذا ليس انتفاضة حسية فوضوية بل هو برنامج مدروس بعناية يسعى إلى 
تحقيق هدفين: آولاء يحاول إعادة التفكير في أجسادنا كجزء من استمرارية 
الطبيعة والثقافة من حيث هياكلها العميقة. ثانياء يضيف بعدا سياسيا عن 
طريق وضع إطار لإعادة تكوين الممادية الجسدية ف اتجاهات متناقضة تماما مع 
الكفاءة الزائفة والانتهازية القاسية للرأسمالية اممتقدمة. الآلات المعاصرة ليست 
استعارات» إنها محركات أو أجهزة تجمع القوى والطاقات وتعالجهاء لتسهل 
العلاقات المتبادلة والتوصيلات والتجمعات المتعددة. وهي ترمز إلى العلائقية 
الراديكالية والبهجة وكذلك إلى الإنتاجية. 

يشير «التحول - نحو - الآلة» معناه المحدد هذا إلى القوى العلائقية لذات ما 
عادت تدرَج في إطار ثناني» ويساعد على تحقيقها كذلك. ذات تحمل رابطا متمیزا 
مع آخرين متعددين» وتندمج مع بيئة كوكبية متوَسّطة تقنيا. إن دمج الإنسان 


بالتكنولوجيا يؤدي إلى مركب جديد مستعرض» وهو نوع جديد من الوحدة 


106 


ما بعد المركزية البشرية : الحياة ما وراء النوع 


الإيكوسوفية (1هءنطمهء-هءء)*)» لا يختلف عن العلاقة التكافلية بين الحيوان 
وموطنه الكوكبي. ليس هذا هو الانصهار الكلي الذي اتهم هيغل سبينوزا به» بل 
بالأحرى هو العلاقات العرضية الراديكالية التي تولد أنماطا جديدة من الذاتيةء والتي 
تخضع لفحص من أخلاقيات القوى. إنها تحافظ على أخلاقيات حيوية من الاعتماد 
ا متبادل بين الأنواع. إنها بيئة معممةء تعرف أيضا باسم إيكوسوف» والتي تهدف إلى 
عبور الطبقات الممتعددة للذات بشكل مستعرض» من الداخلية إلى الخارجية وكل 

هذه العملية هي ما أعنيه ب «ما بعد الإنسانية في مرحلة ما بعد اممركزية البشرية» 
والتي أدافع عنها في هذا الكتاب. وتنطوي على انفصال جذري عن مفاهيم مثل العقلانية 
الأخلاقية. والهوية الوحدويةء والوعي الإعلائي أو القيم الأخلاقية الفطرية والكونية. ينصب 
التركيز كليا على الهياكل العلائقية ال محايدة معياريا لكل من تشكيل الذات والعلاقات 
الأخلاقية الممكنة. إن وضع أطر عمل معيارية جديدة لذات ما بعد الإنسان هو محور 
تجارب الكثافة الجماعية التي لا تستهدف الربح» أي التجارب فيما مكننا فعلا أن نتحول 
نحوه. إنها ممارسة عملية (نجهإم) (مشروع مشترك ثابت)» وليست دوكسا (معتقدات 
امنطق السليم). يجسّد مفهومي الخاص بالذات البدوية هذا النهج الذي يجمع بين الذاتية 
غير الوحدوية والمساءلة الأخلاقية من خلال إبراز الدور الأنطولوجي الذي تمارسه العلائقية. 

وفقا لفيليكس غاتاري فإن مأزق ما بعد الإنسان يستدعي وجود بيئة اجتماعية 
افتراضية جديدةء تشمل الأبعاد الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والجمالية 
والروابط العرضية بينهم. لتوضيح هذه الرؤية يقترح غاتاري ثلاث بيئات أساسية: 
البيئةء والعلاقة الاجتماعية. والنفس. والأهم من ذلك أنه يؤكد الحاجة إلى إنشاء 
خطوط مستعرضة عبر هذه الخطوط الثلاثة. هذا التوضيح مهم» وسأربطه بالتذكير 
النظري الذي أصدرته سابقاء وهو أننا نحتاج إلى ممارسة التغريب كوسيلة حاسمة 
في نظرية النقد طا بعد الإنسان وإلى تعلم التفكير بطريقة مختلفة. 

من الأهمية هكان» على سبيل المثالء رؤية الترابط بين تأثير الدفيئة ووضع 
ا مرأة والعنصرية وكره الأجانب والاستهلاك المحموم. يجب ألا نتوقف عند أي أجزاء 
(#) إیکوسوف (رطمهء-٥ء۲):‏ مصطلح منحوت من «رطم‌ههانطم 1هءنعهاهءه»» أي الفلسفة البيئيةء وقد صاغه 


كل من غاتاري ونايس. [المحرر]. 


107 


ما رعد الإنسان 


مجزأة من هذه الحقائق» بل علينا تتبع الروابط اممستعرضة المتبادلة فيما بينها. إن 
الذات متعددة الأصوات أنطولوجيا. وترتكز على مستوى من الاتساق يشمل الواقع 
الحاصل بالفعلء» «أقاليم وجودية مؤقلمة»» والواقع الذي لايزال افتراضياء «أكوان 
معنوية غير مؤقلمة» (26 :1995 ,iإةاهں6).‏ يطالب غاتاري بإعادة التملك 
الجماعي لإنتاج الذاتية» من خلال فصل «فوضوي كوني» للفئات اممختلفة. قد تتذكر 
أن «الفوضى الكونية» هي كون الممرجعية للصيرورة معنى تكشف الافتراضيات أو 
القيم التحويلية. إن الخطوة النوعية إلى الأمام ضرورية إذا أردنا أن ننقذ الذاتية 
من نظام التسليع الذي هثل سمة من سمات عصرنا التاريخي» ونتيح لها تجربة 
الإمكانيات الافتراضية. نحتاج إلى أن نصبح تلك الذوات التي ترغب بشكل فاعل في 
إعادة اختراع الذاتية كمجموعة من القيم اممتحولة» وأن نستخلص بهجتنا من ذلك 
وليس من إدامة الأنظمة اممألوفة. 

يعد عمل ھومبرتو ماتورlنا‏ وفرlنسwıكg‏ ارا Humberto Maturana,)‏ 
)۴ancisco Varela, 172‏ مصدرا كبيرا للإلهام في إعادة تصميم هذا النوع من 
أخلاقيات التحديد المشترك بين النفس والآخر التابعة مما بعد المركزية البشرية 
امرتبطة بالبيئة والبعيدة عن أفكار كانت. تحل فكرة التكافل محل فكرة ال معرفة 
كما تحل أخلاقيات الاستدامة محل الفلسفة الأخلاقية للحقوق. ويؤكد هذا من 
جديد أهمية المنظورات الثابتة وامموقعية والمحددة للغاية» ومن ثم المنظورات 
المسؤولة في حركة أسميها المساواة ا متمحورة حول زوي. 

في تحليله ل «الطفرات الوجودية الجماعية» (1995: 2) التي تحدث حالياء يشير 
فيليكس غاتاري إلى تمييز فاريلا بين نظم الخلق الذاتي (المنظمة ذاتيا) (ناeزمم‏ ها uه)‏ 
ونظم الخلق غير الذاتي (عءنانهمهاله). يتعدى غاتاري هذا التمييز الذي طرحه 
فاريلا فيمد مبدأ الخلق الذاتي (الذي يخصصه فاريلا للكائنات البيولوجية) ليشمل 
أيضا الآلات أو التقنيات التكنولوجية الأخرى. وفقا لغاتاري فالاسم الآخر للذاتية 
هو الخلق الذاتي لتفعيل الذاتيةء أو التشكيل الذاق» ويشمل ذلك كلا من الكائنات 
الحيةء والبشر المنظمين ذاتياء وكذلك المواد غير العضويةء أي الآلات. 

يؤسس الخلق الذاتي الآلي عند غاتاري وجود صلة نوعية بين المواد العضوية 
والمصنوعات التكنولوجية أو الآلية. وهذا يؤدي إلى إعادة تعريف راديكالية 


108 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 
للآلات باعتبارها ذكية وتوليدية. فهي تمتلك إيقاعها الزمني الخاص وتتطور عبر 
«أجيال»: فهي تحتوي على واقعها ومستقبلها. ومن ثم فهي تساعد على آشكال 
التغيير الخاصة بهاء ليس فقط تجاه البشرء ولكن أيضا فيما بينهاء وتهدف إلى خلق 
استقرار عال» وهو شرط أساسي للفردية. إن التركيز على التنظيم الذاتي والاستقرار 
العالي يؤْطر مشروع التحول - نحو - الآلة لذات ما بعد الإنسان. إنها تساعدنا 
على إعادة التفكير ف الذاتية امستعرضة بوساطة تكنولوجية مع تجنب الاختزال 
العلمي. في نقده لخطاب الحيوية البيولوجية التكنولوجية (1997)» يحذرنا نسيل 
بيرسون (۸٥5إهء۴‏ ا1ءئرA)‏ من الخيال الخبيث لفكرة التطور اممعاد تطبيعها 
بوساطة الرأسمالية التكنولوجية الحيوية المتقدمة. أعتقد أن الهدف من مأزق ما 
بعد الإنسان هو إعادة النظر في التطور بطريقة غير حتمية ولكن أيضا بأسلوب 
ما بعد ام مركزية البشرية. ف مقابل الأفكار الكلاسيكية الخطية للتطور («ذل2۲!٣‏ 
9 ,ر4إهااiم" »)de‏ أود التأكيد على المشروع الجماعي للسعي إلى فهم أكثر 
ملاءمة لتعقيد العوامل التي تشكل ذات ما بعد الإنسان: القرب الجديد من 
الحيوانات» والبعد الكوكبي» والمستوى العالي للوساطة التكنولوجية. يعني الخلق 
الذاتي الميكانيكي أن التقنية هي موقع للصيرورة ما بعد اممركزية البشريةء أو عتبة 
لكثير من العوامم اطممكنة. 
الفكرة الرئيسة هي تقاطع العلاقات لذات ما بعد المركزية البشرية وما بعد 
الإنسان التي تتبع الروابط العرضية بين خطوط مادية ورمزية» ملموسة وحواريةء 
للعلاقة أو القوى. تعمل التقاطعية على تحقيق المساواة المتمحورة حول زوي 
باغتارها أغلها اها وة لجل انك دة ا سه الأفعان الأغاكات القاةة 
على أسبقية العلاقةء على الاعتماد امتبادل» تقدر زوي بحد ذاتها. 
أشير أيضا إلى ممارسات التحول - نحو - الآلة باسم «الممادية الجديدة 
الراديكالية» (1991 ,ناه لنهإ8)ء أو «الواقعية المادية« )2006 „(Fraser et al.,‏ 
دعم هذه الأفكار من قبل تغيير المفاهيم للهيكل الفكري للمادة نفسهاء وتتقاطع 
معlq‏ )2010 .)De Land a, 2002; Bennet,‏ تحت تأثر علم الهندسة الوراثية 
وتقنيات المعلومات المعاصرة. يركز التحول السبينوزي إلى أنطولوجيا سياسية 
أحادية على العمليات والسياسة الحيوية ونظريات التطور غير الجبرية. لذلك فإن 


109 


ما رعد الإنسان 


التركيز ينصب» من الناحية السياسية» على السياسات الصغيرة للعلاقات» باعتبارها 
أخلاقيات ما بعد إنسانية تتعقب الروابط العرضية بين خطوط أو قوى مادية 
ورمزيةء ملموسة وحوارية. ينصب التركيز على قوة واستقلالية التأثير واللوجستية 
لتحقيقه (2002 ,اص»ووة۷). يعمل التقاطع على تحقيق الأخلاق بناء على أولوية 
العلاقة والاعتماد ا متبادلء والتي تقدر الحياة غير البشرية أو غير الشخصية. هذا ما 
أسميه سياسة ما بعد الإنسان )2006 .(Braidotti,‏ 


الاختلاف كمبداً غير الواحد 

دعوني أستعرض إلى أي حد وصلنا في النقاش المعقد الذي سببه زوال 
الأنثروبوس. أولا لقد جادلت بأن الرأسمالية ا معاصرة «سياسية حيوية» من حيث 
إنها تهدف إلى السيطرة على كل ما هو حي. لقد تحولت بالفعل إلى شكل من 
أشكال «القرصنة البيولوجية» (1997 ,ه1۷ط؟)» لأنها تستغل القوى التوليدية للنساء 
والحيوانات والنباتات والجينات والخلايا. ثانياء هذا يعني أن الإنسان والآخرين 
ا لمجسمين بُنقلون في استمرارية متصلة مع الآخرين من غير المجسمين أو الحيوان 
أو «الأرض». لقد تحول التمييز النوعي الذي فصل الإنسان عن غيره من الكائنات» 
فأخذ بزعزعة افتراضات الحركة الإنسانية حول ما يشكل الوحدة ال مرجعية الأساسية 
ل «الإنسان». ثالتاء ينتج نهج اممركزية البشرية هذا تصنيفا سلبيا للإنسان كنوع 
مهدد بالخطر مرتبط بالخوف من الانقراض. كما يفرض وحدة جديدة بين الإنسان 
والأنواع الأخرى في شكل تمديد تعويضي لقيم وحقوق الحركة الإنسانية لتمتد 
إلى الآخرين غير البشريين. رابعاء يعزز النظام نفسه اطا مألوفة من الاستبعاد 
والاستغلال والاضطهاد. من أجل تثبيت ادعاثي حول مزايا ذات ما بعد الإنسان 
المستندة إلى العلائقية والترابط العرضي عبر المحاور الكلاسيكية للتمايزء فإن الخطوة 
التالية من النقاش تحتاج إلى النظر في مسألة الاختلاف. سوف أنظر بشكل نقدي إلى 
حالة ووظيفة الاختلاف ف هذا السياق الجديد ما بعد المركزية البشرية. 

كما ذكرت في الفصل السابق فإن أكثر ما يلفت النظر في إعادة التعريف العلمي 
الحالي ل «اطمادة» هو نقل الاختلاف من الثنائيات إلى علم الجذور (ءc ٣‏ rhiz0)؛‏ 
من الجنس/ الجندر أو الطبيعة/ الثقافة إلى عمليات التحصيل الجنسي/ التمييز 


110 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


العنصري/ الكائني التي تأخذ الحياة نفسهاء أو حيوية المادة بوصفها هدفا رئيسا. 
يولد هذا النظام تشويشا متعمدا للفروق ثنائية التفرع» لا يؤدي في حد ذاته 
إلى حل أو تحسين اختلافات القوة بل تزيدها بأشكال عدة. بعبارة أخرى فإن 
الآثار الانتهازية ما بعد الممركزية البشرية الممتعلقة بالاقتصاد العامي تولد نزعة 
كوزموبوليتانية سلبية أو إحساسا بالارتباط التفاعلي عبر البشر من خلال تقديم 
فكرة «الحياة كفائض» وضعف بشري مشترك. 

يجب أن يبدا الخط السياسي للاستجواب من هذا امموقع الثابت لطرح بعض 
الأسئلة الأساسية حول الذاتية. على سبيل اممثالء تجادل كاثرين هايلز Katherine(‏ 
sهاره1)»‏ «ما علاقة الأجساد اممجندرة مسح التجسيد وما يترتب عن ذلك من 
دمج الآلة والذكاء البشري في شكل سايبورغ؟» (نن× :1999 ,sاره3[).‏ في سياق 
مشابه» تتساءل بالسامو (٥۳هء1ه8)»‏ التي تعتقد أن الأجسام داتما ما تكون محددة 
بالجنس والعرق (1996: 6)» «عندما ينقسم جسم الإنسان إلى أعضاء أو سوائل أو 
رموز وراثيةء ماذا يحدث للهوية الجندرية؟ عندما يُقسّم الجسم إلى أجزاء وظيفية 
ورموز جزيئية» أين يقع الجندر؟» دعونا نثق في النساء والمثليين واممثليات والقوى 
البديلة الأخرى مع «أجسادهم الراشحة» تاريخيا (1994 ,2١0إ6)‏ وحقوقهم 
الإنسانية غير الكاملةء لإعادة تأكيد القوى وكذلك لتعزيز إمكانات كائن ما بعد 
الإنسان التوليدية. 

لقد أكدت الهندسة الوراثية والتقنيات الحيوية على إحداث خلع مفاهيمي 
نوعي ف التصنيف ال معاصر للذوات المجسدة. كما أوضحت سابقاء تخترّل الأجساد 
إلى ركيزتها ا معلوماتية من حيث امادية والقدرة الحيوية. هذا يعني أن علامات 
تنظيم الاختلافات وتوزيعها موجودة الآن في حالات دقيقة من اممادية الحيوية 
مثل خلايا الكائنات الحية والرموز الوراثية لأنواع بأكملها. لقد قطعنا شوطا طويلا 
بعيدا عن النظام الإجمالي الذي اعتاد تحديد الاختلاف على أساس الاختلافات 
التشريحية اممرئية بين الجنسين التجريبيين والأعراق والأنواع. لقد انتقلنا من 
القوة الحيوية التي يشير إليها فوكو عن طريق التشريح المقارن إلى مجتمع قائم 
على حوكمة قوة زوي الجزيئية اليوم. كما تحولنا من ا مجتمعات التأديبية إلى 
المجتمعات اممسيطرة» من الاقتصاد السياسي للبانوبتيكون (١٥ءن†مهصه۴)‏ إلى 


111 


ما رعد الإنسان 


معلوماتية الهيمنة (2003 ,1992 ,1990 ,رةسهإة1]). ومع ذلك فإن مسألة 
الاختلاف وتفاوت القوة لاتزال مركزية كما كانت داثما. 

هذا المشهد السياسي طا بعد الإنسان ليس بالضرورة أكثر مساواة أو أقل 
عنصرية وتحيزا للمغابرة الجنسية ف التزامه بالتمسك» على سبيل اممثالء بأدوار 
الجنسين والقيم الأسرية ال محافظةء وإن كان ذلك يصور - في حالة أفلام هوليوود 
الشهيرة مثل أفاتار (2009 ,۲ة4۷) - في الفضاء ومخلوقاته. إن قوة الثقافة التقنية 
المعاصرة في زعزعة استقرار محاور الاختلاف الفئوية تؤدي إلى تفاقم علاقات القوة 
وتوصيلها إلى قمم جديدة لسلطة الموت» كما سنرى في الفصل التالي. كما أنها تنتج 
بعض النزعات اممضللة مثل الإعلائية التقنية التي تبرزء بالإضافة إلى نوع من الفردية 
الليبرالية ا موجهة نحو المستهلك» باعتبارها واحدة من سمات التخيل الاجتماعي 
للرأسمالية العاممية. 

ما عواقب حقيقة أن الأجهزة التكنولوجية مم يعد ينظر إليها باعتبارها جنسا 
أو عنصرا أو كائناء بل أصبحت محايدة كأشكال من الخلط والتهجين والربط 
البيني» وتحول العبور الجنسي إلى أصناف شائعة ا بعد الإنسان؟ إذا كانت 
الآلة ذاتية التنظيم وعابرة جنسياء يجب نقل جسم الإنسان العضوي القديم 
إلى مكان آخر. ولأنني واعية لتحذير ليوتارد (۲۵ه٤هر1)‏ بشأن الاقتصاد السياسي 
للرأسمالية المتقدمة» أعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نثق في التأآثيرات المشوشة 
وحالات اللامبالاة التي يولدها. مهما كان مغرياء يجب ألا نفترض أن ذوات ما 
بعد الإنسان المجسدة تتجاوز الاختلاف الجنسي أو العنصري. فلاتزال سياسات 
التصوير ومن ثم موقع الاختلافات الجنسية والعنصرية والكائنية قاثمة» على 
رغم آنها تغیرت بشکل کبیر (1993 ۵٣,‏ اه)ں8). في السياق الإلكترونيء 
كما رأينا سابقا لا تعتبر النقطة ا مرجعية الْتَوَّسطة تكنولوجيا متمثلة ها هو 
عضوي/ غير عضوي» ذكر/ آنثىء» أو أبيض بشكل خاص. الرأسمالية امتقدمة هي 
نظام ما بعد جندري قادر على استيعاب درجة عالية من الزنمردة (الأندروجينية 
)androgyny‏ وتشويش كبر للفجوة الفتوية بين الجنسين. كما أنه نظام ما بعد 
عنصري مم يعد يصنف الناس وثقافاتهم على ساس صبغتهم (2000 ,وهءاز)» 
لكنه لايزال عنصريا بشكل عميق. يمكن أن تساعدنا نظرية قوية للذاتية ما بعد 


112 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


الإنسانية على إعادة صياغة هذه العمليات» من الناحية النظرية والسياسية. 
ليس فقط كأدوات تحليلية» ولكن أيضا كأسباب بديلة لتشكيلات الذات. 
تغبرت الاختلافات الجنسية والعنصرية والكائنية» من كونها علامات حدودية 
قاطعة في ظل الحركة الإنسانية. إلى اختلافات غير متماسكة تعمل كقوى تؤدي 
إلى وضع آماط بديلة للذاتية المستعرضة» والتي لا تتجاوز الجنس والعرق فقطء 
بل تتجاوز الإنسان نفسه. تعمل الفلسفة الإيكولوجية ما بعد الإنسان» كما أرى 
كمحاولة لإعادة التفكير بشكل مادي في الشبكة اممعقدة من العلاقات اممتبادلة التي 
تميز علاقة الذوات ام معاصرة ببيئاتها المتعددةء الطبيعية والاجتماعية والنفسيةء كما 
يشير غاتاري. الأهم من ذلك» من أجل صحة الحجة الحالية» فهي لا تلغي عمليات 
التمييز الجنسي والعرقي والكائني التي وفرت دعائم الحكم السياسي الحيوي» بل 
فيما يتعلق بالسياسة النسوية هذا يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في النشاط 
الجنسي بعيدا عن الجندرء بدءا من العودة الحيوية إلى الأشكال المتعددة وفقا طا 
قاله فرويد. والبنية «اطمنحرفة» (معنى اللعوب وغير التكاثرية) للنشاط الجنسي 
البشري. نحتاج أيضا إلى إعادة تقييم القوى التوليفية للتجسيد الأنثوي. في هذه 
الرؤية يعد الجندر مجرد آلية محددة تاريخيا لالتقاط الإمكانيات اممتعددة للجسدء 
ا في ذلك قدراته التكاثرية أو الإنجابية. أن يحول إلى المصفوفة الأساسية للسلطة 
عبر التاريخ» على النحو الذي اقترحته نظرية أحرار الجنس (رإ0عطا إمueي)‏ في 
التقاليد البنيوية اللغوية والاجتماعية (1991 ١ءء1انا8)»‏ هو ببساطة خط مفاهيمي. 
من وجهة نظر الاقتصاد السياسي الأحادي ما بعد الإنسانء لا تعتبر القوة من الأمور 
الثابتةء بل هي عبارة عن تدفق استراتيجي معقد للآثار التي تتطلب سياسة تدخلية 
براغماتية والبحث عن بدائل مستدامة (2006 راه لنهإ8). معنى آخرء نحتاج إلى 
تجربة المقاومة والكثافة من أجل معرفة ما هكن أن تفعله أجساد ما بعد الإنسان. 
نظرا إلى أن النظام الجندري يحد من تعقيد النشاط الجنسي للإنسان في جهاز ثنائي 
يفضل التكوينات العائلية اممغايرة جنسيا ويسرق حرفيا جميع الأجساد الأخرى 
الممكنة مناء م نعد نعرف ما الذي هكن أن تفعله الأجساد الجنسية. لذلك نحتاج 
إلى إعادة اكتشاف مفهوم التعقيد الجنسي الذي هيز الحياة الجنسية في أشكالها 


113 


ما رعد الإنسان 


البشرية وما بعد الإنسانية. يوضح نهج ما بعد المركزية البشرية أن اممادة الجسدية 
في الإنسان» كما هو الحال في الأنواع الأخرى هي دانما محددة بالجنس ومن ثم 
متمايزة جنسيا على طول محاور التعدد وعدم التجانس. 

لقد جادلت بأن الواقعية اممادية أو النسوية الحيوية ما بعد الإنسانية التي 
تعتمد على الأنطولوجيا السياسية الأحادية الديناميكيةء تحول التركيز بعيدا 
عن التمييز بين الجنس/ الجندر» مما يركز أساسا على النشاط الجنسي كعملية. 
وتبعياء يعني هذا أن النشاط الجنسي هثل قوة أو عنصرا مؤسساء قادرا على إلغاء 
تحديد الهوية واممؤسسات الجندرية (1994 اه هنهإ8). بالإضافة إلى فكرة 
الجسد باعتباره تجميعا غير مادي معقدا للافتراضيات» يفرض هذا النهج الأولوية 
الأنطولوجية للاختلاف وقوته القادرة على التحول الذاقي. على سبيل اممثال» تجادل 
كلير كولبروك (2000) بأن الاختلاف الجنسي لا هثل مشكلة تحتاج إلى حل بل موقعا 
إنتاجيا نبدأً منه. تشر باتريشيا ماك كورماك )2008 (Patricia MacCormack,‏ 
با مثل إلى الحاجة إلى العودة إلى النشاط الجنسي باعتباره قوة داخلية متعددة 
الأشكال ومعقدةء وإلى فك ارتباطها مع كل من قضايا الهوية وجميع المعارضات 
الثنائية. تبحث النسويات ما بعد الإنسانيات عن التخريب ليس في تشكيلات الهوية 
المضادة ولكن في الخلع النقي للهويات عبر تحريف الأماط الموحدة للتفاعل 
الجنسي والعنصري والكائني. 

ومع ذلك لا ترقى هذه التجارب ما يمكن أن تفعله الأجساد الجنسية إلى 
القول بأن الاختلافات في المجال الاجتماعي مم تعد مهمة أو أن علاقات القوة 
التقليدية قد تحسنت بالفعل. على العكس من ذلك فعلى اممستوى العاطمي» تعد 
الأشكال المتطرفة للاختلاف الجنسي المستقطب أقوى من أي وقت مضى. وتسقّط 
على العلاقات الجغرافية السياسية» ما يخلق رؤى مجندرة متحاربة ل «صدام 
الحضارات» والذي يزعم أنه مبني على حقوق النساء وحقوق الممثليين جنسياء كما 
ذكرت ق الفصل السابق. هذه التجليات الرجعية للثنائيات الجندرية ليست سوى 
جزء من الصورة. 

تشير الصورة الأوسع إلى أن خلع النظام السابق لتمييز الاختلافات يجعل 
من الضروري للغاية إعادة تأكيد مفهوم الاختلاف على آنه مركزي وغير ماهوي 


114 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


في الوقت ذاته. لقد آكدت الاختلاف على آنه أساسي ممبداً غير الواحد» معنى 
التمايز (2002 ,٤ه‏ لنهإ8)» باعتباره مؤسسا لذات ما بعد الإنسان وللأشكال 
العديدة التي تطابقه من المساءلة الأخلاقية ما بعد المركزية البشرية. برأييء 
فإن أخلاقيات ما بعد الإنسان تحثنا على تحمل مبدأً «غير الواحد» ف الهياكل 
ا متعمقة لذاتيتنا من خلال الاعتراف بالعلاقات التي تربطنا ب «الآخرين» 
المتعددين في شبكة حيوية من العلاقات امتبادلة المعقدة. هذا المبدأ الأخلاقي 
يكسر خيال الوحدة والشمولية والواحديةء ولكن أيضا السرديات الرئيسة 
للخسارة البدائية والافتقار غير القابل للتعويض والانفصال الذي لا هكن 
إصلاحه. ما ريد تأكيده بدلا من ذلك» بطريقة أكثر إيجابيةء هو آولوية العلاقة 
والوعي بأن المرء هو تأثير التدفقات التي لا هكن كبتها من اللقاءات والتفاعلات 
والعاطفة والرغبة» وهو أمر غير مسؤول عنه. 

هذه التجربة الداعية إلى التواضع طمبدأ «غير الواحد» والتي هي مكونة 
للذات غير الوحدويةء تثبت الذات في رابطة أخلاقية مع التغيي مع الآخرين 
المتعددين والخارجيين الذين يشكلون ذلك الكيان الذي بدافع الكسل والعادة 
نسميه «النفس». تشدد النظرية السياسية البدوية الحيوية ها بعد الإنسان على 
الجوانب الإنتاجية لحالة «غير الواحد» وهذا يعني فكرة عامة عن التعقيد. في 
البداية» هناك دانما علاقة حاصلة مع كيان عاطفي تفاعلي يتمتع بلحم ذكي وعقل 
متجسد: العلائقية الأنطولوجية. تعمل السياسات المادية لاختلافات ما بعد الإنسان 
على صيرورات محتملة تستدعي تحقيقها. تفعّل من خلال الممارسات الجماعية 
وا مجتمعية» وهي ضرورية لدعم عملية إعادة تشكيل الأشخاص المفقودين تشكيلا 
غير أحادي لكنه مسؤول. هذا هو ال «نحن» الذي يحفز ويتحقق من خلال إنشاء 
إنسانية عمومية جديدة من خلال ما بعد المركزية البشرية. إنها تعبر عن البعد 
الإيجابي والأخلاقي للتحول - نحو - ما بعد الإنسان باعتباره إشارة إلى التشكيل 
الذاقي الجماعي. إنها تحقق مجتمعا لا يرتبط سلبيا عبر ضعف مشترك» أو بالذنب 
بسبب العنف المجتمعي للأجداد» أو بكآبة الديون الأنطولوجية غير القابلة للدفعء 
ولكن بدلا من ذلك بالاعتراف الوجداني بترابطها مع العديد من الآخرينء أغلبيتهم 
ممن هم بكل بساطةء في عصر الأنأروبوسين» غير مجسمين. 


115 


ما رعد الإنسان 


الخلاصة 

لقد سعيت في هذا الفصل إلى تحقيق هدف مزدوج: قدمت إجابة عن سؤال 
حول ما هكن أن يكون عليه ما بعد الإنسان في منظور ما بعد المركزية البشرية 
وناقشت مصلحة قضية نظرية ما بعد الإنسان التي تأخذ الذاتية في قيد الاعتبار. 

تنشاً أخطر امشكلات السياسية في نظرية ما بعد اممركزية البشرية من التحالف 
الفعال لرأسمالية الهندسة الوراثية مع الفرديةء كتعريف للذات متبق من الحركة 
الإنسانية. وجهة نظري لفكر ما بعد الإنسان هي مناهضة للفردية بشكل عميق» 
وتتألف من العمل داخل بطن الوحش» ومقاومة أسطورة العضوية والانسجام 
الكلي» ولكن أيضا الانتهازية الرأسمالية. تضطلع كاثرين هايلز (1999: 286) بتدخل 
قوي على أجساد ما بعد الإنسان اممعاصرة: 

لكن ما بعد الإنسان لا يعني حقا نهاية الإنسانية. إنه يشير بدلا من 

ذلك إلى نهاية مفهوم معين للإنسان [...]. المميت هنا ليس ما بعد الإنسان 

في حد ذاته بل تطعيم ما بعد الإنسان في نظرة إنسانية ليبرالية للنفس [...] 

كونه يقع داخل جدلية النمط /العشوائية ويرتكز على الواقعية المجسدة 

بدلا من المعلومات غير المجسمة»ء يقدم ما بعد الإنسان موارد لإعادة التفكير 

في التعبير البشري عن طريق الآلات الذكية. 

تهاجم هايلز الفكرة الكلاسيكية للحركة الإنسانية القائلة بأن الذاتية يجب أن 
تتزامن مع الوكالة الواعية» بطريقة تتجنب بعض أخطاء ماضي الحركة الإنسانيةء 
ولا سيما الرؤية الليبرالية لذات مستقلة يتمثل «مصيرها الواضح في الهيمنة على 
الطبيعة والسيطرة عليها» (288 :1999 ,sماره1]).‏ 

إن أحد مخاطر «الضجيج» الذي يحيط بالات الجسد الخاصة ها بعد اممركزية 
البشرية هو ف الواقع إعادة خلق النواة الصلبةء والرؤية الموحدة للذات» تحت غطاء 
التفتت التعددي. إننا نواجه خطر إعادة تأكيد الإعلائية عبر التأمل التكنولوجي 
واقتراح روح ماكينية كونية جديدة. في لغة النظرية النقدية ما بعد الإنسانيةء قد 
ينتج عن هذا خداع التعدد الكمي» والذي لا يستلزم أي تحولات نوعية. لتجنب 
هذا المأزق» الذي يتلاءم مع نشوة الليبرالية الجديدة» ومن أجل تفعيل التحولات 
النوعية بدلا من ذلك نحتاج إلى أن نكون بعيدين في الوقت ذاته عن التجسيد 


116 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


ا لمفرط وأوهام الهروب عبر الإنسانيةء ومن المفاهيم ال مركزية للفردية الليبرالية التي 
أعيدت ماهيتها. أقترح إعادة إدراج الأجساد ما بعد الإنسانية في علائقية راديكاليةء 
ما في ذلك شبكات علاقات القوة على امستويات الاجتماعية والنفسية والإيكولوجية 
والبيولوجية الدقيقة أو الخلوية. إن ما بعد ا مركزية البشرية لعلمنا وأزمنتنا ا معومة 
والمتوسطة تكنولوجيا يجعل من الضروري العمل من أجل «دهوقراطية تكنولوجية 
علمية جديدة» )95 :1997 .)(Haraway,‏ 

إن مكانة وموقع الحركة الإنسانيةء التي كانت موضوع الفصل السابق» هي 
محور هذا النقاش حول ما بعد المركزية البشرية. أميل إلى مقاومة الحيادية 
السياسية ممنظري النظريات النقدية والاجتماعية والعلمية الذين يدعمون شكلا 
تحليليا مما بعد المركزية البشرية ويتجنبون أو يرفضون مسألة الذاتية. أؤكد أن 
ذات ما بعد اممركزية البشرية ترتكز أيضا على المشروع المناهض للحركة الإنسانية 
مما يعني أنني أريد أن أبقي على مسافة متساوية من كل من افتراضات الحركة 
الإنسانية للقيمة الكونية للذات الأحادية والأشكال ال متطرفة للحركة الإنسانية التي 
يحركها العلم والتي تستبعد تماما الحاجة إلى ذات. 

يحتاج المرء على الأقل إلى موقف ذاتي بشكل ما: لا ينبغي أن يكون هذا إما 
وحدويا أو مركزيا بشريا حصرياء ولكن يجب أن يكون موقعا للمساءلة السياسية 
والأخلاقيةء وللخيال الجماعي والتطلعات المشتركة. إن التحقيقات الفلسفية عن 
طرق بديلة لتفسير الطبيعة المضمنة والمجسمة للذات لها صلة بتطوير طريقة 
لدراسة الذات هي كفء لتعقيدات عصرنا. كما سأناقش بشكل أكثر استفاضة في 
الفصل الرابعء يعيد هذا النقاش فتح مسألة العلاقة بين الثقافتينء العلوم الإنسانية 
والعلوم. ما أقصده هو أن الدراسات الاجتماعية للعلوم (1993 إuهة1)‏ هي 
ليست أدوات التحليل الوحيدةء أو حتى الأكثر فائدة. للظواهر الممعقدة المحيطة 
بالأجساد التقنية مما بعد الممركزية البشرية للرأسمالية اممتقدمة. 

دعوني أفسر ذلك من زاوية أخرى. لقد جادلت بأن مساواة الزوي تعبر عن 
القوة المادية والحيوية اممتزامنة للحياة نفسهاء زوي كقوة توليدية تتدفق عبر جميع 
الأنواع. إن التحالف اممستعرض الجديد عبر الأنواع وبين ذوات ما بعد الإنسان يفتح 
إمكانيات غير متوقعة لإعادة تشكيل المجتمعات» ولفكرة الإنسانية ذاتها وللأشكال 


117 


ما رعد الإنسان 


الأخلاقية للانتماء. لا تقتصر هذه على الترابط السلبي عبر تقاسم تهديدات الكواكب 
نفسها: تغير ا مناخ» الأزمة البيئيةء أو حتى الانقراض. ما أقترحه هو نهج آكثر إيجابية 
لإعادة تعريف ذات ما بعد الإنسان» كما هو الحال في النماذج اممضادة للجمعيات 
البدوية المستعرضة والعلائقية التي رأيناها سابقا قي هذا الفصل» أو النفس التي 
تمتد عبر الطبيعة والثقافية كبديل عن ذات الحركة الإنسانية الكلاسيكية ف الفصل 
السابق. هناك العديد من النماذج الأخرى المعقولة وامتاحةء إذا اخترنا بشكل 
جماعي أن نجرب بشكل منهجي مع مشروع ما «نحن»» ذوات ما بعد الإنسان 
المختلفة موقعيا لعصر الأنثروبوسينء قادرون على أن نصيره. 

سنكسب جميعا إن اعترفنا بوجود صلة هيكلية مستعرضة طا بعد اطمركزية 
البشرية. في موقف هذه الذوات غير البشرية المجسدة التي كانت تعرف سابقا 
باسم «الآخرين» من «إنسان» الحركة الإنسانية ذي اممركزية البشرية. يتعلق الجزء 
الأخلاقي للمشروع بإنشاء رابطة اجتماعية جديدة وأشكال جديدة من التواصل 
الاجتماعي مع هؤلاء الآخرين التقنيين. ما أنواع الروابط التي هكن تأسيسها ضمن 
استمرارية الطبيعة والثقافة للكائنات الحية التي تتوسط فيها التكنولوجيا وكيف 
هكن الحفاظ عليها؟ تجب إعادة تعريف كل من القرابة والمساءلة الأخلاقية 
بطريقة تعيد النظر في روابط العاطفة وامسؤوليةء ليس فقط بالنسبة إلى الآخرين 
من الكائنات العضوية غير المجسمة» ولكن أيضا تلك اممخلوقات الجديدة المتوسطة 
تكنولوجيا والتي نتشارك کوکبنا معھا. 

في مقابل الاتجاه الحنيني السائد في السياسة المعاصرةء ولكن أيضا مقابل 
اميل إلى الكآبة من جانب اليسار التقدمي );20044 Butler,‏ ;ا2001 Derrida,‏ 
5 ,روهءاز6)» أريد أن أزعم أن التركيز ما بعد الإنساني على الحياة/ زوي نفسها 
يمكن أن يولد سياسة إيجابية. تولد ما بعد المركزية البشرية النقدية منظورات 
جديدة تتجاوز الذعر والحداد وتنتج منصة أكثر قابلية للتطبيق. وذلك لأنها تنتج 
خارطة آكثر ملاءمة لظروف حياتنا الحقيقية لأنها تركز بدقة أكبر على تعقيدات 
الأجساد المعاصرة اممكنة تكنولوجيا وعلى الممارسات الاجتماعية للتجسيد البشري. 
بالإضافة إلى ذلك فإن هذا النوع من المادية الحيويةء غير المقيدة بالفروق الواضحة 
بين الأنواع يكون فكرة الزوي كقوة حياة غير إنسانية لكنها منتجة. يتجاوز هذا 


118 


ما بعد المركزية البشرية: الحياة ما وراء النوع 


النهج ما بعد الإنساني الدراسات السيبرانية »llلllzية« Haraway, 1985; F{ayles,)‏ 
9 ) إلى اممادية ما بعد السيبرانية (2002 ,ذه لنهإ8) ونظرية ما بعد الإنسان 
(2006 ,ااه iهBr).‏ يربط النهج البدوي المتمركز حول زوي بين الحياة البشرية 
والحياة غير البشرية من أجل تطوير فلسفة بيئية شاملة للصيرورة. 

إن هذا الفكر ما بعد الإنساني وما بعد اممركزية البشرية الذي يعتمد على امموارد 
الفكرية والعاطفية العميقة» يعبر أيضا عن رفضي طبداً ملاءمة الاعتقاد (دوكسا» أو 
صورة الفكر المعيارية الشائعة. إن مأزق ما بعد الإنسان» معنييه ما بعد الإنساني 
وما بعد اممركزية البشريةء يقود فكرة آن نشاط التفكير يحتاج إلى أن يكون تجريبيا 
وحتى معاديا في الجمع بين النقد والإبداع. كما يعلمنا دولوز وغاتاريء فإن التفكير 
يعني ابتكار مفاهيم جديدة وعلاقات أخلاقية إنتاجية جديدة. في هذا الصددء 
تعتبر النظرية شكلا من أشكال الخلاف المنظم ضد القيم اممهيمنة. إن نظرية ما بعد 
الإنسان» بشكل أكثر سريرية من كونه نقدياء تنصب في جوهر الرؤى الكلاسيكية 
للذاتية وتعمل من أجل رؤية موسعة للذوات العلائقية الحيوية المستعرضة. 
تتمحور النظرية اليوم حول التوافق مح التغييرات غير الممسبوقة والتحولات في 
الوحدة ام مرجعية الأساسية ما يعتبر إنسانا. مكن أن يساعد هذا التحول الإيجابي 
غير المبرمج في تحقيق المفاهيم والتأثبرات وتشكيلات الذات الكوكبية. فعلى قدر 
جهلنا ما يمكن للأجساد ما بعد الإنسانية أن تعملهء لا مكننا حتى آن نبد في تخمين 
ما ستتمكن الأدمغة المجسدة ما بعد ال مركزية البشرية من التفكير به. 


119 


الحياة ما وراء الموث 


أحد أفلامي المفضلة هو «غير الإنساني» 
Marcel) yıl Juwرlh‎ (LInhumaine, 1924)‏ 
.)]Herbier‏ مع مواقع صممھا کل من فرناند 
لیغیر (اeع6] )۴۲۲٣۵,4‏ وروبرت مالي ستیفنز 
.»)Robert Mallet-Stevens)‏ کان عبارة عن بیان 
من أناقة التعبيرية. ووفرة البنائيةء وثقة امستقبلية 
بالنفس. ما هو «غير إنساني» في هذا العمل الفني 
الماهر هو من أعراض اللحظة التاريخية الخاصة به. 
يتناول الفيلم القدرة البشرية الفائقة لأنثى جنسنا 
البشري على التحكم في مجرى التاريخ البشري 
والتطور. يحدث تحالف مغر للغاية بين جسد اط مرأة 
«نعيش لنتعا من الوعي المروع بن وقوى التكنولوجيا اأشاحة ازدواجية الخوف 


هذه اللعبة قد انتهت حتى قبل أن 


تید والرغبة نحو التكنولوجيا يعاد تشكيلها في مط 


121 


ما رعد الإنسان 


الشك الأبوي للأجداد تجاه النساء القويات والنساء في مناصب السلطة. الوعد التقدمي 
وكذلك الإمكانات التدميرية لآلة الجسد الأنثوية توضع في توازن وثيق ومحسوب. 

إن المصنوعات التكنولوجية و«الآخر» الميكانيكي هي مجندرة ومسبوغة 
بجاذبية جنسية ف الحداثة لتصبح رمزا ممستقبل تحركه التکنولوجیا Huysse«,(‏ 
6). في تحفة تعبيرية آخریء «میتروبولیس» (1927 ,ئiاهمهN6۲)‏ لفریتز 
لانخ «(Fritz lang)‏ تكون البطلة مارlı )Maria)‏ هي الروبوت الشيطاني الذي 
يفسد مجرى التاريخ. وهي تستند إلى الرواية امستقبلية «حواء اممستقبل» 
(LEve future, 1977 «Future Eve»)‏ لفيليي دو ليل-آدام Villiers de)‏ 
صهك4-اء۴1) التي تصور الجسد الآخر امميكانيكي للثورة الصناعية بوصفه 
موضع رغبة عميقة: يتحول الجسد إلى معدن لتغذية نمو رأس الممال. يصور 
التقدم كمشهد خيالي تقود القاطرات فيه بنجاح قطار التاريخ الغربي عبر أنفاق 
لا نهاية لها. تعبر كل من شخصية كلير (١إنه1٣)‏ في فيلم «غير الإنساني» لليربيير 
وشخصية ماريا في عمل لانغ. اللتين هما ف الوقت نفسه الآلة المرأة المغوية 
للرجال وحشرة فرس النبي» الأم العذراء والحبلى الانتحاريةء تعبران عن علاقة 
القرن العشرين مع تكنولوجيتها وآلياتها الصناعية التي تأخذ طابعا جنسيا عاليا 
وجندريا واضحا. غير أن هذه الرؤية ليست محصورة فقط في إطار تجسيمي 
يضع الإنسان في مركز التطور العاطمي؛ بل إنها تدعم أيضا التمييز بين الإنسان 
والتكنولوجياء حتى إن كان ذلك جرد إعادة تعريفه باعتباره تحالفا جديدا. 
ينتج هذا عامما غير إنساني متعدد الأوجه. 

ركز عصر الحداثة على قوة التكنولوجيا ليس باعتبارها حدثا معزولاء ولكن 
بوصفها عنصرا أساسيا في تجميع التصنيع» والذي يضمن الأشياء المصنعةء واممالء 
والقوة. والتقدم الاجتماعي» والخيالء وبناء الذاتية. كتحليل نقدي لهذه اللحظة 
التاريخية» علمتنا الماركسية وحركتها الإنسانية الاشتراكية أن التشييء هو حقا 
تجربة مذلة ومهينة للبشر لأنها تنكر إنسانيتهم الكاملة وهكن من ثم أن يُوصَّفَ 
ب «الغير إنساني» على امستوى الاجتماعي الأساسي. إن عملية التسليع نفسها تؤدي 
إلى الحط من مكانة البشر إلى حالة الأشياء المصنعة والتي هي من ثم أشياء ممكنة 
تكنولوجيا ومدفوعة بالربح. تشكل هذه الرؤية جوهر الحركة الإنسانية للماركسيةء 


122 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


والتي حللتها في الفصل الأول. إن تصنيف العلاقات الإنسانية ضمن «قوة المال» 
هي للماركسيين شكل من أشكال عدم الإنسانية والظلم الاجتماعي الرئيس لأماط 
الإنتاج الرأسمالية. يعد هذا الموقف اممعياري أكثر غرابة حيث إن امماركسية كانت» 
من الزاوية المنهجية» حركة نظرية معادية للحركة الإنسانية والتي عارضت الماهيات 
الطبيعية وفضحت تطبيع الاختلافات كاستراتيجية للقوة. كما رأينا ف الفصل الأولء 
كانت البنائية الاجتماعية الماركسية منهجية معادية للماهوية بشكل عميق» تستند 
إلى فلسفة هيغلية للتاريخ» والتي كانت تؤمن إهانا راسخا بالتقدم الاجتماعي 
امدفوع تقنيا. حتى لينين عرف الاشتراكية» محرك التقدم التاريخي» على أنها عبارة 
عن السوفييت (مجالس العمال ا محليين) مضافة إليهم الكهرباء. 

الهذيان الحداث» وامتداده الماركسي» مم ينته تماماء على الرغم من أن عديدا 
من مسارات السكك الحديد هذه أدت إلى کارثة فعلا. لنعد إلى فيلم مارسيل 
ليربييهء فإن التشبيه بين قسوة المغوية من ناحية» والطاقة القاسية للمحرك 
الميكانيكي من ناحية أخرىء» أنتج فكرة عن غير الإنساني كإنسان فائق يطرح 
التكنولوجيا كآخرَ إعلائي. كما أنه غرس القسوة باعتبارها عنصرا بارزا في سرد 
النمو والتقدم» مدركا بالفعل أن هذه التقنيات الجديدة لا هكن إلا أن تغير 
جسم الإنسان العضوي من خلال أشكال جديدة من العلاقة الحميمة المرغوبة 
وغير اطمرغوبة. 

من ثم» هناك جانب آخر من غير الإنساني يؤججه التقليد الحداڻ» ألا وهما 
وظيفة الخيال وهيكله كما هو معبر عنه ف الفن. وضعت الحداثة مسألة الممارسة 
الفنية في لب الحداثة الصناعية. يصتع كل من الشيء التكنولوجي والمصنوعات 
ومن ثم فهما ينتميان إلى عام غير طبيعي. هيكلها امعادي للطبيعية هو بالتحديد 
القاسم ال مشترك بين الآلة والانحراف» كامميول الجنسية ل «الممرأة الفتاكة» واتصافها 
بعدم الإنجاب ف الأعمال الفنية مثل «غير الإنساني» و«ميتروبوليس». تدرج الحياة 
الجنسية للإناث في هذا السيناريو غير الإنساني كتهديد ولكن أيضا كجاذبية لا تقاوم: 
حواء التقنية ذات الإغراءات اممتعددة. تدلنا على طريق المستقبل المزعزع. 

تتألف الطبيعة غير الإنسانية للكائن الفني من مزيج من عدم الوظيفية والإغراء 
اللطيف. هذا هو بالضبط ما عناه السرياليون ب «الîلاٽ bachelor machines «sl jll‏ 


123 


ما رعد الإنسان 


- وهي الفكرة التي تبناها دولوز وغاتاري وتحولت إلى نظرية «الأجسام من دون 
أعضاء» sصهعإه ies witط out‏ 0ط أو أطر الصيرورة غير الوظيفية وغير العضوية. الفنء 
مثله مثل الفلسفة النقدية هو بالنسبة إلى دولوز ممارسة مكثفة تهدف إلى إيجاد 
طرق جديدة للتفكبر وإدراك وإحساس إمكانيات الحياة اللانهائية Deleuze a¬d(‏ 
4 رiاGuatta).‏ من خلال نقلنا إلى ما وراء حدود الهويات المحدودةء يصبح الفن 
غير إنساني بالضرورةء أي غير بشريء لأنه يرتبط بالحيوان والخضراوات والقوى الأرضية 
والكوكبية التي تحيط بنا. علاوة على ذلك فالفن كوني أيضا ف تأثيره» ومن ثم فهيكله 
ذو طابع ما بعد إنساني» حيث يحملنا إلى حدود ما هكن أن تفعله أو تتحمُله أنفسنا 
ا مجسدة. بقدر ما يمد الفن من حدود التصوير إلى أقصى حد. فإنه يصل إلى حدود 
الحياة نفسهاء ومن ثم يواجه أفق المموت. لهذاء يرتبط الفن بامموت كتجربة الحدود 
(2000 ,ا0ط anاB).‏ سأعود إلى هذه النقطة لاحقا في هذا الفصلء في مناقشتي لفلسفة 
ما بعد إنسانية للموت. 

متابعة النقاش حول لا إنسانية الثقافة الصناعية - التقنيةء ينبغي في هذه 
المرحلة أن نضيف الحجة القائلة بأن العقلانية العلمية والممارسات العقلانية 
للبحث العلمي ليست غريبة على الإطلاق على كل من مشروع الحداثة وجوانبها 
غير الإنسانية. يشترك العلم في الإرث المختلط لهذه الفترة التاريخية وهو أساسي 
ممشروع الحداثة الصناعية. إن «الآخرين» الميكانيكيين» من الآلات الصناعية 
المثيرة للإعجاب إلى الأجهزة المنزلية العادية» هي الأشياء المرغوبة للممارسات 
العلمية الممولة جماعيا والممكنة اجتماعيا. إنها تعبير آخر عن مزيج الخوف 
من التكنولوجيا والرغبة فيها الذي يظهره الفن والسينما. تعد الجوانب غير 
الإنسانيةء ما في ذلك القسوة والعنف» مكونا مهما للنسبة العلمية في العصر 
الحداڻ. كما قال بول رابينو (2003:103 :)Paul Rabin ow,‏ 

شهد القرن العشرون إقامة صلة قوية وخبيثة بين المعرفة والجيش [...]. 

من الآثار الرهيبة للغازات السامة (وغيرها من هدايا الصناعات الكيميائية)» 

إلى القنبلة الذرية (وغيرها من هدايا الفيزياء والهندسة)ء إلى كابوس النازية 

للتطهير العنصري (وغيرها من هدايا الأنثروبولوجيا والعلوم الحيوية)ء إلى 

الحقيقة التي لا هكن تقبلها أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الإنفاق على البحث 


124 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المونت 


العلمي خلال الحرب الباردة كانت مخصصة للأغراض العسكرية. إن صناعات 

وعلوم ٹاناتوس (11۸408)/ قد استمتعت بقرن مجید. 

تثار هنا قضية اموت والقتل» هذه المرة فيما يتعلق بأهداف وهيكل العلم نفسه. 
یخصص جان فرانسوا لیوتارد (4۲۵٤ەy[‏ sزەء٣‏ ۴۲۵ )[e۸‏ فی کتابه «غیر الإنسانی» (1989 
!nhuman,‏ eط1)‏ فصلا مهما لهذه المناقشة. ومتابعا للموقف النقدي الذي أعلنه في 
كتابه الكلاسيكي «حالة ما بعد الحداڈة« )1984 «The Postmodern Condition,‏ 
يعرف ليوتارد غير الإنساني بأنه تأثير الرأسمالية اممتقدمة التغريبي وال مسلع على الإنسان. 
إن التطفل والتلاعب التكنولوجيين يؤديان إلى تجريد هذه الذات من الإنسانية باسم 
الكفاءة الحادة. لا يتوقف ليوتارد عند فكر رهاب التكنولوجيا هذاء ولكنه مضي في 
تحديد نوع أعمق من غير الإنسانيةء وهو أمر خاص بأنثروبوس ذاته/ذاتها. هذا اللب 
الداخلي للغرابة الهيكلية أو التغريب اممنتج, بالنسبة إلى ليوتارد هو جوهر غير الإنسان 
اللامنطقي وغير الإرادي الذي يجعلنا إنسانيين بشكل أساسي". إنه لا يؤكد فقط الهيكل 
غير الوحدوي للذات» بل يعمل أيضا موقعا للمقاومة المطلقة من قبل البشرية نفسها 
ضد آثار الرأسمالية القانمة على التكنولوجيا التي تنزع الإنسانية من الإنسان. في هذا 
الصدد. يعتبر ليوتارد غير الإنساني قوة أخلاقية وسياسية مثمرة تدلنا على علاقات ما بعد 
الإنسان الأخلاقية. 

أدافع في هذا الفصل عن الموقف القائل بأن السياق التاريخي الحالي قد 
حول غير الإنساني الحداث إلى مجموعة من الممارسات ما بعد الإنسانية وما 
بعد المركزية البشرية. مم يعد غير الإنساني ما كان عليه من قبل. العلاقة بين 
الإنسان والآخر التكنولوجي» وكذلك التأثيرات التي تنطوي على هذه العلاقةء 
ما في ذلك الرغبة والقسوة والأم» تتغير بشكل جذري مع التقنيات الممعاصرة 
للرأسمالية ا متقدمة. أحد أسباب ذلك هو أن البناء التكنولوجي يختلط الآن مع 
الجسد بدرجات غير مسبوقة من التطفل» كما رأينا قي الفصل السابق. علاوة 
على ذلك» تحولت طبيعة التفاعل البشري والتكنولوجي نحو طمس الحدود بين 
الجنسين والأعراق والأنواع» في أعقاب النزعة التي قیمها لیوتارد باعتبارها ملمحاً 


(#) ثاناتوس هو تجسيد ال موت في امميثولوجيا اليونانيةء وكذلك «غريزة الموت» في نظرية فرويد. [اطمحرر]. 


125 


ما رعد الإنسان 


مميّزاً لحالة غير الإنسان المعاصرة. يقع الآخر التكنولوجي اليوم - والذي هو 
مجرد مجموعة من الدوائر الكهربائية وحلقات التغذية المرتدة - ضمن مجال 
المساواة اممتمثلة في طمس الفروق» بل حتى مسحها تماما. إن التعبير السينمائي 
الأكثر بلاغة عن الطابع الزنمردي الجديد usمصرعهإكصه-هعد‏ للرأسمالية 
المتقدمة هو فيلم «أفاتار» (2009)» والذي يبتعد عن فيلم «غير الإنساني» 
كبعد الآيفون عن الأيقونة. ليس هناك شك فيما هو أكثر عصرية اليوم» ولكن 
هذا ليس هو بيت القصيد. النقطة المهمة هي التطور غير العادي للتكنولوجيا 
وآثارها الجانبية غير اممتوقعة. 

هناك تغيير أساسي نشهده» من الخيال الحداثي المتمشل في إسباغ الإثارة 
الجنسية على التفاعل بين الإنسان والآلةء إلى التحرر ما بعد الحداثي من الأوهامء 
أو على الأقل البعد الساخر عن الكائن التكنولوجي. دخل اقتصاد سياسي مختلف 
من التآثيرات حيز التنفيذ؛ توغلت فينا حساسية أكثر برودة مهدت الطريق 
إلى ما بعد الإنسان. کان زيغمونت بومان ),1993 Zygmunt Bauman,‏ 
8) ) من بين أول من علقوا على هذا النهج القاسي والأبرد. استجابة للكوارث 
التاريخية والأمم الذي لحق بالعصر التاريخي الذي وصفه إريك هوبسباوم 
)Eric Hobsbawm)‏ ب «القرن العشرین القصبر» (1994) وبشکل أکٹر تحدیدا 
الهولوكوست» أكد بومان على الخسائر التي سببتها مثل هذه الأحداث الفظيعة 
في الالتزام والأحاسيس الأخلاقية طمرتكبي العنف وكذلك لضحايا العنف. يؤدي 
هذا إلى وحشية ذواتنا الأخلاقية» أو زيادة البهيمية الأخلاقية بين البشر. كما طور 
المفكرون المناهضون للاستعمار واممعادون للعنصريةء مثل إيمي سيزير وفرانز 
فانو» هذه النظرة إلى تفكك الإحساس الأخلاقي الذي يحدث في روح المعادين 
للنساء والعنصريين والفاشيين. ومقابل هذا الانخفاض ف الممعايير الأخلاقيةء فإن 
«ضحايا العنف» يخطون ف الواقع على الأرض الأخلاقية العالية. يكمن هذا 
الفكر قي صميم الحركة الإنسانية الجديدة ما بعد الاستعمارية وغير الغربية 
والتي حللتها في الفصل الأول. 

يصبح السؤال الآن: كيف تتلاعب أزمة الحداثة الأخلاقية في الإطار المرجعي ما 
بعد الإنساني؟ هل تبتكر حالة ما بعد الإنسان أيضا على متن الجوانب اللاإنسانية 


126 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 
وغير الإنسانية من تفاعلنا الكوكبي؟ هل تَقَدّم إلغاءَ الإنسانية على نطاق عاممي؟ 
إذا أخذنا في الاعتبار حجم القضايا الرئيسة التي تواجه العام المعاصر» من 
الأزمات المالية وعواقبها على العمالة والتفاوتات الاقتصادية الهيكليةء إلى تغبر 
المناخ والأزمات البيثية التي تلت ذلك ناهيك عن النزاعات الجغرافية السياسية 
والإرهاب والتدخلات اممسلحة الإنسانيةء من الواضح أن حالة ما بعد الإنسان قد 
أوجدت بعدها اللاإنساني وغير الإنساني. 
يتناول هذا الفصل قضية غير الإنسان متعددة الطبقات من خلال دراسة 
أماط متعددة للعلاقة بالموت والاحتضار. في جدل حول الحياة يشكل النظير 
ا مثالي لفكرة زوي كاستمرارية ما بعد الإنسان» أقترح أن ننظر عن كثب إلى 
ثاناتوس» وإلى سلطة الموت» كوسيلة لبناء نظرية موت بناءة ما بعد الإنسان. 
أعتقد أن التحول المفاهيمي نحو الحيوية «اممادية الواقعية» القائم على 
الوحدانية الأنطولوجية» هكن أن يساعدنا في هذا اممشروع لإعادة التفكير في 
الوت والغاء ف السياق العاضر لاوط بويا من الناعية المياسية تاح 
إلى تقييم مزايا سياسة التأكيد الحيوي. آخلاقياء نحتاج إلى إعادة تحديد مكان 
التعاطف والعناية بالبشر والآخرين من غير البشر في هذا الإطار الجديد. 


طرق الموت 

لقد رأينا في الفصل السابق أن مأزق ما بعد الإنسان الذي يفهم بأنه الإدارة 
الحيوية السياسية للمادة الحية هو ذو طابع ينتمي ما بعد اط مركزية البشرية» مما 
يثير الحاجة إلى نمط محوره الحياة/ زوي. أريد الآن أن ذهب إلى أبعد من ذلك 
وأزعم أن السياسة الحيوية ما بعد الإنسان تغير من الحدود بين الحياة والموتء 
ومن ثم لا تتعامل مع سلطة الأحياء فقطء ولكن أيضا مح ممارسات المموت. 
وترتبط معظم هذه الظواهر بالظواهر الاجتماعية والسياسية اللاإنسانية وغير 
الإنسانية مثل الفقر واممجاعة والتشردء والتي وصفتها زيلا آينشتاين (1ه!ااز7 
)Einstein‏ على نحو مناسب بأنها «فواحش عاممية» (1998). تؤکد فاندانا شیفا 
)andana Shiva, 1997(‏ على الممدى الذي تحولت فيه القوة الحيوية بالفعل 
إلى شكل من أشكال «القرصنة البيولوجية»» الأمر الذي يستدعي إجراء تحليلات 


127 


ما رعد الإنسان 


سياسية واضحة وجادة للغاية. وهكذاء أصبحت أجساد الذوات التجريبية التي 
تشير إلى الاختلاف (المرآة/ الساكن الأصلي/ الأرض أو الآخرين الطبيعيين) هي 
الأجساد التي هكن التخلص منها في الاقتصاد العاممي. الرأسمالية ال معاصرة هي 
في الواقع «سياسية حيوية» من حيث إنها تهدف إلى السيطرة على كل ما يعيش 
كما يجادل فوكوء ولكن لأن الحياة ليست من اختصاص البشر فقط. فهي تفتح 
بعدا سياسيا لزوي أو ما بعد اممركزية البشرية. إذا كان القلق بشأن الانقراض 
شائعا في العصر النووي» فإن حالة ما بعد الإنسان» للأنثروبوسين» تمد أفق الموت 
إلى معظم الأنواع. ومع ذلك» هناك اختلاف مهم للغاية» كما يشير تشاكاربارق: 
«الحرب النووية كانت ستصبح قرارا واعيا من جانب القوى الكائنة. تغير المناخ 
هو نتيجة غير مقصودة لأفعال جنس البشر» (2009: 221). لا يفتتح هذا فقط 
شكلا سلبيا أو تفاعليا من رابطة كوكبية شاملة للبش والذي يعيد تكوين 
البشرية حول رابطة مشتركة شائعة من الضعف» ولكن أيضا يربط الإنسان 
مصير الأنواع الأخرى» كما ذكرت ف الفصل السابق. اموت والدمار هما القاسمان 
المشتركان لهذا التحالف اممستعرض. 

اسمحوا لي بآن أقدم لكم بعض الأمثلة عن طرق المموت الممعاصرة لتوضيح 
هذا الاقتصاد السياسي. الجوانب ما بعد الإنسانية للعوطمة تشمل العديد من 
الظواهر التي» على رغم آنها ليست غير إنسانية أساساء فإنها لاتزال تثير جوانب 
مدمرة مهمة. حالة ما بعد العلمانيةء المصاحبة لازدياد التطرف الديني بأشكال 
مختلفة» ما في ذلك الأصولية المسيحية» تنطوي على تراجع سياسي في حقوق 
جميع الأقليات الجنسية. من العلامات المهمة لهذا التراجع تصاعد العنف 
ضد النساء. الشبكات المالية العاطمية والمحفظة الوقائية غير المدروسة أدت إلى 
زيادة ف الفقر» خاصة بين الشباب والنساء الذين تأثروا بالتفاوت في إمكانية 
الحصول على التقنيات الجديدة. أما وضع الأطفال فهو موضوع شائك آخر؛ 
من العمالة المفروضةء إلى ظاهرة تجنيد الأطفالء فقد فر الطفولة بعنف 
في دورات الاستغلال الجهنمية. لقد تحولت السياسة لجسن مع ظهور 
السايبورغ من ناحية والذي يتزامن مع تجدد أشكال الضعف من ناحية أخرى. 
وهكذاء إلى جانب انتشار الجوائح مثل السارس والإيبولا وفيروس نقص اطناعة 


128 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


البشرية وإنفلونزا الطيور وغيرهاء عادت الأويئة المألوفة أيضاء خاصة الملاريا 
والسل» إلى درجة أن الصحة أصبحت قضية سياسة عامة فضلا عن اهتمامات 
حقوق الإنسان. 

النقطة المهمة هنا هي أن الحياة/زوي هكن أن تكون قوة تهديدء وكذلك 
قوة توليدية. هناك قدر كبير من المخاوف الصحية والبيئية بالإضافة إلى القضايا 
الجيو-سياسية التي تطمس التمييز بين الحياة والموت. في عصر الرأسمالية 
الجينية الحيوية واستمرارية الطبيعة-الثقافةء أصبحت زوي قوة تحت 
إنسانية ويوجُه الانتباه الآن إلى الحالة الطارئة لاختفاء الطبيعة. على سبيل 
امثال» فإن الخطاب العام حول الكوارث البيئية أو الكوارث «الطبيعية» - 
محطة فوكوشيما النووية وتسونامي اليابان» حرائق الغابات الأسترالية إعصار 
كاترينا في نيو آورليانزء وما إلى ذلك - ينجح في تحقيق ازدواجية كبيرة: إنه 
يعبر عن وعي بيئي جديد بينما يعيد إدراج التمييز بين الطبيعة والثقافة. 
کما یجادل بروتیفي (2009 »)۴۲٥۲٤۷,‏ فإن هذا يؤدي إلى تناقض ملموس في 
إعادة الطبيعة لبيئتنا التي تتوسطها التكنولوجيا الحيوية. يعاد تطبيع القوى 
الجغرافية السياسية وتخصع في الوقت نفسه لعلاقات القوة الهرمية القدهة 
التي تحددها السياسة السائدة للذات المجسمة. أصبح الخطاب العام أخلاقيا 
حول القوى غير الإنسانية للبيئةء وف الوقت نفسه أصبح منافقا بشكل كبير في 
إدامة غطرسة المركزية البشرية. يؤدي هذا الموقف إلى عدم الاعتراف بالهيكل 
المصنوع من قبل الإنسان للكوارث والتي مازلنا نعزوها إلى قوى خارجة عن 
سيطرتنا الجماعية» مثل الأرض أو الكون أو «الطبيعة». ببساطةء إن أخلاقنا 
العامة لا ترقى إلى مستوى وتعقيد الأضرار الناجمة عن التقدم التقني لدينا. 
وهذا يؤدي إلى ضرورة أخلاقية مزدوجة: أولاء كيفية تحويل القلق وامميل إلى 
الحداد على فقدان النظام الطبيعي إلى عمل اجتماعي وسياسي فعالء وثانياء 
كيفية ترسيخ مثل هذا العمل في المسؤولية تجاه جيل امستقبل» عبر روح 
الاستدامة الاجتماعية التي طرحتها أيضا في أماكن أخرى (2006 ,ااه ل1هإ8). 

مثال آخر مهم في هذا المجال هو الكون الرقمي ما بعد الإنساني الذي حللته 
في الفصل السابق والذي يولد متغرراته غير الإنسانية الخاصة به. هي تظهر بشكل 


129 


ما رعد الإنسان 


واضح من خلال انتشار الفيروسات» القانمة على الكمبيوتر والعضوية» والتي ينتقل 
بعضها من الحيوانات إلى البشر وعكس ذلك. من الواضح أن امرض ليس من 
اختصاص الكيانات العضوية فقط ولكنه يشمل ممارسة واسعة الانتشار للتلوث 
امتبادل بين ا مواد العضوية - المجسمة أو غيرها - والدوائر الإلكترونية. ظهرت علاقة 
تكافلية معقدة إلى حد ما في عامنا السيبراني: نوع من الاعتماد المتبادل بين الجسد 
والآلة. وهذا يولد بعض المفارقات المهمةء أبرزها أن الموقع الحقيقي للذات يُنكر 
في وقت واحد من خلال ممارسات تعزيز الإنسان ومن خلال أوهام الهروب عبر 
الإعلائية التكنولوجية» كما يعاد تأكيده كضعف متزايد. تجادل بالسامو (1996) 
أن التكنولوجيا الرقمية تعزز أحلام الخلود والسيطرة على الحياة وامموت: «ومع 
ذلك» فإن هذه ام معتقدات حول «الحياة» امستقبلية التكنولوجية للجسد يستكملها 
خوف واضح من ال موت والإبادة من قبل تهديدات جسدية مذهلة لا هكن السيطرة 
عليها: الفيروسات اممقاومة للمضادات الحيوية» والتلوث العشواني» والبكتيريا التي 
تأكل اللحم» (1-2 :1996 ,٠۳ء41‏ 8). انتقلت قوى التكنولوجيا غير الإنسانية إلى 
الجسد» مما يكثف من التذكير الطيفي للجثة القادمة. لقد اتخذ خيالنا الاجتماعي 
منعطفا نحو الطب الجنا. 

سارعت الثقافة الشعبية وصناعة المعلومات الترفيهية في استغلال هذه 
النزعة المتناقضة التي تعكس الوضع المتغير لزوال جسم الإنسان» ا في ذلك 
امرض وامموت والانقراض. م تعد الجثة مجرد وجود يومي في وسائل الإعلام 
العاممية والأخبار الصحافيةء بل أصبحت أيضا موضوعاً للترفيه في الثقافة الشعبية 
ا لمعاصرة» خصوصا في النوع الناجح من محققي الطب الجنائي. كانت الثقافة 
والفنون حساسة للغاية في تسجيل ازدياد عدد النساء اللاي يقتلن كما يتضح من 
نجاح عمليات إعادة تمثيل الأعمال الأدبية الكلاسيكية مثل هيكوبا (aطںuءم1)‏ 
وميديا (4ءdلM).‏ ناهيك» بالطبع» عن الجاذبية العامية للارا كروفت (aإ14‏ 
fا))‏ البارعة بإطلاق النار في عام ألعاب الكمبيوتر. 

يعد تطور الأدوار الجندرية نحو مشاركة أكثر مساواة بين الجنسين في أعمال 
القتل أحد أكثر الجوانب إشكالية للسياسات الجندرية ال معاصرة. هكن تلخيصها بأنها 
تحول من امموقف الكوني لحقوق الإنسان لأمهات ساحة مايو »)P1aza de Ny0(‏ 


130 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


إلى التدخل الوحشي لأرامل الحرب في الشيشانء واممفجرات الانتحاريات الحوامل 
والدور المتزايد للمرآة في «الحركة الإنسانية» العسكرية للحروب «الإنسانية». 

يعتبر الموت الروحي جزءا من هذه الصورة أيضاء إذا أخذنا قي الاعتبار 
الممارسات الاجتماعية المجسدة التي غالبا ما تكون تعامّل على أنها مريضة 
وغالباً ما تكون غير مُعالَجة أبدا بشكل كاملء مثل الإدمان واضطرابات الأكل 
والكآبة» والاحتراق الوظيفي وحالات اللامبالاة والسخط. لا أقترح ببساطة 
تصنيف هذه الممارسات بأنها مدمرة للذات» بل أن نراها باعتبارها مظاهر 
محايدة من الناحية المعيارية للتفاعل مع الاقتصاد السياسي للتسليع لكل ما هو 
حي ومقاومة هذا الاقتصاد. إنها تجسد العلاقات الاجتماعية المتغيرة بين العيش 
والموت في عصر سياسة «الحياة نفسها». إن الشيوع الممنوح لكل من العقاقير 
القانونية ريتالين («ااهنR)‏ وبروزاك (ء4”١٠٣۴)‏ واممخدرات غير القانونية ق 
الثقافة ا معاصرة يطمس الحدود بين التدمير الذاتي والسلوك المآلوف ويفرض 
إعادة النظر في قيمة «الحياة نفسها». آخيرا وليس آخراء تتحدى ممارسات 
الانتحار مساعدة الغيرء والقتل الرحيم» القانون من حيث الاعتماد على افتراض 
ضمني بقيمة بديهية تنسب إلى «الحياة». كما هي الحال في كثير من الأحيانء 
تعمل الرأسمالية اممتقدمة عن طريق تحركات فصامية ومتناقضة داخليا. ومن 
ثم» فإن أيديولوجيا اللياقة البدنية والصحة والشباب الأبدي تفرض اجتماعيا 
جنبا إلى جنب مع زيادة الفوارق الاجتماعية في توفير الرعاية الصحية ومعدلات 
الوفيات بين الرضع والشباب. يعمل الهوس نحو الشباب الدائم جنبا إلى جنب 
مع ا ممارسات الاجتماعية اممتعلقة بالقتل الرحيم والموت المساعَد ويشكلها أيضا. 

في اللحظة التي يبدأ فيها ا مرء في التفكير في الأمرء تنتشر حولنا طرق متعددة 
للموت وتسبيب المموت وتحمل خسائره. ومع ذلك عندما تأت لتفسر هذه الطرق» 
فإن النظرية الاجتماعية تميل إلى الإشارة إلى هذا الاقتصاد السياسي باعتباره سياسيا 
«حيويا». لكن ما علاقة الحياة (بيوس) بذلك؟ لقد غبرت التحليلات السياسية 
الحيوية منذ فوكو هذا المجال وأدخلت فهما أكثر دقة مما هو متضمن في إدارة 
الحياة. اذا لا تكرس الدرجة نفسها من الدقة التحليلية لتحليل الإدارة السياسية 
لسلطة للموت؟ 


131 


ما رعد الإنسان 


إن كلا من حجم وكمية التغيرات التي حدثت في الممارسات الاجتماعية 
والشخصية للموت» وطرق القتل وأشكال الانقراض» وكذلك إبداع طقوس الحداد 
وضرورة الفجيعةء تعمل على دعم توسيع جدول الأعمال الاجتماعي والثقاف. 
يتضمن ذلك ظهور مجال استطرادي جديد. أصبحت «دراسات المموت» إضافة 
جديدة وضرورية للحقل الأكادهي» نشت في فترة السبعينيات من القرن اماضي 
في مجال الثقافات المضادة لتكون متعددة التخصصات وتتضمن مناقشات أخلاقية 
ودينية حول المموت» وتشمل أيضا البحث في اممجالات الاجتماعية والسياسية 
والصحية» وكذلك الجانب العملي للغاية من التدريب المهني. سأعود إلى هذا 
التوسع في مجالات «الدراسات» الجديدة في الفصل الرابع. 


ما وراء السياسة الحيوية 

دعونا نبداً من جديد من خلال الفكرة الأساسية الممتمثلة ق أن الممارسات 
الجديدة للإدارة الحيوية السياسية ل «الحياة» لا تحشد فقط القوى التناسليةء 
ولكن أيضا الدرجات الجديدة والرقيقة من ال موت والانقراض. حجتي هي أن التركيز 
على القوى الحيوية والتنظيم الذاتي للحياة/ زوي يلغي آي تمييز واضح بين الحياة 
والموت» ويشكل فكرة زوي كقوة حياة إيجابية ما بعد الإنسان. ترتكز هذه اممادية 
الحيوية بقوة على الأنطولوجيا السياسية الجديدة لفكر سبينوزا ا متمثلة ف المذهب 
الأحادي وامحايثة الراديكاليةء مما يؤدي إلى خلق أخلاقيات علائقية مستعرضة 
ممواجهة الجوانب اللاإنسانية وغير الإنسانية مأزق ما بعد الإنسان. 

لقد جادلت حتى الآن بأن مأزق ما بعد الإنسان» بقدر ما يخلع المفاهيم 
التقليدية للإنسان» يستلزم أيضا تغييرات كبيرة في وضع وبنية غير الإنساني 
والممارسات اللاإنسانية. السؤال التالي إذن هو: كيف تؤثر هذه التكوينات 
الجديدة لغير الإنساني في نظرية الذات وفي النظرية الاجتماعية والتثقافية؟ يعد 
التحليل السياسي الحيوي محوريا في هذا النقاش» لكنه في السياق الحالي قد 
تخطى الأساس الذي حدده فوكو في جهوده الرائدة. أرى العديد من الاتجاهات 
الجديدة في التفكير في الإدارة السياسية الحيوية للحياة وامموت. على سبيل 
المثال» نشأت مدرسة للمواطنة السياسية البيولوجية» تركز على الآثار الأخلاقية 


132 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


ل «القوة الحيوية» كمثال للحكم الذي هكن بقدر ما هو يقيد (0Wدنطة۸‏ 
Rose, 2007; Esposito, 2008‏ ;2003). تحدد مدرسة الفكر هذه اللحظة 
السياسية فق المساءلة العلائقية والتنظيمية لذات أخلاقية بيولوجية تتبنى 
المسؤولية الكاملة عن وجودها الوراث» ا في ذلك امرض والأشكال الأخرى من 
المسؤولية عن اا الذات المجسدة. كما رأينا في الفصل السابق» يتيح هذا الموقف 
ظهور نوع متبق من الكانتية حول المرحلة الأخيرة من عمل فوكوء مح التركيز 
على المسؤولية الفردية عن الإدارة الذاتية لصحة الفرد ونمط حياته. تتمثل ميزة 
هذا الموقف قي آنه يستدعي درجة أعلى من الوضوح حول الوجود الحيوي 
ا بعد الإنسان» مما يعني أن النموذج الطبيعي قد تَحُاي عنه بالتأكيد. ولكن 
عيب هذا الموقف هو أنه يفسد مفهوم اممسؤولية تجاه الفردية في سياق 
سياسي يتمثل في تفكيك الليبرالية الجديدة للخدمة الصحية الوطنية» وهي 
زك كوك الرقاهة اة هخه تروط اواطة الو اا ةة 
الوصول إلى تكلفة الخدمات الاجتماعية الأساسية واممسؤولية عنهاء مثل 
الرعاية الصحيةء بقدرة الفرد الظاهرة على التصرف مسؤولية من خلال الحد 
من اممخاطر واممجهودات امرتبطة بأسلوب الحياة الخطأ. بعبارة آخرىء تعني 
الوكالة الأخلاقية الحيوية هنا اهتمام المرء الكافي برأسماله الجيني. إن الحملات 
الحكومية الأخيرة ضد التدخين والإفراط في تناول الكحول والسمنة تشكل دليلا 
على هذا الاتجاه ا معياري الليبرالي الجديد الذي يدعم الفردية المفرطة. 

يثير هذا اممأخذ الكانتي الجديد لنظريات فوكو أسثلة نظرية خطيرة حول 
مفهوم القوة الحيوية. مع مراعاة معدل التقدم والتغيير السريع الذي مرت فيه 
التقنيات الحيوية ال معاصرة والتحديات التي تطرحها على وضع الإنسان» تعرض عمل 
فوكو لانتقادات» ولا سيما من قبل هاراواي (1997)» بسبب الاعتماد على رؤية عفى 
عليها الزمن للتكنولوجيا ا معاصرة. تقترح هاراواي أن القوة الحيوية لفوكو توفر 
رسما لعامم فم يعد له وجود» وأننا قد دخلنا الآن في عصر معلوماتية الهيمنة. تقترب 
نظريات مهمة أخرى من الهدف» ولا سيما المنظرين النسويين والبيئيين والعرقيين 
الذين تطرقوا إلى الحال اممتغير للتجسيد والاختلاف ق الرأسمالية ام متقدمة بطريقة 
تعكس تعقيد العلاقات الاجتماعية العاطمية. 


133 


ما رعد الإنسان 


إن التباين الرئيس بين فكرة فوكو عن القوة الحيوية والهياكل ما بعد الإنسانية 
ا معاصرة يرتبط بإزاحة اممركزية البشرية. في الفصل الثاني» وضحت آن الهيكل الوراثي 
الحيوي للرأسمالية ال متقدمة يجعل من الأجسام مجرد ناقلات للمعلومات الحيويةء 
والتي تستثمر قيمة مالية فيها وتَرَسّمَل. إنها توفر امادة اللازمة لتصنيفات جديدة 
ممجموعات بأكملها على ساس الاستعدادات الوراثية والقدرات الحيوية على التنظيم 
الذاتي. هناك تشابه هيكلي بين النمو الاقتصادي والبيولوجي» مما يجعل علاقات 
القوة للرأسمالية الليبرالية الجديدة امعاصرة أكثر وضوحا مما كانت عليه في عصر 
فورد* (2008 هم .)٤٥٥‏ لهذا تداعيات مهمة على بعد زوي لسیاسات امموت. 

نظرًا إلى أن ال معلومات الوراثية» مثل السمات النفسية أو السمات العصبيةء 
موزعة بشكل غير متساوء فإن هذا النظام ليس فقط تمييزيًا بطبيعتهء ولكنه أيضًا 
عنصري في معناه الأساسي. تستكشف باتريشيا كلاو (2008) هذا الجانب من 
الاقتصاد السياسي ال معاصر من خلال تحليل المناقشات العامة حول توافر الأدوية 
الصيدلية ضد فيروس نقص المناعة البشريةء أو التطعيمات واسعة النطاق ضد 
الملارياء على سبيل المثال لا الحصر لأماط معاصرة للإدارة ما بعد الإنسانية للحياة. 
تنش طبقة دنيا كاملة من الأجساد التي هكن التخلص منها والمكشوفة وراثيا 
بشكل مفرط والتي هي غير مؤمن عليها اجتماعيا داخل كل من العام الغربي وفي 
الاقتصادات العاممية الناشئة. يتجاوز هذا النوع من السيطرة على السكان تحليل 
فوكو للسياسة البيولوجيةء لأنه لا يعمل بتقنيات الانضباط والسيطرة. ولكن عن 
طريق التجميع الوراي الحيوي للبيانات» و«القرصنة البيولوجية» (1997 ,ه۷ط؟). 
على حد تعبير مارك هالسي (وءءاه8 )+1 ): «بینما كان الهدف الوحيد ف السابق 
هو السيطرة على اممجنون» الشاب» المؤنثء الممتشرد والمنحرف» أصبح الهدف في 
الآونة الأخيرة هو إلقاء القبض على غير الإنساني واللاعضوي والخامل - باختصارء ما 
يسمى ب «العوامم الطبيعية» (15 :2006 ,وعءآه۲1). هذه هي سياسة زوي طا بعد 
الإنسان» وليست حكما سياسيا بيولوجيا. 


(*) نسبة إلى هينري فورد ۴١۲۵(‏ ر«116)» مؤسس شركة فورد للسيارات وامطور الرئيس لخط التجميع الذي مكن 


134 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


مجدداء تساعد فلسفة ما بعد الإنسان الأحادية على التفكير عبر هذه 
الظروف التاريخية الصعبة الجديدة. بقراءة دولوز عبر عدسة ماسومي» تدرس 
كلاو الآليات الجديدة ليس من أجل فهم الأفراد الليبراليين» بل لفهم «الفواصل» 
الوراثية البيولوجية: 

بعاد تكوين الفواصل إحصاتيًا في امجموعات السكانية التي تظهر على 

شكل أنماط ذات قدرات جسديةء وتشر إلى قدرات الجسد الآنء والقدرات 

التي قد يتمكن من كشفها في المستقبل. إن القدرة العاطفية للأجسادء 

المحاكاة إحصاتيًا كعوامل خطرء مكن إدراكها كذلك من دون الذات» بل من 

دون جسد الفرد اممعني. ينتج عن هذا وضع إجراءات بيروقراطية متنافسة 

للسيطرة والقيادة السياسية فيما يتعلق بتأمين حياة السكان. (2008: 18) 

هذه الطريقة لربط أشكال السيطرة السياسية مع تقدير عوامل الخطر هي 
تقنية عرّفها فوكو بأنها العنصريةء حيث إنها تشكل - تعطي صفة عنصرية - 
شعوبا بأكملها على نطاق هرمي» لكن الشعوب لا تحدد هنا وفق صبغتهاء بل 
وفق الخصائص الجينية الأخرى. لأن الهدف من هذه الممارسة السياسية هو تقدير 
فرصة مجموعة معينة للبقاء على قيد الحياة أو الانقراض» فإن الإدارة السياسية 
الحيوية للأحياء ليست مستعرضة فقط عبر الأنواع ومدفوعة بزويء ولكنها مرتبطة 
أيضا بطبيعتها بالموت. هذا هو الوجه المرتبط با موت أو بسلطة اموت ما بعد 
المركزية البشرية وجوهر شخصيتها اللاإنساني وغير الإنساني (٤)٣u2طمذ‏ : «هو 
يسمح للحياة الصحية لبعض المجموعات بأن تحتم موت الآخرين» الذين مميزون 
باعتبارهم متدهورین أو غبر آصحاء» (18 :2008 ,طچ1ou٥).‏ 

يعني البعد المرتبط بسلطة الموت أيضا أن التمثيل السياسي للذوات اب مجسدة 
هذه الأيام م يعد من الممكن فهمه ضمن الاقتصاد المرثي للسياسة الحيوية با معنى 
الذي استخدمه فوكو (1978). إن تمثيل الذوات المجسدة ليس مرثيا معنى كونه 
مجها كما خو الال اق الى ما بذ الأقاطوق اصن ااه كا اف ليس 
براقاء كما هو الحال في نمط التحليل النفسي لإعادة تعريف الرؤية ضمن مخطط 
جدلي قائم على التضاد لإدراك الذات والآخر أو إدراك الذات كآخر. استبدل تمثيل 
الذوات امجسدة با محاكاة وأصبح فصاميًا أو مفككا داخليًا. كما أنه طيفي: يتضاعف 


135 


ما رعد الإنسان 


الجسم باعتباره الجثة المحتملة التي كانها دانماء ويُنّل كنظام ناسخ لذاتهم قيد 
باقتصاد بصري دائم الدوران (2002 ,٤٤ههنه8).‏ إن الخيالي الاجتماعي المعاصر 
مغمور في منطق الدوران الدائم هذا وبالتالي معلق في مكان ما وراء دورة حياة 
وموت الذات المصورة. أصبح الخيال الوراي البيولوجي بالتالي جنائيا في علاقته 
بالجسد كجثة وفي البحث عن آثار لحياة م يعد يتحكم فيها. يجب أن تحتسب 
الذوات اممتجسدة المعاصرة من حيث فائض قيمتها كحاويات جينية حيوية من 
ناحية» وكسلع بصرية تتداول في دائرة وسائط عاطمية من التدفق النقدي من جهة 
آخرى. معظم هذه اممعلومات لا توجهها ا معرفةء بل يوجهها تضخم وسائل الإعلام 
ومن ثم يتعذر تمييزها عن التسلية المطلقة. لذلك تصبح ممكنة بشكل واضح 
بواسطة الشفرات الوراثية الحيوية واممعلوماتية. 

نرى إذن أن السياسة الحيوية المعاصرة تتقاطع مع البعد البيئي الفلسفي 
الذي اضطلعت بتحليله في الفصل السابق» وتضيء الوجه السلبي لعلاقات القوة 
الاجتماعية - السياسية الحالية. يتمثل التحدي ف تحويل هذه الظواهر الاجتماعية 
الهجينة والفصامية نوعا ما إلى نقاط مقاومة للجوانب اللاإنسانية لحالة ما 
بعد الإنسان. لايزال الفكر الأساسي لتشريح فوكو السياسي صالحا: تنطوي القوة 
البيولوجية أيصًا على إدارة الموت. وبعبارة أخرى فإن مسألة إدارة الحياة تحتوي 
على مسألة الانقراض أيضا. لكن من أجل نشر الإمكانات الأخلاقية والسياسية 
الكاملة لهذا الفكر الرائع» نحن بحاجة إلى العودة إلى بدايات فوكو ولا نسمح 
للتفسرات الكانتية الجديدة ممرحلته الثانية بأن تضللنا. 

في أعماله الأولى يركز فوكو (1977) بشكل صريح على التحليل النقدي لآليات 
القوة العاملة في إنتاج الذاتية. تعرّف الأخيرة باعتبارها نتاج كل من الدورة 
الاستطرادية واممادية للتأثيرات» والتي هي منتجة وليست فقط مقيدة. هذا التركيز 
على السلطة أمر مهم لفهم مأزق ما بعد الإنسان. 


نظرية الطب الجنافي الاجتماعي 
استثمرت النظرية الاجتماعية والسياسية بعد فوكو من قبل هذه التحولات 
في وضع ونظرية الإنسان» كما هو مبين» على سبيل اممثال» في واحدة من أهم 


136 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


الاستجابات لدور الطب الجنائي بواسطة جورجیو أغامبین Giorgio Agamben,)‏ 
8).). فهو يعرف «الحياة/ زوي» كنتيجة للتدخل الممميت للسلطة السيادية على 
الذات امجسدة التي تختزل إلى «الحياة المجردة» أي حالة غير إنسانية متمثلة 
في الضعف الشديد الذي يقترب من الانقراض. تعني القوة البيولوجية هنا سياسة 
ثاناتوس وتؤدي» بالنسبة إلى آغامبينء إلى اتهام مشروع الحداثة الصناعية» في ضوء 
آثاره النازعة إلى الإنسانية. المزارع الاستعمارية هي النموذج الأولي لهذا الاقتصاد 
السياسي والإنسان المستعبد هو تقريبا مثال «الإنسان الممقدس» (إععهء مص0ط) 
(1998 ,«#طاصهعA).‏ ينتج عن هذا الفكر رسم لروابط جوهرية بين التحديث 
والعنف» والحداثة والإرهاب» والسيادة والقتل. 

مثله مثل ليوتارد. يعتبر أغامبين أن غير الإنساني هو تأثير التحديثء لكنه تعلم 
أيشًا من حنة أرنت (1951 رال«٠إ4‏ طه«nه1)‏ أن ينظر إلى ظاهرة الشمولية 
باعتبارها إنكارًا نهاتيًا لإنسانية الآخر. بيد أن أرنت قد رسمت بديلا قويا لهذا 
التطرف السياسي من خلال تأكيد ضرورة حقوق الإنسان للجميع» ما في ذلك» وعلى 
وجه الخصوصء» الآخرون منزوعو البشرية. أرندت هي فعلا «حداثية مترددة» كما 
وصفتها سيلا بن حبيب (1996). أما أغامبين فهو أقل ابتكارا ويعيد العادة الفلسفية 
التي تتمثل في أخذ الفناءء أو المحدودية» باعتبارها الأفق العابر للتاريخ ممناقشات 
«الحياة». بالنسبة إليهء فإن «الحياة ا مجردة» ليست حيوية مولدةء بل هي الضعف 
التأسيسي للذات البشريةء والتي هكن للسلطة السيادية أن تقتلهاء هذا هو ما 
يجعل الجسد مادة هكن التخلص منها في أيدي القوة الاستبدادية للسلطة غير 
المحكومة. ويرتبط هذا بنظرية هايدغر بأن الكينونة تستمد قوتها من إبادة الحياة 
الحيوانية. تقدم ا محدودية كعنصر تكويني في إطار الذاتيةء والتي تعمل أيضا على 
تغذية اقتصاد سياسي وجداني للخسارة والكآبة في صميم الذات. 

يزعجني هذا التركيز على ثاناتوس الذي انتقده نيتشه منذ أكثر من قرن والذي 
لاإيزال حاضرا بشكل واضح ف النقاشات النقدية اليوم. فغالبا ما ينتج رؤية قاتمة 
ومبهمة ليس فقط للقوةء ولكن أيضا للتطورات التكنولوجية التي تدفع أنظمة 
القوة الحيوية. إن فهمي ل«الحياة» كأخلاقيات زوي للتحولات المستدامة يختلف 
اختلافا كبيرا عما يسميه أغامبين «الحياة اممجردة» أو زوي السلبية. أختلف مع 


137 


ما رعد الإنسان 


العادة التي تفضل نشر مشكلة زوي في أفق الموت» أو الحالة القاسية اممتمثلة في 
عدم الحياة. هذا التركيز ا مفرط على آفاق الفناء والقابلية للتلف هو سمة من 
سمات «التحول الجنائي» في النظرية الاجتماعية والثقافية ال معاصرة التي يطاردها 
شبح الانقراض وقيود مشروع الحداثة الغربية. أجد أن التركيز المفرط على اعتبار 
اموت مصطلحا مرجعيا أساسيا غير مناسب للسياسة الحيوية لعصرنا. أنتقل بالتالي 
إلى مجتمع مهم آخر من العلماء الذين يعملون قي إطار فكر سبينوزا" ويفضلون 
تأكيد سياسات الحياة نفسها كقوة مولدة بلا هوادة تشمل وتتعدى الموت. يتطلب 
هذا استجوابا للعلاقات اممتبادلة المتغيرة بين القوى البشرية وغير البشرية. 

من وجهة نظر ذات مؤنثة مجسدة ومضمنة» وقادرة على إعادة إنتاج المستقبل 
والنوع» أجد أن ميتافيزيقيا ا محدودية قصيرة النظر كوسيلة في طرح مسألة حدود 
ما نسميه «الحياة». نحتاج إلى إعادة التفكير في الموت» الطرح النهائي» كمرحلة 
أخرى ف عملية توليديةء كما سأناقش ف النصف الثاني من هذا الفصل. من الممؤسف 
للغاية أن قوى الموت التوليدية التي لا هوادة فيها تتطلب قمع ما هو الأقرب 
والأعز إليء أي نفسيء وجودي الحيوي هنا. بالنسبة إلى الذات الإنسانية الارجسية 
كما يعلمنا التحليل النفسي» فمن غير المتصور آن تستمر الحياة من دون وجودي 
هناك (1976 ,ء1ء«ه1م14). إن عملية مواجهة إمكانية التفكير في الحياة التي قد 
لا تحتوي على «أنا» أو آي «إنسان» في مركزها هي في الواقع عملية جدية وتثقيفية. 
أرى هذا التحول طا بعد المركزية البشرية كبداية ضرورية لأخلاقيات الاستدامة 
التي تهدف إلى إعادة توجيه التركيز نحو الإيجابية ما بعد الإنسانية لزوي. تكمن في 
صميم مشروعي البحثي أخلاقيات تحترم الضعف بينما تبني بنشاط آفاقا اجتماعية 
للأمل. 


حول سلطة الوت المعاصرة 

في هذه المرحلة من الكتاب» من الممهم تأكيد أن السياسة الإيجابيةء ا متمثلة في 
عملية تحويل المشاعر السلبية إلى ممارسات إنتاجية ومستدامة» لا تنكر حقيقة 
الرعب والعنف والدمار. بل تقترح فقط طريقة مختلفة للتعامل مع تلك الحقائق. 
فللسياسة ا معاصرة كم هائل من القسوة. وركزت الأبحاث الجديدة على وحشية 


138 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


حروب اليوم وتجدد أشكال التعبير عن العنف التي لا تستهدف فقط حكومة 
الأحياء» ولكن أيضا الممارسات المتعددة للموت. تعتر سلطة الحياة وسلطة المموت 
وجهين لعملة واحدةء كما يجادل آكيل إمبيمبي )2003 .(Achille Mbembe,‏ 
وهعنى آخرء فإن انفجار الاهتمام الاستطرادي بسياسة الحياة نفسها يؤثر أيضا في 
البعد السياسي الجغرافي للموت والقتل. يوسع إمبيمبي رؤية فوكو في اتجاه تحليل 
أكثر ثباتا للإدارة السياسية الحيوية للبقاء. فيغير اسمها بكل جدارة إلى «سلطة 
ا موت» ويعرّف هذه السلطة بشكل أساسي باعتبارها إدارة الموت: «الأدائية امعممة 
للوجود البشري والتدمير المادي للأجساد البشرية والسكان» (:2003 ,مص Mb‏ 
9 أود أن أضيف الكوكبية أيضاء وليس فقط البشرية. 

م يشهد عام ما بعد الحرب الباردة زيادة هائلة في الحرب فقطء بل شهد أيضا 
تحولا عميقا في ممارسة الحرب ذاتها. تتضمن أشكال الحرب الجديدة في الوقت 
نفسه الكفاءة العظيمة للأسلحة التكنولوجية «الذكية» التي لا يديرها الإنسان من 
ناحية» وقساوة الأجساد البشرية امقطوعة واممذللة من ناحية آخرى. يتضح هذا من 
خلال نهاية القذافي المهينةء والتي آثرتها ف المشهد الثالث في اممقدمة. تولد الحروب 
ما بعد الإنسانية أشكالا جديدة من اللاإنسانية. يتضمن هذا النهج من قوى الموت 
تغيرات جذرية: فهيكلة ممارسة السلطة لا تتعلق بعقلانية القانون وكونية القيم 
الأخلاقيةء بل بإطلاق العنان للحق السيادي غير المقيد في قتل وتشويه واغتصاب 
وتدمير حياة الآخرين. يبني هذا الاقتصاد السياسي درجات مختلفة من «الإنسانية» 
وفقا للتسلسلات الهرمية ال منفصلة عن الجدليات القدهة وغير المرتبطة باممنطق 
السياسي البيولوجي. هي تحقق بدلا من ذلك منطقا أكثر ذرائعيةء وأكثر ضيقا 
للاستغلال الانتهازي للحياة ليس بصفة فردية فقطء بل بشكل عام أيضا. 

دفعت سلطة اموت اممعاصرة بسياسة الموت نحو نطاق إقليمي عاممي. تعتمد 
الأشكال الجديدة للحرب ذات النطاق الصناعي على الخصخصة التجارية للجيش 
والامتداد العام مي للنزاعات» مما يؤدي إلى نزع الصفة الإقليمية للخدمة العسكرية 
وتبريراتها. وحيث إن الحرب اختزلت إلى «حرب البنية التحتية» (,ءطءطM‏ 
3) وإلى عملية لوجستية واسعة النطاق (2002 ,هنانء۷)» فهي تهدف إلى 
تدمير جميع الخدمات التي تسمح للمجتمع المدني بالعمل: الطرق وخطوط 


139 


ما رعد الإنسان 


الكهرباء وا مطارات والمستشفيات وغيرها من الضروريات. تحول الجيش القديم 
إلى «ميليشيات حضرية؛ جيوش خاصة؛ جيوش الأرباب الإقليمية؛ شركات الأمن 
الخاصة وجيوش الدولةء والتي تذعي جميعها الحق في ممارسة العنف أو القتل» 
(32 :2003 ,eطدصeطM).‏ ونتيجة لذلك صّنف «السكان» أيضاء بوصفهم فئة 
سياسية» إلى «متمردين» أو جنود أطفال» أو ضحايا ولاجئين» أو مدنيين مبتورين 
وعاجزين» أو قتلى على نهج التضحيات القدهة» بينما يُحصر «الناجون» بعد 
نزوح مروع» في اطمعسكرات ومناطق الاستتناء» (34 :2003 ,٭ ط٤ط .)N‏ إن عديدا 
من الحروب المعاصرةء التي تقودها الائتلافات الغربية تحت غطاء «المساعدات 
الإنسانية»» هي ف الأغلب ممارسات استعمارية جديدة تهدف إلى حماية استخراج 
ا لمعادن وغيرها من الموارد المادية الجغرافية التي يحتاج إليها الاقتصاد العاممي. 
بهذا الشكلء تبدو الحروب «الجديدة» أشبه بالصراعات المخصخصة وهجمات 
العصابات أو الهجمات الإرهابيةء أكثر من الممواجهة التقليدية للجيوش اممجندة 
والمفهرسة على المستوى الوطني. 

قدم آرجون أبادوراي )1998 (Arjun Appadurai,‏ ايشا تحليلات ثاقبة عن 
«العنف الإثني» الجديد للأشكال الجديدة للحرب التي تشمل الأصدقاء والأقارب 
والجيران. فيعجب من عنف هذه الصراعات «المرتبطة بالوحشية والإهانة - ها 
في ذلك التشويه» وأكل لحوم البشرء والاغتصاب» والاعتداء الجنسيء والعنف ضد 
المساحات المدنية والسكان. بكل إيجازء إن التركيز هنا هو على الوحشية الجسدية 
التي يرتكبها آشخاص عاديون ضد آشخاص آخرين قد يكونون - أو من الممكن أن 
يكونوا - قد عاشوا معهم ف السابق في صداقة نسبية» (907 :1998 ,نura .)Ap Pd‏ 
هذا هو بالتحديد ال منحى اللا إنساني لحالة ما بعد الإنسان. 

علق تشومسكي (رائصهط)) ببراعة على هذا الوضع الجديدء الذي وصفه 
بد «الحركة الإنسانية العسكردة الجديدة» للتدخلات الإنسانية: 

مسلح بتقنية الدمار العاطمي ولغة الخيال الرخيص وعناوين الصحف 

الشعبية وألعاب البلاي ستيشن: «الحرب ضد الإرهاب» صراع الحضارات» 

محور الشر» وعملية الصدمة والرعب». تنطلق تلك الممغامرات لإنقاذ 

العام المتحضر «الإنسان البشري» (ئuمة‏ سط 0م۳صهط) من أعدائثه 


140 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


(«الإنسان الممتوحش» (ءuإ4طإةطا‏ 0«0ط)» تحت الادعاءات الجليلة 

للحرية واللياقة والدموقراطية (مقتبسة من 134 :1997 ,v¡es۾0).‏ 

لا هكن وصف هذا الانتشار للعنف بوساطة التكنولوجيا بشكل كاف من حيث 
تأديب الجسد أو محاربة العدو أو حتى كطريقة ا ا ا 
في عصر المذابح المدبرة والذرائعيةء و«لغة قتل» جديدةء تؤدي إلى خلق «عوام 
الموت» اممتعددة واممتوازية (37 :2003 ,#ط"ءط5). إن أساليب حكم سلطة الموت 
هذه تنتشر أيضًا باعتبارها معلومات ترفيهية في دوائر الإعلام العامميةء وفقا منطق 
الوساطة اممزدوجة التي ذكرته من قبل. 

يقدم العدد الخاص ممجلة الإيكونوميست الأسبوعية (13.م ,2012 [une‏ 2) 
بشأن «الأخلاق والآلة» والذي ذكرته في الفصل الأول تحديثا مثا للإعجاب 
للتكنولوجيا العسكرية المعاصرة. يجادل العدد بأن التطورات الحديثة تنتج 
تقنية حيوانية جديدة. على سبيل الممثال» مكن ل «ذبابة التراب» (4ء۴1 )Sa,d‏ 
التي صممتها بوسطن دايناميكس (ءءنإه”0y‏ ١0ء0‏ 8) (اطمتفرعة من معهد 
ماساتشوستس للتكنولوجيا (11) أن تقفز عبر نافذة أو على سطح بارتفاع 
تسعة أمتار» بينما تسمح متبتات الدوران بالتصوير السلس خلال القفزة. وبعد 
ذلك يدور الروبوت الذي يزن خمسة كيلوغرامات على عجلاته حتى يحتاج إلى 
القفز مرة أخرى. وهناك أيضا «رایز» (۸18۴)» صرصور آلي ذو ست أرجل هكنه 
تسلق الجدران؛ معدات آلية من «تبراماکس» )1٠۲۲۵٧۷1×(‏ صنعتها أجهزة دفاع 
آوشكوش j (Oshkosh Defense)‏ ويسكونسن» تحول شاحنات عسكرية أو 
مركبات مصفحة إلى آلات يتحكم فيها عن بعد. «إل إس 3» (183) عبارة عن 
روبوت يشبه الكلاب يستخدم رؤية الكمبيوتر ليسير خلف الإنسان فوق التضاريس 
الوعرة ويحمل لوازم يصل وزنها إلى 180 كجم. كن ل «إس يو جي في» (۷06۷؟8)» 
وهو روبوٽت بحجم حقيبة دار على مسارات کكاتربيلر (۲إهاآزمإ#اهء)» التعرف 
على رجل في حشد من الناس» وتحميل صورته ومتابعته. «النظرة الأولى» (ئ۴ 
0kا)»‏ روبوت عسکري صمم بواسطة آي روبوت (٤ه‏ ط٥1۸‏ وط مل٧)»‏ شرکة 
أخرى متفرعة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجياء صمم ليُلقى عبر النوافذ أو 
فوق الجدران. «سکاوت إكس ت ثرو- بوت» »)Sc0ut X1 1h r0w-b0†(‏ الذي 


141 


ما رعد الإنسان 


أعدته شرکة ریکون روبوتیکس (وءءناهاه‌R )۸٤۰٥١‏ في ولاية مینیسوتاء هو على 
شكل مطرقة ذات رأسين بعجلات على كل رأس» ويحتوي على ثقل قنبلة يدوية 
ويهمكن إلقاؤه عبر النوافذ الزجاجية. تساعد مسامير العجلات على الثبات ف الأسطح 
شديدة الانحدار أو الصخريةء تطور الآن نسخة مائية منه. ها هي مادة الخيال 
العلمي تتحقق على أرض الواقع. 

وكما تشير مجلة «الإيكونوميست»» فإن الأسلحة الجديدة الأكثر فاعلية حتى 
الآن» هي ال «يو جي في» (06۷)» المركبات الأرضية التي لا يديرها الإنسانء 
والتي بدت العمل ف أفغانستان منذ عقد مضىء» وال «يو أي في» (0۸۷ا)» 
ا مركبات الجوية التي لا يديرها الإنسان - المعروفة أيضًا باسم الدرون أو الطائرة 
التي وجه عن بُعد (۸۲۸) - والتي تعد ج٤ا‏ من جیش روبوتات کبیر يشمل البر 
والبحر والجو. في العام 2005ء ضربت درونات وكالة الاستخبارات المركزية أهدافا 
في باكستان ثلاث مرات؛ وكان هناك 76 غارة في العام اماضيء» أدت واحدة منها إلى 
قتل القذاف في ليبيا. هناك درونات مختلف الأحجام: «و1۴1ء0»» وهو درون على 
شكل اليعسوب» بني في الجامعة التقنية في دلفت (1#ء0)» وزنه أقل من خاتم 
زواج ذهبي» ا في ذلك الكاميرا. في الطرف الآخر من اممقياس يوجد أكبر وأسرع 
درون في أمريكاء أفنجر (إءع١٠ء4)ء‏ بتكلفة تبلغ 15 مليون دولارء والذي مكن 
أن يحمل ما يصل إلى 2.7 طن من القنابل وأجهزة الكشف وغيرها من المعدات» 
بسرعة أكثر من 740 كم/ ساعة. 

هل يجعل الدرون من عملية القتل أمرا سهلا للغاية؟ ليس بالضرورة. وفق 
«الإيكونوميست». فالدرون يعتمد على معالجة كمية كبيرة من البيانات مما يجعل 
من الحرب أمرا يخضع ل«قرارات اللجان». يراقب محامو الحكومة وغيرهم في 
غرف العمليات مقاطع الفيديو من الروبوتات لإلغاء الضربات غير القانونية أو 
«التي ستبدو بشكل سيئ على شبكة سي إن إن». علاوة على ذلك يعمل هؤلاء 
ا مراقبون من بعد في بيئة أكثر إنسانية ولا يتأثرون بالضغوط القتالية. «فاير شادو» 
»)۴reSh2dow(‏ وهو صاروخ روبوټ صممته الشركة الفرنسية 1۴24 يعتبر 
«ذخيرة متسكعة» قادرة على السفر على بعد 100 كيلومتر أكثر من ضعف الممدى 
الأقصى لقذيفة مدفعية تقليدية؛ هكن أن تدور في السماء لساعات» وتستخدم 


142 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المونت 


أجهزة كشف لتتبع هدف متحرك. هكن للمشغل البشريء الذي يشاهد تغذية 
فيديوء أن يقرر متى وما إذا كان يجب إطلاقهء أو العثور على نطاق هدف أفضل 
أو إحباط المهمة تمامًا. كما تردد مجلة «الإيكونوميست» تكراراء فإنه من الممكن 
الآن الاستعاضة عن الإنسان كصاحب القرار من الناحية التكنولوجية. هملك الجيش 
الإسرائيلي رشاشات آلية على حدوده ويراقبها من بعد. هكن لمحطة سلاح سامسون 
للتحكم من بعد )Samson Remote Weapon Station)‏ التي بناها دیفید ایشاي 
)Davd !sha(‏ من شركة رافائیل (1٤۴4ه۸)»‏ وهي شركة إسرائيلية» أن تعمل من 
دون تدخل بشري» فتعثر على الهدف بواسطة أجهزة كشف. 

عندما تمت مناقشة ال ۸٨۸‏ أو طياري الدرون بذلك من قبل مجلة «الغارديان» 
(2012 ,011 ) کان ردهم أن وظائفهم تنطوي على أماط شجاعة تختلف عما 
هي ف الحرب التقليدية» ليس فقط بسبب اضطرارهم إلى تحمل عواقب الأخطاء 
ا محتملةء ولكن أيضًا بسبب الحاجة إلى درجة مختلفة من الدقة والصرامة للقتل 
عن طريق التحكم من بعد. يحتاج هؤلاء المحاربون الثاناتوسيون من بعد إلى 
معدات متطورةء مثل: «أنظمة استهداف متعددة المواصفات تعمل على دمج 
أجهزة كشف للأشعة تحت الحمراء وكاميرا التلفزيون اممحسْنة ومؤشرات الليزر 
والإضاءة في جهاز واحد» (2 :2012 ,ااه٣۲ه٥).‏ علاوة على ذلك فإن هذا الهيكل 
المعقد متعدد المهمات لهذا النوع من الحروب يحدث غالبًا تحت رقابة دقيقة 
من قبل مجموعة من المتخصصين واممشرفين: من الضباط ومحللي الاستخبارات 
واممحامين العسكريين. لا تقتل الدرونات «بسهولة» أكبر بأي معنى للكلمة. 

أما منتقدو هذه التقنيات الفتاكة» من فيهم الرئيس الأمريكي السابق جيمي 
کارتر ٥۵۲۲۲(‏ ردص ها[)» فلدیهم منطق مغایر. فهم يجادلون بن غارات الدرون هي 
«عمليات إعدام خارج نطاق القضاء والتي تنتهك سيادة الأمم» وتصبغ أخلاقية الولابات 
ا متحدة بوصمة عار وتغذي التطرف» (2 :2012 ,ااه٣۲ة0).‏ ويؤكدون أن أفضل طريقة 
للتعامل مع هذه الأسئلة المعقدة هي حظر أسلحة ميدان امعركة امستقلة تمامًا وإلزام 
الروبوتات بالاهتمام الكامل من البشر في جميع الأوقات. في العام 2012 في برلينء 
شكلت مجموعة من المهندسين والفلاسفة والناشطين اللجنة الدولية طمراقبة الأسلحة 


jùn (International Committee for Robot Arm Control) (ICRAC) ةılîJl‎ 


143 


ما رعد الإنسان 


أجل محاولة السيطرة على آثار الاستقلال الذاتي التي توصلت إليها أنظمة الأسلحة 
الآلية ا معاصرة وخاصة الدرون. بيد أن تعهد إدارة أوباما باستشمارات تصل قيمتها إلى 
5 ملیار دولار آمريي لدرونات بریداتور (۲٥0٤ھ۲۲۲۵)‏ وریبر )۸٤4۲٩۲(‏ یجعل من 
أهميتها ام متزايدة كأسلحة هجومية وكأدوات سياسية أمرا لا شك فيه. 

تشير «الإيكونوميست» إلى مزايا آخرى للحرب ما بعد الإنسانيةء وتبين آن 
الجنود الآليين امتمتعين بالحكم الذاقي هكن أن يكونوا أكثر نفعًا: فلن يغتصبوا 
النساء» أو يحرقوا المساكن المدنية في حملة غضب» أو يصبحوا صانعي قرار غير 
منتظمين تحت ضغوط القتال العاطفية. وعلى المنوال نفسه» من المحتمل أن تكون 
السيارات من دون سائق أكثر أمانًا من السيارات العاديةء تمامّا كما جعل الطيارون 
الآليون الطائرات أكثر أماتا. علاوة على ذلك تستخدم الدرونات على نحو متزايد 
لأغراض مدنية. كالروبوتات التي استخدمت منذ فترة طويلة ف اممنشآت النوويةء 
وعلى سطح طائرات الركاب وفي القطارات من دون سائق. يصف تقرير حديث 
لصحيفة الغاردیان (2012 ,نا٣ )۴۲۵٣‏ كيف يستخدم نشطاء البيئة درونا يعمل 
بالبطارية يبلغ مداه 300 كيلومتر وبتكلفة تقل عن 800 دولار أمريكي لتحديد 
مواقع عمليات صيد الحيتان اليابانية في مياه القطب الجنوبي» ورها إيقافها. ما 
كان حصربًا في السابق لقوات التجسس الإسرائيلية والقوات الجوية الأمريكية يرسل 
الآن في مهمات تتراوح بين مسح الثدييات البحرية إلى عمليات تفتيش امحاصيل. 
أصدرت هيئة الطيران الفدرالية ف الولايات اممتحدة الأمريكية من فورها توجيهات 
جديدة لاستخدام هذه اممركبات. 

لا بد للقراء أن يتعجبوا من تطور هذه الإنجازات التكنولوجيةء ولكنهم أيضا 
سيتساءلون عن اممخاطر اللاإنسانية التي تنطوي عليها أسلحة ما بعد المركزية 
البشرية. من اللافت للنظر كذلك الدور الذي تؤديه الأبحاث الأكادهية في الجامعات 
الرائدة في تطوير هذه الروبوتات القاتلة. دخلت العلاقة العتيقة بين الأوساط 
الأكادهية والعسكرية مرحلة جديدة مثمرة للغاية في عامنا ما بعد الإنساني. 

تعمل تقنيات ما بعد الممركزية البشرية أيضا على إعادة تشكيل ممارسة 
المراقبة في ال مجال الاجتماعي. تعد مراقبة الحدود وتهريب الأشخاص من الجوانب 
الرئيسة للوضع اللاإنساني امعاصر ومن أساسيات لعبة سلطة الموت. يجادل دايكن 


144 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


)21k١, 2004(‏ بأن اللاجئين وطالبي اللجوء أصبحوا رمزا آخر لسلطة الموت 
المعاصرة؛ لأنهم هثلون اللحظية اممثالية للإنسانية التي هكن التخلص منها والتي 
يسميها آغامبين ايشا ب «الإنسان اممقدس» إءء2ء0 0ط ومن ثم فهي تشكل 
الذات الممطلقة لسلطة الموت. يعد انتشار ال معتقلات والإجراءات الأمنية المشددة 
في السجون وام معسكرات في ال مدن الأوروبية التي كانت يوما ما ذات عقل مدني 
مثالا على الوجه اللاإنساني لقلعة اوروبا (pe٥rں٤‏ esإ٤إ٥۴).‏ إن المعسکرات - 
«الحاويات المعقمة وأحادية الوظيفة» (91 :2004 ,«ء)ن0) - تمثل اممعام المهينة 
للاإنسانية ما بعد الإنسانية. 

يدفع دوفيلد (2008 ,1dءة#»0)‏ بالتحليل السياسي الاجتماعي لسلطة اموت 
إلى أبعد من ذلك وهيز بين البشر اممتقدمين أو المؤمن عليهم وبين المتخلفين أو 
غير المؤمن عليهم: «بحافظ على الحياة ا متقدمة بشكل أساسي من خلال أنظمة 
التأمين الاجتماعي والحماية البيروقراطية المرتبطة تاريخيا ارتباطا وثيقًا بالرأسمالية 
الصناعية ونمو دول الرفاهية» (149 :2008 ,1dءfس0).‏ هثل التمييز والتوترات 
بين هاتين الفئتين حقل «الحرب الأهلية العاممية» وهو تعريف دوفيلد للرأسمالية 
المتقدمة المعوطة. علاقة ذلك بالاستعمار واضحة: إنهاء الاستعمار خلق دولا قومية 
أصبح لشعبهاء الذي كان مستعبدًاء مطلق الحرية الآن ف الانتشار على مستوى 
العام. يشكل هؤلاء الأشخاص الجزء الأكبر من المهاجرين غير المرغوب فيهم 
واللاجئين وطالبي اللجوء المحتجزين في جميع أنحاء العام ا متقدم. في تطور لا يخلو 
من القوة الساخرة. يُنظر إلى الهجرة العاممية باعتبارها تهديدا خاصا ف أوروبا على 
وجه التحديد لأنها تعرض البنية التحتية الاجتماعية الرئيسة لأوروبا للخطر: دولة 
الرفاهية. تثر المجموعة الممتنامية من أسلحة الحرب وأساليب القتل أسئلة مهمة 
حول حالة الموت كموضوع للتحليل السياسي ا معاصر. 

يشير نطاق وتطور الوساطة التكنولوجية في سلطة امموت ال معاصرة إلى أن اموت 
كمفهوم مازال عالقا في تناقض. إنه أساسي للنظرية وا ممارسة السياسية من حيث 
تقنيات القتل الجديدة ضمن سياق تكنولوجي سريع التوسع يزيد من ضعف 
الإنسان. ومع ذلك فإن الموت لا يدرس بشكل كاف كمصطلح ق النظرية النقدية 
وكممارسة راسخة في الإدارة الاجتماعية والسياسية والعلاقات الدولية. لايزال اموت 


145 


ما رعد الإنسان 


مفهوما أحاديا وغير متباين» في حين أن ذخيرة الفكر السياسي حول الحياة والسلطة 
البيولوجية تتكاثر وتتنوع. 

لحسن الحظ, فإن نظرية ما بعد الإنسان الجديدة تملا هذا الفراغ وتقدم 
مساهمات مهمة. على سبيل اممثالء يقترح باتريك هانافjı Patrick Harafın,)‏ 
0 أن الاهتمام ا متجدد بسلطة ال موت» إلى جانب رؤية مستعرضة لذاتية ما بعد 
الإنسان» قد يساعدنا على تقديم سرد سياسي وأخلاقي مضاد ل «الذات القانونية 
الليبرالية المقيدة واممفروضة» (2010: 133). بالنسبة إلى هانافين» ينطوي هذا على 
الانتقال من امموقع التقليدي للفناء باعتباره الأفق المميز شبه الميتافيزيقي للوجود. 
إن العقد الاجتماعي القانوني ذا الأغلبية الذكورية مبني على الرغبة في البقاء. هذه 
ليست سياسة للتمكين» ولكنها سياسة حبس قي نظام طبيعي متخيل يترجم في 
نظامنا إلى نظام بيولوجي سياسي للانضباط والسيطرة على الأجساد. ما يعنيه هذا 
هو أننا لا يعترف بنا كمواطنين كاملين إلا من خلال وضعية الضحايا والخسارة 
والإصابة وأشكال الجبر التي تأي معها. تثير النظرية السياسية والقانونية لسلطة 
اموت في مرحلة ما بعد الإنسان تساؤلات حول ما كانت ستبدو عليه النظرية 
السياسية إن فم تكن قاثمة على الحالات السلبية للجرح والخسارة. 

يقترح هانافين أن يأخذ بعد سلطة الموت على محمل الجد من خلال الابتعاد 
عن التفكير في الذاتية القانونية باعتبارها مرتبطة باطموت» إلى التفكير في السمات 
الفردية من دون الهوية التي ترتبط ارتباطا وثيقًا بعضها ببعض وبالبيئة التي تقع 
فيها. يشير هذا إلى سياسة حقوق حاسمة ما بعد الإنسان. نرى هنا كيف هكن فصل 
ثنائية مهمة أخرى للتفكير الفلسفي الغربي: وهي الحياة السياسية اممؤهلة باطموت» 
على عكس الفلسفة السياسية والقانونية التي تثمن وضعنا الفاني وتخلق سياسة 
للبقاء. هذا موقف ها بعد الهوية يشجعناء على نهج فيرجينيا وولف (aاہذعاVi‏ 
گاهه))» على تبني طريقة تفكير «كأنه ذهب بالفعل»» أي التفكير مع اموت وليس 
ضده. إن التركيز على استمرارية الموت والحياةء وفق هانافين» قد يشكل التهديد 
النهائي للنظام القانوني اممبني على الأفق الضيق ميتافيزيقيا الفناء. 

يطرح ويليام كونولي في «سياسة الصيرورة« )1999 (William Connolly,‏ 
قضية مماثلة: نحتاج إلى تطوير «روح الانخراط» في العوامل الاجتماعية والسياسية 


146 


غير الإنساي: الحياة ما وراء المون 
القانمة - ها في ذلك أهوال عصرنا - كمضاد للدمار الذي تسببه سلطة المموت» 
ومن أجل إحداث الآثار المعاكسةء أي اممتغيرات والتحولات غير اممتوقعة. تحتاج 
النظرية النقدية إلى الانخراط مع الحاض لتصبح «جديرة بالأزمنة» بينما تقاوم 
عنف ورعب وظلم الأزمنة (2008 ,٤٤هل‏ نهإ8). تعتمد الأخلاقيات الإيجابية على 
بناء الإيجابية» ومن ثم دفع الظروف والعلاقات الاجتماعية الجديدة إلى الوجودء 
من رحم الإصابة والأم. وهي تبني الطاقة بشكل فاعل من خلال تحويل الشحنة 
السلبية لهذه التجارب» حتى في العلاقات الحميمة التي تعمل فيها جدليات الهيمنة 
(1988 ,«نصهز«ه8). بالنسبة إلى دولوز وغاتاري» فإن الإطار الزمني لهذا النشاط 
السياسي هو خط أيون »)4:٥١(‏ الزمن امستمر للصيرورةء والذي يختلف عن العمل 
داخل أو ضد كرونوس (0١٠إ1٥)‏ أو زمن النظام السياسي المهيمن. نحن بحاجة 
إلى العمل مجتمعين وبنشاط نحو رفض الرعب والعنف - الجوانب اللاإنسانية 
لحاضرنا - وتحويلها إلى بناء للبدائل الإيجابية. يهدف مثل هذا الفكر لسلطة 
اموت إلى تأكيد التراجع عن الترتيبات الحالية من أجل تحقيق البدائل الإنتاجية. في 
بقية هذا الفصل سأحاول التفكير في استمرارية الحياة والموت ضمن هذا الارتباط 
امستمر مع المساءلة السياسية للذاتية ما بعد الإنسانية. 


نظرية ما بعد الإنسان عن اموت 

أحد الاستنتاجات الأولية الواضحة التي هكننا استخلاصها من كل ما سبق هو 
آنا بحاجة إلى التفكير بشكل أكثر صرامة بشأآن طرق المموت» في السياق ما بعد 
الإنساني لسلطة الموت من جهة» وامسؤولية الاجتماعية للطب الجناقي الجديد من 
جهة أخرى. كيف يعمل الفهم الحيوي وال مادي للموت؟ الموت ليس خاصية تميز 
الإنسان» خاصة في عصر الطبيعة «الآخذة في الاختفاء». بعد أن وصلنا إلى نقيض 
الفكرة العقلانية عن التحكم البشري في الطبيعةء فإن السؤال البيئي هو كيفية منع 
انقراض الأنواع. هذه قضية سياسية حيوية: ما الأصناف الممسموح لها بالبقاء على 
قيد الحياة أو با لموت؟ وما المعايير التي تسمح لنا بأن نقرر ذلك؟ تشدد نظرية ما 
بعد الإنسان على النقطة التي مفادها أنه من أجل وضع معايير مناسبةء نحتاج إلى 
رؤية بديلة للذاتية لدعم هذا الجهد وجعله فعالا. 


147 


ما رعد الإنسان 


يجب أن نبدأً بتصنيف الطرق الممختلفة الموزعة اجتماعيا والمنظمة للموت: 
العنف» والأمراض» والفقرء والحوادث» والحروب والكوارث. يعد استمرار العنف 
السياسي ومفاهيم «الحروب العادلة» جزءا من هذا النقاش» وكذلك تحليل الطرق 
التي تعامل بها الفلاسفة الناقدون مع اموت (2008 ,راطءازإ). هكننا بعد ذلك 
المضي قدما في النظر إلى طرق ال موت الداخلية واممنتجة ذاتيا: الانتحارء والاحتراق 
النفسيء» والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية الجسدية. كيف تبدو نظرية اموت 
مما بعد الإنسان؟ إنها توفر فهما أكمل لكيفية عمل السياسة الحيوية فعليا في 
السياق المعاصر اممميز بالحروب «الجديدة» والأسلحة التكنولوجية الثاناتوسية التي 
ها من تسد قح عن تج سلطة الوت خارطة أكر وف لكف قال 
الذوات اممجسدة المعاصرة وقتلها بعضها بعضا. في المقابلء يقدم هذا النهج أدوات 
تحليلية جديدة لأخلاقيات تحترم کلا من رعب وتعقيد عصرنا وتحاول التعامل 
بإيجابية معهما. يا لها من أجندة لن آتمكن من إعطائها حقها هنا للأسف. 

تعتمد رؤية الفرد عن ال موت على افتراضات الفرد عن الحياة. في ريي المادي 
الحيوي تعتبر الحياة طاقة كونية وفوضى فارغة وسرعة أو حركة مطلقة قي الوقت 
ذاته. هي غير شخصية وغير إنسانية باممعنى الوحشي والحيواني للتغير الجذري: 
زوي بكل قواها. هذا لا يعني أن زوي» أو الحياة كحيوية مطلقة» تخلو من السلبيةء 
ا أن تؤذي. فتظل زوي أكبر من الطبقة اممعينة للوجود الجسدي الذي 
یشکل ذواتاً فردية. يقع الإنسان في مستوى متدن من الكثافة النقيةء أو القوة 
الظاهرية. إنه تحد مستمر بالنسبة إلينا أن نرتقي إلى اممستوى الممناسب» وأن نكون 
«جدیرین ا بينما نقاومه» ومن ثم مارس «حب القدر« (amor fati)‏ 
بإيجابية. إن صعود موجة الحياة وكثافاتها بطريقة علمانية» كاشفين الحدود بينما 
نحن نتجاوزها أمر صعب جدا. لا عجب أن معظمناء كما لاحظت جورج إليوت 
ببراعة» يدير ظهره إلى هدير الطاقة الكونية. غالبا ما ننهار في مواجهة الحياة ولا 
مكنا أن نتحملها أكثر من ذلك. اموت هو التغيير النهائي» على الرغم من أنه ليس 
نهائیاء. حیث تستمر زوي» بلا هوادة. 

اموت هو الفائض المفاهيمي غير الإنساني: الثقب الأسود الذي لا هكن تمثيلهء 
أو تصوره» وغير المنتج والذي نخشاه جميعا. وعلى رغم ذلك فإن الموت هو أيضا 


148 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المونت 


توليفة إبداعية للتدفقات والطاقات والصيرورة الدانمة. يقترح غيل دولوز (1983, 
5 ,ط1990) أنه لفهم الموت» نحتاج إلى منهج غير تقليدي يعتمد على التمييز 
الأولي والأساسي بين الموت الشخصي وغير الشخصي. السابق مرتبط بقمع الأنا 
الفرديةء أما الأخير فهو أبعد من الأنا: موت يسبقني دانماء وهثل الحد الأقصى لقوى 
صيرورت. بعبارة أخرى» من وجهة نظر ما بعد إنسانيةء فإن التشديد على عدم 
شخصية الحياة يلازمه تأمل مماثل عن الموت. نظرا إلى أن الإنسان فانء فامموت» أو 
زوال الحياةء مكتوب في جوهرنا: إنه الحدث الذي يبني خطوطنا الزمنية ويؤطر 
مناطقنا الزمنيةء لیس بوصفه حدا أقصی» بل باعتباره شيا يسهل اختراقه. بقدر ما 
هو موجود دوما في إطارنا الجسدي والنفسي» كالحدث الذي يكون دائما قد وقع 
مسبقا (2000 ,0ط «ه81)» فامموت بوصفه حدثا مؤسسا أصبح وراءنا؛ لقد حدث 
بالفعل كإمكانية افتراضية تبني كل ما نحن عليه. إن النتاج الكامل لوعينا للطبيعة 
المؤقتة لكل ما يعيش هو اللحظة الحاسمة في وجودنا. إنه يبني ذواتنا التي تتحولء 
وقدراتنا على العلاقة وعملية اكتساب الوعي الأخلاقي. لأننا فانون» فنحن جميعا 
«موجودون سابقا»: مشهد موتنا مکتوب بشکل غير مباشر في نص زمنیتناء لیس 
كحاجزء ولكن كشرط للإمكانية. 

هذا يعني أن أكثر ما نخشاه جميعاء موتناء مصدر الكرب والإرهاب والخوفء 
لا ينتظرنا في الأمام بل هو وراءنا بالفعل؛ قد حدث مسبقا. هذا اموت الذي يتعلق 
ماض موجود إلى الأبد ليس فرديا بل غير شخصي؛ هذا هو الشرط اممسبق لوجودناء 
المستل عتا اقرب مى اوت خو صدا حمية تنغو إل اللمطل باح 
المزدوج للمدة الزمنية أو الاستمرارية وامعاناة اممكانية أو الاستدامة. إن تكوين 
صداقة مع الضرورة غير الشخصية للموت هو طريقة أخلاقية لتثبيت الذات في 
الحياة كزائر عابر بجروح طفيفة. فنبني منزلنا على الكسور إذا جاز التعبير. نعيش 
لنتعاق من الوعي المروع بأن هذه اللعبة قد انتهت حتى قبل أن تبدأ. إن القرب 
من الموت يعلق الحياةء ليس ف إعلائيةء بل ف اممحايثة الراديكالية ل «مجرد حياة» 
هنا والآن» لأطول فترة ممكنة وبقدر ما نستطيع. 

هذا لا يعني» مع ذلك» أن الحياة تتكشف ف أفق المموت. كما ذكرت سابقاء فإن 
هذه الفكرة الكلاسيكية أساسية في الميتافيزيقيا ا متمثلة في المقدرة التي خصوصا في 


149 


ما رعد الإنسان 


التقاليد الهايدغريةء ثَقدّس اموت باعتباره السمة المميزة للوعي الإنساني. أريد أن 
أشدد بدلا من ذلك على الطبيعة التفاضلية الإنتاجية لزويء وهو ما يعني الجانب 
الإنتاجي في استمرارية الحياة وامموت. إنها لا تنكر حقيقة الرعب» بل تعيد العمل 
عليه لتأكيد القوى الحيوية للشفاء والرحمة. هذا هو جوهر الأخلاقيات الإيجابية ما 
بعد الإنسان في وضع سبينوزي معاصر (20115 ,٤٤هل‏ ذه8۲). قدم إدوارد غليسانت 
)£Edouard Glissant, 1997)‏ مثالا مشرقاء۔ حیث أعاد عمله في مجال الاستعمار 
والأدب صياغة أهوال الحداثة بطريقة إيجابيةء بدءا من التجربة التاريخية العامية 
للرق. يطبق غليسانت الفكر الرحال لنقد «اللغات الأم» المهيمنة واطمحددة للدولةء 
التي هي في معظمها أوروبية. إن الدعوة إلى تعدد اللغات الهجينة والكريولية 
على نطاق عاطمي هي إجابة إيجابية على الثقافة الأحادية القسرية التي تفرضها 
القوى الاستعمارية والإمبراطورية. أخلاقيات الإيجابية الإنتاجية هي طريقة مختلفة 
للتعامل مع الام والصدمات والعمل ف الحالات الشديدةء مع العمل على إبراز 
القوة التوليدية لزوي؛ حياة تتجاوز الإنسان اممقيد بالأنا. 

من هذا المنظورء لا يعتبر الموت الوجهة الغائية للحياة أو نوعا من 
المغناطيس الأنطولوجي الذي يدفعنا إلى الأمام: أكرر أن الموت وراءنا. اموت هو 
الحدث الذي كان دانتما قد وقح بالفعل على مستوى الوعي. كواقعة فرديةء سيأتي 
في شكل انقراض جسدي مادي» ولكن بوصفه حدثاء معنى إدراك اممحدودية 
والتدفق الممتقطع لوجودي هناك» الموت قد حدث بالفعل. جميعنا متزامنون 
مع اموت الموت هو وقت معيشتنا نفسه» بقدر ما نعيش جميعا قي وقت 
مستعار. إن وقت الموت بوصفه حدثا هو الحاضر المستمر غير الشخصي لأيون 
0nنه‏ الصيرورة امستمرة» ليس فقط كرونوس ك١۸١٠إC1‏ الخطي والفردي. 
زمن الموت هو الوقت نفسه» وأعني بذلك مجمل الزمن. 

قد تبدو بعض هذه الأفكار غير بديهية للمنظرين النقديين العلمانيين. أريد أن 
أصر» مع ذلك على ضرورة إعادة التفكير في الحياة ما بعد الإنسانية خارج حدود 
اموت القدهة. قد يكون من اممفيد لنا أن نتذكر هنا أهمية تكتيك التغريب الذي 
أوجزته في الفصل السابق. ممقاربة الموت بطريقة مختلفة قد نرغب ف البدء في 
وضع مسافة نقدية من القيمة الممزعوم أنها واضحة وام منسوبة إلى «الحياة» في 


150 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


ثقافتنا. أعيش في عام يقتل فيه بعض الناس باسم «الحق ق الحياة» الممقدس. 
أود أن أشير إلى تقاليد فكرية أكثر وضوحا لا تبدأً من افتراض القيمة اممتأصلة 
والواضحة والجوهرية ل «الحياة» وتشدد بدلا من ذلك على العناصر الممؤممة لهذه 
الحياة نفسها في ألفتهم غير الملاحظة في كثير من الأحيان. معنى آخرء «الحياة» 
هي ذوق مكتسب» وإدمان ليس له شبيه» ومشروع لا نهاية له. على المرء أن يعمل 
على تحقيقه. الحياة عابرة ونحن لا ملكها؛ نحن فقط نسكنهاء كما نسكن ال منازل 
hlترSة .(timeshare)‏ 


موت الذات 

فكرتي الحيوية عن الموت هي أنه غير الإنساني الذي بداخلناء والذي يحررنا 
نحو الحياة. كل منا كان دوما «خبر كان» بالفعلء لأننا كائنات فانية. الرغبة ف أن 
نصير هي الدافع الأنطولوجي الذي يغوينا للاستمرار في الحياة. إذا استدهت الحياة 
فترة طويلة تصبح عادة. إذا أصبحت العادة تتحقق ذاتياء تصبح الحياة إدماناء وهو 
عکس ما هو ضروري آو بديهي. إن عيش «مجرد حياة» يعتبر من ثم مشروعاء 
وليس آمرا بديهياء حيث لا يعتبر ذلك طبيعيا أو تلقائيا. يتعين على ال مرء «الشروع» 
في الحياة بشكل منتظم» من خلال تجديد شحنة الرغبة الكهرومغناطيسيةء على 
رغم أن المرء في كثير من الأحيان يعيش يومه على نحو تلقائي. الحياة في أحسن 
أحوالها جذابةء ولكنها ليست قهرية. إذا نظرنا إلى ما وراء اللذة والأم فسنجد آن 
الحياة هي عملية الصيرورة. ومد حدود التحمل. 

أبخ الط اة عن ف الوت ترت خا فلس رة ريب ف 
محاولة التفكير في اللانهاية» ضد رعب الفراغء ف برية مساحات العقل غير البشريةء 
مع ظل ال موت يتدلى أمام أعيننا. يصبح الفكر إذن بادرة للتأكيد والأمل ف الاستدامة 
والتحملء للعلاقات اممحايثة والاتساق الممحدد زمنيا. إن تجاوز الآثار الشالة للشك 
والأم» والعمل عبرهاء هو مفتاح الأخلاق. الفكر النقدي ما بعد الإنساني لا يهدف 
إلى التفوق» ولكن إلى تحويل السلبية إلى مشاعر إيجابية. 

الحياة هي رغبة تهدف بشكل أساسي إلى التعبير عن نفسها ومن ثم تدور حول 
طاقة الإنتروبيا: تصل إلى هدفها ثم تذوب» مثل السلمون الذي يسبح في اتجاه امنبع 


151 


ما رعد الإنسان 


لينجب ثم هوت. ومن ثم يمكن اعتبار الرغبة في اموت منزلة نظير للرغبة في العيش 
بعمق» وتعبير آخر عنها. النتيجة الطبيعية أكثر مرحا: ليس فقط هناك انعدام توتر 
جدلي بین ایروس )۴۲٥5(‏ وثاناتوس» بل إن هذين الكيانين هما في الحقيقة قوة حياة 
واحدة تهدف إلى الوصول إلى تحقيق ذاتها. المادية الحيوية ما بعد الإنسانية تزيح 
الحدود بين الحياة وامموت. تهدف «الحياة»» أو «زوي» أساسا إلى إدامة الذات وبعد 
ذلك بعد أن تحقق هدفها هذا إلى الانحلال. من ثم هكن القول إن الحياة كزوي 
تشمل أيضا ما نسميه «امموت». نتيجة لذلك» ما نتطلع إليه بشوق نحن البشر هو 
ليس الاختفاء بل لأن نفعل ذلك في فضاء حياتنا وبطريقتنا الخاصة (,sم:ا1زط۴‏ 
9.. وكأن كلا منا يرغب ف الموت بطريقته الخاصة. إن رغبتنا الأعمق هي في 
موت نصممه ونشکله بأنفسناء ومن ثم فإننا نسعى وراء ما نحاول في النهاية تجنبه 
ونصبح حالات انتحار وجودية افتراضيةء ليس من باب العدمية» ولكن لأن طبيعتنا 
هي أن نموت ورغبتنا العميقة هي في تشكيل موتنا بأنفسنا. 

إن ذلك مفارقة بالطبع؛ إنها مفارقة غير الإنساني كما حللها ليوتارد: شيء ما 
في بنية الإنسان يقاوم وببساطة الانتماء إلى الإنسانية المشتركة ويطمح إلى ما هو 
أبعد من ذلك. غالبا ما يُعتبر غير الإنساني الأنطولوجي شيئا مقدساء لكن بالنسبة 
إلى المادي العلماني مثلي فإن هذا ليس مقنعا. إن ما نطمح نحوه هو طاقة كونية لا 
نهاية لهاء شرسة بقدر ما هي منظمة ذاتيا. إن الوعي بال «ما وراء» يرتبط بامموت 
بوصفه تجربة حدثت داما بالفعل» وليست إعلائية ما. بينما نكافح جميعنا من 
أجل البقاء على امستوى الواعي» فعلى مستوى أعمق من هياكلنا اللاواعية فإن كل 
ما نتوق إليه هو أن نستلقي بصمت ونترك الوقت يغمرنا في سكون اللاحياة. يعد 
تصميم أحدهم موته منزلة عملية إيجابية لأنها تعني استنباط نهج أو «أسلوب» 
للحياة يعمل تدريجيا وبشكل مستمر على إصلاح طرائق ومسرح الفعل الأخير 
من دون ترك آي شيء من دون العناية به. ممارسة نوع من الإغواء في الخلودء فإن 
الحياة الأخلاقية هي الحياة كانتحار افتراضي. الحياة كانتحار افتراضي هي الحياة 
كخلق مستمر. الحياة تعاش من أجل كسر دورات التكرارات الخاملة التي تستهل 
في التفاهة. خشية أن نخدع أنفسنا بذرائع نرجسيةء نحتاج إلى تنمية القدرة على 
التحمل والخلود في الزمن» أي اموت ف الحياة. 


152 


غير الإنساي: الحياة ما وراء المون 

يجدر بنا تكرار أن القدرة الإنتاجية لاستمرارية الحياة - الموت هذه لا مكن 
ربطها أو حصرها في الفرد البشري. إنها بالأحرى تتعدى بشكل تقاطعي جميع 
الحدود في السعي إلى تحقيق هدفهاء وهو إدامة الذات كتعبير عن قوتها. إنها 
تربطنا عبر الأفراد وعبر الأجيال وبفلسفة بيئية. فكما أن الحياة في نفسي ليست لي 
أو حتى منفردة با معنى الضيق الذي تتبناه الفردانية الليبراليةء فإن اموت في نفسي 
ليس لي» إلا با معنى المحدود للغاية للمصطلح. في كلتا الحالتين» كل ما مكنني «أنا» 
أن آمله هو صياغة حياتي وموتي في وضع وف سرعة وشكل هكن أن يحمل كثافة 
كل ما «أنا» قادر عليه. مكنني «أنا» تصميم هذه البادرة ذاتيا بشكل تلقائي» ومن 
ثم التعبير عن جوهرها كالرغبة الأساسية ف التحمل: أسميها «القوة» (ه1٤٣ءا0م).‏ 


التحول نحو غير الملحوظ 

ما نتطلع إليه حقا بوصفنا بشرا هو أن نختفي من خلال الاندماج في هذا التدفق 
التوليدي للصيرورة حيث الشرط اممسبق هو فقدان الذات الفردية الذرية واختفاؤها 
واختلالها. نطمح إلى مثال يجعلنا لا نأخذ معنا إلا ذكرياتناء ولا نترك وراءنا إلا خطواتنا. 
أكثر ما نرغب فيه حقا هو تسليم النفس» ويفضل أن يكون ذلك في معاناة النشوة 
ومن ثم اختيار طريقتنا في الاختفاءء وطريقتنا في الموت لأنفسنا وكأنفسنا. هكن وصف 
ذلك أيضا بأنه لحظة حل النفس الزاهدة؛ لحظة اندماجها مع شبكة من القوى غير 
البشرية التي تؤطر الذات» شبكة الكون ككل. قد نسميها الموت» ولكن ف أنطولوجيا 
أحادية للمادية الحيويةء يتعلق الأمر با محايثة الجذرية. أي المجموع الكلي للحظة 
التي نتزامن فيها بشكل كامل مع أجسادنا لنصبح في النهاية ما كان بنا أن نكونه 
أساسا: جثة افتراضية. 

هثل الموت» أو اللاإنساني ف داخلناء تحول الذات نحو غير امملحوظ على آنه أبعد 
الحدود لعمليات التغير أو الصيرورة العميقة. ليس هذا بإعلائية بل محايثة تجريبية 
جذريةء أي انقلاب لكل ما هو حي نحو هدير التحول الكوني الفوضوي. إنه هثل القوة 
التوليدية لزويء آلة الحيوان الكبرى للكونء ما وراء اموت الفردي الشخصي. لا تنس أن 
هذا الطاب علمان, أشن بواسطة تظرية تقدرة ترود اشكر تى العهاية بانستمرازرة 
الطبيعة -الثقافة ضمن أنطولوجيا أحادية تعتبر كل شيء ذكيا ومنظما ذاتيا. إن إدراك 


153 


ما رعد الإنسان 


هذه الاستمرارية يجعلنا قادرين على أن نكون مستحقين لكل ما يحدث لنا: حيث يعد 
«حب القدر» هو الاعتراف العملي بأن الذات ما بعد الإنسانية هي تعبير عن موجات 
متعاقبة من الصيرورةء تغذيها زويء المحرك الأنطولوجي. إنه ليس إنسانيا ولا إلهي 
لكنه مادة لا هوادة فيها ومتعهدة بعلائقية ذات أنواع واتجاهات متعددة. تستمر 
الحياة من دون آي إنسان بلا هوادة في القوة الحيوية التي تنشطها. إن التحول نحو 
غير الملحوظ هثل نقطة الإخلاء أو التلاشي من الأنفس المقيدة ودمجها في الأوساطء 
والأراضي الوسط وامحايثة الجذرية للأرض نفسها وصداها الكوني. التحول نحو غير 
الملحوظ هو الحدث الذي لا يوجد له تمثيلء لأنه يعتمد على اختفاء النفس الفردية. 
إن الكتابة كأن النفس قد اختفت بالفعل» أو التفكير فيما وراء النفس المقيدةء هي 
الدلالة المطلقة للتغريب. تضطلع هذه العملية بتحقيق الإمكانيات الافتراضية في 
الوقت الحاضرء في تسلسل زمني يقع في مكان ما بين ما هو في الماضي وما مم يحصل 
بعد» حيث يخلط بين الماضي والحاضر واممستقبل في الكتلة الحاسمة لحدث ما. إن 
الطاقة الحيوية التي تدفع بتحويل القيم إلى تأكيد هي قوة الحياة كتحول دائم يعبر 
عن نفسه من خلال الفراغ الفوضوي والتوليدي للإيجابية. يؤدي هذا الحدث إلى 
جاذبية نحو الحياة تنفصل عن الاقتصاد الطيفي للسلبية وينطوي على تكوين صداقة 
مع الموت غير الشخصي. 

إن النظرية ما بعد الإنسانية للموت كاستمرارية حيوية تبتعد كثيرا عن فكرة 
اموت باعتباره الحالة غير الحية وغير المبالية للمادةء أو الحالة الموجزة التي يفترض 
أن «يعود» الجسد إليها. بل إنها تتهجى الرغبة كشيء وفير ومفرط التدفق» وليس 
كنقص. ال موت هو التحول نحو غير امملحوظ لذات ما بعد الإنسان» ومن ثم فهو جزء 
من دورات التحول» شكل آخر من أشكال الترابط علاقة حيوية تربط قوة مع قوى 
متعددة آخرى. إن غير الشخصي هو الحياة وا موت كبيوس/ زوي - الجسد الخارجي 
كحد للروحي: التحول نحو غير اطملحوظ. 

إن ال مفارقة المتمثلة في التأكيد على الحياة باعتبارها قوة وطاقةء وحتى عبر قمع 
شريحة معينة من الحياة التي أسكنها «آنا»» هي وسيلة لدفع كل من مرحلة ما بعد 
الإنسانية وما بعد المركزية البشرية إلى نقطة الانهيار. فهي تذيب اموت في تحولات 
عملية متغيرة باستمرارء ومن ثم تحطم الأناء برأسمالها من النرجسيةء وجنون العظمة 


154 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


والسلبية. إن اموت بوصفه عملية من وجهة نظر الأنا ا محددة واممقيدة للغاية ليست 
له أهمية على الإطلاق. هذا النوع من «النفس» الذي يجري «تصميمه» من خلال 
هذه العملية هو ليس واحداء لكنه ليس تعددا مجهول الهوية أيضا. فالنفس تفاضلية 
وتتشكل من خلال مجموعات من العلاقات المتبادلة المتضمنة والمتجسدة. يتماسك 
الالتحام الداخلي للذات ما بعد الإنسانية هذه عبر محايثة تعابيرها وأفعالها وتفاعلاتها 
مع الآخرين وعبر قوى التذكر أو استمرارية الوقت. أشير إلى هذه العملية من حيث 
الاستدامة» وذلك لتأكيد فكرة القدرة على التحمل التي تنطوي عليها. فالاستدامة 
تفترض الإهان با مستقبلء وأيضا الإحساس باممسؤولية تجاه «نقل» عام يمكن العيش 
فيه ويستحق العيش فيه للأجيال القادمة. الحاضر الذي يدوم طويلا هو نموذج 
مستدام للمستقبل. وإزاء هذه الصورة المتمثلة في تمجيد النفس لوعي طنان وأنانيي 
ونرجسي ومهووس بجنون العظمة» تطلق النظرية النقدية مها بعد الإنسان العنان 
لقوى زوي الممتعددة التي لا تتزامن مع الإنسان» فضلا عن الوعي. تؤطر هذه الأنواع 
غير اماهوية للحيوية الذات ما بعد الإنسانية. 

يبتعد هذا النوع الحيوي من المادية كل البعد عن التأكيد المسيحي للحياة أو 
التفويض الإعلائي لنظم المعنى والقيم لفثات أعلى من النفس الممجسدة. بل على 
العكس من ذلك تاماء فإن ذكاء الجسد الحيثي الجذري هو الذي ينص مع كل نفس 
على أن الا فيك ليست مميرة من قل آي ذال رئيس وبالتاكيد لا تحمل اسك إن 
إدراك الفرق المطلق بين التأثرات اممكثفة أو غير الملموسة والأجساد المتأثرة ا محددة 
التي يصدف أن نتجسدها أمر بالخ الأهمية لأخلاقيات ما بعد الإنسان الإيجابية. اموت 
هو الذي لا يستدام» لكنه واقعي أيضا لأنه يتمتع بالقدرة التوليدية على توليد الواقع 
الفعلي. ومن ثم فإن الموت ليس إلا تجسيدا واضحا للبنود النشطة في كل جانب من 
جوانب الحياةء أي القوة غير الشخصية ف الجهد اممبذول. تعتمد ذات ما بعد الإنسان 
على تأكيد هذا النوع من التعددية والتواصل العلائقي مع «الخارج» الكوني واللانهائي. 


الخلاصة: عن أخلاقيات ما بعد الإنسان 
إن مأزق ما بعد الإنسان يتضمن أشكالا محددة من الممارسات اللاإنسانية وغبر 


الإنسانية التي تتطلب أطرا جديدة للتحليل وقيما معيارية جديدة. لقد تناولت في 


155 


ما رعد الإنسان 


هذا الفصل تأثير سلطة الموت في حالة ما بعد الإنسان من خلال العديد من القضايا 
المترابطة. أولاد ناقشت الجوانب ال مدمرة من الأشكال الجديدة للإنسانية الشمولية 
التفاعلية أو السلبية التي تولدها مجتمعات المخاطر العاممية المشتركة والتضمين 
العام لكل ما يعيش ف اقتصاد سياسي يتمثل في رأس المال ا معلوماتي للحياة نفسها. 
ثانياء ركزت على الأشكال واسعة الانتشار للوساطة التكنولوجية ومدى إعادة هيكلة 
شبكات الاتصال العاممية والتدخل البيولوجي الوراثي للعلاقة بين الطبيعة والثقافة 
في استمرارية معقدة قد تكون مدمرة بقدر ما هي مولدة. ومن الأمثلة على ذلك 
الحروب الجديدةء ما ف ذلك التدخلات الإنسانية والأسلحة الآلية القادرة على اتخاذ 
القرارات من دون تدخل الإنسان. لقد طرحت الحاجة إلى إعادة تشكيل التمييز 
بين الحياة وامموت كاستمرارية حيوية قانمة على التمايز الداخليء وقدمتها على آنها 
الانقلاب المزدوج أولا للفرديةء مصلحة المفردات المعقدةء وثانيا للمركزية البشريةء 
ممصلحة تعدد التدفقات والتجمعات غير البشرية. عبر هذه الأمثلةء آكدت على عدم 
الإنسانية والعنف في عصرنا ودعوت إلى ممارسات إيجابية للتصدي لاقتصاد سلطة 
اموت الذي نحن فيه. 

اسمحوا لي بأن ألخص عددا من ملامح هذا التحول ما بعد الإنسانية» ونحو 
سلطة الموت. النقطة الأولى هي أن الذات السياسية والقانونية لنظام الحكم في 
الحياة واطموت هي كيان منسوب إلى ما بعد اطمركزية البشرية وإلى الإيكوسية. تتميز 
هذه الذات التي تحركها زوي بالاعتماد ال متبادل مع البيئة الخاصة بها من خلال بنية 
التدفقات اممتبادلة ونقل البيانات التي تكوّن بشكل أفضل كتبادل معقد ومكثف. 

ثانياء هذه الذات المرتبطة بالبيئة هي كيان جماعي محدودء تتجاوز حدود 
الحركة الإنسانية الكلاسيكية وام مركزية البشرية. الكائن البشري هو كائن متشابك 
ومتصل مجموعة متنوعة من المصادر والقوى المحتملة. لذلك فمن الممفيد تعريفه 
كالة. ولا يعني ذلك آنه جهاز أو شيء له هدف نفعي على وجه التحدید» بل 
شيء أكثر تجريدا وفي الوقت نفسه أكثر تضمينا ماديا. إن التعريف المبسط لآلة 
الجسم م«نطعةص - رهط هو أنها كيان ذي ومتأثر يتجسد في التقاط العمليات 
وتحويل الطاقات والقوى. وبوصف الكيان اممجسّد مرتبطا بيئيا وقانما على أساس 
إقليمي» فإنه يتغذى على بيئته (الطبيعية أو الاجتماعية أو البشرية أو التكنولوجية) 


156 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


ويجسدها ويحولها باستمرار. ولأنه يتجسد في هذا الأسلوب البيئي عالي التقنية فهو 
يستوجب الانغماس الكامل ف مجالات التدفقات والتحولات امستمرة. ليست كلها 
إيجابية بالطبع» لأن الجوانب اللاإنسانية تستلزم أشكالا متعددة من الضعف» على 
الرغم من أنها في مثل هذا النظام الديناميكي لا هكن التعرف عليها أو الحكم عليها 
مسبقا. ومن ثم» نحن بحاجة إلى تجربة ممارسات جديدة تسمح مجموعة من 
الحالات المحتملة - التحقيقات والتحقيقات اممضادة - للخطوط امختلفة للصيرورة 
كما شرت ف الفصل السابق. 

ثالثاء يثير مثل هذا اموضوع لسلطة زوي أسئلة مهمة آخلاقيا وسياسيا. بالنظر إلى 
تسارع عمليات التغيير» كيف هكننا معرفة الفرق بين التدفقات المختلفة للتغييرات 
والتحولات؟ يجب أن يجري حساب خطوط التحويل أو الصيرورة وتحديدها 
كمجموعة جماعية مسارات أخرى محتملة للصيرورة. لا يوجد نموذج ثابت أو 
أحادي مكنه تقديم إجابة مناسبة: نحن بحاجة إلى مزيد من الانفتاح البراغماقي 
وتنويع الاستراتيجيات المممكنة. تتمثل نقطة الانطلاق في قوة زوي التوليدية التي لا 
هوادة فيها والمدمرة في وقت واحد, والنمط الخاص للمساواة عبر الأنواع التي تعتبر 
أساسا لأخلاقيات ما بعد الإنسان. إنها مسألة قوى إلى جانب كونها مسألة أخلاق. 

رابعاء يجب إعادة التفكير في الزمنية ال محددة لذات ما بعد الإنسان إلى ما هو 
أبعد من المميتافيزيقيات الخاصة بالفناء. الذات هي محرك تطوري» يتمتع بزمنيته 
المجسدة الخاصة به» سواء معنى التوقيت المحدد للشفرة الوراثية أو الوقت 
النسبي للذاكرة الفردية. إذا كانت الذات امتجسدة للطاقة الحيوية عبارة عن كائن 
جزيئي معقد» مصنع للكيمياء الحيوية يحتوي على جينات ثابتة ومتغيرةء وكيان 
تطوري له آدواته ال ملاحية الخاصة وفترة زمنية مدمجة. فإننا بحاجة إلى شكل من 
القيم الأخلاقية ووكالة سياسية تعكس هذه الدرجة العالية من التعقيد الزمني. ما 
أعنيه هو آنه من خلال تبني رؤية مختلفة للذات ومعها فكرة جديدة عن التفاعل 
بين الطبيعة والتقافةء قد تتمكن النظرية النقدية من تجاوز المفاهيم الحداثية 
والاختزالية نوعا ما عن اللاإنساني. 

خامساء وأخيراء لا هكن فصل هذا النهج الأخلاقي عن اعتبارات السلطة. إن 
الرؤية المتمحورة حول زوي لذات ما بعد الحداثة امممكنة تكنولوجيا أو ذات 


157 


ما رعد الإنسان 


الرأسمالية ام متقدمة محفوفة بالتناقضات الداخلية. تمثلها مهمة الرسم للنظرية 
النقدية» وجزء لا يتجزاً من هذا المشروع هو مراعاة الآثار المترتبة على الرؤية 
الموضوعية تاريخيا للذات (2002 ,اهل نهإ8). إن للمساواة امتمحورة حول زوي 
والتي تنقلها التحولات التكنولوجية الحالية عواقب وخيمة على الرؤية الإنسانية 
للذات. بعبارة أخرىء تؤدي قوة زوي إلى إزاحة جاذبية الرأسمالية الممتقدمة 
الاستغلالية والمحددة بسلطة الموت. تتعطل كل من الفردية الليبرالية والحركة 
الإنسانية الكلاسيكية في أسسها بسبب التحولات الاجتماعية والرمزية التي تحدثها 
حالتنا التاريخية. بعيدا عن كونها مجرد أزمة ف القيم» فإن هذا الموقف يواجهنا 
مجموعة هائلة من الفرص الجديدة. إنها تتلاقى» من خلال مسارات مختلفةء نحو 
إعادة تكوين فهمنا المشترك للإنسان كنوع. أحدها هو الرابط السلبي لضعف عموم 
البشر الذي حللته في الفصل السابق: معنى أننا جميعا في هذه الفوضى معاء بغض 
النظر عن كل الاختلافات الأخرى. هناك طريقة أخرى أقرب إلى قلبي» وهي البدء 
من تلك الاختلافات ف امموقع» ومن خلال حسابها من حيث القوة باعتبارها مقيدة 
ومثمرة في الوقت نفسه (ءهاءعاهم وهنمهم)» لتجريب أوضاع مختلفة من ذاتية 
ما بعد الإنسان. لقد جادلت بأنه» كرد محتمل على هذا التحدي» ينبخي لنا أن ننظر 
في حيوية ما بعد الممركزية البشرية من منظور ما بعد إنساني» وقد عرفت نظرية ما 
بعد الإنسان وفقا لذلك. 

يدعم هذه القناعة موقعي التاريخي والسياسي الجغراف» الذي يجعلني على 
دراية بالمصادفة الفصامية للتأثرات الاجتماعية المتعارضة تماما: قدرة الاستهلاك 
المفرط واستنفاد احتياطيات العام من التنوع البيولوجي قي البذور والحبوب 
والنباتات وإمدادات الممياه على التعايش ف الاقتصاد السياسي للاستغلال والاحتفال 
بالحياة نفسها. وباممثلء فإن وباء فقدان الشهية/ الشره المرضي من ناحيةء والجوع 
الناجم عن الفقر من ناحية أخرىء يعبران عن موجات تشنجية متمثلة في توسع 
وتقلص وزن الجسم في مجموعة الطبقات الفخمة من العام والتقليل والتدمير 
ا متعمد للعديد من الشعوب الأخرى» من خلال التدخل النشط أو الإهمال المطلق. 

تجتمع السلطة الحيوية وسلطة الموت لإعادة تحديد الذاتية امتجسدة في 
استمرارية ما بعد إنسانية تدعو إلى تشفير أخلاقي جديد. ومن ثم آنا أدرك أيضا 


158 


غير الإنساني: الحياة ما وراء المون 


أن حالة البشر المجسدين الذين يصبحون «أضرارا جانبية» في حروب التكنولوجيا 
الفائقة التي تضربهم من السماء ب «القنابل الذكية» التي تسقطها الطائرات من 
دون طيارء هي أقرب إلى حالة الحيوانات في حديقة سراييفو للحيوانات» والتي 
أطلق سراحها قسريا نتيجة لقصف حلف شمال الأطلسي )N410(‏ واضطرت 
للتجول في الشوارع - خائفة ومروعة للبشر حتى استسلمت لنيران صديقة - منها 
إلى تعريف اتفاقية جنيف ٤٥٣۷٤ 1٤10۸(‏ ه۷ع«ء6) ل «خسائر الحرب». أريد 
مواجهة سلطة المموت السياسية للرآسمالية الوراثية الحيوية والتفكير من داخل 
إدراك أن أسعار السوق للطيور الغريبة والحيوانات شبه المنقرضة هكن مقارنتهاء 
غالبا لحسن حظ الأنواع المنقولةء بأسعار الأجساد التي هكن التخلص منها من 
النساء والأطفال وغيرهم في تجارة وصناعة الجنس العاممية. فقول كونراد (كه۲٣ه٤)‏ 
ا مرعب «أبيدوا الوحوش!» لا يعرف حدودا بين الأنواع في يومنا هذا. هذا هو الوجه 
اللاإنساني مموقعي» ال «هنا» و«الآن» ما بعد الإنسانيين اللذين يؤطران النظرية 
النقدية ما بعد الإنسان كمسعى نشط لإيجاد بدائل مؤكدة. إنه أيضا الإطار الذي 
أريد أن أقترح فيه بديلا إبداعياء من خلال اممادية العلمانية وغير الماهوية والحيوية 
والنظرية الممؤكدة للموت ما بعد الإنساني باعتباره اللاإنساني المولد داخل الذات» 
الذي يجعلنا جميعا بشرا بتميز. 


159 


العلوم الإنسانية 
ما بعد الإنسان: 
الحياة ما وراء النظررة 


كيف لا تتأثر العلوم الإنسانية بحالة ما 
بعد الإنسان؟ إن خلع الحدود الاستطرادية 
والاختلافات الفئوية الذي هيجه انفجار الحركة 
الإنسانية والانهيار الداخلي للمركزية البشرية 
يسبب كسرا داخليا في العلوم الإنسانية لا هكن 
إصلاحه فقط عن طريق النوايا الحسنة. دعونا 
نقيّم الضرر على أساس التحليلات التي قدمتها 
في الفصول الثلاثة السابقة. 

ناقشت ف الفصل الأول تداعيات ما بعد 
الحركة الإنسانية. إن فكرة «الإنسان» الضمنية 
في العلوم الإنسانيةء أي الافتراضات الضمنية 


«نحتاج إلى الإبداع المغاهيمي والشجاعة حول ما يشكل الوحدة المرجعية الأساسية 
الفكرية لارتقي إلى مستوى هذه المناسبة 
حیث لا توجد عودة منها» للذات العارفة هي النموذج الفيتروق. إنها 


161 


ما رعد الإنسان 


صورة الإنسان بوصفه حيوانا عاقلا مسلحا لكة اللغة. شكك مناهضو الحركة 
الإنسانية على مدار الثلاثين عاما الماضية في تمثيل الذات وصورة الفكر المتضمنة 
في تعريف الحركة الإنسانية للإنسان» وخاصة أفكار العقل الإعلائي والاعتقاد أن 
الذات تتزامن مع الوعي العقلاني. هذه الصورة الشخصية المذهلة ل «الإنسان/ 
الرجل» هي مريبة بقدر ما هي غير متكاملة من حيث إنها تعزز موقفا متمحورا 
حول الذات. علاوة على ذلك» من خلال تنظيم الاختلافات على مقياس هرمي 
انحداري من حيث القيمة» عرفت هذه الذاث الإنسانية نفسَها ها استبعدته من 
تمثيلها لنفسها وها تضمنته في الوقت ذاته» وهو نهج غالبا ما يسوغ علاقة عدوانية 
وعنيفة ب «الآخرين» امصنفين جنسيا وعرقيا وكائنياء والذين صنفهم اختلافهم 
كقيمة منخفضة. علاوة على ذلك انتقدت الادعاءات بالكونية على أنها حصرية 
وذات مركزية ذكورية وأوروبية. إنها تدعم الأبديولوجيات الرجولية أو العنصرية 
أو العرقية الاستعلائية التي تحول الخصوصية الثقافية إلى كونية زائفةء والتصرف 
الطبيعي إلى أمر معياري. تحول صورة الفكر هذه ممارسة العلوم الإنسانيةء وبشكل 
خاص النظرية» إلى ممارسة للإقصاء الهرمي والهيمنة الثقافية. 

على مدار الثلاثين عاما الماضية» قدمت نظريات امعرفة النقدية الجديدة 
تعاريف بديلة ل«الإنسان» من خلال اختراع مجالات متعددة التخصصات 
تسمي نفسها «دراسات» مثل: الجندرة. والحركة النسويةء والدراسات الإثنية 
والدراسات الثقافية» ودراسات ما بعد الاستعمار» والإعلام ووسائل الإعلام 
الجديدة وحقوق الإنسان (2003 ,.اج .)8a٤ et‏ قي هذا الكتاب» قدمت 
النظرية النسوية باعتبارها نقطة مرجعية نظرية ومنهجية. وفقا لجيمس 
تشاندلر (2004 hande,‏ esمصم[)»‏ فإن هذا التكاثر ف الخطابات الممضادة 
يخلق حالة من «التمايز النقدي» الذي يعد أحد أعراض مأزق ما بعد الإنسان. 
يجادل تشاندلر بأنه منذ تشخيص فوكو امهم موت «الإنسان/ الرجل» 
واجهت الممؤسسة التقليدية للجامعة في هياكل الأقسام تحديا بسبب نمو هذه 
التخصصات الخطابية الجديدة. إن انتشار الخطابات هذا يشكل تهديدا وفرصة 
في آن واحد لأنه يتطلب ابتكارات منهجية» مثل النهج الجينالوجي النقدي الذي 
يتجاوز مجرد خطاب الأزمة. 


162 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


إن تداعيات ما بعد ال مركزية البشريةء والتي أشرت إليها في الفصل الثاني» تضع 
أجندة مختلفة للعلوم الإنسانيةء وليس فقط من حيث أولويات البحث. إن صورة 
الفكر المتضمنة في تعريف ما بعد اممركزية البشرية للإنسان تذهب إلى أبعد من 
ذلك بكثير في تفكيك الذات» لأنها تشدد على العلائقية الجذريةء أي الهويات غير 
الوحدوية والولاءات الممتعددة. ما أن هذا التحول يحدث في عامم معوم تسوده 
الصراعات» فإنه يفتح أمامنا تحديات جديدة فيما يتعلق بكل من منظور ما بعد 
العلمانية وما بعد القوميةء ما في ذلك البعد الأوروبي الجديد الذي يشتهر بتعدد 
اللغات والتنوع الثقافي". ما موقع العلوم الإنسانية باعتبارها مؤسسة علمية 
في ثقافة الشبكة العاممية هذه (2004 ,۷aه١ه۲إ1۴)‏ التي مم تعد تدعم وحدة 
الزمان واممكان كمبدئها الحاكم؟ في عصر علم المواطن وصحافة اممواطن» ما دور 
مؤسسات البحث الأكادهي؟ 

إن إزاحة المركزية البشرية والتسلسل الهرمي للأنواع تترك الإنسان غير مستقر 
وغير مدعوم» مما يحرم مجال العلوم الإنسانية من الأسس المعرفية التي هو بأشد 
الحاجة إليها. تتفاقم مسألة مستقبل العلوم الإنسانيةء وقضية تجديدها والتهديد 
المتكرر موت التخصصات» بعامل مركزي واحد: "الروابط البشرية - غير البشرية 
الجديدة. «من بينها واجهات معقدة تنطوي على مجموعات ميكانيكية من 
«الأدمغة» البيولوجية و«الأدوات» غير البيولوجية" (3 :2008 ,.اج اه .)80«0٥‏ لقد 
رأينا ف الفصل الثاني أن التمييز الثنا للطبيعة والثقافة قد انهار واستعيض عنه 
بأآنظمة معقدة من التغذية المرتجعة والتفاعل ونقل الاتصالات. يضع هذا مسألة 
العلاقة بين الثقافتين في قلب الأجندة مرة أخرى. وبنقيض من يتنبا باطموت ال محتوم 
أرى أن ما بعد ال مركزية البشرية المعززة تكنولوجيا هكن أن تجند موارد الشفرات 
الوراثية البيولوجية»ء وكذلك الاتصالات عن بعد والوسائط وتكنولوجيا المعلومات 
الجديدة. في مهمة تجديد العلوم الإنسانية. الذاتية ما بعد الإنسانية تعيد تشكيل 
هوية ال ممارسات الإنسانية» من خلال تأكيد التبعية والعلائقية متعددة الأوجهء بدلا 
من الاستقلالية والنقاء التخصصي الذي يرمز لنفسه. 

إن جوهر العلوم الإنسانية الذي يتسم مركزيته البشرية قد تشرد بسبب 
هذا التكوين اممعقد للمعرفة الذي تهيمن عليه الدراسات العلمية واممعلومات 


163 


ما رعد الإنسان 


التكنولوجيةء كما وضحت ف الفصلين الثاني والثالث. ومع ذلك وبعيدا عن كونه 
أزمة نهائيةء فإن هذا التحدي يفتح أبعادا عاممية وإيكوسوفية جديدة. هذا الحماس 
ما بعد الإنساني من جانبي» والذي لا يخلو تماما من التوقع المتلهف» ينبجع من 
خلفيتي النسوية وال مناهضة للحركة الإنسانية. فتنتج علاقة تنشيطية ولكنها نقدية 
بالنسبة إلى ام مجال اممعاصر للعلوم الإنسانية الكلاسيكية. في الحقيقة؛ إن هون ما 
هكن قوله لوصف المموقف هو أنه سيكون من اممفارقة لو انتهى اممطاف باممفكرين 
الناقدين» الذين دخلوا المؤسسات الأكادهية في أعقاب الثورة الثقافية في سبعينيات 
القرن الماضي بهدف واضح وهو تغييرها من الداخلء باستعادة التخصصات نفسها 
لإنقاذها من التدهور ال مؤسسي. كما أشرت ف الفصول السابقة» فإن الأمور ليست 
واضحة تماما عندما يتعلق الأمر بتطوير موقف ما بعد إنساني ثابت» وقد لا يكون 
التفكير الخطي هو أفضل طريقة لتنفيذ ذلك. يحلل سام وهستر المعضلة بوضوح 
:(Sam Whimster, 2006: 174)‏ 
إن العلوم الإنسانيةء التي هي احتفال وتوضيح تعبيري عن الحالة الإنسانية 

باعتبارها غير قابلة للاختزال لأي قاعدة ماديةء كانت في تراجع منذ أواخر 

القرن التاسع عشر مع ظهور الداروينية باعتبارها التحليل العلمي الصحيح 

لأصل جميع أنواع الحياة. لذلك يبدو أن علم الإنسان تلك القدرة على أن 

يكون غير إنساني أوء بدلا من ذلك» أن يكون إنسانيا ولكنه بالكاد علمي. 

ويذكرنا وهستر أيضا بأن الفلسفة الفرنسية قد نظرت في موضوع العلوم 
الإنسانية في مرحلة ما بعد اممركزية البشرية وحالة الإنسان في أعمال الفيلسوف 
جوليان لا متري الأصلية للعام 1748 (1996 .)Julien La Mettr¡e,‏ لقد کان 
يتبع الحركة الإنسانية المادية وفق التقاليد الأساسية للمادية الفرنسية اممستنيرة 
ويشكل سابقة حديثة مهمة من أرشيفات العلوم الإنسانية القدهة. إن نظرية لا 
متري الخاصة بالهيكل «الميكانيكي» أو ذاتي التنظيم للإنسان هي نظرية مهمة 
تفتح الدرب لوضعنا الحالي. 

تظهر اليوم جبهات الخطاب عبر التخصصات البيئية والتطورية والإدراكية 
والجينية البيولوجية حول حدود العلوم الإنسانية الكلاسيكية وعبر التخصصات. 
وتعتمد على منطلقات ما بعد المركزية البشرية والتركيز الممكن تكنولوجيا على 


164 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


الحياة كنظام محوره زوي في اممساواة بين الأنواع (2006 ,ناه فنها8)» والتي 
هي واعدة للغاية لإجراء بحوث جديدة في هذا ال مجال. رها يكون أهم مثال 
على المكانة الممتازة التي تتمتع بها العلوم الإنسانية في مرحلة ما بعد المركزية 
البشرية هو الانفجار الأخير للدراسات في مجال «الدراسات الحيوانية» له A,i‏ 
Studies‏ و«النقد البیئي» ٣1ء‏ ):۲ء‌هء8. يعد مجال دراسات الإعاقة سريع 
التغير رمزا مأزق ما بعد الإنسان. من منطلق إدراكنا بأننا لا نعرف حتى الآن ما 
الذي مكن أن يفعله الجسد. تجمع دراسات الإعاقة بين نقد النماذج الجسدية 
امعيارية والدعوة إلى ماذج إبداعية جديدة للتجسي ),oetsإGr Braidotti and‏ 
2). هذه الدراسات غنية وسريعة النمو لدرجة أنه من المستحيل حتى 
محاولة تلخيصها". أين هي دراسات العلوم الإنسانية في ظل هذه التطورات؟ 
أو بالأحرى: ما علاقة الإنسان بهذا الأفق اممتغير؟ وما الآثار ا مترتبة على مستقبل 
العلوم الإنسانية اليوم؟ يتبع اممفكر المعاصر للحيوية الجديدةء مثل إليزابيث 
غروز (۶2٥إ6 ٤٤1‏ طه۴11z).‏ هذا الخط من البحث بشكل واضح» من خلال تحليل 
تفكيكي لتشارلز داروين. تجادل غروز (2011) بأن النظرية التطورية قلصت من 
ذرائع الحركة الإنسانية وكانت مقدمة لأزمة «الاستثنائية» البشرية التي أصبحت 
الآن واضحة. فتدعو غروز بناء على ذلك إلى تطوير «علوم إنسانية غير إنسانية» 
والتي تتألف من الممساواة بين الأنواع» والتركيز على الاختلاف الجنسي المدون 
وراثياء وأولوية الانتقاء الجنسي» ونهج غير غائي في تطور الإنسان إلى جانب جميع 
الأنواع الأخرى. على الرغم من أنني أجد أن تركيز غروز على الأساس الجيني 
للتمايز الجنسي جامد للغاية بالنسبة إلى رؤيتي الرحالة والعانمة للذات» فإنني 
أوافق على نقطة واحدة مهمة. حيث تظهر فكرة «اممادة» في المقدمة كشيء 
حيوي وذاتي التنظيم» فإن العلوم الإنسانية بحاجة إلى أن تتحول نحو ما بعد 
الإنسان» أو أن تقبل أن اممعاناة أصبحت غير ذات أهمية بشكل متزايد. 

لا يتوقف الحد عند تلك التحديات طا بعد المركزية البشريةء فتأتي أخيرا 
وآخرا تداعيات الجوانب غير الإنسانية واللاإنسانية لحالتنا التاريخية التي 
ناقشتها في الفصل الثالث. وفقا مبادئ الحركة الإنسانية الكلاسيكية» عرفت 
العلوم الإنسانية من خلال قدرتها على إضفاء الطابع الإنساني على سلوكنا 


165 


ما رعد الإنسان 
الاجتماعي وقيمنا وتفاعلنا المدني. هذا يعني مهمة أخلاقية ضمنية واهتماما 
برفاهية الأكاد هيين والطلاب والممواطنين على حد سواء. ما الذي يحدث لهذا 
الادعاء في عصر من التحولات ما بعد الإنسانية وما بعد اممركزية البشرية من 
الهجرة الجماعية» والحرب ضد الإرهاب» والأسلحة الآلية واستخدام الدرونز في 
التزاعات الممكنة تكتولوجيا؟ 

تتمثل الاستجابة المؤسسية الواضحة للهياكل غير الإنسانية واللاإنسانية في 
عصرنا في إنشاء وتكاثر مجالات متعددة التخصصات من الدراسة والتي تتعامل 
مع كوارث التاريخ الحديث واممعاصر. تعد الدراسات الجندرية والدراسات النسوية 
ودراسات ما بعد الاستعمار منزلة نماذج أولية لهذه اممجالات التجريبية الجديدة 
والتي قدمت الكثير من حيث الأدوات واممفاهيم المبتكرة. وبشكل أكثر تحديد 
كان لا بد من إنشاء مجالات بحثية جديدة متعددة التخصصات للتعامل مع أهوال 
عصرنا: من دراسات الهولوكوست إلى الأبحاث حول العبودية والاستعمارء وصولا 
إلى الدراسات عن الذكريات الممؤممة للإبادة الجماعية التي حركتها أيديولوجيات 
متعددة. إن فكرة جي. إف. ليوتارد (differed) «فاlلتخالl» jىع ([. F 1y †ad(‏ 
(1983) - وهي آنه جرهة أو هفوة آخلاقية لا مکن آن يكون لها شكل مناسب من 
أشكال العدالةء ناهيك عن الجزاء أو التعويض - مهمة للتعامل مع حجم الكوارث 
في عصرنا. «الاختلاف» هو الاستجابة الأخلاقية ما هو لا يُطاق أو غير قابل للإصلاح» 
ولکن بالنظر إلى آن كثيرا من هذا الرعب لا يوصف» إلى آي مدى كن أن تدرسه 
العلوم الإنسانية؟ مجددء مارست نظريات الممعرفة الراديكالية. مثل الدراسات 
النسائية والجندرية والدراسات عن غير المؤطرين بهوية جندرية ١١٠ں‏ والنسوية 
من ناحية» ودراسات ما بعد الاستعمار والدراسات العرقية من ناحية أخرىء دورا 
مبتكرا في هذا الصدد. فهي توفر موضوعات وأساليب للتعامل مع الانفجار ال معرفي 
لهذه الأهوال والعمل من خلال عواقبها على دور النظرية النقدية. كما أنها تؤدي 
وظيفة شفائية فيما يتعلق بإرث الأم والأذى الذي تستتبعه. 

يستمر انتشار الحقول الخطابية الجديدة بعد نهاية الحرب الباردةء حيث 
انتشرت مراكز دراسات النزاعات وأبحاث السلام؛ الإدارة الإنسانية؛ الطب امموجه 
نحو حقوق الإنسان؛ دراسات الصدمة واطمصالحة؛ دراسات الموت؛ والقامة 


166 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


لاتزال تطول. هذه هياكل مؤسسية تجمع بين الرعاية الرعوية ءاه a1إ0)ئaم‏ 
والوظيفة العلاجية للتعامل مع الجوانب اللاإنسانية والممؤمة للأهوال التاريخية. 
إنها تديم وتحدث الأثر التحوياي للعلوم الإنسانية في سياق لاإنساني لكنها تفعل 
ذلك عن طريق تفجير حدود تخصصات العلوم الإنسانية الكلاسيكية. 

كنتيجة لهذه التأثيرات متعددة النتائج. فإن مسألة ما يحدث للعلوم الإنسانية 
عندما لا هكن اعتبار افتراضاتها الضمنية عن الإنسان وعملية إضفاء الطابع الإنساني 
أمرا مفروغا منه» تتصدر الأجندة الاجتماعية والأكادهية. إلى جانب النقد الذي عبر 
عنه الباحثون في قضايا ما بعد الإنسان» هناك فروع مختلفة من الحركة الإنسانية 
الجديدة والتي تعمل من داخل العلوم الإنسانيةء كما ج في الفصول السابقة. 
فعلى سبيل الممثال» إذا أخذنا وضع النظرية النسوية والعرقية كنقطة مرجعية رئيسة 
فإن الإرث الدائم للحركة الإنسانية الاشتراكية لسيمون دي بوفوار يؤدي دورا رئيسا 
في جلب الحركة الإنسانية التقدمية إلى الألفية الثالثة. اقترح أيضا علماء إنسانيون 
نسويون آخرون بدائل قوية لأزمة القيم - مثل النموذج الكانتي الجديد لسيلا 
بن حبيب (2002 iطهط,ء8‏ هارءS)»‏ اممقتبس من فلسفة هابرماس» وإعادة 
تقييمها لحنة أرنت (1996). إن الأشكال الممتبقية من الحركة الإنسانية الجديدة 
التي تحددها الافتراضات والتقاليد والقيم التقافية غير الغربيةء تأي من خلال نظرية 
ما بعد الاستعمارء كما رأينا في الفصل الأول )2004 „(Hill Collins, 1991; Said,‏ 
تعتمد دراسات العلوم المعاصرة على الحركة الإنسانية التعويضية على حد سواء 
لدراسة الأنواع الأخرى (2009 ,2006 ,1996 1ةة۷۷ )4١‏ والتحليل السياسي للقضايا 
البيئية (1997 ,ه¡ط؟). 

مارڻا نوسباوم» الداعية الأكثر صخبا للرؤية الإنسانية الليبرالية للعلوم 
الإنسانية المعاصرة التي تطرقنا إليها في الفصل الأول ترفض بشدة أي نقد أو 
تفكيك لهذا اممجال وتحول الحركة الإنسانية الكلاسيكية إلى مشروع مستقبل 
مثالي (1999, 2006, 2010). يبرز في هذا السياق «ليس من أجل الربح» NN0(‏ 
rf‏ إهf)»‏ دفاع نوسباوم اممتحمس عن العلوم الإنسانية الكلاسيكية» باعتباره 
نداء نبيلا ولكنه أيضا غير واقعي في الوقت الراهن. رؤية كلية العلوم الإنسانية 
كملاذ للتعليم الليبرالي» بناء على الفكرة الكانتية المتمثلة في استقلالية الحكم 


167 


ما رعد الإنسان 


العقلاني وا معايير الأخلاقية والجمالية ا محددة التي تصاحبهاء عفى عليها الزمن 
على أقل تقدير. علاوة على ذلك» بسبب هيكلها الممول من القطاع الخاص» فإنها 
لا تنطبق حتى على نموذج التعليم الحكومي ف الاتحاد الأوروبي. على المستوى 
العملي» إنها تفشل في معرفة إلى آي مدى تتوجه كليات العلوم الإنسانية في 
الواقع نحو الربح وتدر كثيرا من الأموال لجامعاتهاء معظمها من خلال إقبال 
الطلاب الشديد على الالتحاق والتعليم المكثف. 

علاوة على ذلك» على الجبهة التاريخيةء توقفت الجامعة عن الامتثال لهذه 
الرؤية الفلسفية» في الولايات المتحدة ف امقام الأول» وكذلك في بقية العام» في 
فترة الحرب الباردة. دت اممخاوف المتعلقة بالأمن القومي والصراعات الجغرافية 
السياسية والهيبة الدولية إلى تقريب الجامعة من الجيش ومن ثم إلى سيطرة 
الحكومة» كما رأينا في الفصل الثالث. بعد الاضطرابات الثقافية في الستينيات من 
القرن الماضي» فقدت الجامعة وظيفتها المهيمنة باعتبارها مرجعا قياسيا للثقافة 
الوطنية وبصفتها صاحبة احتكار الأبحاث الأساسية التي انتقلت إلى القطاع 
الخاص أو إلى المؤسسات اممشتركة. بحلول الوقت الذي كتبت فيه نوسباوم كتيبها 
ممصلحة التعليم الليبرالي» أصبحت الجامعة مدمجة بالفعل في اقتصاد السوق 
باعتبارها هیکلا مؤسساتیا مهماء لکنه لیس فریدا من نوعه (1996 ,ئچہنله‌۸). 

لذلك» بدلا من الالتفات إلى الوراء بحنين نحو رؤية العلوم الإنسانية بوصفها 
مستودعا ومنفذا للعقل الإعلا الكوني والصلاح الأخلاقي اممتأصل» أقترح المضي 
قدما نحو أنماط مستقبل ما بعد إنسانية. نحتاج إلى جهد نشط لإعادة اختراع 
ا لمجال الأكادهي للعلوم الإنسانية في سياق عاممي جديد وتطوير إطار أخلاقي 
تستحقه الأوقات ما بعد الإنسانية التي نحن فيها. إن الإيجابيةء وليس الحنين 
إلى الماضي» هو الطريق الذي يجب انتهاجه: ليس تمجيد الخطاب الفلسفي» بل 
المهمة الأكثر واقعية واممتمثلة ف التحول الذاق من خلال التجريب الممتواضع. 
دعوني أسهب قي هذا المشروع قي القسم التالي. 


الأماط المؤسسية للتنافر 
تتفاقم أزمات التعريف الذاتي والتصور العام للعلوم الإنسانيةء منذ نهاية 


168 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


سبعينيات القرن الماضي» إلى نقاش مؤسسي تؤطره عوامل سياسية واضحة. ها 
هي دراسة أمريكية حديثة تقيّم الوضع بوضوح: 
بالإضافة إلى تراجع التمويل الفدرالي» وتقلص سوق العملء والضغوط 
الجديدة للعوممةء فإن أبرز التحديات الداخلية التي تواجه العلوم الإنسانية قد 
نشأت من هيمنة العلم التكنولوجي» ومن تأثير ثورة «الإعلام الجديد» ومن 
بروز ثقافات الخبراء من ناحية» ومن ناحية أخرى نشأت تلك التحديات من 
الانتشار الدهوقراطي غير المسبوق ممجالات جديدة متعددة التخصصات» مثل 
الدراسات الجندرية والإثنية والإعاقة والدراسات الأمريكية-الأفريقيةء فضلا 
على دراسات الثقافات غير الأوروبيةء الأمر الذي يضع الدراسات المرجعية 
والمهمة «اطمشتركة» للعلوم الإنسانية موضع تساؤل (2 :2008 ,. ج ¢ .)B0«0‏ 
بذلك تطورت الأزمة المؤسسية إلى ما هو أبعد من قضايا التمثيل الذاق» 
لتشكك ف النموذج السائد مما يشكل المعرفة العلمية للعلوم الإنسانية ا معاصرة 
داخل هيكل جامعي في حالة تغير مستمر. 
خلال التسعينيات التي مزقتها النزاعات» اندلعت «حروب العلوم» - والتي 
تعرف أيضا باسم حروب «النظرية» أو «الثقافة» - في أحرام الجامعات الأمريكية 
.)Arthur and Shapiro, 1995(‏ جوھر الخلاف على وجه التحدید کان مسألة 
الاختلافات في الأماط بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. استهدفت الفلسفة 
الفرنسية القاريةء وخصوصا ما بعد البنيويةء بعداء خاص» من مبدآً امسؤولية 
العامة المتمثلة في «الصواب السياسي» (1995 ,”0و[N Berube and‏ اتهم 
العلماء المناهضون طا بعد البنيوية» مثل سوكال وبريكمونت (لصه ]a1ءه؟‏ 
8 ,اBricmon).‏ العلوم الإنسانية بالقصور العلمي والجهل الكاملء» مما 
ترتبت عليه آثار كارثية في معنويات المفكرين في هذا الحقل. 
وقد شجعوا رد الفعل المألوف حاليا المتمثل في صرف النظر عن العلوم 
الإنسانية عن طريق ذلك الاتهام الكسول فكريا بأنها ذات نسبية أخلاقية 
ومعرفية. كانت هذه بالتأكيد أدنى نقطة ق العلاقة المعاصرة بين الثقافتين. 
ومع ذلك» ضد هذه التبسيطات الممبتذلةء أؤكد آنه من المهم أن نعترف 
بالإسهام امثمر الذي قدمته ما بعد البنيوية والنظريات النقدية الأخرى لتجديد 


169 


ما رعد الإنسان 


مجال العلوم الإنسانية. جادل فوكو في السبعينيات من القرن الماضي بأن العلوم 
الإنسانية» كما عرفناهاء مبنية غلن ف ضمنية من الافتراضات الإنسانية 
حول «الإنسان»» والتي آطرت تاريخيا وعُرّفت سياقياء على الرغم من ذرائعها 
الكونية. باعتباره «ثنائية تجريبية - إعلائية»» فإن الإنسان مؤطر ببنية الحياة 
والعمل واللغة» كعمل مستمر. هذا ليس بيانا للنسبيةء بل بالأحرى» كما يقول 
رابينو (114 :2003)» دعوة إلى «تجديد تعقيد الأنأروبوس». 

الظروف الممتغيرة لتاريخنا هي المسؤولة عن تراجع «إنسان/رجل» الحركة 
الإنسانية. فإلقاء اللوم على ما بعد البنيوية كمسؤول عن ذلك هو هنزلة لوم 
الرسول على الرسالة. وفق تعبير فوكو (1970)» فإن هذا «المموت» ليس شكلا 
من أشكال الانقراض» بل هو وضع تاريخي محدد من القدرة على التحمل من 
جانب «الإنسان/الرجل السابق» بعد الهجرة الأنثروبولوجية التي درسناها 
في الفصل الثاني. لقد استنكرت غاياتري سبيفاك )1987 «(Gayatri Spivak,‏ 
ببصيرتها وذكائها امعروفين» هذا «الموت» على آنه تسوية مؤقتة ضعيفةء وإن 
كانت مهيمنةء لإنسان/رجل ما بعد اممركزية الأوروبية السابق. وحيث إن النظرية 
النقدية بدأت تتصالح مع الوفيات التي لا نهاية لها منذ ذلك الحينء والتي تتراوح 
بين موت الإنسان إلى موت الكوني والدولة القوميةء إلى نهاية التاريخ والأيديولوجيا 
وصولا إلى اختفاء الكتاب المطبوع» فإن هذا شهادة على حدس سبيفاك. 

ظهر التجسيم البنيوي والقومية ال منهجية المعمرة كالخللين الأساسيين في قلب 
العلوم الإنسانية (2007 ,kء86)»‏ كما أشار زمياي وخصمي من مجال العلوم 
الطبيعية في المشهد القصير الرابع الذي نقلته في المقدمة. يؤدي الأول إلى عداء 
مستمر تجاه ثقافة العلوم والتكنولوجيا وممارستها ووجودها ا مؤسيء» أو عدم 
توافق حقيقي معها. أما الثاني فيتحدى قدرة العلوم الإنسانية على التعامل مع 
اثنتين من السمات اممميزة لعصرنا: أولها التصاعد العلمي لعلوم الحياة والتواصل 
التكنولوجي ونقل امعرفة» وثانيها الحاجة إلى مراعاة التنوع الثقافي» لا سيما بين 
المناطق السياسية الجغرافية اممختلفةء بل أيضا داخل كل منها. 

هذا النقد يؤم» خصوصا في ضوء السياق السياسي. تهيمن على الاتحاد 
الأوروبي في الوقت الحالي أجندة هينية للاقتصاديات الليبرالية الجديدة من 


170 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 
ناحية» وأجندات اجتماعية وثقافية معادية للأجانب من ناحية أخرى. نتيجة 
لذلك. فالجامعة بوصفها مؤسسة» والعلوم الإنسانية بشكل خاص» تتعرض 
للهجوم. إنها متهمة بأنها غير منتجة» نرجسية وعتيقة في نهجها وأنها غير 
متواصلة مع ثقافة العلوم والتكنولوجيا ا معاصرة. لذلك تعاني العلوم الإنسانية 
مباشرة من أزمة «الإنسان» التي صورت بواسطة الفلسفات الراديكالية للغاية 
مثل الدراسات ما بعد البنيوية والدراسات النسوية وما بعد الاستعماريةء والتي 
كانت مهمشة ف الأوساط اممؤسسية الجامعية. غالبا ما تجد العلوم الإنسانية 
نفسها في موقف دفاعي. 
إن موضوع القومية ال منهجية مهم جدا من حيث إنه مضمن ف التمثيل الذاقي 
للعلوم الإنسانية الأوروبية. ذكرنا إدوارد سعيد بأن الحركة الإنسانية يجب أن 
تتخلى عن مركزيتها الأوروبية المغرورة وأن تصبح مغامرة ف الاختلاف والتقاليد 
الثقافية البديلة. يتطلب هذا التحول في المنظورات رفع وعي مسبق من جانب 
باحثي العلوم الإنسانية: «يجب على باحثي الحركة الإنسانية أن يدركوا بشيء 
من القلق أن سياسات الهوية والنظام التعليمي القائم على سس قومية يبقى 
في صلب ما يفعله معظمنا ف الواقع» على الرغم من الحدود ومواضيع البحث 
ا متغيرة» (55 :2004 ,814). سنرى لاحقا كيف يعتمد الهيكل المؤسسي ال متغير 
للجامعة ال معاصرة على تراجع الدولة القومية كأفق للبحث ولديه القدرة على 
المساهمة ف منظور ما بعد الوطنية. 
رجوعا إلى النقطة الرئيسة في نقاشي الحالي: أؤيد تام التأييد الدعوة إلى 
تحول معرفي في العلوم الإنسانية» وذلك لتمكينها من توضيح عمليات إنتاج 
المعرفة الخاصة بهاء ومن ثم لتصبح آكثر استعدادا للمساعدة في توضيح تلك 
العمليات لدى الآخرين. ومع ذلك» هناك بعض الصعوبات الخطيرة لهذا 
المشروع الجدير. الأول هو الافتقار إلى تقليد التأمل الذاتق الممعرق قي هذا 
امجال. يرتبط بهذا الأمر الإصرار المؤسف على تثقافة منطوية متمتثلة ف العزلة 
التخصصية» ومركزية أوروبية وبشرية غير مدروسة. القليل من هذه العادات 
ا مؤسساتية في العلوم الإنسانية تساعد حقا في التدقيق الذاق المعرف. كما أن 
ا لمجال غير قادر نوعا ما على مقاومة الجاذبية اممميتة للتراجع نحو الحركة 


171 


ما رعد الإنسان 


الإنسانية. تحتاج العلوم الإنسانية إلى طفرة جدية لتساعدها على الابتعاد عن 
بعض عاداتها السيئة الراسخة. يتطلب هذا عددا من وجهات النظر الجديدة 
لكن علاوة على هذه المعايير الرسمية» أعتقد أن العلوم الإنسانية تحتاج إلى 
إيجاد الشجاعة الملهمة لتجاوز الاهتمام الحصري بالإنسان» سواء كان إنسان 
الحركة الإنسانيةء أو إنسان اممركزية البشريةء وإلى احتضان مزيد من التحديات 
الفكرية الكوكبية. 


العلوم الإنسانية في القرن الحادي والعشرين 

لقد ناقشت ف القسم السابق أن أزمة هوية العلوم الإنسانية المعاصرة ترتبط 
مستويات عالية من الوساطة التكنولوجية والبنية متعددة الثقافات في العام اممعوم. 
يضع هذا مسألة العلاقة بين الثقافتين - العلوم الإنسانية والعلوم - في قلب النقاش. 

في تقييم نقدي للوضع امعاصر يدافع روبرتس وماکینزي (۸4ه R۲)‏ 
)Mac) e٣21 6‏ عن مجموعة متنوعة من البدائل ا مؤسسية القوية والبناءة للعلاقة 
المتوترة وا موسومة بالنزاعات بين العلوم الإنسانية والعلوم في الألفية الثالثة. تهدف إحدى 
الاستراتيجيات الممفيدة إلى تحديد نقاط التوافق بين الثقافتين» وتشير إلى الدور الذي 
يؤديه التمثيل الثقافي والصور والأجهزة الأدبية - وكلها مستمدة من العلوم «الرقيقة» 
Sciences‏ eاSubt‏ (وهو مصطلاح أفضله بشكل كبير على مصطلح العلوم «الناعمة» 
0f Sciences‏ الاحتقاري) - في صنع العلوم المشهورة. على سبيل الممثالء كانت دراسة 
غيليان بير (1983 8٤٠۴‏ ۸ه1ا6) عن السرديات التطورية رائدة بشكل إيجابي للغاية في 
هذا الصدد» وتوبعت براعة من خلال الدراسات الداروينية الأدبية (2004 ,ا1اهإءه١).‏ 
تعمل إبفیلین فوکس کيلر )2002 ,1995 ê (Evelyn Fox Keller,‏ إطار الثقافة العلمية 
وهي رائدة من نوع مختلف» حيث تنتج سلسلة من النصوص الرئيسة لتوضيح الطبيعة 
التكميلية ممعارف العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية. تعتبر الدراسات عن حياة باربارا 
مكلينتوك )Barbara McClintock)‏ وعملا (1983 ,ءeاKe1)‏ وثيقة الصلة بشكل خاص 
من حيث إنها توضح التواصل بين الرؤى الثقافية وال موارد الروحية والعلوم التجريبية. 

كما يركز نهج آخر من دراسة العلاقة بين هاتين الثقافتين على وظيفة التصور 
في العلوم. اضطلع ستيفن جاي غولد وروزاموند بورسJ Stephen Jay Gould)‏ 


172 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


)and Rosamond Purcell, 2000‏ بدور رائد ق الحوار بين الفن والعلوم من خلال 
تفاعل متطور بين الصور وام معلومات العلمية. وصل هذا التقليد إلى آفاق جديدة 
من خلال العمل متعدد التخصصات الذي يصور العلوم والفنون بالتعاون بين كاري 
جونز وبیتر غالیسون (1998 .)Carrie Jones and Peter Galis0",‏ الحقل کبیر 
ومملوء باممواهب التي تتراوح من التحليل السياسي للنظرة العلمية (;1985 ,إم][ءK۸‏ 
)Jordan ova, 1989; Braidotti, 1994‏ إلى التاريخ الثقافي للتصوير الفوتوغراف 
ووسائل الإعلام الجديدة (2009 ,ه)ئمنار2 ;1998 ,رإس1). تعد الدراسات الشاملة 
للفنون المرئية المتعلقة بالعلوم الفيزيائية والبيولوجية مهمة للغاية أيضاء كما أثبتت 
باربارا ستافورد براع )2007 ,1999 .(Barbara Stafford,‏ 

أدت الأنثروبولوجيا دورا ملهما في دراسة العلوم» بدءا من الرواد في هذا المجال 
مثل مارلین ستراثیرن (1992 ٤۲۸,‏ ط٤5۲‏ مرانہة1) إلى طرح بول رابينو الفوکولدي 
عن علوم «الحياة» (2003) وربط رينا راب للعناصر السياسية وا معرفية في تحليل 
التقنيات الحيوية (2000 ,ططهR۸‏ ۵٣ره۸).‏ تمتد تحليلات هنرييتا مور لتشكيلات 
الذات على مدى عقود ما بعد البنيوية لتوفير رؤى أكثر تناسقا حول تشابكات 
الأجساد» والطبيعة النفسية»ء والثقافات والتكنولوجيات (1994» 2007ء 2011). 

إن نظرية ا معرفة النسوية والدراسات الاجتماعية للعلوم ضع النظرية النسوية 
باعتبارها الحلقة ال مفقودة بين الدراسات العلمية والذاتية السياسية ال معرفية مع 
رواد فکریین مٿل دونا ھاراواي (1988(« وساiدرI‏ lرiıخ Sandra Farding,)‏ 
3 ,1991)» وإیزابیل ستینغرز (2000 ,1987 ,ersچ¬Ste »)1sabe11e‏ ولیزا 
کارترايٽ (2001 Cartwrigh†,‏ isaا)»‏ ومیت بریلد ونıينا‏ ليك Mette Bry1d and)‏ 
199 ,ykkeا »)Nina‏ وآنماري مول (2000 .)Annemarie M01,‏ آثہتت الدراسات 
الاجتماعية للعلوم آیضا آنها مبتكرة جداء كما يتضح من عمل فریزر ورفاقها (۴۲ی۴۲۵ 
6 ,.1ه »)٠٤‏ وتحليلات مورين ماكنيل السياسية الطمذهلة للتكنولوجيا Mau ree”(‏ 
7 ,اMcNi()‏ وعمل سارة فرانكلين الرائد عن النعجة دوللي Sarah Franklin,)‏ 
7.. كما أن الدراسات الثقافية للعلم كانت مهمة» كما في تحليل جاي ستيسي 
)Jackie Stacey)‏ الرائع للثقافات الاجتماعية والعلاجية للسرطان (1997) والحياة 
السينمائية للوراثة (2010). 


173 


ما رعد الإنسان 


أنتج مجال الدراسات الإعلامية قدرا هائلا من البحوث عالية الجودة حول العلوم 
والتكنولوجياء كما تشهد بذلك أعمال جوناثان كراري )2001 (Jonathan Cary,‏ 
وسلسلة «زون بوكس» (ء)هه8 20«0)» التي جلبت النظرية الفرنسية وفلسفة 
العلوم إلى الجماهير الأمريكية الكبيرة. تحليلات خوسيه فان ديك للثقافة الرقمية 
هي بداية جديدة (2007)؛ فتح سميليك وليك (2008 )Smelik and Lykke,‏ اممجال 
مام مجموعة متنوعة من التدخلات الجديدة ف الهياكل متعددة التخصصات للعلوم 
امعاصرة وجوانبها الثقافية والاجتماعية المضمنة. 

لذلك نواجه نوعا من الإحراج من الثروات في خطابات جديدة حول العلاقة 
الحالية بين العلوم والعلوم الإنسانيةء ويؤسفني آنني لا أستطيع متابعة تحليل أكثر 
تفصيلا للمجالات التي حددتها. 

أما الآن» وبالإضافة إلى الإشادة مدى ونوعية هذه المجالات الجديدة من 
الدراسات» أود أن أستخلص العديد من الأفكار. أولاء أن مثل هذا الكم الهائل من 
الدراسة المبتكرة متعددة التخصصات ف العلوم الإنسانية وحولها لهو تعبير عن 
حيوية هذا المجال» وليس عن أزمته. ثانياء يجرى الكثير من هذه الأبحاث الجديدة 
في تلك اممجالات التجريبية متعددة التخصصات من «الدراسات» التي أبرزتها عبر 
هذا الكتاب باعتباره مصدرا رئيسا للإلهام. ثالثاء أنها ترتكز على أسس معرفية ومن 
ثم فهي تمكن العلوم الإنسانية ال معاصرة من توضيح طرقها وآليات إنتاج المعرفة 
الخاصة بها. ومع ذلك فإن الطبيعة متعددة التخصصات لهذه اممجالات البحثية 
الجديدة لا تسهل مهمة توفير توليف جديد لهذا اممجال. هذه الثروة من اممناهج 
تعيد فتح السؤال القديم للهوية العامة للعلوم الإنسانية كتخصص. 

تعليقا على هذا الافتقار إلى الوحدة ق ام ممارسة الاستطرادية للعلوم الإنسانية 
یصرح رابینو (4 :2003): 

مم توصل إلى إجماع على الإطلاق حول المبادئ والطرق وأساليب تحديد 

المشكلةء أو [...] مبادئ التحقق» أو حول شكال السرد ف العلوم الإنسانية. 

ومع ذلك» من امهم التأكيد أن هذا الخلل في الوحدة يشير إلى الوفرة وليس 
النقص. نتيجة لذلك: «الأنثروبوس هو ذلك الكائن الذي يعاني عددا كبيرا جدا 
من الخطابات» (2003: 6). هذا صحيح بشكل خاص في سياق التطورات العلمية 


174 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


والتكنولوجية المعاصرة والتي أسهمت في مزيد من الخطابات غير اممتجانسة. إن 
عدم تجانسها يجعلها غير قادرة على توفير نظرية شاملة للتمثيل الذاتي التكنولوجي. 
إنها بذلك تدفع إلى حد أبعد بتفكك الوحدة الاستطرادية للأنثروبوسء والتي أثبتت 
آنها مبدعة للغاية في التكيف مع هذه الوفرة العلمية. رها يكون للعلوم الإنسانية 
علاقة مختلفة مع التعقيد عن العلوم الطبيعية وعلوم الحياة. 

تقر لورین داستون (2004 ,01ئ2 e«نهإإ0[)‏ بنطاق وجودة هذه امموارد 
والتخصصات السابقة. كما تؤكد أهمية الثقافة والتفسير في صنع العلم. تظهر 
داستون أن أطر التأويل ليست فقط جزءا لا يتجزاً من جميع أنواع التخصصات 
القريبة من العلوم الإنسانية - ولا سيما العلوم الاجتماعية والقانون وعلوم الحياة 
- ولكنها تؤدي أيضا دورا رئيسا في المجتمع ككل» وهي حاضرة في جميع عمليات 
اتخاذ القرارات. لذلك تشجع داستون مفكري العلوم الإنسانية على بذل جهد آكبر 
لشرح كيفية معرفتنا مما نعرفه للعامم الخارجي. وبحجة أن الدراسات في نظرية 
المعرفة وفلسفة العلوم مائلة ممصلحة العلوم الطبيعيةء فإنها تدعو إلى تقديم 
سلسلة من ممارسات اممعرفة من قبل باحثي العلوم الإنسانية. سيؤدي ذلك إلى 
توضيح ما يعتبر «اكتشافا» علميا أو مجرد «وصول» للعلوم الإنسانيةء مع الانتباه 
إلى العملية والتطبيق العماي» بدلا من التركيز الحصري على مواضيع اطمعرفة. 

على الرغم من أن هذا مهم وضروري للغايةء أعتقد أن طبيعة جمع البيانات في 
العلوم الإنسانية تتعارض مع أساليب العلوم الطبيعية أو علوم «الحياة» من حيث 
إنها تستند إلى التجربة المعيشية وتميل إلى التعقيد. لا إلى القياس الكمي. علاوة على 
ذلك» يجب أخذ عوامل أخرى في السياق الأورو بعين الاعتبارء كالهيكل متعدد 
اللغات للبحث والفكر في العلوم الإنسانية على سبيل اممثال. وهذا يعني أن الممارسة 
البحثية تختلف اختلافا كبيرا ليس فقط من حيث الممواقع الجغرافيةء بل امواقع 
الزمنية أيضا في جميع أنحاء أوروبا وخارجها. هل من العدل إذن أن نطلب من هذا 
ا لمجال الغني وامتمايز داخليا أن يتوافق مع نموذج بحثي مختلف؟ 

على الرغم من أن الدعوات إلى العلوم الإنسانية لتطوير بعض مهارات «الإمام 
الحيوي» ومهارات الإنترنت اممعرفية بدأت تزدادء فإن المقاومة لاتزال كبيرةء في العلوم 
الإنسانية وف ا مجتمع العلمي الأوسع أيضا. فق غضون ذلك تستبدل فهارس الاقتباس 


175 


ما رعد الإنسان 


القدهة بعمليات بحث «غوغل» كما أن ال محاولات التي لا نهاية لها لتطوير نظام 
رقمي يناسب ثقافة البحث في العلوم الإنسانية أصبحت أكثر إلحاحاء ولكنها أيضا 
أكثر إشكالية من أي وقت مضى. َؤْسّس علاقة جديدة بين الفنون والعلوم حالياء 
ولكن السؤال هو ما إذا كانت العلوم الإنسانية - التي لديها كثير لتقدمه - يحق لها 
على الإطلاق وضع قواعد هذه اللعبة اممؤسسية الجديدة آو ما إذا كان يطلب منها 
فقط أن تتوافق مع القواعد التي مم تصمم مع مراعاة مصالحها الخاصة. 

الحلقات المفقودة لهذا الحوار متعددة وتتصادم بشأن تعريف ما بعد الإنسان. 
إا کا فمن غلمام عا بد الأسان عا بد اة اليشرة (ولا واا فة 
وغیر وحدویین) نريد أن نحدث صدى في كلا المجتمعين العلميينء فإننا بحاجة إلى 
الإصرار على ثقافة الاحترام ا متبادل. تحتاج الدراسات الثقافية والاجتماعية للعلوم 
إلى معالجة مقاومتها لنظريات الذات» في حين تنصح فلسفات الذات» من ناحية 
أخرىء» بأن تواجه انعدام ثقتها وسوء إدراكها للعلوم البيولوجية. يستدعي زمن ما 
بعد الإنسان علوما إنسانية ما بعد الإنسان. 

يتضمن هذا النقاش مسألة وضع النظرية. ردا على النقاش الحالي حول 
الثقافتين» يرحب بيتر غاليسون (2004) بنهاية الخطاب النظري الكبير المنهجيء 
ويكرر رؤية ليوتارد بشأن تراجع السرديات الرئيسة ليدعو إلى «نظرية محددة». 
هذا يعني وجود موقف بين الذرائع الكونية للوقوف خارج الممكان والزمان من 
جهة» وتجريبية محدودة من جهة أخرى. النظرية المحددة هي نظرية ثابتة 
ومسؤولة» ولكنها قابلة للمشاركة ومن ثم فهي مفتوحة للتطبيقات العامة. يقدم 
هذا النهج كلا من الممزايا المعرفية والأخلاقية التي هكن استخدامها على الفور 
بشكل جيد. على سبيل اممثال» أعتقد أن واحدة من آكثر استراتيجيات العلوم 
الإنسانية امعاصرة فعالية هي ف الواقع التنظير الذي يتمعن طريق العلم ومعه. 
يستند هذا الاختيار امنهجي والاستراتيجي إلى نظرة ما بعد البنيوية بشأن التوازي 
بين جميع الممارسات الخطابية والنصية. فاممساواة النصية التي استحدثتها 
«امنعطفات» السيميائية واللغوية في سبعينيات القرن الماضي - والتي صدمت 
وأثارت غضب العلماء المحافظين منذ ذلك الحين - مهدت الطريق لإجراء حوارات 
وتدخلات جديدة بين العلوم «الرقيقة» و«الصلبة». 


176 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


طورت نظرية علمية جديدة وفقا لذلك# والتي أشرت إليها باعتبارها «واقعية 
امادة» istاrea-atterص‏ (ف الفصل التاني). يجمع «واقعيو اممادة» بين تراث مناهضة 
الحركة الإنسانية في مرحلة ما بعد البنيوية ورفض اممعارضة الكلاسيكية «اممادية/ اممثالية» 
للتحرك نحو «الحياة» كعلامة غير ماهوية للحيوية المعاصرة وكنظام معقد. يجب على 
العلوم الإنسانية أن تتكيف مع هيكل المادية المتغي ولا سيما حقيقة آنه يستند إلى 
مفهوم جديد للمادة ويعتبر مؤثرا وذاتي الخلق أو ذاتي التنظيم في الوقت نفسه. 

إن أعمال كارين باراد (كهإة8 ١ءإهK)‏ بشأن «الواقعية الوكالية» 
agential realism‏ )2007 «2003( هي متال بارز على هذا الاتجاه. حيث 
إنها تتخطى الثنائية بين المادية والواقعية» فإن الواقعية الوكالية تركز على 
عملية تفاعلهما. يتيح لنا التركيز على العمليات المادية الثقافية أن نحقق 
بشكل أفضل ف الحدود بينهما. وهذا يؤدي إلى التأكيد على أخلاقيات اممعرفة 
التي تعكس وتحترم التعقيد وتجدد أيضا ممارسة التأمل النقدي. 

تبتکر لوتشیانا باریزي (2004 ,ای۴۲ 4«ه1i)‏ في نظرية التعقيد أيضاء بناء 
على أعمال فيليكس غاتاري. وهي تؤكد أن الميزة الكبرى للوحدوية الحيوية هي 
آنها تعرف الطبيعة - الثقافة باعتبارها استمرارية تتطور من خلال بيئة التمايز. 
تتقاطع الرموز غير السيميائية (الحمض النووي لجميع المواد الوراثية) مع تجمعات 
معقدة من التأثيرات والممارسات المجسدة وغيرها من العروض التي تشمل ام مجال 
اللغوي ولكنها لا تقتصر عليه. تعزز باريزي هذه الحالة من خلال الإشارة إلى 
نظم المعرفة الجديدة مارغوليس وساغان (1995 (Margulis and Sagan,‏ من 
خلال مفهوم التعايش الداخلي» والذي» مثله مثل الخلق الذاق» يشير إلى شكل 
إبداعي للتطور. هذا يعني أن المادة الوراثية تتعرض لعمليات التحرر من الأسس 
الأنطولوجية للاختلاف ولكنها غير محدودة بالبنائية الاجتماعية. 

في أبحاث العلوم الإنسانية «الواقعية اممادية» تعطى الأولوية للعلاقة على 
المصطلحات» والتي تتقدم الصلات المستعرضة بين الكيانات أو القوى الممادية 
والرمزية وامملموسة والخطابيةء ا في ذلك الحياة غير البشرية. هذا هو ما أطلق 
عليه لقب زوي (2006 ناهل ذه8 والفصلان الثاني والثالث)ء والذي يسمح لنا 
بالتعامل مع العلوم كموضوع لدراسة العلوم الإنسانيةء والعكس بالعكس» من 


177 


ما رعد الإنسان 
خلال تجاوز كلا الحقلين عبر إعادة تعريف مستعرض ها يعتبر ذاتاً للممارسة 
العلمية ما بعد الإنسانية. 

إن امميزة النظرية للنهج الحيوي والواقعي المادي الأحادي هي القدرة على أخذ 
عملية السلطة اممتغيرة ف الرأسمالية المتقدمة أو الإدراكية بعين الاعتبار واممعروفة 
أيضا باسم مجتمع امعلومات أو الشبكة» عن طريق وضعها في مواقع محددة 
وعلاقات محايثة. يسمح لنا هذا بأن نقاومها بالوسائل نفسها. يحتضن مفكرو 
ما بعد الإنسان تحدي تاريخنا بشكل خلاق من دون الاستسلام للذعر المعرف. 
الحجة واضحة: إذا كانت الدراسة الصحيحة للإنسانية هي الإنسان وكانت الدراسة 
الصحيحة للبشرية هي البشرء سيتبع ذلك أن الدراسة الصحيحة لحالة ما بعد 
الإنسانية هي ما بعد الإنسان نفسه. إن الذات العارفة الجديدة هذه عبارة عن 
تجمع معقد من البشر وغير البشرء والكوكبي والكوني» مخلوق ومصنع» مما يتطلب 
عمليات إعادة ضبط رئيسة في طرق تفكيرنا. بيد أن هذا العمل ليس تجريديا كما 
قد يبدو ف البداية. اسمحوا لي بأن أقدم بعض الأمثلة الملموسة. 

الأول هو ا مجال سريع النمو للعلوم الإنسانية البيئيةء امستوحى من الوعي بأن 
النشاط البشري له تأثير جيولوجي. المعروف أيضا باسم العلوم الإنسانية المستدامة 
(2006 ا id0هاB)‏ و«العلوم الإنسانية الأنثروبوسينية»» يقدم هذا المجال 
متعدد التخصصات من الدراسة ابتكارات منهجية كبيرة وكذلك ابتكارات نظرية. 
أولها هو أنه يوضح نهاية فكرة النظام الاجتماعي غير الكائني المنفصل عن أسسه 
البيئية والعضويةء ويدعو إلى مخططات أكثر تعقيدا لفهم الشكل متعدد الطبقات 
للاعتماد المتبادل الذي نعيش فيه جميعا. ثانياء فهو يؤكد إسهام العلوم الإنسانية 
المحدد في النقاش العام حول تغير اط مناخ» من خلال تحليل العوامل الاجتماعية 
والثقافية التي تؤكد التمثيل العام لهذه القضايا. إن كلا من حجم ونتائج تغير ال مناخ 
لهما أهمية بالغة بحيث يتحديان التمثيل. العلوم الإنسانية وبصورة أكثر تحديدا 
البحوث الثقافية هي الأنسب لملء هذا العجز في التخيل الاجتماعي ومساعدتنا 
على التفکیر فیما لا پمکن تصوره. 

إن تأثبر العلوم الإنسانية البيئية أبعد من ذلك. ف تحليله للآثار امترتبة على أبحاث 
التغير ا مناخي في مجال التاريخ» يجادل ديبش تشاكرابارتي (2009) من أجل تحول 


178 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


مفاهيمي أكثر نحو «التاريخ العميق». هذا هو مزيج متعدد التخصصات من التاريخ 
الجيولوجي والاجتماعي - الاقتصادي الذي يركز على العوامل الكوكبية أو الأرضية 
وعلى التغيرات الثقافية التي خلقت البشرية بشكل مشترك على مدى مثات الآلاف من 
السنين. فهو يجمع بين نظريات الذاتية التاريخية التي تميزت ب «التفكير في الأنواع». 
هذا في نظري هو تكوين ما بعد اممركزية البشرية للمعرفة الذي هنح الأرض الدور 
والوكالة نفسيهما اللذين يتمتع بهما البشر. كما أشرت ف الفصل الثاني» فإن هذا ينطوي 
على تغييرات في فهمنا لوقتية التاريخ» لأننا نفكر في إمكانية انقراض البشر والأنواع 
الأخرى ومن ثم نهاية الزمن البشري التاريخي اممسجلء وكذلك نهاية اممستقبل. يعد 
انهيار الفجوة بين التاريخ البشري والتاريخ الطبيعي ظاهرة حديثة جد وقبل هذا 
التحول الأساسي» كان الزمن الجيولوجي والتسلسل الزمني للبشر غير مرتبطين» على 
الأقل ضمن مجال التاريخ. ف الواقع» أجرى الممؤرخون وبحوث تغير المناخ مناقشات 
متوازية من دون تبادلات حقيقية بين التخصصات. كل هذا يتغبر تحت أعيننا. 

إن حجم هذه التحولات الذهنية يؤدي إلى تحدي التمثيل» كما اقترحت أعلاه. 
يقترح تشاكرابارقي مزيدا من التفكير النقدي حول «الفرق بين التأريخ الحالي 
للعوممة والتأريخ الذي تطلبه نظريات تغير اممناخ الناجم عن النشاط البشري» 
(216 :2009). هذا يجبرنا على الجمع بين فئات الفكر التي کانت حتی الآن 
منفصلة بعضها عن بعض ليس فقط بانفصال مجالاتها الدراسية - بين علوم الأرض 
والأدب والتاريخ» على سبيل المثال - ولكن أيضا من خلال تحيز ام مركزية البشرية 
الذي حافظ على العلوم الإنسانية. هذا التطور الجديد ليس بأزمةء بل إن له قوة 
ملهمة هائلة لهذا المجال. كما أنه يثبر التساؤل بشأن بعض الأفكار الحالية حول 
التكوين السلبي لشعور جديد ب«الإنسان» مرتبط بضعف مشترك فيما يتعلق 
بإمكانية الانقراض. إن رؤى تشاكرابارتي حول تاريخ عميق نقدي مدفوع بالتغير 
ا لمناخي تتحدى أيضا بعض الافتراضات المعطاة حول الانتقادات ما بعد الاستعمارية 
للكونية الغربية. يا له من برنامج. 

ومن الأمثلة ا مفيدة الأخرى مزايا الوظيفة العلمية ما بعد الإنسان هي «مبادرة 
صحة واحدة» )0ne Health Initiative)‏ التي تحدد مهمتها فيما يتعلق بالصحة 
العامة على النحو التالي: 


179 


ما رعد الإنسان 
وإذ ندرك أن صحة الإنسان (ها في ذلك الصحة العقلية عن طريق 

ظاهرة الترابط بين الإنسان والحيوان) وصحة الحيوان وصحة النظام 

الإيكولوجي مترابطة بشكل لا ينفصم» تسعى «صحة واحدة» إلى تعزيز 

صحة ورفاهية جميع الأنواع وتحسينها والدفاع عنها عبر تعزيز التعاون 

بين الأطباء والأطباء البيطريين وغيرهم من امهنيين في مجال الصحة والعلوم 

البيئية وعبر تعزيز نقاط القوة في القيادة والإدارة لتحقيق هذه الأهداف. 

الحركة مستوحاة من رودولف فرشو (1902 - 1821( «(Rudolph Virchow)‏ 
الذي صاغ مصطلح «حيواني المنشأ» (زوممهمz)»‏ الذي ينص على آنه لا ينبغي 
أن تكون هناك خطوط فاصلة بين الطب الحيواني والإنساني. أخذ هذا الموقف في 
الانتشار في السنوات الخمس عشرة الماضية. إن مبادرة «صحة واحدة» عبارة عن 
تحالف قوي متعدد التخصصات يجمع بين الأطباء وأطباء العظام والأطباء البيطريين 
وأطباء الأسنان وامممرضين وغيرهم من التخصصات العلمية والصحية والبيئيةء على 
أساس فرضية بسيطة» وهي تشابه الهياكل بين البشر والحيوانات في علم المناعة 
والتطورات ف العلوم البكتيرية واللقاحات. 

هذا يعني أن البشر معرضون وعرضة لأمراض جديدةء مثل إنفلونزا الطيور 
والأوبئة الأخرىء التي يشاركونها مع الأنواع الحيوانية. كردة فعل طبيعية نحو 
الأوبئة الجديدة التي ظهرت في العصر العا مي» مثل اعتلال الدماغ الإسفنجي 
(858) الأكثر شهرة باسم «جنون البقر» تركز مبادرة «صحة واحدة» على تنوع 
الأمراض الممشتركة التي تربط البشر والحيوانات. على سبيل ال مثالء تعاني الحيوانات 
العديد من الأمراض الممزمنة مثل أمراض القلب والسرطان والسكري والربو والتهاب 
المفاصل مثل البشر. ومن ثم» يجب علينا تطوير الطب المقارن كدراسة لعمليات 
امرض عبر الأنواع» ومن ثم يجب علينا أيضا ربط الأطباء والأطباء البيطريين في 
ممارساتهم اليوميةء سواء العلاجية أو البحثية. تسعى مبادرة «صحة واحدة» 
المضمنة ف البيئةء إلى تحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية على حد سواء ولها 
تداعيات اجتماعية كبرة. 

تتزايد المخاوف المشتركة بشأن الصحة العامة بين البشر والحيوانات نتيجة 
للتوسع الحضري والعوطمة وتغير المناخ والحروب والإرهاب» والتلوث المميكروي 


180 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


والكيمياني مصادر الأرض واممياهء مما خلق تهديدات جديدة لصحة كل من 
الحيوانات والبشر”. يحتاج الأطباء والبيطريون إلى توحيد جهودهم مع علماء 
الصحة البيئية وممارسيها للتعامل مح تفشي الأمراض» ومنع الأمراض الممزمنة الناجمة 
عن التعرض للمواد الكيميائيةء وخلق بيئات معيشية أكثر صحة. «صحة واحدة» 
هو ا مفهوم الأمثل ما بعد ال مركزية البشرية الذي يجمع بين ممارسي الرعاية الصحية 
البشرية والأطباء البيطريين ومهنيي الصحة العامة من أجل الاستدامة البيئية 
والاجتماعية والفردية. 

مثال آخر مهم هو مجال العلوم الإنسانية الرقمية الآخذ في النمو - والذي 
ابتكرته كاثرين هايلز - والذي يتعامل مع أجندة غنية من القضايا المواضيعية 
والمنهجية. إحداها هي الأهمية المستمرة لعلم النصوص ودور الصحافة - من 
طباعة غوتنبرغ إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد - في تشكيل الممعرفة الإنسانية. كما قادت 
العلوم الإنسانية هذه ا مناقشات في القرن السادس عشرء عندما قدمت المطبعة في 
العام الغري» ها هي ثانية في طليعة حدود الفكر ا معاصرة. وهي ليست وحيدة. 

يمكن لإنسانيات ما بعد الإنسان أن تنشن وتطور مجموعة جديدة من 
السرديات حول البعد الكوكبي للإنسانية المعوطمة؛ المصادر التطورية للأخلاق؛ 
مستقبل البشر وغيرنا من الأنواع؛ النظم السيميائية للجهاز التكنولوجي؛ عمليات 
الترجمة التي تؤكد العلوم الإنسانية الرقمية؛ دور الجندرة والإثنية كعاملين 
يفهرسان الوصول إلى مأزق ما بعد الإنسان والآثار ا لمؤسسية اممترتبة عليها جميعا. 
هذه أجندة جديدة وابتكارية تعتمد على الحركة الإنسانية أو ما بعد اممركزية 
البشرية في برنامج جديد» ولكنها ليست محصورة فيهما؛ وهو برنامج جديد حقا 
للعلوم الإنسانية قي القرن العشرين. 

على المستوى التجريبي» أنشئت العديد من المنابر البحثية الجديدة متعددة 
التخصصات لدراسات ما بعد الإنسان في جميع الجامعات الكبرى وهي تجري 
تجارب رائدة في هذا ا مجال حاليا“. كنتيجة لهذا الحرج الذي تسببه وفرة النظرية 
والبحث» فإن السؤال التالي الذي يطرح نفسه هو: كيف هكن أن تستلهم العلوم 
الإنسانية من هذه التجارب قي الفكر ما بعد الإنساني والبحوث الجديدة ما بعد 
ا مركزية البشرية؟ كيف هكنها تبني هذا النهج في موضوع الدراسة الخاص بهم؟ 


181 


ما رعد الإنسان 
النظرية النقدية ما بعد الإنسان 

هكن للعلوم الإنسانية أن تستلهم من هذه النماذج الفكرية الجديدة العابرة 
للتخصصات. مفتاح كل شيء بالنسبة إلي يكمن في المنهجيةء ومن ثم أريد أن 
أوضح اممعايير الرئيسة لنظرية ما بعد الإنسان» كوسيلة لكشف القواعد الجديدة 
للعبة» ومحاولة تطبيقها على العلوم الإنسانية. قواعدي الذهبية هي: دقة رسم 
الخرائط مع مساءلة أخلاقية تابعة لها؛ فكر عابر للتخصصات؛ أهمية الجمع بين 
النقد والتصوير الإبداعي؛ مبداً عدم الخطية؛ قوى الذاكرة والخيال وإستراتيجية 
التغريب. تعد هذه الإرشادات اممنهجية ذات قيمة ليس فقط لبناء النظرية النقدية 
ما بعد الإنسان ولكن أيضا لأنها هكن أن تساعد في إعادة تحديد العلاقة بين العلوم 
الإنسانية وعلوم الحياة على أساس الاحترام اممتبادل. 

لنبدآً بدقة رسم الخرائط. رسم الخرائط هو قراءة نظرية للحاضر قاثمة على 
إدراك سياسي. يهدف رسم الخرائط إلى ال محاسبة ال معرفية والأخلاقية من خلال 
الكشف عن مواقع القوة التي تحدد موضع ذواتنا. على هذا النحوء فإنها تمثل 
مواقع الفرد من حيث المساحة (البعد السياسي الجغراف أو البيئي) والزمن (البعد 
التاريخي والجينالوجي). يؤكد هذا على الهيكل الموضعي للنظرية النقدية ويشتمل 
على الطبيعة الجزئية أو المحدودة لجميع ادعاءات المعرفة. هذه المؤهلات ضرورية 
لدعم نقد كل من الكونية والفردية الليبرالية. 

بيد أن الانتقادات الموجهة إلى مواقع السلطة لا تكفي. فهي تعمل جنبا إلى 
جنب مع البحث عن أشكال بديلة أو شخصيات مفاهيمية لهذه اممواقع» من حيث 
القوة كتقييد (ءهاءءاهم) ولكن أيضا كتمكين أو إيجابية (4ن٤١ءاهم).‏ على سبيل 
المثال» لا تعد الأشكال التصويرية مثل الذوات الأصلية البدوية النسوية/ النسائية/ 
المثلية/ السايبورغية/ الممشتتةء وكذلك الفأر أونكو mouseصnc0oه‏ والنعجة دوللي» 
مجرد استعارات» بل هي علامات لواقع سياسية جغرافية وتاريخية محددة. على هذا 
النحوء فإنها تعبّر عن الخصائص ال معقدةء لا عن ادعاءات كونية (20114 ,ذاه dذهإ8).‏ 

الشكل هو التعبير عن تمثيلات بديلة للذات ككيان ديناميكي غير وحدوي؛ 
إنه تهويل لعمليات الصيرورة. تفترض هذه العمليات أن تكوين الذات يحدث بين 
الطبيعة/ التكنولوجياء الذكور/ الإناث» الأسود/ الأبيض» ال محلي/ العاممي» الحاض / 


182 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 

الماضي - في المساحات التي تتدفق وتوصل التنائيات بعضها ببعض. تتحدى هذه 
الحالات الفاصلة الأشكال الثابتة للتمثيل النظري لأنها متعرجة وليست خطية 
وموجهة نحو العملية» وليست قانمة على الممفاهيم. يعقد النقد والإبداع صفقة 
جديدة في تحقيق ممارسة الشخصية المفاهيمية أو الشكل كمسعى نشط للبدائل 
الإيجابية للرؤية السائدة للذات. 

إن التعريج ع«نععة<عZ1‏ هو في الواقع اللفظ المناسب لحجر الأساس التالي 
للنظرية النقدية طا بعد الإنسان» وهي اللاخطية. سيكون من الصعب على العلوم 
الإنسانية التمسك بالقاعدة التقليدية في التصور من خلال تبني التفكير الخطي 
تلقائياء مع الأخذ في الاعتبار تعقيد العلوم المعاصرة وحقيقة أن الاقتصاد العا مي لا 
يعمل بطريقة خطية» ولكنه يشبه إلى حد ما الشبكة؛ متناثر ومتعدد المراكز. إن تعدد 
اللغات ووجهات النظر في البيانات التي نواجهها يتطلب طوبولوجيات معقدة من 
ا معرفة لذات مبنية من قبل علائقية متعددة الاتجاهات. ومن ثم نحتاج إلى تبني 
اللاخطية لتطوير خرائط القوة التي تفسر مفارقات عصر ما بعد الإنسانية. 

هذه القضية تزداد تعقيدا فيما يتعلق بالوقت. الخطية هي الوقت السائد 
ف گروتوس: جاردا بالوقت الديناميكي والأكثر دورية للصيرورة أو أيون» كما 
رأينا في الفصل الثاني. السابق هو حارس الوقت ام مؤسسي واطممارسات المؤسسية - 
العلم «الملكي»؛ هذا الأخير هو اختصاص الجماعات الهامشية - العلم «الثانوي». 
يعارض «العلم الملكي» الرسمي» المدفوع بكرونوس» عملية «أن تصبح أقلية 
في العلوم»» والتي تستند إلى زمن مختلف. أحدها مرتبط ببروتوكول؛ والآخر 
يحركه الفضول ويحدد المؤسسة العلمية من حيث خلق مفاهيم جديدة. تقترح 
النظرية البدوية نقدا للقوى التي تمارسها أنظمة الذاكرة المهيمنة والخطية على 
العلوم الإنسانية والاجتماعية. يسير الإبداع والنقد معا في البحث عن البدائل 
الإيجابية التي تعتمد على رؤية غير خطية للذاكرة كخيالء وللخلق كتحول. بدلا 
من احترام سلطة الماضي» لدينا تواجد عابر مشترك مناطق زمنية متعددة في 
استمرارية تعمل على تنشيط وإزالة حدود الهويات اممستقرة وتكسر الخطية 
الزمنية (1988 ,عuzءاء0).‏ تجند هذه الرؤية الديناميكية للزمن المموارد 
الإبداعية للخيال في مهمة إعادة الاتصال باماضي. 


183 


ما رعد الإنسان 

تؤثر اللاخطية أيضا ف الممارسة العلمية في تخصصات العلوم الإنسانية - وهي 
طريقة تستبدل بالخطية أسلوب تفكير أكثر جذرية وتتيح اتصالات متعددة 
وخطوط تفاعل تربط بالضرورة النص ب «الخارج» الممتعدد. تعبر هذه الطريقة عن 
الاعتقاد بأن «حقيقة» النص لا تجري «كتابتها» أبدا في أي مكان» فضلا عن مساحة 
الكتاب اممعينة للدلالة. ولا يتعلق الأمر بسلطة الاسم الصحيح أو التوقيع أو التقليد 
أو المرجعية أو مكانة التخصص الأكادهي. تتطلب «حقيقة» النص شكلا مختلفا 
تماما من المساءلة والدقة يكمن في الطبيعة المستعرضة للتأثيرات التي تولدهاء آي 
العلاقة أو الترابط البيني الخارجي الذي هكنها ويحافظ عليها. دلتنا جورج إليوت 
على الطريق لذلك من خلال الكتابة بأذنين وعقل مفتوحين على هدير الطاقة الذي 
يدعم الحياة. عملت فيرجينيا وولف ذلك أيضا من خلال توجيه نظرة كاتبها نحو 
السكون التام للحياة والذي يعرف بأنه التدفق المستمر. الكتابة هي وسيلة لنسخ 
الكثافة الكونية إلى أجزاء مستدامة من الوجود. 

وهذا له آثار مهمة ممهمة النقد. كما علمتنا ما بعد البنيوية (1975 ,ئعط٤ا84)»‏ 
فإن طريقة «الإخلاص للنص» والاقتباس هي أكثر من مجرد التكرار البسيط من دون 
أي فرق. ما يبرز في الصدارة بدلا من ذلك هو القدرة الإبداعية التي تتمثل في القدرة 
على التذكر وتحمل التبعات العاطفية للنصوص كأحداث. 

للاضطلاع بذلك. لا يتحتم الولاء إلى العمق الزائف للنص» ولا إلى نية المؤلف 
الكامنة أو الواضحة» ولا حتى لسيادة العلامة الدالة الذكورية الرئيسة. يعد النص» 
النظري والعلمي وكذلك الأدبيء نقطة تتابع بين لحظات مختلفة في المكان والزمانء 
وكذلك مستويات ودرجات وأشكال وتكوينات مختلفة لعملية التفكير. إنه كيان 
متنقل» طائرة نفاثة. التفكير والكتابةء مثل التنفس» لا يحتجزان في قالب الخطيةء أو 
في حدود الصفحة المطبوعة» بل ينتقل بهما إلى الخارج» خارج الحدود. في شبكات 
المواجهات مع الأفكار والآخرين والنصوص. الدلالة اللغوية هي مجرد واحدة من 
النقاط في سلسلة من الآثارء وليست هي الأساس أو المغزى. مصدر الإلهام الفكري 
يأتي من تدفق العلاقات الذي لا ينتهي بين النصوص والأطراف المتعددة التي تقع 
خارج النصوص. يرتبط الإبداع باستمرار باطمجموع الافتراضي طمجموعة من التجارب 
السابقة والذكريات والتأثيرات» والتي يعاد تشكيلها في الفلسفة الأحادية للصيرورةء 


184 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


كعمل أو تطبيق ف الوقت الحاضر. هذا النهج ف التفكير النقدي هو تمرين في 
التزامن» يدعم النشاط «هنا والآن» من خلال جعل الكثافة الافتراضية ملموسة أو 
فعلية. تقع هذه الكثافة في وقت واحد من بعدنا ومن قبلناء في الماضي وف المستقبلء 
في تدفق أو عملية من التغيير أو التمايز أو الصيرورة. إنها جوهر «الواقعية ال مادية» 
للفكر النقدي. 

يشجع الفكر البدوي انفتاحا عاطفيا نحو البعد الفلسفي الجغراف أو 
الكوكبي ل «الفوضى الكونية» (1995 ,إعه٤٤هں6).‏ إنه هنزلة تحويل الذات 
المفكرة إلى حد الأفعال غير المبررة (مبداً غير هادف للربح)» والتي لا هدف لها 
(مبدأ التنقل أو التدفق) التي تعبر عن الطاقة الحيوية المتمثلة في الصيرورة 
التحويلية (مبدأ عدم الخطية). إن الولاء مطلوب بدلا من ذلك لكثافة القوى 
المؤثرة التي تكوّن نصا آو مفهوماء حتى يتسنى تفسير ما يمكن أن يفعله النص 
- أو المفهوم أو النظرية - وما الذي فعله وكيف أثر ذلك في الذات وف الآخرين. 
عملية حساب التآثير العاطفي للعناصر أو البيانات المختلفة في الذات هي عملية 
التذكر. عند بيرغسون (١٥0ءعإ8)‏ كما هو الحال عند دولوزء يتعلق الأمر بقدر 
كبير بالخيالء آي إعادة الصياغة الإبداعيةء كما يتعلق بالتكرار السلبي للتجارب 
السابقة المسجلة التي هكن استرجاعها. 

تتضمن هذه العملية المعيار الرئيس التالي للنظرية النقدية مما بعد الإنسانء 
وهو دور الذاكرة. بالنظر إلى أن زمن ما بعد الإنسان هو نظام معقد وغير خطيء 
ومكسور داخليا ومضاعف على مدار عدة سلاسل زمنيةء تصبح الذاكرة والتأثير 
العاطفي عناصر أساسية. إن الذاكرة في الوضع البدوي ما بعد الإنسانء بعد تحريرها 
من الخطية الزمنية وجاذبية اممركزية اللغويةء هي إعادة اختراع نشط لذات غير 
متواصلة وفرحة لانعدام تواصلهاء بدلا من كونها متسقة بشكل حزين. تحتاج 
الذكريات إلى الخيال لتمكين تحقيق إمكانيات الذات الافتراضيةء والذي يعاد تعريفه 
ككيان علائقي مستعرض تسكنه ذاكرة حيوية ومتعددة الاتجاهات (,عإءططtهR‏ 
9.)). تعمل الذاكرة من خلال عمليات الترحيل البدويةء أي كوصلات إبداعية 
ومولدة للغاية تجمع وتطابق وتضاعف إمكانات التوسع والعلاقات بين الوحدات 
أو الكيانات ام مختلفة (2006 .(Braidotti,‏ 


185 


ما رعد الإنسان 


الإشارة امنهجية التالية هي ممارسة التغريب ١٥1اة1zإهنانصه٤ء1»‏ التي ناقشتها 
في الفصلين الثاني والثالث. هذه عملية واقعية تفصل بها الذات العارفة نفسها من 
الرؤية ا معيارية السائدة للنفس التي اعتادت عليهاء للتطور نحو إطار مرجعي ما بعد 
إنساني. بعد تركها لنموذج فتروفيا أخيرا تصبح الذات علائقية بطريقة معقدة تربطها 
مع الآخرين المتعددين. الذات التي سكل هكذا تفجر حدود الحركة الإنسانية 
واممركزية البشرية. لقد رأينا ف الفصول السابقة سلسلة من الأمثلة الملموسة حول 
كيف هكن أن تكون عمليات الابتعاد عن النماذج المهيمنة لتشكيل الذات مثمرة 
وخلاقة. مستقاة من النظرية النسوية - مما يعني فك ارتباط جذري مع المؤسسات 
المهيمنةء وتمثيلات الأنوثة والذكورة (1991 0)i, 1991; Bute,‏ idهإB).‏ الخطاب ما 
بعد الاستعماري والعرقي يعرقل الامتياز الأبيض والافتراضات العنصرية الأخرى حول 
الآراء المقبولة حول ما يشكل الذات البشرية. 

يحدث فك الارتباطات هذا على طول محاور التحول لامرأة (إضفاء طابع 
جنسي) والتحول للآخر (إضفاء طابع عنصري)» ومن ثم يظل داخل حدود 
التجسيم. ومع ذلك هناك حاجة إلى تحول أكثر جذرية للخروج من هذا الأخير 
وتطوير أشكال تحديد الهوية فيما بعد ام مركزية البشرية. الخفة التي لا تحتمل 
للوجود هذا تقع علينا مجرد أن نبد بالتوجه نحو زوي؛ الحياة غير البشرية 
نفسها. تمثل النظرية الجغرافية الحيوية للنظرية البدوية - حب الزوي - جهدا 
موازيا في الاتجاه نفسه. التحول نحو الأرض أو التحول نحو غير ا محسوس يعد 
فواصل أكثر جذرية مع صراعات فكرية راسخة (التجنس) وتقدم بعدا كوكبيا 
وشيكا جذريا. هذا الخروج الأنثروبولوجي صعب للغاية» عاطفيا وكذلك منهجياء 
لأنه قد ينطوي على شعور بالخسارة والأم. إن فك الارتباط هذا يعني فقدان 
العادات اممحببة للفكر والتعبيرء وهي خطوة هكن أن تؤدي أيضا إلى الشعور 
بالخوف وعدم الأمان والحنين إلى الماضي. 

على الجبهة الممنهجيةء يؤدي التغريب إلى تحويل العلاقة مح الآخرين غير 
الإنسانيين ويتطلب التخلص من عادات القرن الماضي من فكر الطمركزية البشرية 
والغطرسة الإنسانيةء والتي من المرجح أن تختبر قدرة العلوم الإنسانية ورغبتها. 
إن العلوم «الصلبة» أو التجريبيةء بالطبع تنجز هذه الخطوة بعيدا عن المركزية 


186 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


البشرية بسهولة تامة» كما رأينا في اط أبحاث «التاريخ العميق» أو «صحة 
واحدة». قد يكون من الجدير أن نأخذ على محمل الجد التهمة الحاسمة التي 
مفادها أن تطور العلوم الإنسانية نحو التعقيد قد تعوقه اممركزية البشرية التي 
تبني عليها العلوم الإنسانية ممارستها. هل ستكون النظرية النقدية قادرة على 
التواصل مع ما بعد العلوم الإنسانية الغنية وال معقدة القادمة؟ 

لا مكن فصل تعريفي لأسلوب علمي ما بعد إنساني في العلوم الإنسانية 
وكذلك في علوم الحياة عن أخلاقيات البحث التي تتطلب احترام تعقيدات 
عام الحياة الواقعية الذي نعيش فيه. تحتاج النظرية النقدية ما بعد الإنسانية 
إلى تطبيق رؤية جديدة للذاتية لكل من المممارسة والتصور العام للعالم» الذي 
مازال عالقا قي النموذج الكلاسيكي والعتيق ل «رجل العقل» الإنتنانى (بلوه1 
4 ) باعتباره اممواطن الأوروبي الممثالي. نحن بحاجة إلى التغلب على هذا 
النموذج والتوجه نحو شكل مكثف من تقاطع التخصصات والاستعراض وامعابر 
الحدودية بين مجموعة من الخطابات. يؤثر هذا النهج العابر للتخصصات في 
هيكل الفكر ذاته ويسن احتضانا جذريا للتنوع المفاهيمي ف العلوم والأبحاث. 
ترقى الطريقة ما بعد الإنسانية إلى درجات أعلى من التهجين التخصصي وتعتمد 
على التغريب القوي عن عادات تفكيرنا من خلال لقاءات تحطم التكرار المسطح 
لبروتوكولات العقل اممؤسسي. 


الذات «اممناسبة» للعلوم الإنسانية ليست «الإنسان /الرجل» 

لقد ناقشت ف هذا الكتاب أن النظرية ما بعد الإنسانية تعتمد على أنطولوجيا 
عملية تتحدى المعادلة التقليدية للذاتية مع الوعي العقلاني» وتقاوم اختزال آي 
منها إلى الموضوعية والخطية'. الرؤية البدوية لذات ما بعد الإنسان العارفة 
كاستمرارية زمنية وتجميع مشترك يعني التزاما مضاعفاء من ناحية لعمليات 
التغييرء ومن ناحية أخرى لأخلاقيات قوية للإحساس الإيكوسوفي لامجتمع. 
الوجود المشترك» أي تزامن الوجود ف العام معاء يحدد أخلاقيات التفاعل مع 
الآخرين من البشر وغير البشر. ينشاً عن هذا وعي موزع بشكل جماعي» وهو 
شكل مستعرض لفهم غير اصطناعي للرابطة العلائقية التي تربطنا. يضع هذا 


187 


ما رعد الإنسان 


العلاقة ومفهوم التعقيد في قلب كل من الأخلاق والهياكل والاستراتيجيات 
المعرفية لذات ما بعد الإنسان (2006 ,ناه لiهإ8).‏ 

لهذا الرأي آثار مهمة في إنتاج المعرفة العلمية. الرؤية المهيمنة للمشاريع العلمية 
تعتمد على التنفيذ ال مؤسسي لعدد من القوانين التي تضبط ممارسة البحث العلمي 
وتراقب الحدود امواضيعية واممنهجية ما يعتبر علوما محترمة ومقبولة وقابلة 
للتمويل. وبهذاء فإن قوانين اممارسة العلمية تنظم ما سمح للعقل بالاضطلاع به 
ومن ثم تتحكم في هياكل تفكيرنا. يقترح فكر ما بعد الإنسان رؤية بديلة لكل من 
الذات المفكرةء وتطورها على المسرح الكوكبي» والبنية الفعلية للتفكير. 

إن فكرة دولوز وغاتاري أن مهمة التفكير هي خلق مفاهيم جديدة تعتبر 
مصدر إلهام كبيرا للعلوم الإنسانية؛ لأنها تعتمد على التوازي بين الفلسفة والعلوم 
والفنون. لا يجب أن نفهم هذا على آنه تسطيح للاختلافات بين هذه المساعي 
الفكريةء بل طريقة للتأكيد على وحدة الهدف بين فروع اممعرفة الثلاثة. يحرص 
دولوز وغاتاري على التأكيد على الاختلافات بين الأساليب المميزة للذكاء التي 
تجسدها الفلسفة والعلوم والفنون على التوالي. إنهما يجادلان أيضا بآنها تظل 
مفهرسة على معيار مشترك من طاقة الحياة ذاتية التحويل المكثفة. تحافظ هذه 
الاستمرارية على أنطولوجيا الصيرورة التي هي المحرك المفاهيمي للفكر البدوي 
ما بعد الإنسان. بقدر ما يتعين على العلوم أن تتوافق مع العمليات الفيزيائية 
الحقيقية لعا مُحَقق ومُحدّدء فهي أقل انفتاحا على عمليات التحول أو التمايز 
التي تميز الأنطولوجيا الأحادية لدولوز. تعد الفلسفة في موقع مميز هناء كونها أداة 
أكثر ذكاءً للعقل المستكشف» وأداة أكثر انسجاما مع المستوى الافتراضي للمحايثةء 
ومع القوة التوليفية للكون التوليديء أو «الفوضى الكونية» التي هي غير إنسانية 
وف تغير مستمر. التفكير هو النظير ال مفاهيمي للقدرة على الدخول في آماط العلاقة 
والتأثر والتأثرء والحفاظ على التحولات النوعية والتوترات الإبداعية وفقا لذلك 
والتي هي أيضا من اختصاص الفن. لذلك تؤدي النظرية النقدية دورا رئيسا. 

يحلل مانویل دي لاندا (2002 )Manue1 2e anda,‏ ببراعة الأسلوب اممكثف 
لعلوم دولوز ويؤكد الأهمية الحاسمة لعمليات تحقيق الإمكانيات الافتراضيةء 
ويقدمها على الماهية الكونية والتحققات الخطية. يشير دي لاندا إلى آنه إلى جانب 


188 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


معاداة ام ماهوية فإن العلوم البدوية اممركزة تهدف أيضا إلى تجنب التفكير النمطي. 
يجب تجنب المبدأً الحاكم للتشابه والهوية والتشبيه واممعارضة في التفكير في 
الصيرورة الافتراضية واممكثفة. يطالب دولوز «بأن نحدد ما يسمح لنا بإصدار مثل 
هذه الأحكام أو إقامة تلك العلاقات» (42 :2002 ,ل14 .)De‏ 

الجانب المهم للحيوية البدوية هو أنها ليست طبيعية ولا ماهويةء ولكنها 
براغماتية ومحايثة. بعبارة أخرىء لا تفترض الطمادية الحيوية مفهوما شاملا للحياة 
بل مجرد ممارسات وتدفقات للتحول» وتجمعات معقدة وعلاقات غير متجانسة. 
كما ذكرت في الفصل الثاني لا توجد إعلائية مثاليةء بل تعدد افتراضي. إن الأنطولوجيا 
الأحادية التي تدعم هذه الرؤية للحياة باعتبارها مادة حيوية ومنظمة ذاتيا تسمح 
أيضا للمفكر الناقد بإعادة توحيد الفروع المختلفة للفلسفة والعلوم والفنون في 
تحالف جديد. أرى هذا كصيغة ديناميكية معاصرة لإعادة تحديد العلاقة بين 
ثقافتي العلوم «الرقيقة» (العلوم الإنسانية) والعلوم «الصلبة» (الطبيعية). إنها 
خطوط مختلفة مقاربة المادة الحيوية التي تشكل جوهر كل من الذاتية وعلاقاتها 
الكوكبية والكونية. 

يکد بونتا وبروتیفي )2004 )Bonta and Protevi,‏ أن «الفلسفة الجغرافية» 
لدولوز تشجع العلوم الإنسانية على التعامل مع البيولوجيا والفيزياء المعاصرة بطرق 
خلاقة للغاية. ينصب التركيز على التعقيد في التمييز بين الحالات الفعلية والتحول 
الافتراضي؛ على أساس رؤية للمادة باعتبارها ذاتية الخلق. هثل الأول موضوع 
«العلوم الملكية»» والأخير هو إطار «العلوم الثانوية» كلاهما ضروري في أوقات 
مختلفة من الزمن» لكن «العلم الثانوي» فقط هو الذي يؤدي إلى تحول أخلاقي 
ولا يرتبط بالضرورات الاقتصادية للرأسمالية المتقدمة وتطرقها اممعرق إلى المادة 
الحية. ونتيجة لذلك هكن للمرء أن يخلص إلى استنتاج أولي مفاده أن التضمين 
الرئيس لنظرية النقد مما بعد الإنسان مممارسة العلوم هو أن القوانين العلمية تحتاج 
إلى التغيير وفقا لرؤية لذات ال معرفة باعتبارها تفردا معقدا وتجميعا مؤثرا وكيانا 
حيويا علائقیا. 

ويترتب على كل هذا أن العلوم الإنسانية في حقبة ما بعد الإنسان من الأنأروبوسين 
يجب ألا تلتزم بالإنسان - فضلا عن «الرجل» _ باعتباره موضوع الدراسة ا مناسب. 


189 


ما رعد الإنسان 


على العكس من ذلك» فإن الحقل سيستفيد من التحرر من إمبراطورية رجل الحركة 
الإنسانية» حتى يتمكن من الوصول بطريقة ما بعد المركزية البشرية إلى قضايا 
ذات أهمية خارجية وحتى كوكبيةء مثل التقدم العلمي والتكنولوجيء» والاستدامة 
الإيكولوجية والاجتماعية والتحديات اممتعددة للعومة. مثل هذا التغيير ف التركيز 
يتطلب مساعدة من الجهات الاجتماعية والعلمية الأخرى كذلك. 

والسؤال هو عما إذا كان يُسمح للعلوم الإنسانية بوضع أجندتها الخاصة 
فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا المعاصرةء أو ما إذا كانت محصورة في أماكن 
م تختر أن تحتلها في امقام الأول. ف الواقع هناك ميل واضح» على سبيل المثال 
في المناقشات العامة بشأن تغير المناخ أو التقنيات الحيويةء إلى إسناد جميع 
الموضوعات اممتعلقة بالعنصر البشري في هذه المناقشات الممعقدة إلى حقل 
العلوم الإنسانية غير الممول مؤسسيا بشكل كاف. لقد صنع هذا ام ميل الثروات 
ا مؤسسية للأخلاقيات» والتي يتوقع منها - بل ا تدعيه کاختصاصها - أن تصدر 
خطابات تعريفية جديدة وأوامر قضائية معيارية مناسبة ممعضلات عصرنا. هذا 
الادعاء الاستطرادي» مع ذلك لا أساس له. علاوة على ذلك فإنه يعزز عادة 
الفكر ا مؤسسي - التفاعلي واممستقر - المتمثل في إعطاء الفلسفة دور النظرية 
الرئيسة. إن صورة الفيلسوف كمشرع للمعرفة وقاضي الحقيقة - وهو نموذج 
متجذر ف المدرسة الكانتية - هو عكس ما تناقشه النظرية النقدية ها بعد 
الإنسان: نظرية ذاتية ما بعد الهويةء غير الوحدوية» وامستعرضة القاثمة على 
العلاقات مع الآخرين من البشر وغير البشر. 

هناك مجال آخر للخطاب يُثار بانتظام باعتباره امسؤولية الوحيدة للعلوم 
الإنسانيةء وهو القضية ال مثيرة للجدل المتمثلة في «الجوانب الاجتماعية والثقافية» 
للقضايا المعقدة مثل تغير المناخ أو تأثير التقنيات الحيوية. وبعبارة أخرى بقيّد 
موضع العلوم الإنسانية في زاوية المركزية البشرية. بينما هي ف الوقت نفسه يُلقى 
اللوم عليها بسبب تقيدها بهذا الموضع» وهو التوضيح المثالي للمفارقة التي أشار 
إليها ويمستر (174 :2006): «يبدو أن علم الإنسان إما أن ملك القدرة على أن يكون 
غير إنساني وإماء بدلا من ذلك أن يكون إنسانيا ولكن بالكاد علميا». ملعون إن 
فعلت» ملعون إن م تفعل. 


190 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 

ما أقصده هنا هو أن العلوم الإنسانية تحتاج إلى تبني الفرص المتعددة التي 
توفرها حالة ما بعد الإنسان. العلوم الإنسانية هكن أن تحدد أهدافها الخاصة 
للتساؤلات» خالية من اممهمة التقليدية أو امؤسسية للإنسان ومشتقاته من الحركة 
الإنسانية. نحن نعلم الآن أن هذا ا مجال غني بأرشيف يضم العديد من الإمكانيات 
التي تزوده با موارد المنهجية والنظرية لإقامة مناقشات أصلية وضرورية مع العلوم 
والتكنولوجيات والتحديات الكبرى الأخرى اليوم. والسؤال عما هكن أن تصبح عليه 
العلوم الإنسانية في حقبة ما بعد الإنسان وبعد تراجع أولوية «الرجل» والأنثروبوس. 


الجامعة التعددية العاطية 

والسؤال المطروح الآن هو: ما ال ممارسة اممؤسسية الأنسب للنظرية النقدية ما بعد 
الإنسان والعلوم الإنسانية ف القرن الحادي والعشرين؟ إن اممناقشات حول قدرة العلوم 
الإنسانية على مواجهة تحديات الألفية الثالثة تثر مسألة أزمة الجامعة كفكرة وكتمثيل. 

يمكن أن يقدم مسح تاريخي موجز للنقاش بشأن فكرة الجامعة فكرة عن حجم 
هذه الأزمة. إن نموذج عصر النهضة للأكادهية الإنسانية التي تمتاز بالباحث كفنان 
آو حرفي يصوغ آبحاثه بصبر ومن دون قیود قد انتهى ببساطة منذ زمن طویل. 
جرى استبداله بنموذج «فورد» الحديث للجامعة كوحدة إنتاج تنتج سلعة أكادهية. 
إن ادعاء نوسباوم (1999) بأن هذا النموذج مازال مستمرا حتى اليوم من قبل 
كليات الفنون الحرة الأمريكية هو نخبوي وحنيني» كما ذكرت في الفصل الثاني. النص 
الكلاسيكي لإهانويل كانت حول «تعارض الكليات»» والذي نشر أول مرة في العام 
9 (1992 ,ا«هK)‏ يقدم مخططا للجامعة الحديثة» على أساس نموذج الإنتاج 
الصناعي. كانت الجامعة تقسم إلى كليات «عليا» - القانون والطب واللاهوت - 
وهي كليات ذات توجه عملي» وكليات «دنيا» - الفنون والإنسانيات والعلوم - وهي 
المسؤولة عن النقد ومن ثم هي منسحبة من الأسواق وام مخاوف العملية"". لايزال 
هذا المخطط صالحاء على الرغم من العديد من التعديلات التاريخية. رها يكون 
أهمها هو نموذج فون هامبولت (ا01dطاص‏ ن1 )«٠١‏ في القرن التاسع عشر للجامعة 
كمكان لتدريب النخبة المختارة للغاية» والتي كانت حصرا للذكور حتى وقت قريب 
من أجل القيادة واممواطنة الذكية. هذا النموذج لايزال سائدا في أوروبا. 


191 


ما رعد الإنسان 


بید ن بیل ریدنغز (ئچ«لهه۸ 811)» في تشريحه المحفز والمدمر في بعض 
الأحيان للجامعة المعاصرة (1996)ء يجادل بأن ا مؤسسة أصبحت «ما بعد تاريخية» 
من حيث إنها «تخطت نفسها في الزمن» وأصبحت الآن أحد الناجين من العصر 
الذي حددت فيه نفسها من حيث مشروع التطور التاريخي» وتأكيد وغرس الثقافة 
الوطنية» (6 :1996). جميع النماذج السابقة من الجامعات التي أشرت إليها أعلاه: 
النموذج الكانتي» ونموذج فون هامبولت» وحتى النموذج الاستعماري البريطاني 
الذي دافع عنه الکاردینال نومان (1907 New n¬a7,‏ 41«نك4r))»‏ قد آصبحت 
مضطربة بسبب الاقتصاد العاممي. في هذا الصددء فإن تراجع الدولة القومية له 
عواقب سلبية على الجامعة ككل وخاصة على العلوم الإنسانية. إن الشخصية 
ا مركزية في الحياة الأكادهية اليوم ليست الأستاذء كما يجادل ريدنغزء بل الإداريء 
والجامعة مم تعد ركيزة الهوية الوطنيةء أو الذراع الأيديولوجية للدولة القومية 
وجهاز الدولة: 

إن الجامعة الآن ليست أكثر من استنزاف طفيلي للمواردء مثلها 

مثل البورصة أو شركات التأمين التي هي استنزاف للإنتاج الصناعي. مثل 

البورصة» الجامعة هي موضع معرفة الذات لرأس المال» وقدرة رأس المال 

ليست فقط على إدارة ا مخاطر أو التنوع ولكن لاستخراج فائض من تلك 

الإدارة. في حالة الجامعة يحدث هذا الاستخراج نتيجة للمضاربة في الفوارق 

في المعلومات (40 :1996). 

في هذا السياقء لا تعني فكرة «التفوق» ام مبجلة شيئا كبيراء ولكنها عامل حاسم 
في التبادل العابر للأمم لرأس المال الأكادهي. مجرد «مثالية تقنية بيروقراطية» 


انعدام المرجعية هذا للمعايير الأكادهية عواقب سلبية وإيجابية. 

من ال منحى السلبي» يعني عدم وجود مراجع محددة أن «التفوق» يفهرّس 
وفق اممال» وطلبات الأسواق ورضا امستهلكين. ومن اممنحى الإيجابيء يفتح «انعدام 
المرجعية» إمكانية وجود «مساحات جديدة تمكننا من أن نفكر في مفاهيم الدولة 
وا مجتمع بشكل مختلف» (124 :1996). ماذا مكننا أن نفعل مع هذه النماذج 
من الجامعة اليوم؟ 


192 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


دعونا نبد من خلال النظر إلى النموذج التقليدي المحافظ الذي يجسده جون 
سيرل (#اءهم؟ «طه[) قي دفاعه عن الأفكار الرئيسة في التقليد العقلاني الغري 
(1995)» باعتبارها القيم الأساسية لأبحاث العلوم الإنسانية. يرتكز التقليد العقلاني 
بقوة على ال ممارسة الواقعية للحقيقة» ويعتمد على النص ويستخدم النظرية بطريقة 
ناقدة للذات. يعتمد على التفكير الخطي لأنه يفترض أن وظيفة اللغة هي التواصل 
الفعال. ومن ثم فالحقيقة هي مسألة دقة التمثيل؛ وفقا لنظرية مطابقة للحقيقة 
تستند إلى الحقائق الواقعية التي يمكن ملاحظتها. ويترتب على ذلك أنه من الممتوقع 
أن تكون المعرفة موضوعية - لأنها تعتمد على تمثيل لواقع قائم بذاته وليس على 
التفسيرات الذاتية. العقلانية هي الأساس» وا منطق الرسمي - خلافا للمنطق العماي 
الذي لديه تفسيره الداخلي الخاص الذي يوفر معايير الإثبات والصلاحية. ونتيجة 
لذلك فإن المعايير الفكرية غير قابلة للتفاوض وترتكز على معايير موضوعية للتميز. 

من المفترض أن تجسد الفكرة التقليدية للجامعة هذه امعايير وتدعمها. يطرح 
سيرل الجامعة «ما بعد الحداثية» كنقيض لتلك» اممتأثرة بنظريات الحقيقة المناهضة 
للواقع امستوردة التي تضعف علمية ال ممارسة الأكادهية. يصبح تمثيل المنهج الدراسي 
من حيث الجنس والعرق والإثنية - للأسف بالنسبة إلى سيرل - أكثر أهمية من قيمة 
الحقيقة فيه» حيث تقدم مساواة فكرية ضحلة تحت ستار الثقافة المتعددة. يؤدي 
هذا إلى حدوث ارتباك بين مجال يجب دراسته وقضية يجب الدفاع عنهاء مما يعطل 
نشر أساليب وممارسات العلوم الإنسانية التقليدية ويقوض ثقتها بنفسها. 

فی رد بلیغ علی سیرل انتقد ریتشارد رورت (1996 )۸c1۵۲۵ ۸۲٤,»‏ التأکید 
المفرط على العقلانية باعتبارها «نسخة علمانية للتقليد التوحيدي الغربي» (1996: 
3). الواقعية وعلاقتها بالواقع هي مفاهيم لا معنى لهاء أو بالأحرى «مصطلح بلا 
محتوى» (26 :1996). يجادل رورتي بأن «موضوعية العلم» التي نالها كثير من الإشادة 
ترتكز على توافق الذوات الفعال والتفاعل الاجتماعي. يركز رورتي على أهمية العوامل 
الاجتماعية والسياسية في تشكيل اممعاني والحقائق» فيلقي ملاحظة أكثر واقعية: 

تستوعب الجامعة السليمة والحرة التغيير بين الأجيال والخلاف الديني 
والسياسي الراديكالي والمسؤوليات الاجتماعية الجديدة قدر الإمكان. 
فتتأقلم معها (1996: 28). 


193 


ما رعد الإنسان 


مسألة النظرية وتبعات «حروب النظرية» عادت لتقلق هذا الحوار. الملاحظات 
المحافظة لسيرل دقيقة كتعبير عن مشاركته العاطفية في الدفاع عن النفس في 
العلوم الإنسانية. بيد أنه قاس في إلقاء اللوم على منظري ما بعد الحداثة في هذا 
الموقف. على النقيض من a‏ ما بعد الحداثة الواضحة لنهجه» أود التأكيد على 
التحديات الممنهجية الخطيرة التي ألقاها هذا النهج على العلوم الإنسانية. الواقع 
أن إلقاء اللوم على رسل ما بعد الحداثة لإحضارهم الرسالة الرصينة القائلة بأن 
السرديات الإنسانية الرئيسة في ورطة هو خداع لا يساعد قضية العلوم الإنسانية 
اليوم. إنه لأمر مؤسف أن النقاش الجاد حول مستقبل التعليم العالي الإنساني قد 
وقع في تراث «حروب النظرية» في التسعينيات والقتال الجدلي حول النسوية وما 
بعد الحداثة والتعددية الثقافية والفلسفة الفرنسية. أوضحت جوان سكوت براعة: 
كأن منظري ما بعد الحداثة هم سبب جميع مشاكل التخبط في 
التخصصات التي يواجهها العلماء الآن؛ كأن إبعادهم سينهي الأسثلة حول 
الاختلاف التي تطرحها التغيرات الدهوغرافية في الجامعات» وظهور انتقادات 
ما بعد استعمارية للافتراضات الاستعماريةء والتطورات في تاريخ الفلسفة التي 
تعود إلى القرن التاسع عشر على الأقل» وأخيرا بحلول نهاية الحرب الباردة 
والقيود الاقتصادية غير العادية في السنوات الأخيرة (171 :1996 رااهء؟). 
بالعودة إلى فكر جون ديوي رء۷»ء0 ۸طم[”“ عن الجامعة باعتبارها مجتمعا 
تخصصاتياء تشجب سكوب الخلافات المسيسة حول ما بعد الحداثة واممعرفةء 
والتي تشدد على «التداعيات السياسية المفترضة للأفكار العلمية للشخص» وليس 
للأفكار نفسها». يذهب لويس ميناند (1996 ,ل«ه1ءM‏ وuiها)‏ إلى أبعد من ذلك 
ويشير إلى أن القوى السياسية المحافظة تتلاعب ب «الحروب النظرية» باعتبارها 
ذريعة للتدخل في الشؤون الأكادهية الداخلية للجامعةء كما يبدو جليا في الهجمات 
المستهدفة بشكل خاص ضد النسوية والتعددية الثقافية وما بعد الاستعمار. 
يستطرد إدوارد سعيد بهذا النقد اللامع فيربط أزمة هوية العلوم الإنسانية بتهجير 
المناهج ذات اممركزية الأوروبية في الجامعات الأمريكية ويضيف مفارقة: 
كان رد فعل بعض النقاد كأن طبيعة الجامعة والحرية الأكادهية قد 
تعرضتا للتهدید بسبب تسييسها بشكل غير ضروري. وذهب آخرون إلى أبعد 


194 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


من ذلك: بالنسبة إليهم فإن نقد الأعمال ا مرجعية الغربيةء مح مجموعتها التي 

أطلق عليها خصومها اسم «الذكور الأوروبيين البيض امميتين» [...] أشارت بشكل 

غير محتمل إلى بداية فاشية جديدةء زوال الحضارة الغربية نفسهاء وانقلاب 

العبوديةء وزواج الأطفال» وتعدد الأزواج والحرملك (214-15 :1996 ,لنه؟). 

وبغض النظر عن تلك المفارقة» من الواضح تماما أن الهدف الحقيقي من غضب 
المحافظين هو التهديد الذي تشكله هذه اممجالات الجديدة من الدراسات على قوة 
تخصصات الشركات بطريقتين رئيستين: من خلال نظريات امعرفة الراديكالية ومن 
خلال بينية التخصصات الممنهجية. إن انهيار الحدود التخصصية وما تلاها من فقدان 
سلطة الشركات من قبل التخصصات القدهة هو أزمة نظرية أكثر منها إدارية. 
كما يذكر ميناند بذكاء بالنظر إلى أن التخصصات ليست كيانات أبديةء ولكنها 
تشكيلات خطابية مشروطة تاریخياء فإن دمجها ليس ف حد ذاته مصدرا لقلق 
العلماءء بل إن بعضهم يقود تلك العملية. وعلى رغم ذلك فإنه هثل صداعا كبيرا 
للإداريين امسؤولين عن آلية الحكم الذاتي لكليات العلوم الإنسانية الذين هيلون 
إلى «الاستفادة من حالة التدفق لتقليل الإنفاق وزيادة عمليات التخفيض القسري» 
(1996: 19). ولكن ما علاقة ما بعد الإنسان بأي من هذا؟ 

بدلا من متابعة هذا الجدالء أفضل أن أبدأً من الحتمية التجرببية بأن أفكر 
عاممياء ولكن أعمل محلياء لتطوير إطار مؤسسي يحقق ممارسة ما بعد إنسانية 
«تليق بعصرنا» (ط2011 ,٤٤هلذهإ8)‏ بينما تقاوم العنف والظلم وسوقية زمننا. 
إن مواجهة تاريخية حالتنا تعني نقل نشاط التفكير إلى الخارج» إلى العام الواقعيء 
لتحمل المسؤولية عن الظروف التي تحدد موقعنا. اطمعرف والأخلاقي يسيران جنبا إلى 
جنب نحو مشاهد الألفية الثالثة ا معقدة. نحتاج إلى الإبداع المفاهيمي والشجاعة 
الفكرية لنرتقي إلى مستوى هذه الممناسبة» حيث لا توجد عودة منها. 

على الرغم من أن قضايا الرعاية الرعوية والعدالة بين الأجيال أصبحت أكثر 
موضوعية من أي وقت مضى ق الفصل الدراسي الأكادهي» فإنه ومنذ عصر الحرب 
الباردة كانت وظيفة الجامعة في الغالب هي البحث والتطوير من أجل التنمية 
الاجتماعية والنمو الصناعي والتقدم التكنولوجي» ما في ذلك ولكن ليس فقط 
العسكري» كما رأينا في الفصل السابق. هذا ينطبق بشكل خاص على الولايات 


195 


ما رعد الإنسان 


المتحدة الأمريكية» ولكن أوروبا وأجزاء واسعة من آسيا هي أيضا جزء من هذا 
النموذج. وفقا لويرنيك (ءنصإه۷)» تحولت الجامعة منذ الستينيات إلى «جامعة 
تعددية»» تؤدي مجموعة متنوعة من الوظائف الاجتماعية والاقتصادية» وغالبا 
ما ترتبط بعسكرة الفضاء الاجتماعي والصراعات الجغرافية السياسية أثناء الحرب 
الباردة. صيخ مصطلح «الجامعة التعددية (رازوإم۷-)اuم)»‏ في العام 1963 من 
قبل كلارك کر (2001 ٠۲۲,‏ ۲kها٤)»‏ رئيس جامعة كاليفورنيا آنذاك. للإشارة إلى 
انفجار المهام والمطالب المفروضة على الجامعات الكبرى. واصلت الجامعة تحورهاء 
على مدى السنوات العشرين الممقبلةء «لتصبح الجامعات شركات» موجهة نحو الأداء 
وبعيدة عن دورها التقليدي. تحت رعاية ا مديرين ال محترفينء أصبحت مؤسسات 
ما بعد تاريخية من دون ذاكرة» (561 :2006 ,)ء‌نصإW۷6).‏ عندما فقدت هیئات 
البروفيسورات والهيئات التمثيلية للطلاب صلاحياتها في الحوكمة بسبب الممنطق 
الاقتصادي الليبرالي الجديد» وزعت العلوم الإنسانية قيمتها الأساسية لتصبح نوعا 
من السلعة الاستهلاكية الفكرية الفخمة. 

هل من الممكن عكس هذا الاتجاه؟ ما أنسب موذج للجامعة للعصر المعوط؟ 
أريد أن زعم أن مأزق ما بعد الإنسان يؤثر أيضا مسألة مهمة مثل المسؤولية ال مدنية 
للجامعة اليوم. كيف هكن أن يتفاعل الفضاءان الأكادهي واممدني في عاممنا المعوم 
اطمحرك تكنولوجيا؟ تمهد الثورة الرقمية الطريق لإجابة جزئية على الأقل: سوف 
تكون الجامعات الجديدة افتراضية ومن ثم عاممية. هذا يعني أن اممثل الأعلى الكوني 
للقيم الإعلائية الذي دافع عنه سبرل قد انتهى. يُستبدّل سريعا برؤية البنية التحتية 
للجامعة كمحور لإنتاج المعرفة ا محلية ونقل البيانات ال معرفية على المستوى العاممي. 
يجب ألا ينتج عن هذا بالضرورة إزالة الطابع الإنساني عن الجامعة أو إزاحتهاء بل 
أشكال جديدة من إعادة التأسيس واممساءلة. وهكذء في مقال يحمل عنوان «جامعة 
العشرین کیلومترا» ».)1he twenty kilometer university)‏ يحلل فر يق متعدد 
التخصصات (2011 ,.1ة ٠٤‏ sماآذط۴)‏ العلاقة اممتغيرة بين الجامعة واممدينة العاممية 
ا معاصرة في الصين ويرسم بعض النتائج ال ملهمة ممهمة ال مؤسسة الأكادهية اليوم. 

تتطلب مساحة ال مدينة العاطية وتعتمد على مساحات ذكية للتفاعل التكنولوجي 
العالي» ومن ثم هكن تعريفها بأنها مساحة مدينة «ذكية» ببنية تحتية تكنولوجية 


196 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 
مكثفة. تعتمد التكنولوجيا اطمحيطة على شبكات البنية التحتية التي» كونها غير 
هرمية وسهلة الاستخدام» تهزم التنظيم التقليدي لكل من إنتاج المعرفة ونقل 
ا معرفة. في بعض النواحي فإن الفضاء الحضري الذكي ينزع محل الجامعة ويحل 
محلهاء عن طريق إدراج المعرفة وتداولها في قلب النظام الاجتماعي. ماذا يحدث 
إذن للفضاء الأكادهي المنفصل في السابق ومكانته ال مقدسة للغايةء على الأقل في 
أوروبا؟ يجادل المؤلفون بأن الأكادهي يحتاج إلى أن يتكشف ف المدني وأن يصبح 
جزءا لا يتجزأً من البيئة الحضرية بطريقة جذرية جديدة. المدينة ككل هي حديقة 
علوم امستقبل. ومن ثم» تحتاج الجامعة إلى تحويل نفسها إلى «جامعة تعددية» 
(561 :2006 ,)ءiصإWe)»‏ قادرة على التفاعل مع فضاء المدينة من أجل خلق «روح 
جماعية من الذكاء ا لمجتمعي مع هدف مشترك للتقدم الاقتصادي عبر الوسائل التي 
تحافظ على حياة اممدينة وتبسطها» (299 :2011 ,.1ه ٤ء‏ sمنلاذط۴).‏ إن وسم اممدن 
وجامعاتها - الذي بدأ في عهد الحرب الباردة - دخل مرحلة جديدة من الممارسات 
التسويقية اممكثفة والجهود الترويجية والثقافة المالية للاستثمارات الخاصة والعامة 
التي لا ترتبط قي الغالب باممحتوى الفعاي. 
تعد الجامعة التعددية العاممية المكان الذي تلتقي فيه التكنولوجيا والميتافيزيقياء 
مع عواقب متفجرة ولكنها مبهجة أيضا. هذه الجامعة التعددية المعوممة وام متوسطة 
تکنولوجیا تعد کیانا جدیدا: «لیتلاشی دورها فیما يتعلق بتکوین اممواطن وبناثه 
نحو الخلفية إن مم ينعدم تاما» (300 :2011 ,.له e‏ ءمنلانط۴). يؤكد ستيفان 
كوليني (13 :1,2012١111ه٣‏ «هfء5t)‏ النقطة نفسها حين يقول إنه يجب علينا 
التوقف عن التفكير من حيث الممثل العليا الأوروبية للقرن التاسع عشر و«التركيز 
بدلا من ذلك على التجسيد الآسيوي للنسخة الأمريكية من النموذج الأوروي» حيث 
مدارس التكنولوجيا والطب والإدارة في المقدمة» الأمر الذي هثل بقوة المثل الأعلى 
للجامعة ق القرن الحادي والعشرين». 
معنى آخرء تحتاج الجامعة ال معاصرة إلى إعادة تحديد مهمتها الكوكبية ما بعد 
الإنسانية عبر علاقة مجددة مع المدينة العاممية التي تقع فيها. وهذا يعني كلا من 
مراجعة الحيز الحضري وإعادة تعريف المسؤولية المدنية. يكون هذا حتميا حيث 
إنه» وفقا للأمم المتحدة» سيكون هناك 22 مدينة ضخمة في العام بحلول العام 


197 


ما رعد الإنسان 


5 وبحلول العام 2050 سوف يسكن ثلثا سكان العام في المراكز الحضرية. في 
العام 2012 سجلنا رسميا حقيقة أن 50 في المائة من سكان العام يعيشون الآن 
في الممدن. سوف يتيح مزيد من التفاعل اممدعوم عبر الإنترنت للمواطنين اممشاركة 
في جميع أشكال تخطيط وإدارة وتقييم بيئتهم الحضرية. الكلمات الأساسية هي: 
المصدر ال مفتوح» والحوكمة ام مفتوحة» والبيانات الممفتوحة والعلوم المفتوحة» ومنح 
الجمهور حرية الوصول إلى جميع البيانات العلمية والإدارية. إن مدن القرن 
الحادي والعشرين المعاصرةء كما هو الحال ف الدراسة الصينية المذكورة أعلا 
ليست مجرد مساحات حضرية منتشرة آو «متفجرة». بل إنها أيضا - في أفضل 
الحالات - مساحات حضرية «ذكية» تمكنها التكنولوجيا. تماما كما كان الحال 
في الماضي» قفي أوروباء حين نمت الجامعات ومدنها معاء لتنسج شبكة معقدة من 
الروابط الحضرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية» ها هو اليوم يجري 
إنشاء شبكة جديدة من العلاقات. بسبب الدرجة العالية من التدخل التكنولوجي 
المنخرط في مجتمعات الشبكات المعاصرة. هكن اعتبار هذا الفضاء الحضري 
الجديد جزءا مما بعد المركزية البشرية ويتجاوز الإطار المرجعي الفيتروفي للمقياس 
الإنساني. استجابة للشواغل اممحلية والتحديات العامية. تواجه «الجامعة التعددية» 
المعاصرة متطلبات سوق العمل التنافسية والثقافة العاممية وعام الشركات» بينما 
تتابع مهامها التقليدية من التفوق العلمي وام مواطنة المستنيرة. ستكون مدن الغد 
مراكز حية للتعلم» وسمسرة اممعلومات واممارسة اممعرفية اممشتركةء اممبنية على 
شبكة اجتماعية مكثفة. بعد الموانئ البحرية والمطارات» ستكون موانئ الإنترنت 
هي بوابة التنقل في مدن الألفية الثالثة. 

هذا يأخذني إلى الجانب الثاني من العهد الجديد بين الجامعة واممدينة ف الألفية 
الثالثة: البعد ال مدني. أكثر من أي وقت مضىء» تحتاج الجامعة إلى السعي لتحقيق 
هدفها المتمثل في ضمان البحوث الممستقلة واممارسة التربوية البناءة والتفكير 
النقدي. بالإضافة إلى الدور الذي هكن أن تمارسه الجامعات المعاصرة باعتبارها 
محورا تكنولوجيا رئيسا ومراكز عاطمية لنقل ال معرفة» هكن مزيج الابتكار والتقاليد 
أن يحافظ على الأهمية المستمرة ممؤسسة الجامعة في العام المعاصر. إن الجمع 
بين اممهارات الفنية وامسؤولية اممدنيةء والاهتمام بالاستدامة الاجتماعية والبيئيةء 


198 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 


والعلاقة ال مميزة مع النزعة الاستهلاكية» هي القيم الأساسية للجامعة التعددية 
المعاصرة. كان بيل ريدنغز (1996) يشير إلى ذلك عندما أشار إلى احتمال أن 
الجامعة الممعاصرة قد تساعد في إعادة بناء المجتمع والانتماء بعيدا عن القومية 
الكلاسيكية من ناحيةء والنزعة الاستهلاكية من ناحية أخرى. بالإشارة إلى عمل 
بلانشوت (10ء«ه81)» يدعو ريدنغز إلى نموذج جديد للجامعة بوصفها مجتمعا 
لذوات ما بعد الهوية وما بعد الإنسان. سيكون النموذج مجتمعا من دون هوية 
ثابتة أو وحدة ثابتةء لشعب وجامعة تعددية قادمين. 

لهذا آثار عميقة في دور ومكانة النظرية. أتذكر اليوم الذي تمحور فيه هذا الفكر 
المعين داخل رآسي. كنتت في حفل لوري أندرسون ê )اaurie Anderson)‏ باریس 
في أواخر الثمانينيات. إنها واحدة من هؤلاء الفنانين اممفاهيميين الذين تكشفوا 
عن مثقف عام وخلقوا تعبيرات صوتية وجمالية للتحولات في عصرنا. كانت أغنية 
«صSuperma‏ 0» أول أغنية سيرانية تحقق نجاحا عامميا - حدس طا بعد الإنسان 
القادم - في حین أن »Strange Angels»‏ هي إعادة تقييم نقدية لأطروحات والتر 
بنيامين ¬1١(‏ ز١8‏ ١ء1ه۷)‏ حول فلسفة التاريخ» وتلمح إلى استمرارية جديدة 
بين ذكرى الأشياء الماضية واستدامة المستقبل. في هذا الحفل الموسيقي بالتحديدء 
عرفت أندرسون» التي ستشرع قريبا في الإقامة في وكالة ناسا كفنان» عمل الأشخاص 
الذين اعتادوا أن يطلقوا على أنفسهم «مفكرين» بأنهم أصبحوا «مقدمي محتوى». 
ذلك كان في أواخر الثمانينيات. تلقيت الأسبوع الماضي إعلانا عن مؤتمر كبير حول 
مستقبل التعليم الأوروي ست فيه لوحة كاملة للأبحاث حول «سماسرة الأفكار». 
يستلزم ذلك الأفكار التسويقية والإعلانيةء بدلا من البحث والتجريب الأساسيين؛ إنه 
لا يتطلب حتى الإبداع التخيلي بشكل خاص. يترك الأكادهيون لسمسرة الأفكارء في 
حين توفر شبكاتُ اممعلومات المحتوى وتكون مستقلة بشكل متزايد في صنع القرار. 
في كل مكان» توزع مساحة المدينة «الذكية» اممتفجرة وامموسعة منتجات اممعرفة 
على الطلاب - اطمستخدمين الذين يبرعون في مجال ال معرفة بالبنية التحتية. مرحبا 
بکم في امستقبل! 

لقد بدأ هذا المستقبل بالفعل ف التنظيمات التي لا نهاية لها والقيود المالية 
التي ابتلي بها العام الأكادهي امعاصر وهي حادة بشكل خاص ف العلوم الإنسانية. 


199 


ما رعد الإنسان 


يجادل لويس ميناند بأن جامعة الأبحاث الحديثة ليست تجسيدا للحقائق الأبدية 
والأفكار الكونية» وليست فوذجا للحقيقة والجمال والفضيلة. إنها في الواقع 
بيروقراطية مرهقة ومكلفة: 
إنها ضعيفة فلسفيا وتشجع على التوقع الفكري» والعزلة اممهنيةء 

وعدم الأهمية الاجتماعية. تستحق أن تستبدل. ولكن إذا استبدلت» 

فإنه من مصلحة كل من يقدر النزاهة اطمستمرة في التدريس والبحث 

أن تستنبط بنية مؤسسية جديدة تؤدي الوظيفة نفسها. وإلا ستقتل 

الحرية الأكادهية بسبب ذلك الشيء الذي يقتل في أمريكا بسرعة وبكل 

تأكيد: ليس الأفكار السيئة» ولكن نقص الأموال (19 :1996 ,ل2" .)Me‏ 

تسبب هذا السياق الاجتماعي والاقتصادي السلبي للندرة اطمالية في تدهور 
واضح ف ظروف العمل لجميع امموظفين ف الجامعة الليبرالية الجديدة العادية 
في جميع أنحاء العام. يعلق ستيفان كوليني على هذه المسألة بذكاء تقليدي: 
«الحياة مشتتة الذهن والمغمورة بالأرقام وام مجنونة باممراجعات والجارية نحو 
ا منحل معظم الأكادهيين ا معاصرين لاتزال بعيدة عن اشّل الكلاسيكية للحياة 
التأملية» (19 :2012 ,i«ذااه)).‏ الواقع أن الأكادهيين يعملون على نحو يشبه 
المديرين التنفيذيين ذوي الرتب الممتوسطة في منظمة أعمال يديرها محاسبون 
ومستشارون مالیون آکثر من کونهم باحثین مستقلین في مجتمع منظم ذاتيا. 
أصبح أكثرهم نجاحا ماهرا جدا في الحصول على المنح الخارجية والتمويل. 
ويعرفون أيضا باسم «مقاولو المناقصات». ومن ناحية أخرى لا تستنكر 
روزالیند غيل (2010 ,11ز 4«ناهءه۸) ظروف العمل ف العام الأكادهي فقط 
بل إنها تحاول أيضا تقييم الأضرار التي تسببها لكل من الأفراد وامؤسسات 
التي يحكم فيها التوتر والتنافس. تشكل هشاشة الموظفين الشباب مصدر قلق 
خاصا. تؤكد كوليني: «إن ظروف عمل المموظفين المبتدئين وال مؤقتين في بعض 
المؤسسات غير اممؤهلة تقارن» في حالات محدودة» مع ظروف المموظفين في مركز 
الاتصال» (19 :2012). 

وعلى رغم ذلك من غير المنطقي قليلا التفکير في كل هذا من موقعي 
المحدد» في مدينة أوترخت القدهة» في قلب العام القديم. لقد أصبحت الممدينة 


200 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 
والجامعة هنا متشابكتين للغاية على مدار قرون من الزمن بحيث يصعب 
تحديد الهيكل الحضري والمدني بصرف النظر عن الهيكل الأكادهي. المدينة 
والجامعة وجهان لعملة واحدةء وقد لا يكون من السهل تحويل أسس تفاعلهما 
باسم مأزق ما بعد الإنسان. ما الذي قد يبدو عليه مخطط الممستقبل؟ أريد 
أن أقاوم الرؤى المروعة لآخر الأساتذة كنوع يحتضر (2008 ue,‏ ع00«0). 
هكن للعلوم الإنسانية ما بعد الإنسانيةء التي تتميز بتحالف جديد بين الفنون 
والعلوم» وإثراء من التقاليد الأكادهية واممدنية القدهة الأوروبيةء رعاية ولاءات 
متعددة وبيئات جديدة من الانتماء. هكنها إعادة تعريف الكوزموبوليتانية 
والوفاء بالتعريف ما بعد الإنساني لأوروبا كمكان مرتبط تاريخيا وأخلاقيا بإعادة 
الصياغة النقدية لتاريخه. 
تبعا لذلك» فإننا بحاجة إلى جامعة تبدو مثل المجتمع الذي تعكسه 
وتخدمه» أي ا مجتمع المعو الْتَوَسّط تكنولوجياء وا متنوع إثنيا ولغوياء والذي 
لايزال متوافقا مع اممبادئ الأساسية للعدالة الاجتماعية» واحترام التنوع» ومبادئ 
الضيافة والالتزام. إنني أدرك» ولكنني لا أمانع» الطابع الإنساني المتبقي على هذه 
التطلعات» والذي أعتبره في أحسن الأحوال تناقضا مثمرا. ضد البناء الاجتماعي 
للنسيان اممتعمد والجهل الفظء أدافع عن طموح أساسي ممبادئ شاملة للترابط 
ما بعد الإنساني. تحتاج الجامعة الملتزمة بجدية بتمثيل عام اليوم إلى معالجة 
هذه القضايا من خلال إنشاء مجالات عابرة للتخصصات تستكشف إنتاج 
المعرفة في عام تمكنه التكنولوجيا؛ والعلاقة الجديدة بين الفنون والعلوم؛ والواقع 
متعدد اللغات الناجم عن العوطمة. في تدفق جديد من الإبداع الفكري» ستشمل 
العلوم الإنسانية ما بعد الإنسانية في الجامعات التعددية: امعلوماتية الإنسانية. 
أو العلوم الإنسانية الرقميةء والعلوم الإنسانية المعرفية أو العصبيةء والعلوم 
الإنسانية البيئية أو المستدامةء والعلوم الإنسانية البيولوجية الوراثية والعامية. 
سوف تتابع أيضا مشروع التحقيق في نوع أساليب البحث والأفكار التي تطور 
من خلال الممارسات الأدبية والفنية. ستستمر في دعم «السعي الدؤوب للعقل 
الإنساني نحو فهم أكمل» (27 :2012 ,ن«نااه۳)» والذي هو المهمة الأساسية 
للعلوم الإنسانية. 


201 


ما رعد الإنسان 


وبعبارة آخرى» أعتقد أن العلوم الإنسانية همكنها أن تبقى على قيد الحياة 
وستزدهر فعلا وفق قدرتها ورغبتها في الخضوع لعملية تحول كبيرة في اتجاه 
ما بعد الإنسان. لكي نكون جديرين بعصرناء نحتاج إلى أن نكون براغماتيين: 
نحتاج إلى مخططات للتفكير والتمثيل التي تمكننا من أن نفسر مصطلحات 
قوية التغييرات والتحولات الجارية على الطريق. نحن نعيش بالفعل في حالات 
داثمة من الانتقال والتهجين والتنقل البدوي» في مجتمعات متحررة (ما بعد 
نسوية)» متعددة الأعراق وذات درجات عالية من التدخل التكنولوجي. 
هذه ليست أحداثا بسيطة وليست خطية» ولكنها ظواهر متعددة الطبقات 
ومتناقضة داخليا. إنها تجمع بين عناصر الحداثة الفائقة وشظايا الآثار 
الجديدة: التقدم التكنولوجي العالي والبدائية الجديدة الأمر الذي يتحدى 
منطق الوسط اممستبعد. 

غالبا ما تكون الثقافة ا معاصرة والتعليم المؤسسي غير قادرين على تمثيل هذه 
الحقائق بشكل كاف. إنهما يفضلان بدلا من ذلك اللازمة الحزينة ال متوقعة عن 
نهاية الأبديولوجيات» والتي تعمل بشكل متزامن مع اعتذار «الجديد». الحنين 
والإفراط في الاستهلاك يتكاتفان» تحت سيطرة الاستعادة الليبرالية الجديدة 
للفردية التملكية. ومع ذلك فإن هذه الرؤية الوحدوية للذات الإنسانية لا 
هكن أن توفر ترياقا فعالا لعمليات التفتت والتدفقات والطفرات التي تميز 
عصرنا. نحتاج إلى أن نبدأً من مواقع ذات علائقية وغير وحدوية حتى نتعلم 
كيف نفكر بشكل مختلف عن أنفسنا وأنظمة قيمناء بدءا من رسم الخرائط 
ا مناسب للمواقع ما بعد الإنسانية المضمنة واممتجسدة. 

لا هكن أن تكون الجامعة التي تشبه عامنا اليوم إلا «جامعة تعددية» 
وهي مؤسسة انفجرت وتوسعت لتؤكد وجود ما بعد الإنسانية البناءة. لذلك لا 
مكنها دعم التعليم لغرض وحيد هو الاندماج في سوق العمل» ولكن أيضا من 
أجل التعليم ذاته. نحن بحاجة إلى تبني اللاربح باعتباره قيمة أساسية في إنتاج 
المعرفة اممعاصرةء لكن هذا التسويخ يرتبط ببناء آفاق اجتماعية للأمل ومن ثم 
فهو تصويت على الثقة ف الاستدامة الممطلقة للمستقبل (2006 ,ذاه idةإ8).‏ 
المستقبل ليس أكثر أو قل من تكافل بين الأجيال» ومسؤولية تجاه الأجيال 


202 


العلوم الإنسانية ما بعد الإنسان: الحياة ما وراء النظرية 
القادمة» ولكنه أيضا حلمنا المشترك» أو هلوسة توافقية”"'. تصف كوليني 
ذلك بشكل جميل (2012: 199): «نحن مجرد أمناء للجيل الحالي للميراث 
الفكري ال معقد الذي مم نخلقه» وليس لنا تدميره». تعمل العلوم الإنسانية ما 
بعد الإنسانية بالفعل ف الجامعة التعددية العامميةء ليس فقط لدرء الانقراض» 
ولكن أيضا لتحقيق مستقبل ما بعد إنساني مستدام. 


203 


لا پکننا جميعا أن نقول» حتى مع قدر 
ضئيل من اليقينء إننا أصبحنا في الواقع ما بعد 
إنسانيين» أو إننا ذلك فقط. يصر البعض منا 
على الشعور بالارتباط التام ب «الإنسان» ذلك 
المخلوق المألوف منذ زمن سحيق والذي هو 
بوصفه نوعاء ووجودا کوکبیا وتشکیلا ثقافیاء 
يعني اطا معينة من الانتماء. كما لا مكننا أن 
نفسرء بأي درجة من الدقة. الطارئ التاريخي 
أو التقلبات الداخلية أو المصيرية» التي أدخلتنا 
إلى عام ما بعد الإنسان. ومع ذلك فإن فكرة 
ما بعد الإنسان تتمتع الآن بشهرة واسعة 
في العصر المعروف باسم الأنأروبوسين. فتثير 
«الأمل هو وسيلة للحلم مستقبل محتمل» الغبطة بشكل كبير وتحفز التمتيل الثقاف 


205 


ما رعد الإنسان 


امثير للجدل. الأهم من ذلك في هذا الصدد هو أن مأزق ما بعد الإنسان يفرض 
ضرورة التفكير مجددا والتفكير الجدي ف وضع الإنسان» وأهمية إعادة صياغة 
الذاتية وفقا لذلك» والحاجة إلى اختراع شكال العلاقات الأخلاقية والقواعد والقيم 
التي تليق بعصرنا ا معقد. وهذا يستدعي أيضا إعادة تعريف أهداف وهياكل 
الفكر النقدي ويتعلق الأمر في النهاية بالوضع المؤسسي للحقل الأكادهي للعلوم 
الإنسانية في الجامعة اممعاصرة. 

افتتح هذا الكتاب بأربعة مشاهد تبين إثارة وأهوال عصرنا: تراجع الفجوة 
بين الطبيعة والثقافة والدرجات العالية من الوساطة التقنية التي تخلق سلسلة 
من المفارقات» مثل الإنسانية الشاملة المرتبطة إلكترونيا والتي تولد أيضا 
التعصب وحتى العنف الناجم عن كراهية الأجانب. تتكاثر النباتات والحيوانات 
والخضروات المعدلة وراثيا إلى جانب فيروسات الكمبيوتر وغيرهاء بينما تواجهنا 
ا مركبات المسلحة والطائرات التي لا يسيرها الإنسان بطرق جديدة للموت. يعاد 
إنشاء الإنسانية باعتبارها فئة سلبية» متماسكة بفعل الضعف الممشترك والخوف 
من الانقراض» ولكن أيضا تُفكك بسبب الأوبئة الجديدة والقدهة» في حروب 
«جديدة» لا نهاية لها ومعسكرات اعتقال وهجرة للاجئين. غالبا ما برد على 
نداءات الأشكال الجديدة للعلاقات الكوزموبوليتانية أو الروح العاممية من خلال 
أعمال القتل التي يرتكبها أمثال بيكا إيريك أوفينين أو أندريه بيرينغ بريفيك 
.PAndres Behring Breivik‏ 

حاول هذا الكتاب أن يحلل ق أمواج متعاقبة تناوب سحر حالة ما بعد 
الإنسان والاهتمام بجوانبها غير الإنسانية وحتى اللاإنسانية. لقد آكدت طوال 
الحديث عن أهمية النظرية النقدية» بحيث تكون معنى مزيج من النقد 
والإبداع يجعل من الضروري أن نتعايش مع الحاضر بطرق أساسية وجديدة. 
اهتماماتي الرئيسة هي: كيفية العثور على تمثيلات نظرية وخيالية مناسبة 
لظروف حياتنا وكيفية تجربة أشكال بديلة من الذاتية ما بعد الإنسانية. 
الأسئلة الأربعة الرئيسة التي طرحتها في البداية هي التي صاغت هذا الكتاب 
باعتباره رحلة عبر المشهد متعدد الأوجه ما بعد الإنسان: كيف هكننا أن نأخذ 
في الحسبان ال مسارات الفكرية والتاريخية التي رها تكون قد دفعتنا إلى ما بعد 


206 


الخلاصة 
الإنسان؟ ثانياء أين تترك حالة ما بعد الإنسان الإنسانيةء وبشكل أكثر تحديد 
ما الأشكال الجديدة من الذاتية التي تولدها؟ ثالثاء كيف هكننا أن نمنع ما 
بعد الإنسان من أن يصبح غير إنساني أو لاإنساني؟ وأخيراء ما وظيفة العلوم 
الإنسانية والنظرية في عصر ما بعد الإنسان؟ هذه الأسئلة ليست خطية ولكنها 
متشابكت وتتتیخ طريقا متعرجا عبر مشهد مسقه. لقد تبئيت موقف التكلم 
وموقع الكتابة ممقتفي الأثر ورسام الخرائط ليس فقط من أجل تفسير التحولات 
الصعبة ولكن أيضا لتفسير بعض التناقضات الملازمة لعصرنا الحالي. دعونا نر إلى 
أي مدى وصلنا في نهاية هذه الرحلة. 


الذاتية ما بعد الإنسانية 

الذات ما بعد الإنسانية لا تنتمي إلى ما بعد الحداثةء لأنها لا تعتمد على آي 
أسس معادية للأصولية. كما أنها لا تنتمي إلى ما بعد البنيويةء لأنها لا تعمل ضمن 
المنعطف اغوي أو غره سن أفكال التفكيك, وحيت ل أذطر ,شمن صاخيات 
الدلالة التي لا تقهر» فهي لا تجبر للسعي إلى الحصول على تمثيل كاف لوجودها 
شمن ظام غر قاور مكو را عن ج الرف الواجب كوك ميا فان داه 
أو «قانون»» لا هكن للدال اللغوي في أحسن الأحوال إلا أن يوزع الانحباس ونع 
التمكين. تعتمد سلطته السيادية على المشاعر السلبية التي تلتمسهاء مما يؤدي 
إلى الجوع حين يكون واجبه إيصال الشبع» من خلال الحسدء والإخصاءء وتشجيع 
اط إدمان على استهلاك ال مواد المادية والخطابية والثقافية. 

إن الذات ما بعد الإنسانية البدوية هي مادية وحيوية» متجسدة ومتضمنة 
- إنها ثابتة في موقعهاء وفقا للمحايثة الراديكالية ل «سياسة الموقع» التي 
أكدتها طوال هذا الكتاب. إنها ذات متعددة الأوجه وعلائقية» مفهومة ضمن 
أنطولوجيا أحادية» من خلال عدسات سبينوزاء ودولوز وغاتاريء بالإضافة إلى 
النظريات النسوية وما بعد الاستعمارية. إنها ذات تتحقق من خلال الحيوية 
العلائقية والتعقيد الأولي اللذين هيزان الفكر ما بعد الإنساني نفسه. 

إن السياسة الحيوية تنفصل بوضوح عن فكرة سيادة الثقافة وتفضيل 
الدلالة على تكوين الذات» التي أصبحت مرجعية بفضل ما بعد البنيوية 


207 


ما رعد الإنسان 


والتحليل النفسي. لا يوجد أي أصل أو تصور ثابت لذات يزعم آنها «غير 
محددة» من قبل مصفوفة القوةء سواء کانت «فالوس» (ئں ]1ه ط۴) أو «لوغوس» 
(١0ع10)‏ أو عقلانية المركزية الأوروبية الإعلائية أو معيارية المغايرة الجنسية. 
القوة ليست موقعا ثابتا تديره سلطة واحدة. تضع السياسة الأحادية الآليات 
المختلفة لتوزيع تأثبرات القوة في لب الذاتية. الآليات متعددة الالتقاط تولد 
أيضا أشكالا متعددة من المقاومة. تشكيلات القوة محددة زمنيا ومؤقتة 
وتعتمد على العمل الاجتماعي وعلى التفاعل. تعد الحركة والسرعة وخطوط 
الرسيب وخطوط الطيران من العوامل الرئيسة التي تؤثر في تكوين ذات ما 
بعد إنسانية غير وحدوية. 

تعتبر الرؤية البدوية للذاتية نقطة انطلاق جيدةء لكننا بحاجة إلى دفعها 
إلى الأمام» وربطها بفكرتين أساسيتين أخريين: الرغبة كامتلاء والأخلاق ما بعد 
الإنسانية. ينتج عن فكرة الرغبة كامتلاء وليس كنقص أسلوب أكثر تحولا وأقل 
سلبية تجاه الذات العلائقية البدوية أكثر من المسموح به في السابق» على سبيل 
المثال من خلال الذات اممنقسمة عند نظريات التحليل النفسي. الذات البدوية 
هي فرع من نظرية التعقيد وتعزز التركيز المستمر على أخلاقيات التحول 
الراديكالية. هذا لا يعني إنكارا للدور الذي هارسه الطارئ التاريخي والرموز 
الثقافية في تشكيل الذات» بل هو إخضاع هذه العوامل ذاتها لتحديث جدي في 
ضوء هياكلها وتراكيبها اممتغيرة. كما يجادل دولوز وغاتاري ف نقدهما للتحليل 
النفسي (1977)»ء فإن فكرة جاك لاكان («aء14‏ sمسuوءه[)‏ عن الرمزية قدهة 
كقدم صورة بولارويد لعامم تطور منذ ذلك الحين. فهي تصور إطارا متجمدا 
من العلاقات الأسرية وغيرها من العلاقات بين الذوات في وقت تستثمرهم به 
الرأسمالية المتقدمة بتدوير هادم تاما. مت الطبيعة السياسية الحيوية لهذا 
النظام بشكل كبير منذ سبعينيات القرن الماضي» مما أثر في أشكال جذرية 
جديدة من العلائقية بين الذوات. إن قول عكس هذا هو اعتناق للماهوية 
النفسية وحكم يبعد حياتنا الروحية عن التاريخ والتحولات الاجتماعية. 
ستكون النفس - مع مضاعفاتها العاطفيةء التي يغلب عليها الخيال وتحركها 
الرغبة - ثابتة إلى الأبد في طي النسيان غير التاريخي» تؤطرها القوة الناسخة 


208 


الخلاصة 
لذاته الدالة رئيسة طاغية. بالنسبة إلى كل أتباع «الواقعية الممادية» فإن هذه 
الرؤية الحزينة لذات مرتبطة بشكل يائس بظروف عجزها الخاص هي مجرد 
تمثيل غير كاف ما نحن عليه في عملية الصيرورة. يجب أن نكون «جديرين 
بالحاضر» ا ثم نكون جزءا من الثقافة المعاصرةء التي تجسد وتدمج ذات 
هذا العام بالذات. بعيدا عن كونه هروبا من الواقع» إن فكر ما بعد الإنسان 
يدرج الذات ال معاصرة في ظروف تاريخية خاصة بها. 

وعلى المنوال نفسه» فالحياة ليست فكرة ميتافيزيقية» ولا نظاما سيميائيا 
للمعاني؛ هي تعبر عن نفسها من خلال أفعال تجريبية متعددة: ليس هناك ما 
يقال» لكن هناك كل شيء لنفعله. الحياةء ممجرد كونها الحياةء تعبر عن نفسها 
بتحقيق تدفقات من الطاقات» من خلال رموز من اممعلومات الحيوية عبر 
أنظمة جسدية وثقافية وتكنولوجية شبكية معقدة. لهذا تجدونني أدافع عن 
«حب القدر» كنهج لقبول العمليات الحيوية والكثافة التعبيرية للحياة التي 
نشاركها مع العديد من الآخرين» هنا والآن. 


أخلاقيات ما بعد الإنسان 

نحن نصبح ذواتا ما بعد إنسانية أخلاقية في قدراتنا المتعددة للعلاقات عبر 
جميع أنواع وأساليب التواصل بواسطة رموز تتخطى العلامة اللغوية بتجاوزها 
في العديد من الاتجاهات. في هذه ال مرحلة بالذات من تاريخنا الجماعي» نحن 
ببساطة لا نعرف ما الذي هكن أن تحققه بالفعل ذواتنا امتجسدة وعقولنا 
وأجسادنا المجتمعة. نحن بحاجة إلى معرفة ذلك من خلال تبني أخلاقيات 
التجربة بشكل مكثف. فالخيال الأخلاقي ما زال حيا وبصحة جيدة ف الذوات 
ما بعد الإنسانيةء على شكل علائقية أنطولوجية. تعتمد الأخلاقيات اممستدامة 
للذوات غير الوحدوية على إحساس موسح بالترابط بين الذات والآخرين» ها في 
ذلك الآخرون من غير البشر أو آخري «الأرض»» من خلال إزالة عقبة الفردية 
المتمحورة حول الذات من جهة وحواجز السلبية من جهة أخرى. 

بعبارة أخرى» أن يكون المرء ما بعد إنسانيا لا يعني آن يكون غير مبال 
بالإنسان» أو أن يكون منزوع الإنسانية. على العكس من ذلك فإنه يعني 


209 


ما رعد الإنسان 


ضمنا طريقة جديدة للجمع بين القيم الأخلاقية ورفاهية الإحساس المموسع 
با مجتمع» ما في ذلك التداخل الإقليمي أو البيئي للفرد. هذا رابط أخلاقي 
من نوع مختلف تاما عن المصالح الذاتية لذات فردية» كما هو محدد وفقا 
للخطوط ال مرجعية للحركة الإنسانية الكلاسيكية» أو من قبل الكونية الأخلاقية 
للكانتيين واعتمادهم على توسيع نطاق حقوق الإنسان ليشمل جميع الأنواع 
والكيانات الافتراضية والتراكيب الخلوية (2006 ,ص سuةطووں.).‏ كما أن نظرية 
ما بعد الإنسان تسند العلاقة الأخلاقية على أسس إيجابية للمشاريع والأنشطة 
ا مشتركة» وليس على سس سلبية أو تفاعلية من الضعف المشترك. 

إن رؤية الذات هذه امموجهة نحو العمليةء قادرة على الوصول إلى الكونية. 
على رغم أنها ترفض الكونية الأخلاقية وامعرفية. إنها تعبر عن شكل جزئي 
وثابت من اطمساءلةء يستند إلى شعور قوي بالجماعة والعلائقيةء مما يؤدي إلى 
تجدد المطالبة بامجتمع والانتماء بواسطة الذوات الفردية. تشير لويد إلى هذه 
الادعاءات ذات الطابع الكوني الصغيرء والمحددة مكان معينء بأنها «أخلاق 
تعاونية» (74 :1996 ,dلyه11).‏ اممعايير المعلنة لهذه الأخلاقيات الجديدة 
تشمل: اللاربحية؛ التركيز على الجماعة؛ قبول العلائقية والتلوثات الفبروسية؛ 
جهودا متضافرة في تجربة وتحقيق الخيارات المحتملة أو الافتراضية؛ وارتباطا 
جديدا بين النظرية والتطبيق» ها في ذلك دور مركزي للإبداع. إنها ليست أوامر 
أخلاقيةء ولكنها أطر ديناميكية لتجربة مستمرة مع الكثافات. يجب أن تَسَنْ 
جماعياء حتى تنتج رسومات فعالة حول قدرة الأجساد على التحمل» ولهذا 
السبب أسميها أيضا «عتبات الاستدامة» (2006 ,i٤٤هلنهإ8).‏ إنها تهدف إلى 
إنشاء روابط جماعية أو مجتمع أو كيان سياسي عاطفي جديد. 

إن الفكرة الأساسية في أخلاقيات ما بعد الإنسان البدوية هي إعلاء 
السلبية. ما يعنيه هذا بشكل ملموس هو آن شروط تجديد الوكالة السياسية 
والأخلاقية لا هكن استخلاصها من السياق المباشر أو الحالة الراهنة للأوضاع. 
يجب أن ولد بشكل إيجابي ومباشر من خلال الجهود الموجهة لخلق 
مستقبل ممکن» من خلال توفیر الموارد والرؤی التي تركت من دون استغلال 
وتحقيقها ف الممارسات اليومية للتواصل مع الآخرين. يتطلب هذا اممشروع 


210 


الخلاصة 
مزيدا من القدرة على الرؤية أو الطاقة الاستباقية» وهي صفات ليست رائجة 
في الأوساط الأكادهيةء ولا تتمتع بتقدير كبير من الناحية العلمية في هذه 
الأوقات من السعي القسري إلى «التفوق» اممعوم. ومع ذلك فإن الدعوة 
إلى مزيد من الرؤية تنبثق من عديد من الأوساط ضمن النظرية النقدية. 
متلك النسويون تاريخا طويلا وغنيا فيما يتعلق بامطالبة بزيادة البصيرة. 
منذ الأيام الأولى» وصفت جوان كيلي (1979 ,رااء× «هه[) النظرية النسوية 


ء 


لقد كان هذا البعد الإبداعي محوريا منذ ذلك الحين (,1997 ,ه14۲4 
Rie, 1‏ ;2003) وهو یشکل جوهرا [یجابیا وابتکاریا لنظریات المعرفة 
الراديكالية للحركات النسوية والجندر والعرق وما بعد الاستعمار. الإهان 
بالقوى الإبداعية للخيال هو جزء لا يتجزآً من تقييم النسويات للتجربة الحية 
المجسدة والجذور الجسدية للذاتيةء والتي من شأنها التعبير عن التفردات 
المعقدة التي أصبحت عليها النساء ا متجسدات بالنسوية. بكل بساطةء لا 
مكن تصور الإبداع المفاهيمي من دون بعض من البصيرة. 

العقول النبوية أو ذات البصيرة هي مفكرو اممستقبل. إن المستقبل باعتباره 
موضوعا نشطا للرغبة يدفعنا إلى الأمام ويحفزنا على أن نكون نشيطين في 
الحاضر والآن من وجود مستمر يدعو إلى المقاومة والفعالية المضادة للبدائل. 
هكن للتوق إلى مستقبل مستدام بناء حاضر قابل للعيش. هذه ليست قفزة 
إهانية» لكنها تحول نشط, تحول ف امستوى اممتعمق (2006 ,ذاه لذةإ8). يعد 
البعد النبوي أو التبصيري ضروريا لضمان قبضة إيجابية على الوقت الحاض 
باعتباره منصة الانطلاق لتحقيق الصبرورة الممستدامة أو التحولات النوعية 
للسلبية والاستبدادات الحالية. المستقبل هو الظهور الافتراضي للجانب الإيجابي 
للحاضرء والذي يفي بالتزاماتنا للأجيال القادمة. 


السياسات الإيجابية 
إن السعي وراء المشاريع الجماعية الهادفة إلى تأكيد الأملء المتجذرة في 
الممارسات الصغرة العادية للحياة اليوميةء هو إستراتيجية لإنشاء واستدامة 


211 


ما رعد الإنسان 


ورسم تحويلات مستدامة. الدافع وراء البناء الاجتماعي للأمل يرتكز على 
الشعور باممسؤولية واممساءلة بين الأجيال. اللامعقولية والشعور بالأمل جزءان 
أساسيان منه. الأمل هو وسيلة للحلم مستقبل محتمل: فضيلة استباقية تتخلل 
حياتنا وتنشطها. إنه قوة تحفيز قوية لا ترتكز فقط على المشروعات التي 
تهدف إلى إعادة بناء الخيال الاجتماعي» ولكن أيضا في الاقتصاد السياسي 
للرغبات والتأثيرات والإبداعات التي تؤكد ذلك. 

تعمل الممارسات امعاصرة للذاتية ما بعد الإنسانية على اتباع نهج أكثر 
إيجابية للنظرية النقدية. إلى جانب الرؤى الوحدوية للذات وعمليات التمثيل 
الغا لعمليات تكوين الذات» مكن لفكر ما بعد الإنسان أن يحافظ على الذوات 
ا معاصرة في الجهود الرامية إلى توحيدها مع العام المتغير الذي تحاول إحداث 
تغيير إيجابي فيه. على سبيل اممثال» ضد التقاليد الراسخة للقومية المنهجية» هكن 
تفعيل صورة مختلفة للفكر والتي ترفض الكونية الأوروبية وتثق في قوى التنوع 
الكوكبي. نحتاج أيضا إلى تجنيد العاطفة والذاكرة والخيال للمهمة الحاسمة 
ا متمثلة في اختراع أشكال جديدة وطرق جديدة لتمثيل الذوات المعقدة التي 
أصبحناها. العلم نفسه مدرج اجتماعيا ومتكامل بيثيا ليس على طول المحور 
القومي ولكن في شبكة بدوية من الوصلات على مستوى عام ما بعد الإنسان. 

ومن ثم» فإن التحول إلى مرحلة ما بعد الإنسان هو عملية لإعادة تعريف 
إحساس الممرء بالارتباط والاتصال بعامم مشترك» فضاء إقليمي: حضري» اجتماعي» 
نفسي» إيكولوجي» كوكبي. إنه يعبر عن بيئات متعددة من الانتماء بينما يسن 
تحويل إحداثيات الفرد الحسية والإدراكيةء من أجل الاعتراف بالطبيعة الجماعية 
والاتجاه الخارجي ها لانزال نسميه الذات. هذا ف الواقع عبارة عن تجمع متنقل 
داخل فضاء حياة مشترك لا تسيطر عليه هذه الذات أبدا ولا تمتلكه» بل تسكنه 
أو تعبره دانيما في مجتمع أو حزمة أو مجموعة. بالنسبة إلى نظرية ما بعد الإنسانء 
فإن الذات عبارة عن كيان مستعرض» مغمور بالكامل في شبكة من العلاقات 
غير البشرية (الحيوانية. النباتيةء الفيروسية). يصور الكائن المجسّد اممتمركز حول 
«زوي» من خلال روابط علائقية من النوع امملوث/ الفيروسي التي تربطه مجموعة 
متنوعة من الآخرين» بدءا من الآخرين البيئيين وتشمل الجهاز التكنولوجي. 


212 


الخلاصة 

هذا النوع غير الماهوي للحيوية يقلل من غطرسة الوعي العقلانيء والذي 
هو بعيد كل البعد عن كونه عملا إعلائيا رأسياء بل تعاد صياغته ويُدفع 
نحو الأسفل في تمرين تثبيتي للمحايثة الراديكالية. إنه عمل لإظهار الذات 
على العام» مح إرضاء العام بداخله. ماذا لو كان الوعي» ف الواقع» مجرد 
وسيلة معرفية آخرى للارتباط بالبيئة الخاصة وبالآخرين؟ ماذا لو بامقارنة 
مع امعرفة ام محايثة للحيوانات» فإن التمثيل الذات الواعي قد أفسدته الأوهام 
الرجسية الإعلائية ومن ثم أعمي عن طموحاته إلى الشفافية الذاتية؟ ماذا 
لو كان الوعي غير قادر في النهاية على إيجاد علاج ممرضه الغامض» هذه 
الحياةء «زوي» هذه» قوة غير شخصية تحركنا دون طلب إذن منا لفعل ذلك؟ 
زوي هي قوة غير إنسانية تمتد إلى ما وراء الحياةء إلى طرق جديدة وحيوية 
للاقتراب من المموت باعتباره حدثا غير شخصي. تقود عملية الأنطولوجيا التي 
تركز على الحياة ذات ما بعد الإنسان إلى مواجهة هذا المموقف بوضوح 
من دون تقديم تنازلات للذعر الأخلاقي أو الحزن. إنها تؤكد وجود دافع 
أخلاقي علماني للدخول ف آهاط العلاقة التي تعزز وتحافظ على قدرة الفرد 
على تجديد وتوسيع حدود ما هكن أن تصبح عليه الذات اممستعرضة وغير 
الوحدوية. المثل الأعلى الأخلاقي هو تفعيل الوسائل المعرفية والعاطفية 
والحسية لتنمية درجات أعلى من التمكين وتأكيد ترابط الفرد مع الآخرين في 
تعددهم. يُنظم اختيار القوى العاطفية التي تدفع عملية التحول إلى ما بعد 
الإنسان عن طريق أخلاقيات الفرح والتأكيد التي تعمل من خلال تحويل 
السلبية إلى المشاعر الإيجابية. 

إن فلسفة ما بعد الإنسان البدوية» كونها فلسفة خارجية إلى حد كبيرء 
وفلسفة للمساحات المفتوحة والتشريعات المجسدةء فهي تتطلع إلى حدوث 
قفزة نوعية من المألوف والثقة بالاحتمالات غير المستغلة التي يفتتحها موقعنا 
التاريخي في عام اليوم اممتوسّط تقنيا. إنها طريقة تجعلنا نستحق أن ننتمي إلى 
عصرناء لزيادة حريتنا وفهمنا للتعقيدات التي نعيشها في عام لا يتسم باممركزية 
البشرية أو التجسيم» بل هو جغرافي-سياسي» وإيكوسوف» ويتمحور حول زوي 
بکل فخر. 


213 


ما رعد الإنسان 


ما بعد الإنسان» إنساني بجدارة 
ذكرت في المقدمة أن شعور المرء ا بعد الإنسان يعتمد إلى حد كبير على 
مدى ارتباطه بالإنسان ف المقام الأول. ذكرت بصراحة ميولي المعادية للحركة 
الإنسانية خلال هذا الكتاب؛ إن اهتمامي ها بعد الإنسان يتناسب بشكل مباشر 
مع الإحساس بالإحباط الذي أشعر به حيال الموارد البشريةء المفرطة في إنسانيتهاء 
والقيود التي تحدد كثافتنا الجماعية والشخصية. هناك ترقب وكذلك نفاد صبر 
فيما أحاول وصفه قي هذا الكتاب. لا بد أن تجذب امساواة الحيوية لزوي أولئك 
الذين أصبحوا محبطين ومنفصلين عن اممركزية البشرية التي بُنيت في فكر 
الحركة الإنسانية» حتى فيما تبقى من اليسار السياسي والنظرية النسوية وما 
بعد الاستعمار. أنا أعيش ف نهاية زمن السلطة الحيويةء آي في خضم استهلاك 
سلطة الموت لكل ما يعيش. إنني ملتزمة بالبدء من هناء وليس من موقع يحن 
إلى نموذج إعلائي شامل» أو إلى هامش رومانسي أو إلى مثال شمولي. أريد أن أفكر 
من هنا والآن» من أختي دوللي ومن فأر أونكو كألوهيتي الطوطمية؛ من البذور 
المفقودة والأنواع ا منقرضة. ولكن أيضاء في وقت واحد ومن دون تناقض» من 
خلال الطرق اممذهلة وغير المتوقعة والتي لا هوادة فيها والتي تستمر بها الحياةء 
كبيوس وكزويء» في القتال. هذا هو نوع اممادية الذي يجعلني أساسا مفكرا ما بعد 
إنساني وعضوا بهيجا في أنواع رفيقة متعددة ف امممارسة (2003 ,ره .)114۲4W‏ 
ليس لدي آي حنين إلى هذا «الإنسان/ الرجل» المعيار ا مزعوم لكل الأشياء 
البشرية» أو لأشكال ال معرفة والتمثيل الذاتي التي صممها. أرحب بالآفاق اممتعددة 
التي انفتحت منذ السقوط التاريخي للحركة الإنسانية ذات المركزية الرجولية 
والأوروبية. أرى أن ما بعد الإنسان هو فرصة رائعة لنقرر معا ما ومن هو الذي 
نستطيع أن نتحول إليهء وفرصة فريدة للإنسانية لإعادة اختراع نفسها بشكل 
إيجابي» من خلال الإبداع وتمكين العلاقات الأخلاقيةء وليس سلبيا فقط من خلال 
الضعف والخوف. إنها فرصة لتحديد فرص المقاومة والتمكين على نطاق كوكبي. 
آنا أضع اللمسات الأخيرة على هذا الكتاب بينما تستمر ألعاب أومبياد 
لندن للعام 2012 على قدم وساق. أحد النماذج المؤثرة في هذه الألعاب هو 
أداء الرياضي الجامايكي يوسين بولت (ا1ه8 منهءلا)» الذي أنهى سباق 100 


214 


الخلاصة 
متر للرجال في 9.63 ثوان» معدل سرعة 38 كم/ساعة؛ وسباق 200 متر للرجال 
في 19.32 ثانية؛ ومع زملائه في الفريق» سباق التتابع 4 × 100 متر في رقم 
قياسي عاممي مذهل قدره 36.84 ثانية. إنها سرعة تتحدى قوى الفهم لدينا وقد 
أشعلت خيال العام امتصل عاميا. على الرغم من أنه من المتوقع أن يحسّن 
هذا العداء الاستثناني أفضل سجل شخصي له ببضع ثوان أخرى» فمن الممسلم به 
عموما أن أداء يوسين بولت «الخارق» قد مد حدود ا اع جسد الإنسان 
تحقيقه في الوقت الحالي. يتبقى لنا أن نرى إن كان هذا الحد الفاصل ثل 
حدا فسیولوجیا لا هكن التغلب علیه» أو قیدا جماعیا مفروضا بشکل ذاق» آو 
بالأحرى عتبة الاستغلال المحتمل من قبل أجساد جديدة قادمة. 
في الألعاب الأومبية ذاتهاء صنع الرياضي الجنوب الأفريقي أوسكار بيستوريوس 
)0scar Pistorius)‏ التاریخ کأول شخص مبتور بشكل مزدوج ق اممنافسة. 
على الرغم من أن الكفاح من أجل التأهل كان طويلا ومثيرا للجدل» وم يربح 
الرياضي آي وسام في النهاية» كان بيستوريوس أول إنسان مُحسْن يعمل على 
أطراف اصطناعية من ألياف الكربون وينافس أولئك المولودين بأرجل 
طبيعية. إن المدى الذي يحدد فيه أداء بيستوريوس «غير البشري» مط أشياء 
ما بعد الإنسان هو الآن سؤال مفتوح. يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت للسابقة 
التي حددها أي مستقبل وأي نوع من السيناريوهات قد تتيحها. 

حيث إننا نواجه تحولات بهذا الحجم» فمن الضروري وضع آجندة 
اجتماعية جديدة طا بعد الإنسان. يجب أن تصبح حدود وقيود الأجساد ما 
بعد الإنسانية موضوعا للمناقشات والقرارات الجماعية عبر الدواثر اممتعددة 
في نظامنا السياسي واممجتمع المدني» بطريقة لا تفترض مركزية مبادئ الحركة 
الإنسانية وافتراضات المركزية البشريةء ناهيك عن كونيتها. نحن الآن بحاجة 
إلى أن نتعلم كيف نفكر بأنفسنا طريقة مختلفة وأن نختبر مخططات أساسية 
جديدة للتفكير فيما يتعلق بالوحدة الأساسية المرجعية الجديدة المشتركة 
للإنسان. ولهذا السبب أصررت كثيرا في هذا الكتاب على مواضيع الذاتية: 
نحتاج إلى أطر عمل جديدة لتحديد النقاط الممرجعية والقيم امشتركة من أجل 
التعامل مع التحولات المذهلة التي نشهدها. يرتكز هذا الكتاب على الإهان 


215 


ما رعد الإنسان 


الراسخ بأنناء ذوات الألفية الثالثة اممبكرة ما بعد الإنسان في مواقعنا اممتعددة 
والتفاضليةء قادرون تماما على الارتقاء إلى مستوى التحدي في عصرناء شريطة 
أن نجعل ذلك مسعى جماعيا ومشروعا مشتركا. إن التطبيق العملي الفعلي 
هو أفضل طريقة للتعامل مع الاحتمالات الافتراضية التي تنفتح تحت أعينناء 
باعتبارها نتيجة للتقدم الاجتماعي والعلمي المستدام جماعيا. 

يخضع التجسيد البشري والذاتية حاليا لطفرة عميقة. مثل كل الأشخاص 
الذين يعيشون ف عصر الانتقالء لسنا دانما واضحين أو مدركين ما نحن ذاهبون 
إليهء أو حتى قادرين على شرح ما يحدث بالضبط لنا وما حولنا. بعض هذه 
الأحداث يصيبنا بالرهبة والخوف» في حين أن البعض الآخر يفاجئنا بالبهجة. 
وكأن سياقنا الحالي استمر في فتح أبواب إدراكنا الجماعي» ليجبرنا على سماع 
هدير الطاقة الكونية التي تقع على الجانب الآخر من الصمت وتمديد حدود 
اح ماه آمر ی واک کان جد سوا ان کی هال اماس پوس 
تقريباء بأننا أساسا أضغاث أحلام وأن الاحتمالات الجديدة هائلة. لا عجب أن 
کٹیرا منا یدیر ظهره إلى هذاء مفضلین أن یکونوا ممتلئین بالغباءء على حد تعبیر 
جورج إليوت. 

ومع ذلك فإن النعجة دوللي حقيقيةء ليست نتاج خيال علمي بل نتيجة 
بحثنا العلمي» وهي استثمار خيالي اجتماعي واستثمار مالي كبير. على الرغم 
من آنه معروف شعبیا باسم «بلید رانر» (۲م««س‌R‏ 4۵ه81)» فإن اوسکار 
بيستوريوس لا يحلم بالخراف الكهربائية. إن القطارات بلا قائد التي تربط 
مراكز النقل العاممية مراكز المدن الكبرى أصبحت الآن مشهدا مألوفا وأجهزتنا 
الإلكترونية امحمولة باليد قوية للغاية لدرجة أننا بالكاد مكننا مواكبتها. إن 
هذه الامتدادات والتحسينات طا هكن للأجساد أن تفعله» للإنسان وما بعد 
الإنسان» باقية معنا. هل سنكون قادرين على اللحاق بأنفسنا ما بعد الإنسانية 
أم أننا سنستمر ف البقاء في حالة نظرية وخيالية من اختلاف التوقيت (عهااءز) 
(#*) إشارة إلى رواية فيليب كي. ديك (kء2‏ .× منانط۴)» «هل تحلم الأندرويدات بالخراف الكهربائية؟» 


«(Do Androids Dream of Electric Sheep?)‏ والتي بنی علیها ریدلي سکوت (0ءS‏ رم‌النR)‏ فیلمه 
«بلید رانر» .)Blade Runner(‏ [ا}لمgحرر]۔‏ 


216 


الخلاصة 
فيما يتعلق ببيئتنا الحية؟ ليس هذا هو «العام الجديد الiجlع« Brave New)‏ 
4) للكاتب هكساي» أي تسليما مذهلا لأسوأ كوابيس الحداثة. وليس 
هو الهذيان العابر للإنسانية للسمو من الإطار الجسدي للإنسان امعاصر. هذا 
وضع جديد نجد أنفسنا فيه: ا محايث هنا والآن لكوكب ما بعد إنساني. إنه أحد 
العوام الممكنة التي صنعناها لأنفسناء وبقدر ما هو نتيجة لجهودنا المشتركة 
وتصوراتنا الجماعية» فهو بكل بساطة أفضل العوام ما بعد الإنسانية اممحتملة. 


217 


الهوامش 


Wıithe 


الهوامش 


المقدمة 


(1) The Guardian Weekly, 3-5 January 2002, p. 2. 
(2) The Guardian Weekly, 11-17 September 2003, p. 5. 
(3) The Daily Telegraph, 21 October 2011. 


الفصل الأول 

(1) على رغم أن سارتر وبوفوار م يكونا من أعضاء الحزب الشيوعي الفرنسي. 

(2) بتع هذا الفكر في الفلسفة بكل من رفض دولوز (e<»ء1ء0)‏ للرؤية الإعلائية للشخص 
1994)» وبتفكيك إريغاراي مركز الفلسفة الرجولي (ط1985 »)1985a,‏ وبنقد فوكو 
للحركة الإنسانية (1977) وبتفكيك دريدا للمركزية الأوروبية (1992). 

(3) انظر» على سبیل الممثال» إریغاراي (1993)» سیکسوز (1997 ,usه×٣)»‏ وبریدوتي 
(1991). 

)4( تی هذا النهج أيضا من قبل التحليل متعدد القطاعات intersectional analysis‏ 
الذي يدافع عن التوازي المنهجي للجندر والعرق والطبقة والعوامل الجنسية» من 
دون تسوية الاختلافات فيما بينهاء ولكن بالاهتمام سياسيا موضوع تفاعلها المعقد 
.(Crenshaw, 1995)‏ 

(5) يطلق دولوز على ذلك «ذات الأغلبية» tءءزطuء‏ زز طا أو مركز الوجود اممولاري 
.the Molar centre of being (Deleuze and Guattari, 1987)‏ إریغاراي تطلق عليه 
«الشبيه» #ءصهء ٥ط‏ أو ال «هو» م11 كثير الاعتداد به ذا الكونية الزائفة (,ره٣4ع:١1‏ 
3 ,ط1985)» بینما تنبهنا هيل كولينز («نااه۳ 1311) للتحيز الأبيض ذي المركزية 
الأوروبية للشخص صاحب معرفة الحركة الإنسانية امعين هذا (1991). 

(6) من الأسماء الأساسية في هذا المجال: فایرستون (1970 ,۸6٥۲۶۲ء۴1)»‏ وروبوثام 
«Barrett, 1980) Gıرlڊg‎ «(Mitchell, 1974) Jıتıng‎ «(Rowbotham, 1973)‏ 
ودیفيز (1981 v¡s,‏ 0(« وکوارڌ )1983 (Coward,‏ ودلفي )1984 .(Delphy,‏ 

(7) القوانين الثلاثة هي ما يلي: (1) يجب على الروبوت عدم إلحاق الأذى بإنسان» أو السماح 
لإنسان بأن يُصاب بأذى نتيجة لعدم استجابة الروبوت» (2) يجب على الروبوت إطاعة 
الأوامر التي يوجهها إليه الإنسان» فيما عدا الأوامر التي تخالف القانون الأول (3) 
يجب على الروبوت حماية وجوده» مادام ذلك لا يتعارض مع القانونين الأول والثاني. 
وضع هذه القوانين أيزاك أسيموف في قصة قصيرة في العام 1942 ثم أعيدت طباعتها 
لتصبح القصة الأكثر مبيعا عاممياء «أناء روبوت» (٤0طه۸‏ ,1)» في العام 1950 فأصبحت 
من أساسيات الدراسات السيبرانية. أضاف أسيموف لاحقا قانونا رابعا يسبق الثلاثة: 
(0) يجب على الروبوت عدم إلحاق الأذى بالإنسانيةء أو بالسماح للإنسانية أن تصاب 
بالأذى عبر عدم التصرف من قبل الروبوت. 

(8) من الأمثلة المهمة: أخلاقيات المشتتين عند أفتار براه (1996 ,ها8 إها«4) تردد 
أصداء الحركة الإنسانية الجديدة ال مناهضة للعاممية عند فاندانا شيفا (4 ۷a١‏ 
7 ره1vطS).‏ كما تحظى الحركة الإنسانية الأفريقية أو أوبونتو (u«uطلا)‏ مزيد 
من الاهتمام» من باتریشا هیل کولینز (1991 ,ئnنااەC‏ 811 )۴Pa٤1cia‏ إلى دروسیلا 
کورنیل (2002 ,ا٤٣۲‏ هاازءuا().‏ وعلى نطاق أكثر بدوية. صنفت سياسة العلاقات 
لإدوارد غليسانت (1997 ,¬aءءنا ua‏ 4ع) التهجين متعدد اللغات كلب حال ما 
بعد الإنسان اب معاصر. وتعتمد العلمانية التابعية لهومي بابا (1994 (Homi Bhabha,‏ 


221 


ما رعد الإنسان 
على الإرث الضخم لإدوارد سعید. 
(9) کما نص أيضا مورين )1987 (Morin,‏ وباسیریني )1998 )Passerini,‏ وباليبار )2004 
.(Bauman, 2004) ùleglıg (Balibar,‏ 


الفصل الثانى 

(1) بدأ النقاش عند النقاد امرتبطين بألتوسر منتصف الستينيات؛ تعود دراسة دولوز 
الرائدة لسبينوزا إلى العام 1968 (بالإنجليزية في العام 1990)؛ صدر تحليل ماكيري 
)Macherey(‏ لهيغل وسبينوزا في العام 1979 (باللغة الإنجليزية في العام 2011)؛ 
ودراسة نغري (إعه) عن الخيال في سبينوزا في العام 1981 (باللغة الإنجليزية في 
العام 1991). 

(2) مع الشكر لهوزي فان ديك (kء‏ زز ١ه‏ م٠[)‏ على هذه الصياغة. 

(3) صاغ هذا المصطلح بول کروتسن (۸ ع٤۲۰٥‏ ۴۵1) الکيميائی الحائز جائزة نوبل في العام 
2 فأصبح شائعا على نطاق واسع. 

(4) في هذا الصدد» تؤدي هذه التشكيلات الغرض نفسه الذي تؤديه شخصيات دولوز 
المفاهيمية (ط2011 „(Deleuze and Guattari, 1994; Braidotti, 2011a,‏ 

(5) هذا هو عنوان سلسلة الكتب الإلكترونية التي تحررها كولروك للصحافة المفتوحة 
للعلوم lالإنıilıة .(Open Humanities Press)‏ 


الفصل الثالث 

(1) يشابه ذلك مفهوم «الغریب» (y٣ةءہن)‏ عند فروید» و«الحقیقي» )۲٠۵1(‏ عند لاكان 
(4caا)ء‏ و«التھمیش» (۸٥1اecزطھ)‏ عند کریستیفا (1982) (te۷aءKri).‏ 

(2) انظرء على سبيل اممثال« «مركز الوٽ وhklجتnع« Centre for Death and)‏ 
)Society‏ ف جامعة باث (طBat )niversity of‏ ف الممملكة المتحدة. كما 
يوثق عدد من المجلات حيوية هذا المجال. انظرء على سبيل الطمثال: دراسات 
اموت (1985 ,1970 .)(eath Studies, Routledge,‏ مجلة الموت والاحتضار 
»)[Journal of Death and Dying, Baywood Publishing, 1970)‏ ومجلة 
دراسات تجارب 0hlوٽ‏ )1978 .(Journal of Near-Death Studies,‏ 

(3) انظر بشکل خاص غیلروي (2000)» بریدوت (2002)» باراد (2003 ,له8)» بتلر 
)ا2004 »)Butler,‏ وغروس )2004 .(Grosz,‏ 

(4) يشمل ذلك دولوز وغاتاري (19771987)» وغاتاري (1995)» وغلیسانت (1997 ٣4,‏ 4ءونا6)» 
وبالیبار (2002)» وهاردت ونیغري (2000). 


الفصل الرابع 
(1) هذا الجانب من التنوع العامي يعرف أيضا باسم «الكوزموبوليتانية العامية» 

(Bhabha, 1996b; Nava, 2002; Gunew, 2004; Werbner, 2006). 

(2) http://www.citizensciencealliance.org. 
شر من فوره کتیب لدراسات الحیوان (2012 ,yاeال۷ 4ہه وی٥إ6)ء بینما کان قارئ‎ (3) 
مجلة‎ .)Gاotfelty‎ and F۴rاهصص,‎ 1996( النقد البيئي الكامل متاحا منذ زمن ما‎ 
لھا صیت قدیم فی حین کس‎ )1طe‎ Journa1 o۴ Eco cr¡t1ciء( «إیکوکریتیسیزم»‎ 
إصدار حديث من أبحاث «بي إم إل أي» (2009 ,۶۷14) ممسألة الحيوان. تقدم جوانا‎ 


222 


الهوامش 


بورك (2011 Bourke,‏ a«صهه[)‏ تحليلا تاريخيا ممتازا. أما بالنسبة إلى الجيل الأصغر 
من العلماء (2009 ,اار1 له نصiووه۸)»‏ فإن الحيوان هو المموضوع ما بعد الإنساني 
الأساسي. مجدداء يعد مجال دراسات الإعاقة واسعا جدا بحيث لا هكن تلخيصه 
بشكل كاف» له جمعية دولية معترف بها لدراسات lلۈleقة Society for Disability)‏ 
(Studies‏ تنشر مجلة ربع سنوية» وکتیبا كاملا (1997 ,ل2۲٣eا).‏ 
(4) يشمل هذا الاتجاه مفكرين مثل: 
Ansell Pearson (1997, 1999), Massumi (2002), De Landa (2002), Bar-‏ 
ad (2007), Grosz (2004), Colebrook (2000, 2002), Bennet (2001, 2010),‏ 
Clough (2008), Protevi (2009), Braidotti (1994, 2011b).‏ 
(5) انا مدينة لدیبیاني غانغولي (yاuچمه6‏ 1صهزطە0) وبول هوم (101۳ )۴0u1‏ پبهذه 
الصيغة الجليلة. 


(6) http://www.onehealthinitiative.com/mission.php, 


مع الشكر لزمياي انتون بیبرز (pe۲۶زPi .)Ant on‏ 
(7( المصدر: ويکيبيدlı: Wikipedia: One Heath initiative; consulted on 26 Ap1il‏ 
2012. 
(8) انظر» على سبيل الممثال» مركز ما بعد الإنسانية )Posthuman ities ub(‏ في جامعة 
لينشوبينغ (عصذمةه1» بتمويل من الحكومة السويدية: 
http://www.tema. liu.se/tema-g/Posthuman/Network?l=en‏ 
والبحوث التي أجريت في معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية 
بجامعة برن 8e¬(‏ اه ,إsitإمiصلا)‏ في سويسرا؛ وتجارب في جامعة شرق لندن 
University of East London)‏ ) ف اممملكة المتحدة؛ وعملي في مركز العلوم الإنسانية 
بجامعة أوتريخت في هولندا. 
(9) انظر: 
Gilroy (2000), Hill Collins (1991), Ware (1992) and Griffinand Braidotti‏ 
.)2002( 
(10) انظر داستون وغاليسون لسرد نقدي ممتاز عن امموضوعية (2007). 
(11) انظر لامبيرت (2001, ۲۲ءط14) للحصول على تحديث نقدي معاصر منظور كانت 
عن الجامعة. 
(12) أدى ديوي دورا مهما في تأسيس الاتحاد الأمريكي لأساتذة الجامعة في العام 1915. 
(13) هذا هو تعريف ويليام غيبسون (0۸ءطذ6 ١1ا1 )W‏ للفضاء السيبراني. 


الخلاصة 
(1) أندريه بيرينغ بريفيك هو القاتل الجماعي النرويجي والجاني المعترف بهجمات 
1 ف أوسلو وفي جزيرة أوتوياء التي أسفرت عن مقتل مانية أشخاص ف أوسلو 
وتسعة وستين في أوتوياء معظمهم من الشباب الاشتراي. 
(2) ھی آجھزة شیتا فلیکس فوت ۴1e×-۴٥۵۲(‏ طه٤eeط٤)‏ من قبل شركة وسور 


.(Ossur) 


223 


ببليوغرافيا 


Wıithe 


ببليوغرافيا 


ببلیوغرافیا 


Adams, Carol. 1990. The Sexual Politics of Meat: A4 Feminist Vegetarian Critical 
Theory. New York: Continuum. 

Adler, Rachel. 1998. Judaism. In: Alison M. Jaggar and Iris M. Young (eds.), 4 
Companion to Feminist Philosophy. Oxford: Blackwell Publishers. 

Agamben, Giorgio. 1998. Homo Sacer: Sovereign Power and Bare Life. Stanford, CA: 
Stanford University Press. 

Ansell Pearson, Keith. 1997. Viroid Life: Perspectives on Nietzsche and the 
Transhuman Condition. London and New York: Routledge. 

Ansell Pearson, Keith. 1999. Germinal Life: The Difference and Repetition of Deleuze. 
London and New York: Routledge. 

Appadurai, Arjun. 1998. Dead certainty: Ethnic violence in the era of globalization. 
Development and Change, 29, 90525. 

Arendt, Hannah. 1951. The Origins of Totalitarianism. New York: Harcourt. 

Arthur, John and Amy Shapiro. 1995. Campus Wars: Multiculturalism and the Politics 
of Difference. Boulder, CO: Westwood Press. 

Asimov, Isaac. 1950. I, Robot. New York: Gnome Press. 

Badiou, Alain and Slavoj Zizek. 2009. Philosophy in the Present. Cambridge: Polity 
Press. 

Badmington, Neil. 2003. Theorizing Posthumanism. Cultural Critique, No. 53, pp. 10 
21. 

Balibar, Etienne. 2002. Politics and the Other Scene. London: Verso. 

Balibar, Etienne. 2004. We, the People of Europe? Refl ections on Transnational 
Citizenship. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Balsamo, Anne. 1996. Technologies of the Gendered Body: Reading Cyborg Women. 
Durham, NC: Duke University Press. 

Barad, Karen. 2003. Posthumanist performativity: toward an understanding of how 
matter comes to matter. Signs, 28 (3), 801-31. 

Barad, Karen. 2007. Meeting the Universe Half Way. Durham, NC: Duke University 
Press. 

Barrett, Michele. 1980. Women ’s Oppression Today. London: Verso Books. 

Bart, Simon, Jill Didur and Teresa Heffernan (eds.) (2003) Cultural Critique, Special 
issue on Posthumanism, vol. 53. 

Barthes, Roland. 1975. The Pleasure of the Text. New York: Hill and Wang. 

Bauman, Zygmunt. 1993. Postmodern Ethics. Oxford: Blackwell. 

Bauman, Zygmunt. 1998. Globalization: The Human Consequences. Cambridge: 
Polity Press. 

Bauman, Zygmunt. 2004. Europe: An Unfî nished Adventure. Cambridge: Polity Press. 

Beauvoir, Simone de. 1973. The Second Sex. New York: Bantam Books. 

Beck, Ulrich. 1999. World Risk Society. Cambridge: Polity Press. 


Beck, Ulrich. 2007. The cosmopolitan condition: Why methodological nationalism 
fails. Theory, Culture & Society, 24 (7/8), 286-90. 

Beer, Gillian. 1983. Darwin ’s Plots: Evolutionary Narrative in Darwin, George Eliot 
and Nineteenth-Century Fiction. London: Routledge & Kegan Paul. 

Benhabib, Seyla. 1996. The Reluctant Modernism of Hannah Arendt. Thousand Oaks, 
CA: Sage. 

Benhabib, Seyla. 2002. The Claims of Culture: Equality and Diversity in the Global 
Era. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Benhabib, Seyla. 2007. Another Cosmopolitanism. Oxford: Oxford University Press. 

Benjamin, Jessica. 1988. The Bonds of Love. Psychoanalysis, Feminism and the 
Problem of Domination. New York: Pantheon Books. 

Bennett, Jane. 2001. The Enchantment of Modern Life. Attachments, Crossings and 
Ethics. Princeton. NJ: Princeton University Press. 


227 


ما رعد الإنسان 


Bennett, Jane. 2010. Vibrant Matter. A Political Ecology of Things. Durham, NC: Duke 
University Press. 

Berger, Anne E. and Marta Segarra. 2011. Demenageries. Thinking (of) Animals after 
Derrida. Amsterdam: Rodopi. 

Bérubé, Michael and Cary Nelson. 1995. Higher Education under Fire. Politics, 
Economics and the Crisis of the Humanities. New York and London: Routledge. 
Bhabha, Homi K. 1994. The Location of Culture. London and New York: Routledge. 
Bhabha, Homi K. 1996a. ‘Unpacking my library . . . again’. In: Iain Chambers and 
Lidia Curti (eds.) The Post-Colonial Question. Common Skies, Divided Horizons. 

London and New York: Routledge. 

Bhabha, Homi K. 1996b. Unsatisfi ed: Notes on vernacular cosmopolitanism. In: Laura 
Garcia Moreno and Peter C. Pfeiffer (eds.) Text and Nation: Cross-Disciplinary 
Essays on Cultural and National Identities. Columbia, SC: Camden House. 

Blanchot, Maurice. 2000. The Instant of My Death. Stanford, CA: Stanford University 
Press. 

Bono, James J., Tim Dean and Ewa Ziarek Plonowska. 2008. 4 Time for the 
Humanities. Futurity and the Limits of Autonomy. New York: Fordham University 
Press. 

Bonta, Mark and John Protevi. 2004. Deleuze and Geophilosophy. 4 Guide and 
Glossary. Edinburgh: Edinburgh University Press. 

Borradori, Giovanna. 2003. Philosophy in a Time of Terror. 

Chicago, IL: University of Chicago Press. 

Bostrom, Nick. 2005. A history of transhuman thought. Journal of Evolution and 
Technology, 14 (1), 1-25. 

Bourke, Joanna. 2011. What It Means To Be Human. London: Virago. 

Brah, Avtar. 1996. Cartographies of Diaspora: Contesting Identities. New York and 
London: Routledge. 

Braidotti, Rosi. 1991. Patterns of Dissonance. Cambridge: Polity Press. 

Braidotti, Rosi. 1994. Nomadic Subjects: Embodiment and Sexual Difference in 
Contemporary Feminist Theory, 1st edn. New York: Columbia University Press. 
Braidotti, Rosi. 2002. Metamorphoses. Towards a Materialist Theory of Becoming. 

Cambridge: Polity Press. 
Braidotti, Rosi. 2006. Transpositions: On Nomadic Ethics. Cambridge: Polity Press. 


Braidotti, Rosi. 2008. In spite of the times: the postsecular turn in feminism. Theory, 
Culture & Society, 25 (6), 1-24. 

Braidotti, Rosi. 2011a. Nomadic Subjects: Embodiment and Sexual Difference in 
Contemporary Feminist Theory, 2nd edn. New York: Columbia University Press. 
Braidotti, Rosi. 2011b. Nomadic Theory. The Portable Rosi Braidotti. New York: 

Columbia University Press. 

Braidotti, Rosi and Roets, Griets. 2012. ‘Nomadology and subjectivity: Deleuze, 
Guattari and critical disability studies’. In: Dan Goodley, Bill Hughes and Lennard 
Davis (eds.) Disability and Social Theory. New Developments and Directions. New 
York: Palgrave Macmillan, pp. 161-78. 

British Humanist Association. 2007. The Case for Secularism: A Neutral State in an 
Open Society. London: British Humanist Association. 

Brown, Wendy. 2006. Regulating Aversion. Tolerance in the Age of Identity and 
Empire. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Bryld, Mette and Nina Lykke. 1999. Cosmodolphins. Feminist Cultural Studies of 
Technologies, Animals and the Sacred. London: Zed Books. 

Bukatman, Scott. 1993. Terminal Identity. The Virtual Subject in Post-Modern Science 
Fiction. Durham, NC: Duke University Press. 

Butler, Judith. 1991. Gender Trouble. London and New York: Routledge. 

Butler, Judith. 2004a. Precarious Life. London: Verso. 

Butler, Judith. 2004b. Undoing Gender. London and New York: Routledge. 

Carroll, Joseph. 2004. Literary Darwinism. Evolution, Human Nature and Literature. 


228 


ببليوغرافيا 


London and New York: Routledge. 

Carroll, Rory. 2012. US raises a new drone generation. The Guardian Weekly, 10-16 
August, 1-2. 

Cartwright, Lisa. 2001. Practices of Looking. Oxford: Oxford University Press. 

Césaire, Aimé. 1955. Discours sur le colonialisme. Paris: Présence Africaine. 

Chakrabarty, Dipesh. 2009. The climate of history: Four theses. 

Critical Inquiry, 35, 197-222. 

Chandler, James. 2004. Critical disciplinarity. Critical Inquiry, 30 (2), 355-60. 

Chardin de Teillard, Pierre. 1959. The Future of Man. New York: Harper and Row. 

Cheah, Pheng. 2008. Nondialectical materialism. Diacritics, 38 (1), 143-57. 

Citton, Yves and Frédéric Lordon. 2008. Spinoza et les Sciences Sociales. Paris: 
Editions Amsterdam. 

Cixous, Hélène. 1997. Mon Algeriance. Les Inrockuptibles, 20 August, magazine 
archive nr. 115, p. 70. 

Cixous, Helene. 2004. Portrait of Jacques Derrida as a Young Jewish Saint. New 
York: Columbia University Press. 

Clough, Patricia. 2008. The affective turn: Political economy, biomedia and bodies. 
Theory, Culture & Society, 25 (1), 1-22. 

Cohen, Tom, Claire Colebrook and J. Hillis Miller. 2012. Theory and the Disappearing 
Future. New York: Routledge. 

Colebrook, Claire. 2000. Is sexual difference a problem? In: Ian Buchanan and Claire 
Colebrook (eds.) Deleuze and Feminist Theory. Edinburgh: Edinburgh University 
Press. 

Colebrook, Claire. 2002. Understanding Deleuze. Crows Nest, NSW: Allen and 
Unwin. 


Collini, Stefan. 2012. What Are Universities For? London: Penguin Books. 

Connolly, William. 1999. Why am I not a Secularist? Minneapolis, MN: University of 
Minnesota Press. 

Cooper, Melinda. 2008. Life as Surplus. Biotechnology & Capitalism in the Neoliberal 
Era. Seattle, WA: University of Washington Press. 

Cornell, Drucilla. 2002. The Ubuntu Project with Stellenbosch University, 
www.fehe.org/index.php?id=281 (accessed 2 January 2007). 

Coward, Rosalind. 1983. Patriarchal Precedents. London and New York: Routledge. 

Coward, Rosalind and John Ellis. 1977. Language and Materialism: Developments in 
Semiology and the Theory of the Subject. London: Routledge & Kegan Paul. 

Crary, Jonathan. 2001. Suspensions of Perception: Attention, Spectacle and Modern 
Culture. Boston, MA: MIT Press. 

Crenshaw, Kimberle. 1995. Intersectionality and identity politics. Learning from 
violence against women of colour. In: Kimberle 

Crenshaw, Neil Gotanda, Gary Peller and Kendall Thomas (eds.) 

Critical Race Theory. New York: The New Press. 

Critchley, Simon. 2008. The Book of Dead Philosophers. London: Granta. 

Daly, Mary. 1973. Beyond God the Father: Towards a Theory of Women ’s Liberation. 
Boston, MA: Beacon Press. 

Damasio, Antonio. 2003. Looking for Spinoza. Orlando, FL: Harcourt, Inc. 

Daston, Lorraine. 2004. Whither Critical Inquiry? Critical Inquiry, 30 (2), 361-4. 

Daston, Lorraine and Peter Galison. 2007. Objectivity. New York: Zone Books. 

Davies, Tony. 1997. Humanism. London: Routledge. 

Davis, Angela. 1981. Women, Race and Class. New York: Random House. 

Davis, Lennard J., (ed.). 1997. The Disability Studies Reader. New York and London: 
Routledge. 

Dawkins, Richard. 1976. The Selfi sh Gene. Oxford: Oxford University Press. 

De Landa, Manuel. 2002. Intensive Science and Virtual Philosophy. London: 
Continuum. 

Deleuze, Gilles. 1983. Nietzsche and Philosophy. New York: Columbia University 


229 


ما رعد الإنسان 


Press. 

Deleuze, Gilles. 1988. Bergonism. New York: Zone Books. 

Deleuze, Gilles. 1990a. Expressionism in Philosophy: Spinoza. New York: Zone 

Books. 

Deleuze, Gilles. 1990b. The Logic of Sense. New York: Columbia University Press. 

Deleuze, Gilles. 1992. The Fold: Leibniz and the Baroque. Minneapolis, MN: 

University of Minnesota Press. 

Deleuze, Gilles. 1994. Difference and Repetition. London: The Athlone Press. 

Deleuze, Gilles. 1995. L’immanence: une vie .... Philosophie, 47, 3-7. 

Deleuze, Gilles and Felix Guattari. 1977. Anti-Oedipus. Capitalism and Schizophrenia. 

New York: Viking Press/Richard Seaver. 

Deleuze, Gilles and Felix Guattari. 1987. 4 Thousand Plateaus: Capitalism and 

Schizophrenia. Minneapolis, MN: University of Minnesota Press. 

Deleuze, Gilles and Felix Guattari. 1994. What is Philosophy? New York: Columbia 

University Press. 

Delphy, Christine. 1984. Close t0 Home. A4 Materialist Analysis of Women ’s 
Oppression. Amherst, MA: University of Massachusetts Press. 

Derrida, Jacques. 1992. The Other Heading: Refl ections on Today ’s Europe. 
Bloomington, IN: Indiana University Press. 

Derrida, Jacques. 2001a. Writing and Difference. New York: Routledge. 

Derrida, Jacques. 2001b. The Work of Mourning. Chicago, IL: University of Chicago 
Press. 

Derrida, Jacques. 2006. Is there a philosophical language? In: Lasse Thomassen (ed.) 
The Derrida-Habermas Reader. Edinburgh: Edinburgh University Press. 

Dijck, Jose, van. 2007. Mediated Memories in the Digital Age. Stanford, CA: Stanford 
University Press. 

Diken, Bulent. 2004. From refugee camps to gated communities: Biopolitics and the 
end of the city. Citizenship Studies, 8 (1), 83-106. 

Donoghue, Frank. 2008. The Last Professors: The Corporate University and the Fate 
of the Humanities. New York: Fordham University Press. 

Donovan, Josephine and Carol J. Adams (eds.) 1996. Beyond Animal Rights. A 
Feminist Caring Ethic for the Treatment of Animals. New York: Continuum. 

Donovan, Josephine and Carol J. Adams (eds.) 2007. The Feminist Care Tradition in 
Animal Ethics. New York: Columbia University Press. 

Duffi eld, Mark. 2008. Global civil war: the non-insured, international containment 
and post-interventionary society. Journal of Refugee Studies, 21, 145-65. 

Economist, The. 2012. Technology Quarterly: ‘Robots on the frontline’, 2 June, 4-20. 

Eisenstein, Zillah. 1998. Global Obscenities. Patriarchy, Capitalism and the Lure of 
Cyberfantasy. New York: New York University Press. 

Eliot, George. 1973. Middlemarch. London: Penguin Books. 

Eliot, George. 2003. The Mill on the Floss. London: Penguin Books. 

Esposito, Roberto. 2008. Bios. Biopolitics and Philosophy. Minneapolis, MN: 
University of Minnesota Press. 

Fanon, Frantz. 1967. Black Skin, White Masks. New York: Grove Press. 

Firestone, Shulamith. 1970. The Dialectic of Sex. New York: Bantam Books. 

Foucault, Michel. 1970. The Order of Things: An Archaeology of Human Sciences. 
New York: Pantheon Books. 

Foucault, Michel. 1977. Discipline and Punish. New York: Pantheon Books. 

Foucault, Michel. 1978. The History of Sexuality. Vol. I. New York: Pantheon Books. 

Foucault, Michel. 1985. The History of Sexuality, Vol. II: The Use of Pleasure. New 
York: Pantheon Books. 

Foucault, Michel. 1986. The History of Sexuality, Vol. III: The Care of the Self. New 
York: Pantheon Books. 

Franklin, Jonathan. 2012. Drones used by whaling’s foes. The Guardian Weekly, 6 
January, 14. 

Franklin, Sarah. 2007. Dolly Mixtures. Durham, NC: Duke University Press. 


230 


ببليوغرافيا 


Franklin, Sarah, Celia Lury and Jackie Stacey. 2000. Global Nature, Global Culture. 
London: Sage. 

Fraser, Mariam, Sarah Kember and Celia Lury (eds.) 2006. Inventive Life. Approaches 
to the New Vitalism. London: Sage. 

Freud, Sigmund. 1928. The Future of an Illusion. London: Hogarth Press. 

Fukuyama, Francis. 1989. The end of history? National Interest, 16, 3-18. 

Fukuyama, Francis. 2002. Our Posthuman Future. Consequences of the 
BioTechnological Revolution. London: Profi le Books. 


Galison, Peter. 2004. Specifi c theory. Critical Inquiry, 30 (2), 379-83. 

Gatens, Moira and Genevieve Lloyd. 1999. Collective Imaginings: Spinoza, Past and 
Present. London and New York: Routledge. 

Gill, Rosalind. 2010. Breaking the silence: the hidden injuries of the neoliberal 
universities. In: Rosalind Gill and Roisin Ryan Flood (eds.) Secrecy and Silence in 
the Research Process: Feminist Refl ections. London and New York: Routledge. 

Gilroy, Paul. 2000. Against Race. Imaging Political Culture beyond the Colour Line. 
Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Gilroy, Paul. 2005. Postcolonial Melancholia. New York: Columbia University Press. 

Gilroy, Paul. 2010. Darker than Blue. Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Glissant, Edouard. 1997. Poetics of Relation. Ann Arbor, MI: University of Michigan 
Press. 

Glotfelty, Cheryll and Harold Fromm (eds.) 1996. The Ecocriticism Reader. Athens, 
GA: University of Georgia Press. 

Gould, Stephen Jay and Rosamond Wolff Purcell. 2000. Crossing Over. Where Art and 
Science Meet. New York: Three Rivers Press. 

Gray, John. 2002. Straw Dogs. London: Granta Books. 

Grewal, Inderpal and Caren Kaplan (eds.) (1994) Scattered Hegemonies: 
Postmodernity and Transnational Feminist Practices. Minneapolis, MN: University 
of Minnesota Press. 

Griffi n, Gabriele and Rosi Braidotti. 2002. Thinking Differently. 4 Reader in 
European Women ’s Studies. London: Zed Books. 

Gross, Aaron and Anne Vallely. 2012. Animals and the Human Imagination: A 
Companion to Animal Studies. New York: Columbia University Press. 

Grosz, Elizabeth. 1994. Volatile Bodies. Towards a Corporeal Feminism. 
Bloomington, IN: Indiana University Press. 

Grosz, Elizabeth. 2004. The Nick of Time. Durham, NC: Duke University Press. 

Grosz, Elizabeth. 2011. Becoming Undone. Durham, NC: Duke University Press. 

Guattari, Felix. 1995. Chaosmosis. An Ethico-aesthetic Paradigm. Sydney: Power 
Publications. 

Guattari, Felix. 2000. The Three Ecologies. London: The Athlone Press. 

Gunew, Sneja. 2004. Haunted Nations. The Colonial Dimension of Multiculturalisms. 
London: Routledge. 

Habermas, Jürgen. 2001. The Post-National Constellation. Cambridge: Polity Press. 

Habermas, Jürgen. 2003. The Future of Human Nature. Cambridge: Polity Press. 

Habermas, Jürgen. 2008. Notes on a post-secular society. New Perspectives Quarterly, 
25 (4), 17-29. 

Halberstam, Judith and Ira Livingston (eds.) 1995. Posthuman Bodies. Bloomington, 
IN: Indiana University Press. 

Halsey, Mark. 2006. Deleuze and Environmental Damage. London: Ashgate. 

Hanafi n, Patrick. 2010. On reading ‘Transpositions’: a response to Rosi Braidotti’s 
‘Transpositions: On nomadic ethics’. Subjectivities, 3, 131-6. 

Haraway, Donna. 1985. A manifesto for cyborgs: Science, technology, and socialist 
feminism in the 1980s. Socialist Review, 5 (2), 65-107. 

Haraway, Donna. 1988. Situated knowledges. The science question in feminism as a 
site of discourse on the privilege of partial perspective. Feminist Studies, 14 (3), 
575-99. 


231 


ما رعد الإنسان 


232 


Haraway, Donna. 1990. Simians, Cyborgs and Women. London: Free Association 
Press. 

Haraway, Donna. 1992. The promises of monsters. A regenerative politics for 
inappropriate/d others. In: Lawrence Grossberg, Cary Nelson and Paula Treichler 
(eds.) Cultural Studies. London and New York: Routledge. 

Haraway, Donna. 1997. Modest _Witness@Second_ Millennium. 
FemaleMan©_Meets_ OncoMouseTM. London and New York: Routledge. 

Haraway, Donna. 2003. The Companion Species Manifesto. Dogs, People and Signifî 
cant Otherness. Chicago, IL: Prickly Paradigm Press. 

Haraway, Donna. 2006. When we have never been human, what is to be done? Theory, 
Culture & Society, 23 (7&8), 135-58. 

Harding, Sandra. 1986. The Science Question in Feminism. Ithaca, NY: Cornell 

University Press. 

Harding, Sandra. 1991. Whose Science? Whose Knowledge? Ithaca, NY: Cornell 

University Press. 

Harding, Sandra. 1993. The ‘Racial’ Economy of Science. Bloomington, IN: Indiana 

University Press. 

Harding, Sandra. 2000. The Book of Jerry Falwell. Fundamentalist Language and 

Politics. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Hardt, Michael and Antonio Negri. 2000. Empire. Cambridge, MA: Harvard 

University Press. 

Hardt, Michael and Antonio Negri. 2004. Multitude: War and Democracy in the Age 
of Empire. New York: Penguin Press. 

Hartsock, Nancy. 1987. The feminist standpoint: developing the ground for a specifi 
cally feminist historical materialism. In: Sandra Harding (ed.) Feminism and 
Methodology. London: Open University Press. 

Hayles, Katherine. 1999. How We Became Posthuman. Virtual Bodies in Cybernetics, 
Literature and Informatics. Chicago, IL: University of Chicago Press. 

Hill Collins, Patricia. 1991. Black Feminist Thought. Knowledge, Consciousness and 
the Politics of Empowerment. New York and London: Routledge. 

Hobsbawm, Eric. 1994. The Age of Extremes: The Short Twentieth Century, 1914- 
1991. New York: Vintage Books. 

Holland, Eugene. 2011. Nomad Citizenship. Minneapolis, MN: University of 
Minnesota Press. 

hooks, bell. 1981. Ain f Ia Woman. Boston, MA: South End Press. 

hooks, bell. 1990. Postmodern blackness. In: Yearning: Race, Gender and Cultural 
Politics. Toronto: Between the Lines. 

Huntington, Samuel. 1996. The Clash of Civilizations and the Remaking of World 
Order. New York: Simon and Schuster. 

Husserl, Edmund. 1970. The Crisis of European Sciences and Transcendental 
Phenomenology. Evanston, IL: Northwestern University Press. 

Huyssen, Andreas. 1986. After the Great Divide: Modernism, Mass Culture, 
Postmodernism. Bloomington, IN: Indiana University Press. 

Irigaray, Luce. 1985a. Speculum of the Other Woman. Ithaca, NY: Cornell University 
Press. 

Irigaray, Luce. 1985b. This Sex Which Is Not One. Ithaca, NY: Cornell University 
Press. 


Irigaray, Luce. 1993. 4n Ethics of Sexual Difference. Ithaca, NY: Cornell University 
Press. 

Jones, Caroline A. and Peter Galison (eds.) 1998. Picturing Science, Producing Art. 
New York and London: Routledge. 

Jordanova, Ludmilla. 1989. Sexual Visions: Images of Gender in Science and Medicine 
between the Eighteenth and Twentieth Centuries. London: Macmillan. 

Judt, Tony. 2005. Postwar: A History of Europe since 1945. New York: Penguin Press. 

Kant, Immanuel. 1992. The Confl ict of the Faculties. Lincoln, NE: University of 


ببليوغرافيا 


Nebraska Press. 

Keller, Catherine. 1998. Christianity. In: Alison M. Jaggar and Iris M. Young (eds.) 4 

Companion to Feminist Philosophy. Oxford: Blackwell. 

Keller, Evelyn Fox. 1983. 4 Feeling for the Organism. New York: 

Henry Holt. 

Keller, Evelyn Fox. 1985. Refl ections on Gender and Science. New Haven, CT: Yale 

University Press. 

Keller, Evelyn Fox. 1995. Refî guring Life: Metaphors of Twentieth Century Biology. 

New York: Columbia University Press. 

Keller, Evelyn Fox. 2002. Making Sense of Life. Cambridge, MA: Harvard University 

Press. 

y, Joan. 1979. The double-edged vision of feminist theory. Feminist Studies, 5 (1), 
216-27. 

Kerr, Clark. 2001. The Uses of the University. Cambridge, MA: Harvard University 
Press. 

Kristeva, Julia. 1982. Powers of Horror. New York: Columbia University Press. 

Kristeva, Julia. 1991. Strangers to Ourselves. New York: Columbia University Press. 

Kung, Hans. 1998. 4 Global Ethic for Global Politics and Economics. Oxford: Oxford 
University Press. 

La Mettrie, Julien. 1996. Machine Man and Other Writings. Cambridge: Cambridge 
University Press. 

Lambert, Gregg. 2001. Report to the Academy. Aurora, CO: The Davis Group 
Publisher. 

Laplanche, Jean. 1976. Life and Death in Psychoanalysis. Baltimore, MD: Johns 
Hopkins University Press. 

Latour, Bruno. 1993. We Have Never Been Modern. Cambridge, MA: Harvard 
University Press. 

Latour, Bruno. 2004. Why has critique run out of steam? From matters of fact to 
matters of concern. Critical Inquiry, 30 (2), 225-48. 

Law, John and John Hassard (eds.) 1999. Actor Network Theory and After. Oxford: 
Blackwell. 

Lazzarato, Maurizio. 2004. Les revolutions du capitalisme. Paris: Seuil. 

Lloyd, Genevieve. 1984. The Man of Reason: Male and Female in Western 
Philosophy. London: Methuen. 

Lloyd, Genevieve. 1994. Part of Nature: Self-knowledge in Spinoza ’s Ethic. Ithaca, 
NY: Cornell University Press. 

Lloyd, Genevieve. 1996. Spinoza and the Ethics. London and New York: Routledge. 

Lorde, Audre. 1984. Sister Outsider. Trumansburg, NY: Crossing Press. 


K 


Oo 


Lovelock, James. 1979. Gaia: 4 New Look at Life on Earth. Oxford: Oxford University 
Press. 

Lury, Celia. 1998. Prosthetic Culture. Photography, Memory and Identity. London and 
New York: Routledge. 

Lyotard, Jean-François. 1983. The Differend. Phrases in Dispute. Minneapolis, MN: 
University of Minnesota Press. 

Lyotard, Jean-François. 1989. The Inhuman: Refl ections on Time. Oxford: Blackwell. 
Lyotard, Jean-François. 1984. The Postmodern Condition. 

Manchester: Manchester University Press. 

MacCormack, Patricia. 2008. Cinesexualities. London: Ashgate. 

MacCormack, Patricia. 2012. Posthuman Ethics. London: Ashgate. 

MacPherson, Crawford B. 1962. The Theory of Possessive Individualism. Oxford: 
Oxford University Press. 

McNeil, Maureen. 2007. Feminist Cultural Studies of Science and Technology. 
London: Routledge. 

Macherey, Pierre. 2011. Hegel or Spinoza. Minneapolis, MN: University of Minnesota 
Press. 


233 


ما رعد الإنسان 


Mahmood, Saba. 2005. Politics of Piety. The Islamic Revival and the Feminist Subject. 
Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Malraux, André. 1934. Man ’s Fate. New York: Modern Library. 

Mandela, Nelson. 1994. Long Walk to Freedom. London and New York: Little Brown 
& Co. 

Margulis, Lynn and Dorion Sagan. 1995. What is Life? Berkeley, CA: University of 
California Press. 

Marks, John. 1998. Gilles Deleuze. Vitalism and Multiplicity. London: Pluto Press. 

Massumi, Brian. 1992. Everywhere you want to be: Introduction to fear. PLI — 
Warwick Journal of Philosophy, 4 (1/2), 175-216. 

Massumi, Brian. 1998. Requiem for our prospective dead! Toward a participatory 
critique of capitalist power. In: Eleanor Kaufman and Kevin Jon Heller (eds.) 
Deleuze and Guattari. New Mappings in Politics, Philosophy and Culture. 
Minneapolis, MN: University of Minnesota Press. 

Massumi, Brian. 2002. Parables for the Virtual. Movement, Affect, Sensation. Durham, 
NC: Duke University Press. 

Maturana, Humberto and Francisco Varela. 1972. Autopoiesis and Cognition. The 
Realization of the Living. Dordrecht: Reidel Publishing Company. 

Mbembe, Achille. 2003. Necropolitics. Public Culture, 15 (1), 11-40. 

Menand, Louis (ed.) 1996. The Future of Academic Freedom. Chicago, IL: University 
of Chicago Press. 

Midgley, Mary. 1996. Utopias, Dolphins and Computers. Problems of Philosophical 
Plumbing. London and New York: Routledge. 

Mies, Maria and Vandana Shiva. 1993. Ecofeminism. London: Zed Books. 

Mitchell, Juliet. 1974. Psychoanalysis and Feminism. New York: Pantheon. 

Mol, Annemarie. 2002. The Body Multiple. Durham, NC: Duke University Press. 

Moore, Henrietta. 1994. 4 Passion for Difference. Cambridge: Polity Press. 

Moore, Henrietta. 2007. The Subject of Anthropology. Cambridge: Polity Press. 

Moore, Henrietta. 2011. Still Life. Hopes, Desires and Satisfactions. Cambridge: Polity 
Press. 

Morin, Edgar. 1987. Penser [ Europe. Paris: Gallimard. 

Moulier Boutang, Yann. 2012. Cognitive Capitalism. Cambridge: Polity Press. 

Naess, Arne. 1977a. Spinoza and ecology. In: Siegfried Hessing (ed.) Speculum 
Spinozanum, 1877-1977. London: Routledge & Kegan Paul. 

Naess, Arne. 1977b. Through Spinoza to Mahayana Buddhism or through Mahayana 
Buddhism to Spinoza? In: Jon Wetlesen (ed.) Spinoza ’s Philosophy of Man, 
Proceedings of the Scandinavian Spinoza Symposium. Oslo: Universitetsforlaget. 

Nava, Mica. 2002. Cosmopolitan modernity. Theory, Culture & Society, 19 (1-2), 81 
99. 

Negri, Antonio. 1991. The Savage Anomaly. Minneapolis, MN: University of 
Minnesota Press. 

Newman, John. 1907. The Idea of a University. London: Longmans, Green & Co. 

Nussbaum, Martha C. 1999. Cultivating Humanity: a Classical Defense of Reform in 
Liberal Education. Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Nussbaum, Martha C. 2006. Frontiers of Justice. Disability, Nationality, Species 
Membership. Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Nussbaum, Martha. 2010. Not for Profi t. Why Democracy Needs the Humanities. 
Princeton, NJ: Princeton University Press. Orwell, George. 1946. Animal Farm. 
London: Penguin Group. 

Parikka, Jussi. 2010. Insect Media. An Archaeology of Animals and Technology, 
Minneapolis, University of Minnesota Press. 

Parisi, Luciana. 2004. Abstract Sex. Philosophy, Bio-Technology, and the Mutation of 
Desire. London: Continuum Press. 

Passerini, Luisa (ed.) 1998. Identitd Culturale Europea. Idee, Sentimenti, Relazioni. 
Florence: La Nuova Italia Editrice. 

Patton, Paul. 2000. Deleuze and the Political. London and New York: Routledge. 


234 


ببليوغرافيا 


Peterson, Christopher. 2011. The posthumanism to come. Angelaki: Journal of the 
Theoretical Humanities, 16 (2), 127-41. 

Phillips, Adam. 1999. Darwin ’s Worms. London: Faber & Faber. 

Phillips, John, Andrew Benjamin, Ryan Bishop, Li Shiqiao, Esther Lorenz, Liu Xiaodu 
and Meng Yan. 2011. The twenty-kilometer university. Knowledge as infrastructure. 
Theory, Culture & Society, 28 (7-8), 287-320. 

Pick, Anat. 2011. Creaturely Poetics: Animality and Vulnerability in Literature and 
Film. New York: Columbia University Press. 

Plumwood, Val. 1993. Feminism and the Mastery of Nature. London and New York: 
Routledge. 

Plumwood, Val. 2003. Environmental Culture. London: Routledge. PMLA 
(Publications of the Modern Language Association of America). 2009. Special issue 
on animal studies. PMLA, 124 (2). 

Protevi, John. 2009. Political Affect. Minneapolis, MN: University of Minnesota Press. 

Rabinow, Paul. 2003. Anthropos Today. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Rapp, Rayna. 2000. Testing Women, Testing the Foetus. New York: Routledge. 

Readings, Bill. 1996. The University in Ruins. Cambridge, MA: Harvard University 
Press. 

Rich, Adrienne. 1987. Blood, Bread and Poetry. London: Virago Press. 

Rich, Adrienne. 2001. Arts of the Possible: Essays and Conversations. New York: 
W.W. Norton. 

Roberts, Celia and Adrian Mackenzie. 2006. Science: Experimental sensibilities in 
practice. Theory, Culture & Society, 23 (2-3), 157-82. 

Rorty, Richard. 1996. Does academic freedom have philosophical presuppositions? In: 
Louis Menand (ed.) The Future of Academic Freedom. Chicago, IL: University of 
Chicago Press. 

Rose, Nicholas. 2007. The Politics of Life Itself: Biomedicine, Power and Subjectivity 
in the Twentieth-fi rst Century. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Rossini, Manuela and Tom Tyler (eds.) 2009. Animal Encounters. Leiden: Brill. 

Rothberg, Michael. 2009. Multidirectional Memory: Remembering the Holocaust in 
the Age of Decolonization. Stanford, CA: Stanford University Press. 

Rowbotham, Sheila. 1973. Women, Resistance and Revolution. New York: Random 
House. 

Russell, Bertrand. 1963. Has Man a Future? Harmondsworth: Penguin Books. 

Said, Edward. 1978. Orientalism. Harmondsworth: Penguin Books. 

Said, Edward. 1996. Identity, authority and freedom: The potentate and the traveller. 
In: Louis Menand (ed.) The Future of Academic Freedom. Chicago, IL: University 
of Chicago Press. 

Said, Edward. 2004. Humanism and Democratic Criticism. New York: Columbia 
University Press. 

Sartre, Jean-Paul. 1963. Preface. In: Frantz Fanon, The Wretched of the Earth. London: 
Penguin Books. 

Schussler Fiorenza, Elizabeth. 1983. In Memory of Her: 4 Feminist Theological 
Reconstruction of Christian Origins. New York: Crossroads. 

Scott, Joan. 1996. Academic freedom as an ethical practice. In: Louis Menand (ed.) 
The Future of Academic Freedom. Chicago, IL: University of Chicago Press. 

Scott, Joan. 2007. The Politics of the Veil. Princeton, NJ: Princeton University Press. 

Searle, John R. 1995. Postmodernism and the Western rationalist tradition. In: John 
Arthur and Amy Shapiro (eds.) Campus Wars. Boulder, CO: Westview Press. 

Shiva, Vandana. 1997. Biopiracy. The Plunder of Nature and Knowledge. Boston, MA: 
South End Press. 

Sloterdijk, Peter. 2009. Rules for the Human Zoo: a response to the ‘Letter on 
Humanism’. Environment and Planning D: Society and Space, 27, 12-28. 

Smelik, Anneke and Nina Lykke (eds.) 2008. Bits of Life. Feminism at the Intersection 
of Media, Bioscience and Technology. Seattle, WA: University of Washington Press. 

Sobchack, Vivian. 2004. Carnal Thoughts. Berkeley, CA: University of California 


235 


ما رعد الإنسان 


Press. 

Socal, Alan and Jean Bricmont. 1998. Fashionable Nonsense: Postmodern 
Intellectuals ’ Abuse of Science. New York: Picador. 

Solzhenitsyn, Alexandr. 1974. The Gulag Archipelago. New York: Harper & Row. 

Soper, Kate. 1986. Humanism and Anti-Humanism. LaSalle, IL: Open Court Press. 

Spivak, Gayatri Chakravorty. 1987. In Other Worlds: Essays in Cultural Politics. 
London: Methuen. 

Spivak, Gayatri Chakravorty. 1999. 4 Critique of Postcolonial Reason. Toward a 
History of the Vanishing Present. Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Stacey, Jackie. 1997. Teratologies. A Cultural Study of Cancer. London and New 
York: Routledge. 

Stacey, Jackie. 2010. The Cinematic Life of the Gene. Durham, NC: Duke University 
Press. 

Stafford, Barbara. 1999. Visual Analogy: Consciousness as the Art of Connecting. 
Cambridge, MA: MIT Press. Stafford, Barbara. 2007. Echo Objects: The Cognitive 
Work of Images. Chicago, IL: University of Chicago Press. 

Starhawk. 1999. The Spiral Dance. San Francisco, CA: Harper Books. 

Stengers, Isabelle. 1987. D une science d autre. Des concepts nomades. Paris: Seuil. 

Stengers, Isabelle. 1997. Power and Invention. Situating Science. Minneapolis, MN: 
University of Minnesota Press. 

Stengers, Isabelle. 2000. The Invention of Modern Science. Minneapolis, MN: 
University of Minnesota Press. 

Strathern, Marilyn. 1992. After Nature. English Kinship in the Late Twentieth Century. 
Cambridge: Cambridge University Press. 

Tayyab, Basharat. 1998. Islam. In: Alison M. Jaggar and Iris M. Young (eds.) 4 
Companion to Feminist Philosophy. Oxford: Blackwell. 

Terranova, Tiziana. 2004. Network Culture. London: Pluto Press. 

Todorov, Tzvetan. 2002. Imperfect Garden. The Legacy of Humanism. Princeton, NJ: 
Princeton University Press. 

Verbeek, Peter Paul. 2011. Moralizing Technology: Understanding and Designing the 
Morality of Things. Chicago, IL: University of Chicago Press. 

Villiers de 1’Isle-Adam, Auguste. 1977. L ’ Eve future. Paris: José Corti. 

Virilio, Paul. 2002. Desert Screen: War at the Speed of Light. London: Continuum. 

Virno, Paolo. 2004. 4 Grammar of the Multitude. New York: Semiotext(e). 

Waal, Frans de. 1996. Good Natured. Cambridge, MA: Harvard University Press. 

Waal, Frans de. 2006. Primates and Philosophers. Princeton, NJ: Princeton University 
Press. 

Waal, Frans de. 2009. The Age of Empathy. New York: Three Rivers Press. 

Wadud, Amina. 1999. Qur an and Woman: Rereading the Sacred Text from a 
Woman ’s Perspective. Oxford: Oxford University Press. 

Walker, Alice. 1984. In Search of Our Mother ’s Gardens. London: Women’s Press. 

Ware, Vron. 1992. Beyond the Pale. White Women, Racism and History. London: 
Verso. 

Werbner, Pnina. 2006. Vernacular cosmopolitanism. Theory, Culture & Society, 23 (2— 
3), 496-8. 

Wernick, Andrew. 2006. University. Theory, Culture & Society, 23 (2-3), 557-79. 

West, Cornell. 1994. Prophetic Thought in Postmodern Times. Monroe, ME: Common 
Courage Press. 

Whimster, Sam. 2006. The human sciences. Theory, Culture & Society, 23 (2-3), 174- 
6. 

Wolfe, Cary (ed.) 2003. Zoontologies. The Question of the Animal. Minneapolis, MN: 
University of Minnesota Press. 

Wolfe, Cary. 2010a. Posthumanities. Available at: http:iwww. 
carywolfe.com/post_about.html (accessed 2 January 2012). 

Wolfe, Cary. 2010b. What is Posthumanism? Minneapolis, MN: University of 
Minnesota Press. 

Zylinska, Joanna. 2009. Bioethics in the Age of New Media. Boston, MA: MIT Press. 


26 


المؤلفة في سطور 

روزي بریدوني 

- باحثة أسترالية متخصصة ق الفلسفة اممعاصرة والنظرية النسوية. تتطرق إلى 
أحدث التساؤلات حول العلوم الاجتماعية المتعلقة بالنفس والجندر والطبيعة 
الإنسانية. 

- أستاذة جامعية ومديرة مركز العلوم الإنسانية في جامعة أوترخت. 

- لها العديد من الأبحاث والكتب التي تدور حول الذاتية (yا1۷مزطuء)‏ 
المعاصرة من منطلق مفهوم الاختلاف الذي هيز تاريخ الفلسفة الغربيةء متطرقة 
إلى سبل التفكير بإيجابية حول مفهوم هذا الاختلاف. تركز على الاختلاف 
الجنسي بدايةء بيد أنها تتطور في أبحاثها إلى الاختلاف بأنواعه الأخرى» مثل 
الاختلاف بين الإنسان والحيوانء أو بين الإنسان والآلة. وتطرح نظريات حول 
رؤى مغايرة للذاتية والأخلاق والحرية تركز على التنوع (yازء۷6نف)‏ كاختيار 
بديل له أن ينقذنا من النسبية الثقافية التي تميز نظريات ما بعد الحداثة ومن 


الليبرالية الفردية كذلك. 


المترجمة في سطور 

حنانل عبدالمحسن مظفر 

- نائبة رئيس الجامعة لشؤون الطلبة في الجامعة الأمريكية في الكويت. 

- عملت أستاذة مساعدة في قسم اللغة الإنجليزية» وقي قسم الدراسات العليا 
في جامعة الكويت قبل انضمامها للجامعة الأمريكية بالكويت أستاذة مساعدة 
ثم عميدة لشؤون الطلبةء ثم شغلت منصبها الحال. 


237 


- حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة إنديانا في بنسلفانيا. 
- لها أبحاث منشورة في مجال النقد الأدبي والأدب الأمريكي وترجمات في 
سلسلتی «عام المعرفة» و«إبداعات عاطية» التابعتين للمجلس الوطنى للثقافة 


والفنون والآداب» إضافة إلى عضويتها ف هيئة تحرير سلسلة «إبداعات عاطية». 


238 


سلسلة عالم المعرفة 


«عامم ا معرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر في مطلع كل شهر ميلادي عن اممجلس الوطني للثقافة 
والفنون والآداب - دولة الكويت - وقد صدر العدد الأول منها في شهر يناير من العام 1978. 

تهدف هذه السلسلة إلى تزويد القارئ مادة جيدة من الثقافة تغطي جميع فروع ال معرفةء 
وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية المعاصرة. ومن الموضوعات التي تعالجها تأليفا 
وترجمة: 

1 - الدراسات الإنسانية: تاريخ - فلسفة - أدب الرحلات - الدراسات الحضارية - تاريخ الأفكار. 

2 - العلوم الاجتماعية: اجتماع - اقتصاد - سياسة - علم نفس - جغرافيا - تخطيط - دراسات 
استراتيجية - مستقبليات. 

3 - الدراسات الأدبية واللغوية: الأدب العربي - الآداب العاطمية - علم اللغة. 

4 - الدراسات الفنية: علم الجمال وفلسفة الفن - اممسرح - الموسيقى - الفنون التشكيلية 
والفنون الشعبية. 

5 - الدراسات العلمية: تاريخ العلم وفلسفته»ء تبسيط العلوم الطبيعية (فيزياء 
كيمياء» علم الحياةء فلك) - الرياضيات التطبيقية (مع الاهتمام بالجوانب الإنسانية لهذه 
العلوم)ء والدراسات التكنولوجية. 

أما بالنسبة إلى نشر الأعمال الإبداعية - المترجمة أو المؤلفة - من شعر وقصة ومسرحيةء وكذلك 
الأعمال المتعلقة بشخصية واحدة بعينها فهذا أمر غير وارد في الوقت الحالي. 

وتحرص سلسلة «عام ال معرفة» على أن تكون الأعمال المترجمة حديثة النشر. 

وترحب السلسلة باقتراحات التأليف والترجمة المقدمة من المتخصصينء على ألا يزيد حجمها 
على 350 صفحة من القطع المتوسط. وأن تكون مصحوبة بنبذة وافية عن الكتاب وموضوعاته 
وأهميته ومدى جدته وف حالة الترجمة ترسل نسخة مصورة من الكتاب بلغته الأصلية كما ترفق 
مذكرة بالفكرة العامة للكتاب» وكذلك يجب أن تدون أرقام صفحات الكتاب الأصلي المقابلة للنص 
المترجم على جانب الصفحة المترجمةء والسلسلة لا يمكنها النظر في أي ترجمة ما م تكن 
مستوفية لهذا الشرط. واممجلس غير ملزم بإعادة المخطوطات والكتب الأجنبية في حالة الاعتذار عن 
عدم نشره. وفي جميع الحالات ينبغي إرفاق سيرة ذاتية مقترح الكتاب تتضمن البيانات الرئيسية 
عن نشاطه العلمي السابق. 

وفي حال الموافقة والتعاقد على الموضوع - الممؤلف أو المترجم _ تصرف مكافأة للمؤلف مقدارها 
ألفا دينار كويتيء وللمترجم مكافأة معدل ثلاثين فلسا عن الكلمة الواحدة في النص الأجنبي (وبحد أقصى 
مقداره لفان وخمسمائة دينار کویتي). 


239 


سعر النسخة 


الكويت ودول الخليج دینار کويتي 


الدول اة ما يعادل دولارا أمريكيا 
خارج الوطن العربي أربعة دولارات أمريكية 
الاشتراكات 

دولة الكويت 

للأفراد 5 

I5 للمؤسسات‎ 

دول الخليج 

للأفراد 7 د. ك 

للمؤسسات 0 د. ك 

ألدول العردة 

للأفراد 5 دولارا آمریکیا 
للمؤسسات 0 دولارا مریکیا 
خارج الوطن العرني 

للأفراد 0 دولارا آمریکیا 
للمؤسسات 0 دولار آمریکی 


تسدد الاشتراكات واممبيعات مقدما نقدا أو بشيك باسم المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب» مع مراعاة سداد عمولة البنك المحول عليه اممبلغ 
في الكويت» ويرسل إلينا بالبريد المسجل على العنوان التالي: 
اطمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب 23996 الصفاة - الرمزي البريدي 13100 
دولة الكويت 
بدالة: 22416006 (00965) 
داخلي: 116 1195/ 1194/ 1153/1193/ 1152 


241 


243 


6c gp <f (FÊ MER 2 rewo 
I Ire e cI I 5ç TTSLOSTI6FTOO * 
IO: fc = peq - € |e - ar 
€1 Imer rrr 6|m / L96OOSSSOPEI / L6OOESSOFTI 
z1 mg ge 0 I ECE 6r / 0L600008086TT / OL6OOSETPI6TT 
I1 If? E IER Ife ¬ SSSSES9/ T9600560F0TL6L / TI6OOSELLEES9 
wuo> xaw Deqsmoyuw toys] 

O1 me IgE Ire (EÇ TI66SSTTSTITOO ITE - rf e rr emelen - (iy ef 
6 ااا‎ Ise Imre / 91TOO66PTTETL / 9TTOOPOOETETL ıu wuodnmos@ssoıdnos 

196O009TES9T‏ / ا 
me? a E S1/ PIE9991 19600 woz qwunoydy paadsdo)‏ 8 

/ T96OO6STESIT 
2 00F908s Z000 
4 اسا‎ fry (o | 5 / TOTOOOPSTSLST 
S/PIEITI/OOLTSLST TOTOO 
9 f se <I IEE ¬ TP6ITIPP/ PL6OOTSITTIPF / FL6OOOOSTTIFF obowebasqpegebeqn 
۶ “Tre MM? frre (pen mE ~ SPLIGPFT = EG6TGPET/ 8960066EI6PPT / 8960000TE6FET wozooqeABDispeHe[e 
7 Rin se RID rere firr ER £/T/ TOSIT6EF L600 ¬ PSESI6EP/ TL6OOGTOST6EF 
€ ferên grr ÊS ¬ EELLI9LT/ £L6OOS9T9199E / SL6OOPPLLT9LT 
ج‎ \rrwécêy Ise cp Ef FIPIZSFIT99600 ¬ 99LITIT1/ 99600PLLTITI 
6 ıstprpnes@poeussapued 
9F: IEE az 
1 ga pve RK ITE /1/ OTSITSFT S9600 / S6OOSTSITSPT ADO ut 
mre EFT mf O Am < ıS“ If fs 
(SK: IEE pa - c6 |sfFn 
ANO EK? (EE 


نویه 
للاطلاع على قائمة كثب السلسلة انظطر عدد 


ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة, حيث ودد 
قائمة كاملة بأسماء الكثب المنشورة 
في السلنسلة مند ينابر 1978. 


يمكنكم الاشتراك والحصول على نسختكم الورقية من إصدارات المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والذداب من خلال الدخول إلى موقعنا الإلكتروني: 
https://www.nccal.gov.kw/#CouncilPublications‏ 


مؤسسة داخل الكويت 25 12 12 20 20 
أفراد داخل الكويت 15 6 6 10 10 
مؤسسات دول الخليج العري | 30 16 16 24 24 
أفراد دول الخليج العري 17 8 8 12 12 
مؤسسات خارج الوطن العري 100 50 40 100 100 
أفراد خارج الوطن العربي 50 25 20 50 50 
مؤسسات في الوطن العريي 50 30 20 50 50 
أفراد في الوطن العربي 25 15 10 25 25 


قسيمة اشتراك في إصدارات 
المجلس الوطني للثقافة والفنون والذداب 


الرجاء ملء البيانات في حالة رغبتكم ف: تسجيل اشتراك تجدید اشتراك LL‏ 
الاسم: 
العنوان: 
امدينة: الرمز البريدي: 
البلد: 
رقم الهاتف: 
البريد الإلكتروني: 
اسم المطبوعة: مدة الاشتراك: 
امبلغ المرسل: نقدا / شيك رقم: 
التوقيع: التاريخ: / / 20م 


ا مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - إدارة النشر والتوزيع - مراقبة التوزيع 
ص.ب: 23996 - الصفاة - الرمز البريدي 13100 
دولة الكويت 
245 


عددنا المقبل 


لماذا اللامساواة ذان أهمية؟ 


Why Does Inequality Matter? 


تأليف: تي. إم. سکانلون 
ترجمة: آشرف محمد کیلاني 
من المسلم به أن اللامساواة أمر تمجه النفس ويرفضه العقل. لكن المؤلف اختار 
أن ينظر فيما تحت هذه المسلمة ليفسر لنا أسباب هذا الرفض من منظور أخلاقي. في 
المقابل» يطرح الممؤلف أيضا مفهوم المساواة على طاولة النقاش؛ ويبين مدى تعارضه 
مع بعض القيم ذات الاعتبار كالحرية. 


247 


je 


2 


اا 


المجلس الو 
للنفافتء والفنون والآداب 


يركز هذا الكتاب على النقاش اممتمحور حول نظريات ما بعد الإنسان» فيكشف 
عن البنية غير الطبيعية للإنسان في زمن بدأت فيه الفروقات بين الإنسان واللاإنسان 


في الاضمحلال. ويبحث الكتاب مدى تأثير مرحلة ما بعد الإنسان ف الاعتقاد التقليدي 
بوحدة الكائن البشريء لكنه يرى في زعزعة تلك الوحدة مستقبلا ينبن بازدياد فهمنا 
لهوياتنا اممتغايرة وامرنة. كما يتطرق الكتاب إلى تأثير هذا الفكر قي الكائنات غير 
البشرية وف استدامة الحياة على هذا الكوكب؛ فبما أن الاقتصاد اممعاصر في حاجة 
إلى السيطرة على كل أنواع الحياةء فإن ذلك سيؤدي إلى محو الفروقات بين الإنسان 
والكائنات الأخرى ونقد اممركزية البشريةء بيد أنه يتركنا في حيرة حول تأثير ذلك في 
استدامة مستقبلنا. 

الكتاب موجه للقارئ العام» لكنه لا يخلو من التطرق إلى نظريات فلسفية 


مختصة نوعا ما. 


إصدارات امجلس متوافرة إلكترونيا على موقعنا: 
WWW. NCCAL. GOV. KW ٣ PUBLICATIONS‏ 


o0 
ر‎ 
ر‎ 
e 
1 
Oo 
1 
e 
ر(‎ 
O2 
O 
O» 
1 
oO 
KX 
O» 
2 
om 
»